تصحيح مغالطات في دراسة مقارنة بين “جهاز الأمن والاستخبارات لـحركة شباب الصومال والوكالة الوطنِية للاستخبارات والأمن لحكومة الصومال”
هذا المقال بعنوان تصحيح مغالطات في دراسة مقارنة بين “جهاز الأمن والاستخبارات لـحركة شباب الصومال والوكالة الوطنِية للاستخبارات والأمن لحكومة الصومال” للكاتب عبد العزيز أحمد.
نشر مركز خطابي للدراسات، ترجمة لمقارنة بين “جهاز الأمن والاستخبارات لـحركة شباب الصومال والوكالة الوطنِية للاستخبارات والأمن لحكومة الصومال”، نشرتها المجلة الدولية للاستخبارات ومكافحة التجسس.
ومع كون المقارنة سلطت الضوء على فوارق صارخة بين الجهازين الأمنيين لطرفي صراع ممتد في الصومال إلا أنها وقعت في مغالطات تفرضها العقلية الغربية في قراءة الواقع الإسلامي وللأسف تقوم مراكز الدراسات العربية بتقديم خدمة ثمينة لمراكز البحث الغربية بتوفير ترجمات كاملة لتقاريرهم ودراساتهم بدون أدنى نقد أو مراجعة فاحصة لتمحيص الأخطاء التي تنتقل مع هذه الترجمات، ويعتقد البعض أن هذه الدراسات مراجع دقيقة يمكن الاعتماد عليها بينما ما تفعله هذه الترجمات هو تمكين الغرب من الوصول للمسلمين بلغتهم وبث أفكارهم المسمومة بينهم فتبنى التصورات الخاطئة والمجحفة ويستمر التيه والوعي المضطرب بواقع الأمة المسلمة.
بل إن هذه الدراسات تشوه صورة الإسلام وشرعية قضايا المسلمين وتخفي الكثير من الحقائق التي ينقلها العقل الغربي لنا بسوء فهمه لهذا الدين كطرف يسعى لتقويض فرص صعود المسلمين.
مقدمة المقارنة
جاء في المقارنة بحسب الترجمة “يقارن الكاتبان بين الأمنيات ووحدة أمن الحكومة الصومالية، والوكالة الوطنية للمخابرات والأمن (NISA) وفي البداية نعرض نبذة عن تاريخ حركة الشباب لفهم نشأة الحركة وارتباط عودة ظهور الجماعة بعمل الأمنيات. ثم نحلل قدرات وإمكانيات أجهزة استخبارات حركة الشباب وحكومة الصومال الاتحادية، ونوضح التشابه والاختلاف بينهم، وتوفير حركة الشباب الأمن لأهل الصومال الذين يعيشون بمناطقها، والاحترام الذي يكنِّه له أهالي المناطق التي تسيطر عليها، لإجادتها إدارة قواتها، وجهاز الأمنيات، في حين تعاني الوكالة الوطنية NISA من نفس المشكلات التي كان يعاني منها نظام سياد بري، مثل الافتقار إلى الشفافية، والانغماس في العملية السياسية، والاشتراك في أعمال غير قانونية، وهناك فساد وضعف في التنسيق بين أجهزة الاستخبارات المحلية وقوات الشرطة، ولقد أدركت حكومة الصومال الفيدرالية FGS مدى فساد أنظمة الأمن، واعتمادها على النظام القَبَلي، فلا يزال الوضع القَبَلي هو السائد، بل وازداد وطأة بمرور الوقت.
أما حركة الشباب وعملها الاستخباري فبات أقوى من جهاز الأمن والاستخبارات الوطني بسبب توحيد الهيكل الأمني ومركزيته، في حين أن بناء أنظمة أمنية تستمر على المدى الطويل في دول فاسدة أمر صعب، ويساعد الأمن والاستقرار في المجتمعات التي مزَّقَتها الحروب عمل تنمية مستدامة، ومن دون هذين العاملين يستحيل تحقيق أي تنمية، ودفع المجتمع الدولي مبالغ طائلة من المال في التوريق وبناء الدولة في الصومال؛ مع المساعدة الدبلوماسية والسياسية والتقنية، ومع ذلك، فإن مؤسسات الدولة التي أعيد بناؤها حديثاً لا تزال غير قادرة على تأمين السلام في البلد. ونرى الترابط بين الأوضاع المحلية والدولية لأن حكومة الصومال الاتحادية تعتمد على الأموال من المانحين الدوليين في عملها وتتأثر والوكالة الوطنية للاستخبارات والأمن (NISA) بمن يحكم البلاد حاليًا. بينما تظهر كفاءة وعمل جهاز أمنيات حركة الشباب بسبب عدم التدخل الأجنبي في الحركة والإدارة المركزية.
لم يُبحث الهيكل الأمني باستفاضة؛ ومع ذلك، فإن جهاز الأمنيات هو من أهم مكونات الصراع بين حركة الشباب والحكومة الصومالية”.
وبحسب الترجمة: “تبدأ هذه الدراسة بتاريخ حركة الشباب كمقدمة لفهم بداية الحركة وكيف ارتبطت قوتها بذكاء وإدارة جهاز الأمنيات، ثم تقدم تحليلاً يقارن بين جهاز الأمنيات وجهاز الأمن بالحكومة الصومالية. والعلاقة بين الأمن والاستخبارات في الصومال لها أهمية استراتيجية لأن هذين المجالين تتنازع فيهما الدول والجماعات، وأولوية حركة الشباب هي تثبيت سلطتها والتخلص من خصومها السياسيين، أما حكومة الصومال الفيدرالية فأولويتها محاربة حركة الشباب وتوسيع سيطرتها”.
“تعتمد الدراسة نهجًا بحثيًا نوعيًا وتستند إلى تطبيق مختلف أساليب البحث، بما في ذلك دراسة تقارير الأمم المتحدة (UN) والمقابلات الميدانية التي أجريت في مقديشو وتحليلات محتوى الوثائق للأعمال الأكاديمية والمجلات المفتوحة المصدر. كما تم تحليل المقالات الإعلامية لفهم الوضع العام على ما في هذه المقالات من عيوب، حيث أنها تكون مُوجَّهَةً لجهة مُعيَّنَة والفكرة فيها ناقصة، ويهدف المقال إلى نقاش بعض الأحداث العامة عن الإرهاب والاستخبارات والدراسات الأمنية في أحداث الصومال”.
” تُهدد حركة الشباب الآن القارة الأفريقية وأوروبا أيضاً. لذا تشترك بعض الجهات الدولية والإقليمية في وضع الصومال، وهذه المشاركة تحتاج لنهج حديث لمواجهة الوضع هناك. وعلى رأس الأولويات قطاع الأمن، فتحليل عمليات جهاز الأمنيات والوكالة الوطنية للاستخبارات والأمن يساعدنا على فهم الصراع في البلد. “
مقدمة تاريخية عن حركة الشباب
تنتقل الدراسة بعد ذلك لعرض ما وصفته بمقدمة تاريخية عن حركة الشباب حيث تقول فيها: “تعتبر الصومال واحدة من أفقر البلدان في العالم، وتشهد في نفس الوقت اشتباكات بين
الجماعات المسلحة في العقود الأخيرة، وطمع تنظيم القاعدة في استغلال فراغ السلطة
بعد سقوط سياد بري في أوائل التسعينيات، فسلّح الاتحاد الإسلامي وموله، بهدف إقامة
دولة إسلامية في القرن الأفريقي، ثم انقسم الاتحاد الإسلامي بداية القرن الحادي
والعشرين، حيث أرادت بعض الحمائم فيه إنشاء جبهة سياسية، بينما كان الأعضاء الأصغر
والأكثر تمسكاً يريدون إقامة الشريعة بـ«الصومال الكبرى». وانضموا إلى اتحاد المحاكم
الإسلامية، وتحولت الجماعة إلى حركة قومية إسلامية قاومت الاحتلال العسكري الأثيوبي
لجنوب الصومال بحلول كانون الأول / ديسمبر 2006 . “
“دعم أهل الصومال والشتات الصومالي اتحاد المحاكم الإسلامية بجمع المعلومات
الاستخبارية عن تحرك القوات الإثيوبية وبالمساعدة المالية للاتحاد، بالإضافة للمقاتلين
الأجانب الجهاديين الذين انضموا لهم. ودعم حركة الشباب أيضاً أشخاص ملتزمون من
العالم الإسلامي، وزادت أعداد أفراد الحركة. وأعلنت حركة الشباب تبعيتها للقاعدة في
2012، واستفادت بالتأكيد من علاقاتها العامة ومعرفة مستشاريها في السنوات السابقة،
ونجحت الحركة الجهادية في السيطرة على المنطقة الجنوبية والوسطى من الصومال
وصدت الحكومة الاتحادية الانتقالية (TFG) وقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية (ENDE) وقوات حفظ السلام من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AMISOM) في العاصمة مقديشو، ثم ذاع صيت حركة الشباب عالمياً وأصبحت أقوى يوماً بعد يوم إلا أن حركة الشباب واجهت صعوبات جمة في الفترة بين عامي 2008 و2011، ولم تتمكن من طرد الحكومة الاتحادية الانتقالية أو قوات حفظ السلام من مقديشو، علاوة على ذلك، تراجعت الحركة عسكرياً بسبب امتلاك قوات الاتحاد الأفريقي لأسلحة أكثر تطوراً منها”.
إلى هنا لا تقدم الدراسة أكثر من معلومات عامة توجد في أغلب التقارير وإن كان ينقصها بعض العمق والتفاصيل والإيضاح.
لكن المشكلة في هذه الدراسة هي نقل الرواية الغربية لتفاصيل هذا التاريخ حيث تقول الدراسة: “كما وانفضت القبائل عن حركة الشباب، بعد سقوط أعداد كبيرة من القتلى، حيث اعتبروها سبب البلاء. وابتعد أكثر المجتمع الصومالي عن الحركة”.
لو أجرينا مقارنة لعدد قتلى الصوماليين على يد القوات الإثيوبية والتحالف الدولي بما فيه هجمات الاتحاد الإفريقي والقصوفات الأمريكية لما كان هناك وجه للمقارنة بين قتلى حركة الشباب وقتلاهم، وقد عرفت البلاد الاستقرار المنشود خلال حكم اتحاد المحاكم الإسلامية لكن الغرب لم يرق له هذا الأمن والاستقرار، فأرسل الجيش الإثيوبي ليعيث في الأرض فسادا ولا تزال الذكريات الدامية لهذا الغزو في ذاكرة الصوماليين. لقد اغتصب الأحباش نساء مسنات في سن التسعين بلا أدنى رحمة.
والشعب الصومالي يعلم جيدا خسائره من هذا العدوان الخارجي لكن الغرب يصور دائما الطرف المقاوم كمجرم وظالم ويصور نفسه كمنقذ وحكيم رحيم بالشعب الذي احتل بلاده وهيمن على منظومات حياته ويحاول فرض حكمه عليه، ولابد من التنبيه على أن حركة الشباب المجاهدين ولدت من رحم الأمة الصومالية والتجنيد فيها يأتي من أبناء الصومال، فهي ليس حركة طفرة في التاريخ الصومالي بل هي جزء من تاريخ متكرر منذ أيام الإمام أحمد جوري فاتح الحبشة وعصر الدروايش، حيث يرفض الصوماليون التعايش مع الاحتلال، كما هو حال كل الشعوب الطبيعية.
أضف لذلك أكدت دراسة نشرها مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت، حقيقة دقة عمليات الحركة حيث عرض فيها جيسن وارنر وإيلين شابن نتائج بحثهما الذي حمل عنوان، “الإرهاب المستهدف: الاستشهاديين في حركة الشباب المجاهدين”.
وأكدت هذه النتائج على أن المتابعة والتحاليل الخاصة بالمعلومات التي جمعت حول العمليات الاستشهادية تبين بأن جهود العمليات الاستشهادية لحركة الشباب المجاهدين، تُظهر بأنها مخططة بشكل تكتيكي لاستهداف وتفكيك مؤسسات عدو خاص بعينه، وخاصة الأعضاء التابعين له، وليست لإثارة الصدمة واستهداف المدنيين. من جهة أخرى تضيف الدراسة بأنه يبدوا واضحا أن العمليات الاستشهادية لحركة الشباب المجاهدين لا تستهدف المدنيين غير المقاتلين بشكل عشوائي.
نعود لدراسة المقارنة التي تقول عن ما تزعمه “انتفاض القبائل” الذي لم يثبت. فلا يعقل أن تتمكن الحركة من بسط نفوذها في كل مساحات سيطرتها الشاسعة بدون بيعات القبائل التي تجند أبنائها في صفوفها، تقول الدراسة “ويرجع ذلك إلى تشدد الحركة بفهمها للشريعة وزيادة الخوف منها”.
هنا يشعر الباحث المسلم بقيمة الدراسات التي يقوم عليها مسلمون فالغرب يرى تطبيق الحدود في الشريعة تشددا ووحشية. وحركة الشباب تقيم حد السرقة وحد الزنا وجميع حدود الشريعة. وعند هؤلاء تطبيق الحدود يعد تشددا وهي التهمة التي تكررها جميع المواقع العربية وتساهم في نشرها بسطحية وتبعية مؤسفة، فالغرب لن يرضى عن الإسلام وعن شرائعه ولن يقبل إلا نسخة على الأهواء الأمريكية، ذليلة تقبل العيش تحت هيمنته، ولا يكون ذلك إلا بإقصاء أهم أحكام الإسلام وشعائره واختزاله في المظاهر الشكلية للتدين.
ومن السطحية في هذه المقارنة، طريقة تناولها لحقبة الخلافات الداخلية التي شهدتها الحركة في عام 2013 والتي تختزلها المقارنة في أنها خلافات بين أمير حركة الشباب “أحمد جودان ومنافسيه”، وتختزلها في اتهام أمير حركة الشباب ب”مخالفة منهج الحركة مذ فبراير 2011″،
وتقدم مثالا على ذلك ما تصفه “إعدام الحركة مسلمين دون محاكمة” وكأن الغرب يقتل المسلمين بمحاكمات، وما تصفه ب”أخطاء استراتيجية، فدخلت في معارك ضد جماعة أهل السنة والجماعة، وهم صوفيون معتدلون”.
ويكفيك من وصف الصوفية كمعتدلين لفهم بناء كل هذه المقارنة وكيف ينظر الغرب للواقع الإسلامي، لقد أثارت عدة تقارير ما جرى في حقبة الخلافات التي شهدتها الحركة وقد تبين أنها نتيجة محاولة الاستخبارات الغربية شق صف القيادة وصناعة الانقسام فيها، وقد تورط في هذه المرحلة مخبرون وعملاء استخبارات، وانتهت بحسم الحركة للفتنة التي لم يكن لها من هدف إلا القضاء على الحركة الجهادية العصية بصناعة حركتين في أرض واحدة تتنازعان الأمر. ومعلوم بفقه الشريعة الحكم في من أراد شق صف الجماعة الواحدة ونازع الملك في وقت حرب على المسلمين ووحدة صف، وقد فشل الغرب في نهاية المطاف في تفكيك الحركة.
ولكن الغرب استغل الوضع لاتهام أمير حركة الشباب ومؤسسها الذي يعلم جنوده حجم تضحياته في تأسيس حركة بمثل الحركة وإنجازاتها وتماسكها، واتهمه بالاستبداد والبراغماتية والوحشية كل ذلك لتبرير فشل خطته في تفكيك الحركة التي لا تغيب عن باحث في كواليس التقارير الغربية.
ويكفي للدلالة على أحد أهم إنجازات أمير الحركة التي حفظت وحدة صفوف الحركة وتصدت لمحاولات الانقسام فيها، ما تسرده المقارنة بعد ذلك بحسب الترجمة حيث جاء فيها: “استخدمت الحركة تكتيكات حرب العصابات بعد الانسحاب من المدن مع العبوات المفخخة والقنابل اليدوية وهجمات الكر والفر والهجمات الاستشهادية، وبهذا التكتيك حققت الحركة أهدافها، وحددت أنسب الأوقات لمهاجمة أعدائها دون تكبد خسائر كبيرة”.
ثم تضيف المقارنة بعد الإشارة لمقتل أمير الحركة الشيخ مختار أبو الزبير في قصف أمريكي في 1 سبتمبر 2014، “واعتقد أعداء الحركة أن مقتل جودان سيمهد الطريق للصراع على إمارة الحركة، وقد يُقسم الحركة أو يُضعفها وينهيها، إلا أن خليفة جودان، أحمد عمر، أحكم قبضته على قيادة حركة الشباب مما وحد الحركة ضد أعدائها”.
وفي الواقع لقد كانت الحركة قوية متماسكة موحدة منذ عصر أميرها الشيخ أبو الزبير إلى أن انتقل الحكم وفق نظام إسلامي من الشورى إلى خليفته. وهذا يكفي لتبيان درجة تماسك الحركة في مرحلة حساسة كهذه، وأيضا درجة التزامها بالشريعة الإسلامية التي هي النظام الذي قام عليه نشاطها وأداؤها وأهدافها ولو كان الانقسام كما يزعم الغرب لما استمرت الحركة قوية منسجمة.
وتشير المقارنة لقرار ليس بجديد على استراتيجية الحركة القتالية حيث تقول: “قررت حركة الشباب إعادة هيكلة التنظيم ومواءمة إستراتيجيتها السياسية مع إستراتيجيتها العسكرية بسبب خسائرها العسكرية بين عامي 2011 و2014، فهاجمت الحركة قوات الاتحاد الأفريقي، وداهمت القواعد العسكرية في عيل عدي وجانالي وكولبيو، ونصبت كمائن للإمدادات الكينية والأوغندية في عام 2015 ، لكن آل وضع الحركة إلى الغموض، خصوصاً بعد هجماتها على عدد كبير من الأهداف العسكرية وغير العسكرية في منطقة بونتلاند شبه المستقلة والجزء الجنوبي الشرقي من كينيا. وتوسعت الحركة في الصومال فيما هددت في الوقت نفسه المناطق المذكورة بزيادة عناصرها فيها”.
والغموض التي تتحدث عنه المقارنة هنا ليس إلا في ذهن مؤلفيها فالحركة لديها فرع كامل في بونتلاند تابع لها وكذلك في كينيا وأيضا في إثيوبيا وهي استراتيجية بعيد الأهداف والغايات لإقامة حكم إسلامي محكم في البلاد.
ونقلت المقارنة حقيقة يعلمها الغرب جيدا وهي أن الحكومة الصومالية التي يدعمها لن تقف على قدميها بدون دعم دولي مستمر ولذلك جاء في المقارنة: “أعلن ذلك أليكس دي، وال، أن الصومال سيبقى حبيس دورة طويلة من انعدام الأمن، وأنها تعتمد على قوات الاتحاد الأفريقي في الصومال التي لا يمكنها البقاء في البلاد إلى الأبد. ويمول الاتحاد الأوروبي الجزء الأكبر من ميزانية بعثة حفظ السلام، وبتخفيض التمويل، فإنه سيدفع في النهاية لانسحاب قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.. ويبرهن على ذلك استعادة حركة الشباب قرية باريري في أعقاب الانسحاب الجزئي للقوات الكينية وقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية في 2016، وهي بلدة مهمة للحركة لموقعها الإستراتيجي القريب من العاصمة الصومالية واستمرار انسحاب قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال واحتمال تسارعه يشكلان ضغطاً كبيراً على التنظيم الأمني المهترئ فيىالصومال، والذي يُتوقع أن يكون بديلاً لبعثة حفظ السلام. ومع ذلك، لا الجيش ولا الشرطة ولاىالمخابرات مستعدون لهذه المهمة. فالجيش الوطني يحاول منذ فترة طويلة مكافحة الفساد والنزاعات العشائرية والجيش الصومالي غير مؤهل عسكرياً لتلك المهام بسبب سوءىالتدريب والإعداد. ”
وأضافت المقارنة بحسب الترجمة: “تمكنت حركة الشباب من زيادة قدراتها في الصومال والأراضي المجاورة نتيجة لاتساقها وتأثيرها وانضباطها التنظيمي وتقديرها المستوى الأمني لأهل الصومال بدلاً من الحكومة الصومالية الفيدرالية. ومع ذلك، فإن أحد الأسباب الرئيسية لعودة الحركة هو أن حركة الشباب اعتمدت على جهاز استخباراتها، وشبكة الأمنيات الهائلة.”
جهاز الأمنيات
انتقلت المقارنة لتسليط الضوء على جهاز الأمنيات لحركة الشباب وفق معطياتها حيث جاء في هذا القسم: “جهاز الأمنيات لحركة الشباب هو عبارة عن قسم سري داخل الحركة وفقا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2013 وكان لإنشاء الأمنيات أثر جذري في تكتيكات الحركة في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ويبدو أن إنشائها مرتبط الآن بالقرارات الإستراتيجية لتحديث تخطيط حركة الشباب وعملياتها. والأمنيات هو القسم الأكثر تنظيماً وتجهيزاً وهيبة وجزء مهم في الحركة، ويقدم تقاريره مباشرة إلى الأمير الحالي. والعديد من أفراد هذا القسم السري من أهل الصومال ويتولون مناصب في كل من الحكومة الفيدرالية الصومالية والعمليات الأجنبية، وتقوم الأمنيات بعدة مهام، فهي تعمل كهيئة تنفيذية للحركة مع إدارات متخصصة مسؤولة عن الهجمات الصغيرة والكبيرة من استخدام القنابل اليدوية وأساليب الكر والفر إلى عمليات القصف والاغتيال، وتعمل أولا وقبل كل شيء كشبكة مكافحة استخبارات”.
“ولا تعمل الأمنيات كقوة شبه عسكرية إلا في مواجهة وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية، والتي تعمل أيضاً بنفس الأسلوب، وتنشئ نقاط تفتيش وتراقب الطرق الرئيسية للعاصمة لمنع هجمات حركة الشباب، بينما ركزت الحركة جهودها من قبل على العمليات منخفضة المستوى، ثم بعد ذلك ومع إنشاء الأمنيات ركزت على الهجمات الكبيرة والمدمرة، مثل استهداف المطاعم التي يرتادها كبار موظفي الحكومة والمحكمة العليا أو مداهمة مجمعات الأمم المتحدة. وبالطبع تُعتبر الأمنيات في الصومال تنظيماً خطيراً ويهدد قوات الحكومة الفيدرالية وقوات الاتحاد الأفريقي AMISOM والوكالات التي تقدم الدعم والبعثات الخارجية الدولية، وأكثر الأماكن لعمليات الأمنيات هي الأجزاء الجنوبية من البلاد، حيث شهدت مقديشو 44% من هجمات حركة الشباب في عام 2019 وتنفذ حركة الشباب أيضًا هجمات ناجحة في مناطق أخرى خارج الصومال، مثل التفجيرات الانتحارية عام 2010 في كمبالا، أوغندا، وهجوم مركز تسوق ويستجيت عام 2013 بنيروبي عاصمة كينيا”.
وتشير المقارنة إلى ما وصفته استخدام أمير الحركة السابق “الأمنيات لتحقيق أهدافه الشخصية وللحفاظ على الحركة بعد الانسحاب من العاصمة الصومالية في عام 2011، وأعضاء الأمنيات يبثون الخوف في أعضاء حركة الشباب الآخرين بأي طريقة يرونها مناسبة، بدءًا من الترهيب والسجن حتى الاغتيال”.
وهذا تعبير إنشائي يخدم الرواية الغربية في تصوير أمير الحركة كمجرم وزعيم عصابة لا مجاهد وهو تعبير لا علاقة له بما يجري في الواقع، فالحركة لم تقم على استبداد أعضائها وهم القوة الفاعلة فيها، وإلا لانفضوا من حولها وانضموا لجماعات أخرى، فانتسابهم للحركة من باب العبادة والجهاد في سبيل الله، وليس لأجل بيعات على مكاسب الدنيا ومصالح دنيوية، كما أنه ليس هناك أهداف شخصية لأمير حركة جهادية يتمنى الموت في سبيل الله وقد قتل بالفعل في قصف أمريكي.
إن الرؤية الغربية للجماعات الجهادية سطحية جدا وتصل لحد الغباء فهي لم تفهم بعد موقع العقيدة في نفوس العاملين في هذه الحركات ولا تستوعب الفرق بين أحكام الشريعة والأهداف الشخصية.
وتضيف المقارنة: “والأمن والسرية هما أساس عمل الأمنيات، لذلك تعزل الحركة قسم الأمنيات عن الأقسام الأخرى بالحركة، حتى أنها تعتبر جماعة منفصلة داخل الحركة، وهناك تقسيم إضافي في الأمنيات نفسها فمثلاً فرع المخابرات هو الفرع المسؤول عن جمع المعلومات الاستخبارية وتوفير الأمن لمنع أي تسريبات والأهم من ذلك، أنه إذا وقع أي من أعضائها في يد أعداء الحركة، فلن يستطيع هذا العضو إفشاء أي أسرار مهمة تخص الأمنيات أو الحركة، وكان هذا إجراء وجيهاً يستند إلى نظرة بعيدة المدى، بالنظر إلى هجوم قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال في الفترة بين عامي 2012 و 2015، حيث اضطرت حركة الشباب إلى الانسحاب إلى غابات جوبالاند، لكن بقي أعضاء أمنيات في مناطق مأهولة حتى يستطيعوا جمع المعلومات الاستخباراتية التي تحتاجها الحركة. ومنذ ذلك الحين، دست الأمنيات مخبرين وعملاء في جميع أنحاء الصومال، ليتغلغلوا في المكاتب الحكومية وقوات الاتحاد الأفريقي. وهناك أدلة دامغة على هذه الادعاءات، بما في ذلك الهجمات في مقديشو بالقرب من القصر الرئاسي في الصومال والمجمع الرئاسي الذي يحظى بحماية مشددة. وعلاوة على ذلك، أعلنت حركة الشباب عن شن هجمات على القواعد العسكرية الكينية في 2016 و 2017 وهذه العمليات أثارت ضجة، حيث نُفِّذَت خارج الصومال، ويمكن أن تسبب مشكلات محلية في كينيا، ما سيدفعها لأن تنأى بنفسها بعيداً عن الصومال، وتؤثر الأمنيات في بعض العمليات ضد الحكومة الفيدرالية مثل الترهيب والتجنيد الإجباري والقتل لأعضائها أو أجهزتها الأمنية أو رجال الأعمال أو حتى الصحفيين إلى جانب مهاجمة المباني الخاضعة للحماية في البلاد. الأمنيات أيضًا معلومات استخبارية عن هيكل العشائر بعد أن أدرك أهميته من حيث تأمين النفوذ وتوسيعه داخل البلاد”.
وجاء في المقارنة بحسب الترجمة: “ومن الملاحظ أن الأعمال الاستخبارية للأمنيات والوكالة الوطنية للأمن مترابطة، وهناك تنافس بينهم، إلا أن الأمنيات لا يواجهون مباشرة الوكالة الوطنية للأمن، لأنهم يريدون تجنيد مخبرين حكوميين لكسبهم لصفهم وتنفيذ هجمات في مقديشو، لذلك يستخدم عناصر الأمنيات السيارات الفاخرة التي لا تحمل لوحات أرقام لتنفيذ عملياتهم بسهولة وسلاسة وهم يتظاهرون بأنهم عملاء للمخابرات الوطنية الصومالية”.
ومن المعلومات الخاطئة التي تنقلها الدراسة ما جاء فيها من حيث “اعتماد كل من الحكومة الفيدرالية الصومالية وقيادة حركة الشباب على محاباة عشائر معينة تتغير حسب مصالحها”، حيث تزعم الدراسة أن أمير الحركة أدرك أن الخصومات داخل العشائر تشكل تحديا للحركة لأنها تؤثر على التماسك التنظيمي، مما يجعل من المستحيل على حركة الشباب الاعتماد عليهم في أعضائها البارزين، لذا “نفذ جودان ومجلس الشورى خطوتين لتجاوز مشكلة العشائر الأولى هي طرد أو قتل الجهاديين الأجانب وبما أن الأجانب ليس لهم مسؤولية مهمة باستثناء الخبراء التقنيين ولم ترد حركة الشباب المخاطرة بخسارة دعم أهالي الصومال لها من خلال ضمهم إلى صفوفها، وأعقب ذلك إعادة هيكلة الحركة على غرار نظام العشائر غير الهرمي واللامركزي في البلد، مما زاد مسؤوليات الأمراء والقادة الذين يعملون تحت إمرتهم لتشمل تعيين صغار المسؤولين وتجنيد الجنود المشاة. إلى جانب ذلك، سمح شورى حركة الشباب للقادة بالتدبير وتنفيذ عمليات صغيرة. ومع ذلك، فإن لا مركزية الإمارة غالباً ما تفرض زيادة نفوذ الأمنيات، التي تراقب جميع قادة الحركة”.
لا تزال الرؤية الغربية تنظر للحركة الجهادية على أنها استنساخ عن الحركات القومية وهذا خطأ يصنع الوهم في قراءة المشهد في الصومال فالنشاط الدعوي لحركة الشباب لطالما ركز على محاربة القبلية ولطالما هاجم العنصرية القبلية التي تقوم عليها الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب وأكبر فرية يروج لها الغرب أن الحركة تخلصت من المهاجرين إليها وقتلتهم. فماذا يفعل جيش المهاجرين في الحركة؟ وماذا تفعل المعسكرات التي تخرج كل مرة دفعة جديدة من المقاتلين المهاجرين؟. ولماذا لا تزال دعوة الحركة قوية في الخارج وتستقطب المهاجرين؟، فهذه مجرد محاولة لفرض الرؤية الغربية بسياسة -فرق تسد- ومحاولة فصل المهاجرين عن الأنصار في حركة جهادية تقوم على أكتاف الأنصار والمهاجرين، والواقع أن الحركة منسجمة بمكوناتها، ويعلم ذلك الغرب جيدا ولذلك استهدف العديد من المهاجرين القياديين ولا يزال يلاحق غيرهم من المهاجرين الذي جاءوا من جنسيات مختلفة ومناطق مختلفة.
ويبني الغرب على حادثة قصاص حدثت بقتل مهاجر انشق عن الحركة وتسبب في مقتل مجاهد. ويجعل من ذلك قاعدة ويضخمها على أنها سياسة في الحركة قتل المهاجرين. وهذا من إفك الغرب وبهتانه ولو أن الحركة حاربت المهاجرين داخلها والذين ما خرجوا إلا جهادا في سبيل ربهم ويتسابقون على الخطوط الأمامية للقتال، لما تألق أداء المهاجرين في داخلها، لكن كيف يفقه الكافر فقه المهاجرين والأنصار خارج نطاق فهمه الضيق والمادي للعلاقات النفعية، والجشعة والبراغماتية الخاوية من القيم الروحية.
ومما يثبت تناقض الدراسة بشأن سياسة الحركة وعلاقتها مع القبائل الصومالية، ما أوردته لاحقا حيث جاء فيها: “وعشائر الصومال تبدو لا مركزية في حين أن قيادتها مركزية وأدركت الحركة أهمية المشاركة في السياسة العشائرية في واقعها، والواقع أن القيادة العليا لحركة الشباب كانت وسيطاً في النزاعات بين العشائر، وكان ذلك عاملاً استراتيجياً لتعزيز سلطتها في البلد”.
لقد تواترت التقارير الغربية واتفقت على حقيقة صارخة لا يمكنها إخفاؤها، وهي قوة نظام الحركة السياسي والقضائي وتمكنه من توحيد القبائل الصومالية حوله لنزاهته وعدالته وقوة نفوذه، ولذلك ينتقل الصوماليون من مناطق الحكومة للولايات الإسلامية لفض نزاعاته وحل قضاياهم بل ويأتي الصوماليون من الشتات في الغرب لأجل الغاية نفسها، فهل يعقل أن يتحرك الناس بملء إرادتهم لإدارات ومحاكم الحركة لو كانوا ينتفضون من حولها، والعقل زينة.
وتواصل المقارنة التي تناقض نفسها في الفقرة الواحدة فتقول: “من العوامل التي تعيق أهل الصومال عن دعم حركة الشاب هو التفسير السلفي المتشدد للإسلام”، فالغرب يصنف الصوفية معتدلة والسلفية متشددة، ولا يخفى سبب تصنيف الصوفية معتدلة وقد نشرت دراسات تؤكد توظيف الصوفية لمنع الصعود الإسلامي، والسلفية هي منهج يقوم على ما اتفق عليه السلف الصالح وهي الأكثر اتباعا لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم وترفض البدع والفلسفات التي صنعت الانحرافات العقدية في الدين ولأنها أكثر المناهج التي يخشاها الغرب كونها تعتبر الجهاد سنام الأمر وترفض حكم الطواغيت وتقاتل أئمة الكفر بنصوص القرآن والسنة، فوصف متشدد أسهل وسيلة لإيجاد الشرعية لقتالها ومنع صعودها، وهذا ما يفعله الإعلام العربي للإسف فهو يكرر التهمة ذاتها ويصبح المبتدع والمنحرف عقديا والمنهزم للغرب معتدلا مرحبا به، والمعتز بدينه المحافظ على أصالته وشريعة ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم متشددا، وغالبية الشعب الصومالي مسلم سني على المذهب الشافعي وحريص على منهج السلف ويرفض الديمقراطية التي يروج لها الغرب عن طريق الحكومة العميلة له في مقديشو ولذلك حتى يدعم الدعاية للديمقراطية يشوه هذا الغرب صورة الدعوة الإسلامية النقية.
ولو كانت هذه الشريعة متشددة ويرفضها الصوماليون لما جاء التعليق التالي من الدراسة حيث جاء فيها: “ومع ذلك، فإن تأمين الحركة للمناطق الواقعة تحت سيطرتها أعطتها ثقلاً كبيراً، لا سيما في بلد لم يشهد ذلك الأمر لأكثر من ثلاثين عامًا، والتماسك الذي توفره للأهالي يستحق الدراسة، وهذا مع تشوه سمعة حركة الشباب لأساليبها الدينية وعقوباتها الشديدة”.
فعن أي تشدد تتحدث الدراسة؟ وهل يكره المسلم شريعة ربه وأحكامها وحدودها؟ أم أن مؤلف الدراسة يتحدث بعقيدته وعدائه للشريعة؟.
وتعرض الدراسة حال المناطق تحت سيطرة الحكومة مقارنة مع مناطق الحركة التي تتهمها بالتشدد فتقول: “أما في المناطق الأخرى فلا يعرف رجال الأعمال والتجار مقدار الضرائب التي يمكن أن تفرضها قوات التحالف الوطني وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، علاوة على ذلك، إذا لم يسحب التجار منتجاتهم سريعاً، فقد تُفرض الضريبة عليهم عدة مرات قبل الوصول إلى السوق، أما في مناطق حركة الشباب يتسلم التجار إيصالات الدفع للتأكد من تحصيل الضرائب مرة واحدة فقط، وفي مناطق حركة الشباب شعور أكبر بالأمن بسبب قلة الاشتباكات مع الحركات المحلية مثل حزب الإسلام عما يحدث في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة”.
ومن المفارقات أن نرى الحكومات الغربية كما تفعل فرنسا مؤخرا حيث تعتبر مخالفة قوانين الجمهورية جريمة كبرى وتقديم العقيدة والدين عليها تهمة تؤدي للعقاب وتطارد من يدعو للمظاهرات السلمية، وأما الدراسة فتعتبر فرض النظام في الولايات الاسلامية تشددا، فتقول: “ولا يستطيع أحد مخالفة أوامر الحركة في مناطقها أو أن يمتنع رجل أعمال عن دفع الضرائب، أو يرفض شيخ من شيوخ العشائر أوامر الحركة، أو حتى أن ينتقد أحد الأهالي الحركة بأي شكل من الأشكال، فذلك يعرضهم للسجن أو الإعدام، وكل تلك الأعمال تقع على عاتق الأمنيات. ويُعاقب أعضاء حركة الشباب، المتهمون بالرشوة أو الاختلاس أو سوء السلوك العام، لذلك فقد زرعت هذه الأعمال الخوف والرهبة في أهالي الصومال الذين يعيشون في الجزء الجنوبي من البلد وكذلك في مقاتلي حركة الشباب”.
هذه فقرة أخرى تجمع تناقضات واضحة فهي تعتبر إنفاذ القانون سوء حكم بينما إنفاذ القانون الأمريكي والغربي نجابة وواجب، وتعتبر إنفاذ القانون سبب زرع الخوف والرهبة في قلوب الناس وفي الوقت نفسه تتحدث عن الأمن والاستقرار والعدل في مناطق الحركة، إن من يسلم عقله للدراسات الغربية دون تمييز يستحق صناعة الجهل وتشويه وعيه.
ولنتأمل كيف تفسر الدراسة الغربية سبب الاستقرار والأمن والازدهار في مناطق سيطرة الحركة، حيث تقول: “هناك عوائق أدت لسوء الحكم في الصومال، وذلك لأن البلاد تشهد الحروب منذ عقود، وهذا يعطي أفضلية لحركة الشباب، بشرط أن تجعل الحركة الناس الذين يعيشون تحت سيطرتها يأمنون على أنفسهم، وبالتالي يحترمونها لإدارة قواتها، وهنا يبرز دور الأمنيات في ذلك، ما يعود بالازدهار على مناطقها”.
إن الدراسة -غير المحايدة قطعا- تصور تفوق حركة الشباب في حكمها يعود لكون لديها قوة أمنية تفرض احترامها، لكن الحقيقة التي لن تعترف بها دراسة غربية غير محايدة هي أن تطبيق الشريعة الإسلامية يكفل هذا الازدهار والاستقرار والأمن والعدل.
ويكفيك هذا النص من الدراسة لفهم كيف تصاغ هذه الدراسات بهدف محاربة شريعة الله تعالى تقول المقارنة، “ولو على المدى الطويل، لذلك يجب دراسة شبكة الأمنيات والتسلل لها من الداخل وإقناع أعضائها بالانشقاق عنها وهذا سيفيد بعد ذلك لكنه لن يحدث بين عشية وضحاها، وإذا طرحنا اقتراحات حول كيفية التخلص من الأمنيات، فمن المهم أن نفهم أن الأمنيات قد تشكلت لمواجهة أي انفصال أو تفتت بالحركة”.
ومعلوم ما هو البديل عن الحركة التي أثبتت صلاحية حكمها بتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار الذي لا تقوى الدراسة على إنكاره. إنها الديمقراطية الغربية.
وكالة الأمن والاستخبارات الوطنية
تنتقل الدراسة لعرض تفاصيل عن وكالة الأمن والاستخبارات الوطنية وتقول الدراسة في هذا القسم -وضع سطرا تحت يهدد بزيادة النفوذ الإسلامي-: “إن اختراق اتحاد المحاكم الإسلامية في الجنوب يهدد بزيادة النفوذ الإسلامي، لذلك أنشأت الصومال الحكومة الاتحادية الانتقالية لاستعادة أجزاء من البلاد في عام 2004 بدعم من القوات الأمريكية والإثيوبية واختير عبد الله يوسف أحمد أول رئيس للحكومة المؤقتة، وبدأ في تحويل جهاز أمن الصومال معتمداً على وكالة الأمن والاستخبارات الوطنية الإثيوبية”.
“وتشكلت الحكومة الاتحادية في عام 2012 وأعيد إنشاء الوكالة الوطنية للأمن والاستخبارات وظهرت دلائل واضحة على أن الصومال يريد إعادة بناء قطاع الأمن في العام التالي. ومع ذلك، سيكون من الخطأ افتراض أن وكالة الأمن والاستخبارات الوطنية هي المؤسسة الوحيدة المسؤولة عن الاستخبارات في البلاد، إذ أنها تتلقى المساعدة باستمرار من وكالات القانون المدني والاتحادي الصومالي، وقوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، وأجهزة سرية أجنبية. ولكنها خطوة جيدة أن البلد قد انطلق لتحقيق الاستقرار، ومن المهم إبراز أن الحكومة الصومالية تبدو ناجحة في حربها ضد حركة الشباب بمساعدة عسكرية من قوات الاتحاد الأفريقي في الصومال وبدعم مالي من المجتمع الدولي”.
تعتبر الدراسة نجاحا إبراز الحكومة الصومالية لتبدو ناجحة في حربها ضد الحركة مع أنها مجرد حكومة شكلية – دمية- لا يمكنها الاستمرار بدون دعم وتمويل وكلائها.
تضيف الدراسة: “ومنذ إنشاء الوكالة الوطنية للأمن والاستخبارات فقد واجهت مشاكل عديدة، ومن أهمها الانقسام بين الحكومة الاتحادية والإدارات الحكومية فضلاً عن نفوذ العشائر على حكومة الصومال مما جعل التعيين في وكالة الاستخبارات يأتي حسب رجال العشائر والأصدقاء والأقارب، وهذه أفضل حالة وصلت لها الوكالة في الصومال. وإذا اختلف مديرو الوكالة مع القيادة، يتم تخفيض رتبة هؤلاء الأفراد أو الاستغناء عنهم، مما يعطي إحساساً بصعوبة الحفاظ على العمل في هذه البيئة. أما في الأمنيات فهي تضم العناصر الأكفأ الذين يهجمون بطريقة مبتكرة ومعقدة من قوات الحكومة الاتحادية فيمكن اعتبار قدرات حركة الشباب وقدراتها الاستخباراتية أفضل من قدرات وكالة الأمن والاستخبارات. إلى جانب ذلك، غالبا ما تمنع الهيئات الحكومية والأجهزة الأمنية المختلفة المعلومات وتمتنع عن التعاون فيما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخبارية، مما حد من قدرة الحكومة على كشف عمليات حركة الشباب، وهناك أيضاً أمور سياسية تحتاج إلى حل لتزيد من كفاءة الوكالة، ومن أهمها الارتباط بين التفويض السياسي لقادة وكالة الاستخبارات والأمن أو من الحكومة. إذ يبدو أن تعيين أعضاء الوكالة واستقالتهم لا يحدث لأسباب محددة، ويشكل عدم الشفافية مشكلة أخرى بالنسبة لوكالة الاستخبارات والأمن، ومنها أن العديد من عملائهم وضباطهم كانوا يعملون لدى جماعات إرهابية من قبل، لذا ليس غريباً حينها أن تكون الوكالة قد تغلغل فيها عملاء أمنيات، على الرغم من أنه قد يكون من الصعب العثور على عميل للحكومة الاتحادية في الأمنيات، إلا أنه من السهل العثور على عميل لحركة الشباب في وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية، تتغلغل الحركة إلى الوكالة مع عملائها المدربين بالاستفادة من العشائرية والمحسوبية داخل الوحدة الأمنية، الذين ينتمون إلى عشيرة أو عشيرة صغيرة تابعة للحكومة”.
“وقد جند نظام محمد عبد الله محمد فرماجو» أعضاء سابقين في حركة الشباب للانضمام إلى القوات الأمنية والعسكرية الصومالية وهو في نفس الوقت قلقُ من التغلغل والتحديات التي قد يشكلها العملاء المزدوجون على أمن البلد. ونتيجة لذلك، أصبح التعاون مع الأمنيات ممكنا بقصد أن تتمكن الحكومة الفيدرالية الآن من إزاحة خصومها السياسيين، بدلاً من التعاون مع بعضهم وهي المشكلة الدائمة فالسياسة الصومالية تخوض صراعات مستمرة على السلطة للحصول على مقدرات المخابرات في البلاد وأكثر جهة مستفيدة من هذا الوضع وتستغله هي الأمنيات وحركة الشباب”.
“يشكو أهالي الصومال من القوات الحكومية لافتقارها للشعبية، على عكس الحركة وتتسم القوات الحكومية بسوء التنظيم في المعركة ضد حركة الشباب، ويعتقد الناس أن الحركة هي البديل عن الحكومة الاتحادية وتردد أهالي مقديشو في دعم الوكالة الوطنية للأمن والاستخبارات لأن العديد من أفراد الوكالة الحاليين متورطون سابقاً في الأعمال المروعة لنظام سياد بري والاعتقالات والسجون والتعذيب وعمليات الإعدام”.
وهنا شهادة من الدراسة نفسها على شعبية الحركة وليس كما تزعم تشددها الذي يفسد عليها حاضنتها الشعبية كما تناقض نفسها في بعض فقراتها.
وتضيف الدراسة: “أدركت الحكومة الاتحادية أنه يمكن الحصول على المساعدة الخارجية إذا استفادت من خطاب الإرهاب من خلال الإشارة بانتظام إلى القتال المستمر ضد حركة الشباب الذي يتطلب تعزيز هياكلها الأمنية والاستخباراتية، وصارت الحكومة الصومالية تستخدم اسم حركة الشباب في أعمالها القذرة خارج القانون وتطلب من المانحين الدوليين مساعدات لمواجهة حركة الشباب ويخاف سكان مقديشو من هذه العلاقات بين السيد والعميل حيث أن تأثيرها السلبي على مستقبل الصومال سيزداد فبدلاً من مساعدة البلد على الوقوف على قدميها، فإن المانحين الدوليين سيساعدون الأنظمة الرسمية فقط لتزداد قوته. بالإضافة إلى ذلك، تعاني وحدات مخابرات الجيش والشرطة الصومالية من تحديات كبيرة لأن كبار قادتها لا يصلحوا أن يتسلموا مناصبهم وبالتالي يمكن رشوتهم بسهولة، في حين أن ضعف الأجور للأفراد المدنيين والعسكريين يدفعهم للفساد، ويقال إن الشرطة نهبت أراضي مدنية، ومَدَّت الحركة بمعلومات وباعت أسلحة لهم لكسب أموال إضافية. يعتقل عملاء وكالة الأمن والاستخبارات الوطنية أي فرد ينتقد الحكومة، ولو على وسائل التواصل الاجتماعي، ويُنقلونه إلى مراكز احتجاز الوكالة والسجون المشددة الحراسة، بما في ذلك ماما خديجة، مكان تحقيقات الحزب، أو سجن جودكا. علاوة على ذلك، هناك مصدر آخر لإيرادات الاستخبارات والأمن وهو احتجاز المدنيين الذين يُزعم أنهم ينتمون إلى حركة الشباب، ولو تبين أنهم أعضاء في الحركة، فيمكنهم دائمًا رشوة سلطات الوكالة أو بعض السياسيين وشراء ذممهم للخروج من مراكز الاحتجاز. استغلت الوكالة الوطنية للقضاء على أي أعداء للحكومة الصومالية ولو كانوا وهميين، في رئاسة محمد عبد الله محمد فرماجو، ويتصرفون بشراسة ضد منتقدي الحكومة من خلال تهديد وترهيب الإعلاميين والصحفيين. فعلى سبيل المثال، قبض عملاء الوكالة الوطنية على المصور ومدون الفيديو مختار نور دون توضيح الأسباب في يوليو 2017، وأمضى عدة أيام في الحجز ولم يُطلق سراحه إلا عندما طالب أشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي بالسماح له بالخروج من السجن، بعد أن بدأ هاشتاغ FreeMukhtarNuur#الحرية لمختار نور في تويتر واعتقل عملاء الوكالة الوطنية رئيس تحرير إذاعة هيجسي Hiigsii محمد عبد الوهاب نور، لنشره دعاية تنتقد الحكومة ونقل إلى سجن جودكا، فقط لتعذيبه لبضعة أيام قبل إطلاق سراحه، في مارس 2020. كما أن هناك سوء بين أجهزة المخابرات المحلية وقوات الشرطة وتستغل حركة الشباب ذلك، إلى جانب شكاوى الأفراد المتهمين زوراً تجاه وكالة الاستخبارات الوطنية، لذلك فالسيطرة على القطاع الأمني في البلاد أحد أهم أسباب الاشتباكات بين الجيش الصومالي ووكالة الاستخبارات، ومع ذلك، من المخطط أن يتم دمج جيش وشرطة الحكومة الصومالية مع “القوات المسلحة للعشائر والتي من المقرر أن تتحقق بحلول عام 2021. بمجرد حدوث ذلك، سيتم نقل القدرات الاستخباراتية وقوات الاتحاد الأفريقي في الصومال إلى الحكومة الصومالية”.
خلاصة المقارنة
جاء في خاتمة المقارنة: “أنشأت قيادة الحركة الأمنيات لتحديث عمليات وتخطيط حركة الشباب إستراتيجياً وكانت قوية منذ عام 2010، بينما تم إنشاء الوكالة الوطنية للاستخبارات والأمن فقط في عام 2013 بهدف إعادة بناء قطاع الأمن في البلاد. ومن المهم ملاحظة أن الوكالة الوطنية تلقت مساعدات مستمرة من وكالات القانون المدنية والاتحادية الصومالية وقوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، وأجهزة المخابرات الأجنبية، التي تقاتل حركة الشباب، وترتبط إعادة تأسيس الوكالة أيضًا بالدعم الأجنبي من الولايات المتحدة، وكذلك إثيوبيا العدو التاريخي للصومال، وكذلك يعتمد الهيكل الأمني للبلاد على جهاز المخابرات والأمن الوطني الإثيوبي. ويعتمد هذا النظام اعتماداً كبيراً على الجهات الخارجية مثل التدريب والمعدات التي توفرها الولايات المتحدة، وهو أمر تحاول الأمنيات تجنبه، باعتبار الأجانب ليس لهم التزام هام باستثناء الخبراء التقنيين. مع أن الأمنيات أنشطتها الاستخباراتية مترابطة، إلا أنها تركز أكثر على الاستخبارات الخارجية، وهو ما يتضح من عمليات حركة الشباب في أوغندا وكينيا. ومع ذلك، فالأمنيات تيسر أنشطة عملية التجنيد، لأن الأمنيات تحتاج إلى أفراد كثر لعملياتها، وعلى العكس من ذلك، فإن الوكالة الوطنية تهتم بشكل أساسي بالاستخبارات الداخلية، وجمع البيانات لتقويمها وتحليلها”.
“والأمنيات تتميز بالأمن والسرية والتقسيم الإداري، فإن الهيئات الحكومية والأجهزة الأمنية تميل إلى حجب المعلومات عن بعضها والامتناع عن التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات الاستخباراتية. وكذلك يتقاضى أعضاء الأمنيات رواتب عالية ويحظون بسمعة جيدة واحترام في الحركة، بينما أغلب موظفي الوكالة الوطنية فاسدون ويتقاضون رواتب منخفضة. ويُعتقد أيضًا أن الأمنيات اخترقت الوكالة الوطنية والمكاتب الحكومية وقوات الاتحاد الأفريقي. بالإضافة إلى ذلك، يَعْتَبِرُ أهل الصومال حركة الشباب أكثر شفافية وشرعية من الحكومة الاتحادية. وعلى الرغم من عيوبها مثل التخويف والسجن والإعدام فإنهم يعتبرونها البديل الوحيد للقوات الحكومية التي تفتقر إلى الشفافية والشرعية الشعبية. ويمكن هذا بسبب تورط العديد من الوكالة الوطنية للأمن والاستخبارات في الأعمال الوحشية التي يرتكبها جهاز الأمن في نظام سيد بري كالاعتقالات والتعذيب والإعدام. كما يعتقد أن الأمنيات توفر أمناً أكثر للناس مقارنةً بالوكالة الوطنية، إلى جانب ذلك، تُجند الأمنيات أعضائها على الكفاءة، مما يعني أن عملاءها من المرجح أن يشنوا هجمات بمستوى أقوى من الحكومة الصومالية FGS، فإن التجنيد في الوكالة الوطنية قائم على أساس العشائر، مما يسبب مشاكل وعجز على المدى الطويل. وحتى الآن، أصبحت قدرات الحركة وقدراتها الاستخباراتية أقوى من قدرات الوكالة الوطنية ومن هنا تكتسب مركزية الهيكل الأمني وتوحيده أهمية كبرى”.
“عندما يتم تحليل عمليات أجهزة المخابرات الصومالية، يمكن ملاحظة وجود اختلافات جوهرية بين البلد وفكرة مؤيديه وهو إنشاء جهاز أمن قوي، من المهم أن نفهم أن الصوماليين ما زالوا متأثرين كثيراً بالهيكل العشائري وله تأثير كبير على هويتهم وطريقة تفكيرهم. ومع ذلك يميل المانحون الدوليون إلى التغاضي عن ذلك، ويقدمون مصالحهم الخاصة على ذلك، ويجدون صعوبة في فهم أنه بعد وضع الأساس لهيكل تنظيمي مناسب من خلال تجهيز وتدريب موظفي الوكالة الوطنية بالإضافة إلى وكالات القانون المدنية والفيدرالية في البلاد، لا تزال البلاد تكافح من أجل إنشاء وكالة سرية موحدة على أساس رؤية المخابرات الخاصة بهم ومؤيديهم. قد يكون السبب وراء سوء الفهم هذا هو أنه بينما يفكر المانحون ويخططون لإنشاء دولة قومية فالصوماليون مازالوا في مربع مصالح العشائر ومع ذلك، فإن هذا يمهد الطريق لإضعاف تماسك أجهزة المخابرات وإبطاء صنع القرار. طالما لم يتم حل التناقضات وعدم التوفيق بين الأفكار، ومن المستحيل إنشاء نظام أمني فعال من خلال مواءمة أنشطة الاستخبارات والتطلعات الأمنية، لا سيما عندما تكون هذه العملية. ومما زاد من تعقيدها أيضاً أن الحكومة الصومالية مضطرة إلى محاربة حركة الشباب في وقت واحد”.
ونلاحظ أنه على الرغم من توالي الدراسات التي تؤكد وتوثق فساد الحكومة الصومالية وأجهزتها الاستخباراتية والأمنية والعسكرية، وفي الوقت نفسه تؤكد على أن حركة الشباب أفضل حكما وقوة وتحقيقا للأمن والاستقرر والازدهار للصومال، إلا أن جميع التوصيات مستمرة في التوجيه نحو دعم كامل لهذه الحكومة التي صنفت كأفسد حكومة على سلم الفساد العالمي، ويرفض الغرب فكرة أي صعود إسلامي في شرق إفريقيا، بل ويحاربه بكل الوسائل والطرق مهما أثبت نجاحه في تحقيق الأهداف من الحكم، وقدرته على الحكم.
نحن بحاجة لدراسات أكثر اتصالا بأهداف الإسلام والمسلمين، متحررة من إملاءات الغرب وقيمه ومفاهيمه وهيمنته المحاربة لدين الله تعالى، حتى نتمكن من تقديم التوصيات الموائمة لنهضة الأمة المسلمة، وانبعاثها قوية مستقلة رائدة من جديد.
لتحميل المقالة بصيغة PDF