ثورة السودان تنتصر على البشير وتحديات لا زالت في الطريق
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
أثمر استمرار الثورة السودانية ثابتة على مطلب “تسقط بس” وضرورة تنحي النظام السوداني بكافة مكوناته، على هزيمة مفاجئة لعمر البشير رغم كل التهديدات والإجراءات الاحترازية التي وظّفها في سبيل بقائه في كرسي الحكم.
فمنذ 19 ديسمبر / كانون الأول الماضي، خرج السودانيون يحتجون على ارتفاع الأسعار وسوء الظروف المعيشية في البلاد، ولكن ما لبثت احتجاجاتهم أن تحولت سريعًا إلى مطالبة برحيل النظام ورئيسه.
وقد تميزت هذه الثورة بتنظيم قوي واستمرارية رغم العقبات التي وضعها البشير في طريقها، ويُرجع المراقبون هذا النظام لكفاءة “تجمع المهنيين السودانيين” المتحالف مع أحزاب معارضة. حيث سهر على تحديد مواعيد الاحتجاجات ومواقعها وتوجيه الجماهير وتحريضهم على الاستمرار بنظام حتى تحقيق جميع مطالب الثورة.
كما يرى مراقبون أن اختيار الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم كانت بمثابة الضربة القاضية لحكم البشير وهو الاعتصام الذي تزامن وذكرى انتفاضة السادس من أبريل / نيسان الشهيرة التي أطاحت بالرئيس الأسبق جعفر نميري عام 1985 بعد حكمه للبلاد 16 عامًا.
في حين يرى مراقبون أن نجاح الجزائريين في ثورتهم أيضا بتنحية الرئيس الجزائري بوتفليقة شجع ثورة السودان لمواصلة مطالبها بإصرار أكبر.
وهكذا انتصر السودانيون الثائرون على عمر البشير الذي كان يصفهم بـ “الخونة والعملاء”.
ويجدر الإشارة إلى تجاوب الجيش السوداني مع مطالب الشعب المعتصم أمام مبنى قيادته الرئيسي في العاصمة الخرطوم حيث سجلت العدسات تصدي بعض عناصر الجيش لاعتداءات قوات الأمن التي حاولت فض الاعتصام بالقوة.
بيان عزل البشير
وكان أول إعلان عن تنحية البشير واعتقاله في بيان وزير الدفاع السوداني على التلفزيون الرسمي للبلاد.
في حين أكدت مصادر سودانية أن الجيش اعتقل أيضًا رئيس حزب المؤتمر الوطني أحمد هارون، والنائب السابق للبشير، علي عثمان طه، ووزير الطاقة عوض الجاز، ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين.
وأعلن الوزير عوض محمد أحمد بن عوف تعطيل الدستور وإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة شهور وتشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان تجرى في نهايتها انتخابات.
كما أعلن عن إغلاق المجال الجوي لمدة 24 ساعة وإغلاق المعابر الحدودية لحين إشعار آخر، وكذلك حل المجلس الوطني ومجالس الولايات.
كذلك أعلن وزير الدفاع وقف إطلاق النار الشامل في جميع أنحاء البلاد وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين فورًا.
وقال ابن عوف: “اللجنة الأمنية العليا تعلن اقتلاع النظام السوداني والتحفظ على رأسه”، في إشارة إلى عناد البشير ورفضه للتنحي وإصراره على استعمال القوة لإنهاء الثورة.
وجاء في البيان” لقد ظلت اللجنة الأمنية العليا المكونة من القوات المسلحة وقوات الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات وقوات الدعم السريع، تتابع ومنذ فترة طويلة ما يجري بمؤسسات الحكم بالدولة، من سوء الإدارة، وفساد في النظم، وغياب عـــــدلي في المعـــاملات، وانسداد للأفق أمــــام كــل الشعب، خاصةً الشباب، فـزاد الفقـير فقـراً، وزاد الغني غـــنى، وانعـدم حتى الأمل في تسـاوي الفرص لأبناء الشعب الواحد وقطاعاته المختلفة وعاش أفراد تلك المنظومة الأمنية ما عاشه فقراء الشعب وعامته رغم تعدد وتنوع الموارد التي تجود بها بلادنا، ورغم تلك المعاناة والظلم البائن والوعود الكاذبة فقد كان صبر أهل السودان فوق تحمل البشر، إلا أن هذا الشعب كـــان مسامحاً وكريماً.”
وأضاف: “ورغم ما أصاب المنطقة وبعض الدول، فقد تخطى شعبنا تلك المراحل بمهارة وحكمة أبعدت عنه التفكك والتشرذم والفوضى والانزلاق إلى المجهول إلا أن شبابه خرج في تظاهر سلمي عبرت عنه شعاراته منذ 19 ديسمبر 2018م حتى الآن، حيث الأزمات المتنوعة والمتكررة والاحتياجات المعيشية والخدمات الضرورية، وذلك لم ينبه النظام بل ظل يردد الاعترافات المضللة والوعود الكاذبة ويصر على المعالجة الأمنية دون غيرها”.
تأخر ملحوظ
ويجدر الإشارة إلى أن بيان الجيش قد تأخر كثيرًا بعد الإعلان عن قرب صدوره، مما دفع بالتحليلات لتقديم تفسير لهذا التأخير وكانت أغلبها تتحدث عن خشية الجيش من رفض الشعب السوداني لوزير الدفاع ابن عوف – المقرب من البشير- خاصة وقد أعلنت المعارضة رفضها لأي رمز من رموز نظام البشير، بينما رجح مراقبون التأخير لاختلاف في هيئة قيادة الجيش بشأن رئاسة المجلس العسكري وأعضائه.
أول رد دولي
وكان أول رد دولي على تنحية البشير من روسيا حيث أكد الكرملين بأن موسكو تراقب الوضع في السودان عن كثب، وتأمل في عدم حدوث أي تصعيد. وأضافت رئاسة روسيا: “موسكو تأمل في بقاء العلاقات الروسية السودانية ثابتة في سياسة السودان الخارجية”، مضيفة: “ما يجري في السودان شأن داخلي ونأمل بعودة الأوضاع إلى الأطر الدستورية”.
من جانبه أعلن رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، رفضه لأي سيناريو لتغيير السلطة في السودان بطريقة غير دستورية. وقال في تغريدة على حاسبه في “تويتر”: “في السودان حصل انقلاب عسكري، لا أستطيع أن أحكم من على حق ومن ليس على حق هناك. أريد أن أذكر بموقفي المبدئي المتمثل في رفض سيناريوهات التغيير غير الدستوري للسلطة”، حسبما نقلت الصحافة الروسية.
في حين صدرت تصريحات روسية تؤكد أن أي نظام حكم سيتسلم قيادة السودان سيبحث عن توطيد العلاقات مع روسيا.
رفض قاطع لبيان الجيش ومواصلة الثورة
وكان رد ثورة السوادن على بيان الجيش يلخصه بيان أصدره تجمع المهنيين السودانيين وتحالفات المعارضة تحت اسم “قوى إعلان الحرية والتغيير”، جاء فيه إن “سلطات النظام نفذت انقلابًا عسكريًا تعيد به إنتاج ذات الوجوه والمؤسسات التي ثار شعبنا العظيم عليها”. وأضاف: “يسعى من دمروا البلاد وقتلوا شعبها أن يسرقوا كل قطرة دم وعرق سكبها الشعب السوداني العظيم في ثورته التي زلزلت عرش الطغيان”.
ورفض التجمع”ما ورد في بيان انقلابيي النظام ” كما وجه دعوة جاء فيها: “ندعو شعبنا العظيم للمحافظة على اعتصامه الباسل أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة وفي بقية الأقاليم وللبقاء في الشوارع في كل مدن السودان مستمسكين بالميادين والطرقات التي حررناها عنوة واقتداراً حتى تسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية تعبر عن قوى الثورة. هذا هو القول الفصل وموعدنا الشوارع التي لا تخون”.
ونقلت مصادر عن التجمع قوله: “ندعو الثوار لمواصلة الاعتصام… بيان ابن عوف استنساخ جديد لنظام الإنقاذ…انرفض البيان بصورة كاملة”.
وأعلن رئيس حزب المؤتمر السوداني المعارض عمر الدقير علن “استمرار الاعتصام حتى تحقيق المطالب المشروعة للثورة”.
ويصر التجمع والقوى المتحالفة معه على أنه “لا حلَّ للأزمة سوى بتسليم السلطة لحكومة مدنية، يتم التوافق عليها وفق ميثاق إعلان الحرية والتغيير”.
ويبقى التحدي الأكبر أمام مسيرة الثورة السودانية الناجحة هو السيناريو الذي أجهض ثورة مصر بعد انقلاب العسكر .
ويبدو أن ثورة السودان ستتجاوز هذه العقبة وهو ما تعكسه درجة وعي الثوار السودانيين في بيان رفضهم للقرارات المعلنة على لسان وزير الدفاع.