مجلة (إن ذيس تايمز) تكشف تفاصيل مقتل مدنيين في غارة أمريكية في الصومال
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
نشرت مجلة (إن ذيس تايمز) الأمريكية مقالة بعنوان:”الغارات الأمريكية في الصومال أسفرت عن مقتل مدنيين اثنين”، للصحفية “أماندا سبيربر” تناولت فيها تفاصيل مقتل مدنيين خلال غارة مشتركة للقوات الأمريكية الخاصة والقوات الصومالية في ولاية شبيلي السفلى جنوب البلاد.
تفاصيل الهجوم
وافتتحت الصحفية مقالتها بشهادة خميس الذي تحدث عن تفاصيل اقتحام القوات الأمريكية الخاصة والقوات الصومالية المرافقة لها لمنطقته حيث “يتذكر علي خميس الرجال الثلاثة بوضوح. كانوا يرتدون الأقنعة والزي العسكري الرسمي باللون الأخضر الزيتوني. ولأن المصابيح الأمامية كان تسطع في عينيه، لم يكن بإمكانه تمييز وجوههم. وتحدث رجل منهم فيما يبدو باللغة الإنجليزية، وتحدث آخر باللغة الصومالية، والثالث كان المترجم. لقد كانوا جميعا مسلحين”.
“حطموا الباب المؤدي إلى منزل خميس في قرية “شانتا باراكو” في منطقة شبيلي السفلى في الصومال، وذلك في منتصف الليل بتفجير عبوة ناسفة على الباب الأول ثم بضرب الباب الثاني بركلتين. ثم أخذوا خميس مقنعًا ومكبل اليدين إلى منزل صهره. حيث كان هناك 12 شخصًا مصطفين”.
“ووجه الرجال المسلحون مصابيحهم إلى وجوه من في الصف لتنكشف ملامحها في الظلام. وسأل المتحدث الصومالي خميس عما إذا كان أيا منهم “عبد القادر صوفي” الذي يبحثون عنه، وكان صوفي الذي يُزعم أنه كيني-صومالي من مقاتلي حركة الشباب ” بحسب المجلة الأمريكية.
وفي منتصفه توقف الاستجواب بسبب الضجيج وأصوات الخطى لعشرات الجنود الآخرين الذين كانوا قد ذهبوا إلى القرية في تلك الليلة.
سمع خميس “توقف! توقف! ” باللغة الصومالية، ثم صوت باللغة الإنجليزية. ثم سمع كلمة “أطلق النار” باللغة الصومالية.
غادر اثنان من الثلاثة المنزل لمعرفة ما حدث. ثم رجعوا بعد دقائق لإنهاء الاستجواب على عجل. لم يكن صوفي هناك. ثم ضموا خميس إلى الصف وأحضروا رجلين آخرين للاستجواب.
عندما انتهى الأمر، رجع خميس لعائلته. كانت زوجته قد أصابها القيء من شدة القلق وابنه البالغ من العمر 7 سنوات قد توفي من الخوف.
استغرق خميس الذي يعد أحد زعماء القرية، بعض الوقت للتأكد من أن الجميع بخير في المكان الذي يضم حوالي 10 أسر، لكنه اكتشف أن أخته “واليو علي قاسم” مفقودة.
ثم عثر عليها فريق البحث بعد أقل من 10 دقائق ملقاة على جانب الطريق.
قال خميس: “بدا الأمر وكأنها نائمة”. هرع إليها. كان جسدها باردا بالفعل. لقد تم إطلاق النار عليها وماتت. ويبدو أن البندقية التي استعملت لقتلها كانت تحتوي كاتما للصوت.
أما الشاهد الوحيد على إطلاق النار وفق خميس، فكان صبيا في سن المراهقة. لم يسمح والد هذا الصبي له بإجراء مقابلة مع الصحافة، لكن خميس تحدث مع الصبي ووالده ليقص عليه ما يتذكره من أحداث تلك الليلة؛ فقال الصبي بأنه رأى “واليو” تخرج من منزلها وهي تصرخ مذعورة ثم سقطت على الأرض بعد أن أطلق عليها النار.
لم تكن “واليو” المقتولة الوحيدة في القرية في تلك الليلة. لقد قتل عبد القادر علي (في منتصف الثلاثينات من عمره) قُتل أيضا بالرصاص أثناء قيامه بدورية حراسة في المزرعة.
القوات الأمريكية تعترف بوجودها وقت الجريمة
من جانبها أكدت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية في إفريقيا (أفريكوم) أن قواتها كانت مع القوات الصومالية في 12 يوليو بالقرب من “شانتا باراكو”. وقال متحدث باسم القوات أنها كانت في مهمة “تقديم المشورة والمساعدة” و “لم تشارك في أي عمل مباشر من أي نوع” خلال هذه العملية.
ويجدر الإشارة إلى أن القوات الخاصة الأمريكية ترافقها في عملياتها قوات خاصة صومالية دربتها الولايات المتحدة، منذ عام 2013 وتسمى “داناب”.
وفي حين لم تستجب الحكومة الصومالية لطلبات الصحفية للتعليق بشأن سقوط ضحايا مدنيين. تقول أماندا سبيربر إلا أنه “يمكن الحصول على تقييم نادر للعمليات البرية الأمريكية في الصومال من خلال المقابلات المنفصلة التي أجريت مع أربعة من سكان شانتا باراكو في المنزل في ليلة 12 يوليو”.
المقابلات مع الشهود والقتلى مدنيين
فالمقابلات تمت مع “رحمة أبو بكر محمد” زوجة خميس والتي أخرجت من منزلها واحتُجزت تحت تهديد السلاح مع أطفالها، ومع “حسن” شقيق خميس الأصغر، الذي كان في الخارج يراقب أبقاره ثم هرب ليختبأ في قناة للري عندما شاهد سيارات برجال مسلحين تنسحب من المكان، وجميع المقابلات تؤكد رواية خميس من حيث توقيت الحدث وتفاصيله.
وقال محمد حسين عبد الله الملقب بـ “باري”، والذي كان مع علي عندما قُتل، بأن علي أصيب بالرصاص بعيدا عن قوات “داناب”. وأظهرت الصور التي حصلت عليها المجلة أن علي كان يمضغ القات عندما قتل – وهو نوع من المنبهات المدمنة قابلة للمضغ وهي ممنوعة من قبل حركة الشباب المجاهدين – مما يشير إلى أن علي كان مدنيًا بحسب ما أوضحت الصحفية.
لمحة تاريخية
وأدرجت المقالة لمحة عن تاريخ الدور الأمريكي في الصومال فجاء فيها: “حملت الولايات المتحدة قضية الصومال على كاهلها بعد معركة مقديشو عام 1993 (التي اشتهرت بكتاب وفيلم بلاك هوك داون) بعد عامين من الحرب الأهلية المعقدة في الصومال، وهو صراع مستمر اندلع على السلطة وبدأ بعد الإطاحة بالدكتاتور سياد بري عام 1991. ”
“وبعد أن شهدت البلاد سنوات من القتال الفوضوي، المدعوم من التحالفات العشائرية، بدأ صعود اتحاد المحاكم الإسلامية، وهو ائتلاف موحد للمحاكم الشرعية. حيث شكل اتحاد المحاكم الإسلامية حكومة منافسة في معارضة للحكومة الفيدرالية المدعومة دوليا”.
“وفي عام 2006، دفعت الولايات المتحدة إثيوبيا المجاورة لغزو الصومال بالوكالة وإسقاط المحاكم الإسلامية. وسارت الأمور بسرعة، إلا أن حركة الشباب المجاهدين تمكنت من إمساك زمام السلطة بعد زوال المحاكم الإسلامية”، بحسب ما أوضحت المقالة.
تناقضات أفريكوم
وسلطت الكاتبة الضوء على تناقضات أفريكوم حيث قالت: “بينما ذكرت أفريكوم مرارًا وتكرارًا لوسائل الإعلام أن جميع مهامها كانت بقيادة صومالية، فإن المحادثات مع مصادر في الحكومة الصومالية توضح أن الأميركيين – والتمويل الذي يجلبونه – يؤكد بأنهم اليد العليا”.
وفي إبريل / نيسان، أعلنت أفريكوم عن اعترافها الأول والوحيد بأن مدنيين إثنين قتلا في غاراتها في الصومال في عام 2018. وكانت أنكرت من قبل جميع الاتهامات بشأن قتلها مدنيين والتي وجهها لها الصحفيون الدوليون ومنظمة العفو الدولية، وذلك بعد أن خلصت تحقيقاتهم في خمسة غارات جوية أمريكية إلى أنها تسببت في مقتل ما لا يقل عن 14 مدنيا.
بدوره تحقيق ديلي بيست وجد “أدلة قوية” على أن الجنود الأمريكيين قتلوا 10 مدنيين في عملية مشتركة مع الجيش الصومالي في أغسطس 2017 في ولاية شبيلي السفلى عندما توغلوا في نزاع بين العشائر مع مترجم كان له تاريخ في التلاعب مع القوات الأمريكية. ولا يزال التحقيق مستمرا بشأن هذه القضية في الولايات المتحدة.
وضربت المقالة مثالا آخر حين داهمت القوات الأمريكية الخاصة رفقة قوات داناب الصومالية في سبتمبر 2018، داهمت بطريق الخطأ ملكية خاصة معروفة للرئيس الصومالي السابق. وقالت صحيفة الجارديان البريطانية حينها أن الأمريكيين كانوا يعتمدون على معلومات استخباراتية خاطئة.
اتهامات للمترجمين الصوماليين
ونقلت المقالة قول عبد السلام جوليد، نائب مدير وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية الصومالية (نيسا) في الفترة من 2013 إلى 2017 حيث قال: “يتعين على الوكالات الدولية والحكومات أن تتوخى الحذر من مترجميها الصوماليين، حيث من المحتمل أن تسبب لهم الترجمات المشاكل”.
وأضاف: “ويرجع ذلك إلى تعارض السياسات بين العشائر والصراع مع كل الأسلاك في الصومال، وهناك دائمًا احتمال أن يقوم شخص ما بترجمة أمر معين باللغة الإنجليزية إلى شيء آخر. أيضًا، يمكن لأعضاء البرلمان الفيدراليين، وكذلك السياسيين الإقليميين، إساءة استخدام وضعهم في السلطة للتأثير على المترجمين. يجب على الأجانب التحقق من مصادر استخباراتهم وترجماتهم مرتين وثلاث مرات قبل أن يقرروا أي قرار لتقليل الخسارات”.
ورأت الصحفية أن الحديث عن الترجمة قد يكون مفتاح قضية القتل في قرية خميس. حيث سمع خميس كلاما باللغة الإنجليزية قبل الصومالية مباشرة. وهذا يطرح سؤالاً: هل قال جندي أمريكي للصومالي “أطلق النار”؟ وإلا فكيف ترجم جندي الداناب ما قاله الجندي الأمريكي!
اتهامات للقوات الأمريكية وداناب
وأوضحت المقالة أن ارتفاع عمليات القوات الأمريكية الخاصة رفقة قوات داناب في ولاية شبيلي السفلى، جعل من القوتين موضع اتهامات بشكل متزايد نظرا للخسائر المدنية والاعتقالات التعسفية التي رافقتها بشكل تصاعدي.
حيث سجل “مهد دوري”، عضو نائب في البرلمان في ماركا، وهي بلدة رئيسية في ولاية شبيلي السفلى، سجل ستة حوادث قتل فيها مدنيون ودمرت ممتلكاتهم منذ 4 أبريل / نيسان.
وقال مهد: “لقد سئم الناس من الأميركيين وداناب” ، وأضاف: “إنهم يقتلون بدون أدنى سبب، إنهم يعتقلون بدون أدنى سبب “.
ووفقا لمهد، فإن السكان يتصلون به بعد الغارات للإبلاغ عما حدث. وقال بأنه زار السجون والقرى لرؤية الجثث والممتلكات التالفة. مما دفعه لإرسال رسالة إلى موظف صومالي في السفارة الأمريكية في نيروبي.
ولدى مهد أيضًا صورًا لأحداث الانفجارات التي جمعها من القرى وهي الانفجارات التي نفذتها شركة “كومبايند سيستم” ومقرها في ولاية بنسلفانيا.
صورة لآثار متفجرات شركة “كومبايند سيستم” التي عثر عليها مهد دوري بعد غارة أمريكية في شبيلي السفلى
مهد أخبر مفوضية الشرطة في شبيلي السفلى بما يجري، لكنه يقول إن الحكومة الصومالية في مقديشو “ليست مستعدة للاستماع”.
وقام مهد أيضا بجمع مادة “الانفجار السريع” التي صنعتها شركة “كومبايند سيستم” من قرية في ولاية شبيلي السفلى بعد غارة أمريكية تسببت بتدمير الممتلكات.
ملاحقة الجناة
وبعد سرد هذه التفاصيل رجعت الصحفية لقصة خميس، لتصف جهوده في ملاحقة القتلة، حيث قالت: “بعد فجر يوم 13 يوليو، استقل خميس مع شقيقته الكبرى “حمسة”، وابن أخته المقتولة محمد حسين البالغ من العمر 22 عامًا، استقلوا جميعا حافلة صغيرة إلى العاصمة مقديشو بعد أن تمت إزالة المقاعد الخلفية لإفساح المجال لنقل جثتي واليو وعلي”.
“كانت محطتهم الأولى إدارة التحقيقات الجنائية، حيث أخبروا الضابط هناك أن القوات الخاصة في سيارات مدرعة قتلت مدنيين في قريتهم في الليلة السابقة”.
قال خميس بأنه تحدث إلى رجل قام بتسجيل أقواله، وأخذ صوراً للجثث وكتب رسالة إلى المستشفى، وطلب تأكيد وفاة الاثنين متأثرين بجراحهما. وأضاف خميس: “لم تبدي إدارة البحث الجنائي اهتماما بالأمر، سواء قتل الناس أو قطع العشب. لقد كان الأمر سواء بالنسبة لهم “.
واستلم خميس شهادات الوفاة وعاد بالأسرة إلى منزلهم لدفن الجثث.
لكن خميس كان غاضبًا كونه لم يتمكن من محاسبة قاتلي أخته كما أنه لم يتلقى أي تواصل من إدارة البحث الجنائي.
مسؤولية الأمريكيين
من جانبه قال دانييل ماهانتي، مدير البرنامج الأمريكي غير الربحي للمدنيين في الصراع، أنه إذا انخرطت الولايات المتحدة على الأرض، فإنها تتحمل مسؤولية ضمان وجود أنظمة للإبلاغ عن تضرر المدنيين خاصة في مكان مثل الصومال حيث الحكومة ونظام العدالة بالكاد موجودين.
وقال: ” بشكل خاص في الصومال يمكن القول أن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية أكبر بالنظر إلى دورها في تطوير قدرات قوات الأمن الجديدة.”
حكومة لا تمتلك نفوذا
وأشارت المقالة إلى أن وزارة الدفاع الصومالية لا تمتلك نفوذا ولا معلومات كافية بشأن قوات داناب التابعة للولايات المتحدة.
ونقلت المقالة تصريح عضو في البرلمان طلب عدم الكشف عن هويته يؤكد على أن لجنة الدفاع البرلمانية لم يتم إخبارها – حتى بعد وقوعها – بشأن العمليات. وقال: “بعد كل عملية ، كان من المفترض أن نكون على دراية بالخسائر المدنية ، لكننا لم نحصل مطلقًا على تفاصيل الخسائر البشرية”.
وقال ماهانتي: “تساعد معلومات الأشخاص الذين يشهدون هذه الأنواع من العمليات في فهم ما يحدث على الأرض وكيف يمكن أن تؤثر على المجتمعات الصومالية”. وأضاف: “هناك نقص في المعلومات حول عمليات محددة والتكتيكات المستخدمة.”
حقوق ضائعة
في اليوم التالي للدفن ومع عدم وجود أي رد من إدارة البحث الجنائي، نقل خميس قصته إلى رئيس مزارعي شبيلى السفلى ويدعى حسن برخادلي. وحضر كلاهما اجتماعًا بعد ظهر ذلك اليوم مع عضو البرلمان في مقديشو في مطعم بالقرب من الشاطئ.
ووفق خميس، كان اجتماعا مزدحما، حيث حضر أكثر من 70 شخصًا يشتكون جميعا من الأميركيين وقوات داناب إلى نواب البرلمان، وعندما عرض على النواب صور أخته وجارته، قاموا بتمرير الصور عبر الطاولة، دون الرغبة في لمس الوثائق أو الاعتراف بها.
وقال خميس إن اللقاء كان “محبطًا” وأنه شعر بلا مبالاة النواب. وقال أن الأسابيع التي قضاها في طلب الإقرار الرسمي بالحادث كانت “مجنونة” حيث لم يبد أحد من ممثلي الحكومة اهتماما بالاتهامات الشرعية من قبل “الناخبين الصوماليين” حين وجهت هذه الاتهامات للقوات التي دربها الأمريكيون.
وخلصت المقالة إلى أن قتل المدنيين على أيدي القوات الأمريكية أو قوات داناب التي تخدم تحت إداراتها لا يثير اهتمام الحكومة الصومالية العاجزة، لكنه يكشف النقاب عن تجاهل واشنطن لخسائر المدنيين البشرية والمادية في الصومال خلال عملياتها، وهكذا تضيع حقوق هؤلاء المدنيين.
لتحميل التقرير 🔻🔻🔻
[download id=”4451″]