بعد 18 عامًا، المجتمع الدولي يُظهر اليأس من التدخل الأفريقي في الصومال، ومحلل يؤكد أن حركة الشباب هي الجهة الوحيدة القادرة على الحفاظ على وحدة  الصومال

الصراع على النفوذ في منطقة القرن الأفريقي يجذب اهتمام القوى العالمية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وتواجه المنطقة حالياً تدخلاً سياسياً وعسكرياً مكثفاً من هذه الدول، حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه الخاصة. غير أن الصراع الجهادي الذي أشعلته الجماعات المجاهدة في القرن الأفريقي قد أحبط العديد من الأجندات المشبوهة التي كان الغربيون وحلفاءهم ينوون تنفيذها في المنطقة.

 

الصومال، التي تُعد المحور الأساسي للصراع في شرق أفريقيا، تعرضت لعدوان جائر شنته أكثر من ست دول أفريقية، بدعم دولي من الغرب. في عام 2007، أمر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي بشن هجوم عسكري على الصومال بهدف القضاء على النهضة الإسلامية التي انطلقت من مقديشو بعد أن انتصرت المحاكم الإسلامية على ميليشيات زعماء الحرب المرتبطين بالمخططات الأمريكية.

 

هذا الهجوم العسكري الذي قادته القوات الإثيوبية وساندته الولايات المتحدة أدى إلى استنفار الشعب الصومالي المسلم، الذي حمل السلاح للدفاع عن أرضه ومقاومة الاحتلال، مما أسفر عن انسحاب القوات الإثيوبية من البلاد في عام 2009 بعد أن تعرضت لهزيمة قاسية.

 

اليوم، وبعد مرور 18 عاماً على هذا العدوان، تمكنت حركة الشباب المجاهدين من محاصرة القوات الأجنبية الصليبية داخل قواعد محددة بعد حرب طويلة الأمد. ويبدو أن الوقت قد اقترب لانسحاب تلك القوات من الصومال.

 

بدأت وسائل الإعلام العالمية بتسليط الضوء على المرحلة الجديدة للصراع في القرن الأفريقي، حيث بدأت بعض الدول تشكيل تحالفات متضاربة. ويرى المحلل الأمني والعسكري عامر حسن أن الغزو الإثيوبي للصومال سبق تأسيس ما يُسمى بالحكومة الفيدرالية، وأن الهدف الرئيسي منه كان إدخال قوات متعددة الجنسيات إلى البلاد في إطار حرب بالوكالة بقيادة أمريكية.

 

أما التحالف الصليبي الأفريقي المعروف باسم “أتميس”، فإن فترته الزمنية باتت تنفد، بينما لا تستطيع الدول الغربية الاستمرار في تمويل هذه القوات. في الوقت نفسه، بدأت مصر، التي تواجه نزاعاً مع إثيوبيا حول مياه نهر النيل، بالدخول إلى المشهد، مما يزيد من تعقيد الوضع الجيوسياسي في المنطقة.

 

يحاول العدو الصليبي الإبقاء على الصومال تحت سيطرته من خلال تقسيمه جغرافياً واجتماعياً، وإنشاء حكومات إقليمية تابعة له مباشرة. ويرى المحلل عامر حسن أن إثيوبيا تسعى بشكل حثيث لمنع الصومال من أن يعيد وحدته الوطنية، مشيراً إلى أن النظام الوحيد القادر على توحيد الصوماليين هو النظام الإسلامي الذي تمثله حركة الشباب المجاهدين.

 

حيث قال عامر جسن: “بعد الصراع الذي دار بين زعيمي الحرب محمد فرح عيديد وعلي مهدي، انتهت مواجهاتهما بظهور المحاكم الإسلامية. هذه المجموعة تمكنت في مراحلها الأولى من السيطرة إلى حد كبير على أجزاء واسعة من الصومال، ظهور المحاكم الإسلامية وسيطرتها على الصومال أثار قلق الدول الغربية، التي بادرت بتشكيل حكومة انتقالية موالية لأجنداتها خارج البلاد. تم دعم هذه الحكومة من قبل إثيوبيا، التي استغلت الفرصة لتحقيق مصالحها في المنطقة.

 

بعد فشل القوات الأمريكية الغازية في الصومال وهزيمتها واضطرارها إلى الانسحاب من البلاد، فشلت القوى الدولية في فرض سيطرتها على الإدارة الصومالية. هذا الوضع فتح الباب أمام دخول قوات أفريقية تقودها إثيوبيا إلى داخل الصومال، حيث قدمت إثيوبيا حججاً بأنها تدخلت لدعم الحكومة الانتقالية.

 

الحكومة الانتقالية، التي رافقتها القوات الإثيوبية إلى مقديشو، كانت جزءاً من استراتيجية القوى الدولية والقوات الأفريقية للسيطرة على البلاد.

 

بدأ التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال من خلال زعمها أنها تدعم الحكومة الانتقالية في مواجهتها مع المحاكم الإسلامية”.

 

ويعزز المحلل موقفه بالقول إن حركة الشباب المجاهدين تمثل قوة دينية جامعة للشعب الصومالي، قادرة على حماية وحدة أراضيه ومجتمعه، مقارناً إياها بإمارة أفغانستان الإسلامية. وأكد أن الولايات المتحدة، التي تشارك في العدوان على الصومال، لا تريد أن يتمكن المجاهدون من توحيد الشعب الصومالي، ولذلك لجأت إلى إثيوبيا وحلفائها كأدوات لتحقيق أهدافها.

 

“التدخل الإثيوبي في الصومال أصبح استراتيجياً، حيث تسعى إثيوبيا إلى منع قيام دولة صومالية قوية قد تنشأ مستقبلاً وتطالب باستعادة الأراضي الصومالية الغربية، وتسعى لتحريرها. إضافة إلى ذلك، لا يمكن فصل العداء الديني الذي تكنه إثيوبيا للمسلمين في الصومال عن دوافع تدخلها، فضلاً عن أهداف أخرى خفية وغير مشروعة.

 

الحكومة الانتقالية التي دعمتها إثيوبيا كانت ضعيفة للغاية وغير قادرة على تحقيق أي تقدم، وكانت تعاني من هشاشة كبيرة في جميع الجوانب.

 

بعد ذلك، ظهرت حركة الشباب الإسلامية، التي استطاعت السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد. كانت هذه الحركة تمثل القوة الوحيدة القادرة على توحيد الشعب الصومالي، وشُبِّهت كثيراً بحركة طالبان في أفغانستان.

 

حركة طالبان، رغم الحملات الإعلامية الشديدة التي واجهتها لتشويه سمعتها، واتهامها بالتطرف والإرهاب، أثبتت أنها الجهة الوحيدة القادرة على توحيد الشعب الأفغاني. وبالمثل، تُعتبر حركة الشباب الإسلامية القوة الوحيدة القادرة على توحيد الصوماليين وإقامة دولة صومالية قوية، إلا أن المجتمع الدولي لا يرغب أبداً في حل يأتي من جانب حركة الشباب. بل ينظر المجتمع الدولي إلى الحركة كعائق كبير أمام تحقيق مصالحه في الصومال، حيث يتخوف من إقامة دولة إسلامية قائمة على المبادئ الإسلامية.

 

الغرب، خاصة الولايات المتحدة، يرى أن سيطرة حركة الشباب على الصومال قد تُشكِّل تهديداً مباشراً للتجارة العالمية، حيث إن 20% من التجارة الدولية تمر عبر مضيق باب المندب. وبالتالي، لا يمكن السماح لحركة الشباب بالسيطرة على هذه المنطقة. وقد جاء ذلك في سياق إعلان الولايات المتحدة حربها على ما تصفه بالإرهاب.

 

تماشياً مع هذه الرؤية الغربية، كان الهدف الأساسي للمجتمع الدولي هو شن حملة عسكرية على الجماعات الجهادية. وقد كانت إثيوبيا جزءاً من هذا التحالف الذي هاجم حركة الشباب الإسلامية”.

 

من جهة أخرى، صرح جوزيب بوريل، نائب رئيس الاتحاد الأوروبي والمفوض الأعلى للشؤون الخارجية، بأن الاتحاد الأوروبي لم يعد قادراً بمفرده على الاستمرار في تمويل القوات الأفريقية، داعياً الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة إلى تقاسم العبء المالي.

 

تكشف هذه التطورات جميعها أن العدوان الدولي على الصومال قد واجه فشلاً ذريعاً، وأن النصر بات قريباً بإذن الله.

 

وقال بوريل: “أنا أفهم قلقك، وهو قلق نشترك فيه جميعاً. الوضع في الصومال ليس مماثلاً تماماً لما يحدث في السودان، ولكنه جزء من التعقيدات التي تشهدها المنطقة، والتي تمتد من السودان إلى إثيوبيا وإريتريا والصومال”.

“الاتحاد الأوروبي قام على مدى سنوات عديدة بتمويل الصومال من خلال موارد مالية كبيرة، كما دعمنا العمليات العسكرية للاتحاد الأفريقي. ومع ذلك، للأسف، لم نتمكن حتى الآن من تحقيق الاستقرار في البلاد، مما جعل استمرار هذا الدعم العسكري ضرورياً، رغم أن قوات الاتحاد الأفريقي لم تحقق النجاحات المتوقعة منها. الدعم ما زال بحاجة إلى الاستمرار، ولكن من المهم أن نتقاسم العبء المالي الذي نواجهه، وعلينا توزيعه بين الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي”.

 

“أما فيما يتعلق بالقوات التي ستخلف بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (ATMIS)، فلا تزال التفاصيل المتعلقة بالمقترحات المقدمة غير متوفرة لدينا. ومع ذلك، عندما نحصل عليها، سننظر فيها بجدية. نحن على دراية تامة بالحاجة المستمرة لدعم الصومال، كما كنا نفعل دائماً. ومع ذلك، نطلب من شركائنا الأفارقة أن يفهموا أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه تحمل تكاليف العملية بمفرده لفترة طويلة. يجب أن نتشارك هذه التكاليف مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة”.

 

“لا أريد أن أخوض في مزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع أو الإطالة فيه”.

 

عبد الله المقدشي