الشعب السوداني يصرّ على المطالبة بإسقاط البشير والأخير يصرّ على مواصلة سياسة القمع والاعتقالات

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

لا يزال الشعب السوداني مصرًا على المطالبة بإسقاط نظام عمر البشير وتحقيق العدالة من خلال الثورة التي انطلقت في 19ديسمبر/كانون الأول الماضي رغم مقتل العشرات واعتقال المئات من السودانيين المحتجين.

 

وشهدت أم درمان محاولات قمع من قوات الأمن السودانية باستخدام القوة والغاز المسيل للدموع في موجة الاحتجاجات الجديدة التي انطلقت هذا الأسبوع. في وقت انضمت فيه مدينة “حجر العسل” في ولاية نهر النيل، شمال السودان، لأول مرة لخط الاحتجاجات، وتعتبر المدينة من معاقل النظام.  كما ردد المئات من السودانيين في “ود مدني” عاصمة ولاية الجزيرة هتافات “تُسقط بس” و “سلمية .. سلمية .. ضد الحرامية.

 

وأكدت التقارير خروج بعض الشخصيات العامة والشهيرة في السودان وانضمامهم للمحتجين في الشوارع، معلنين تضامنهم مع الحراك الشعبي.

 

الحكومة السودانية لا تتنازل

من جهته لا يزال الرئيس السوداني يؤكد أن حكومته لن تنهار، ولن تسقط. وقال في خاطب له بمدينة كسلا  شرق السودان: ” إنها (حكومته) لن تسقط عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، وإنما عبر صناديق الانتخابات”. وفق تعبيره.

 

في حين قال رئيس الأركان كمال عبد المعروف، إن الجيش” لن يسمح بسقوط الدولة وانزلاقها نحو المجهول” وأن الجيش لن يسلم البلاد إلى ” شذاذ الآفاق من قيادات التمرد المندحرة ووكلاء المنظمات المشبوهة بالخارج” بحسب تعبيره.

 

ويجدر الإشارة إلى أن الاحتجاجات السودانية ينظمها ويقودها تجمع المهنيين السودانيين، بالتنسيق مع تحالفات المعارضة الرئيسية في السودان يشتركون جميعًا في مطلب واحد هو تنحي الرئيس البشير، وإقامة حكومة انتقالية لأربع سنوات تحضر لانتخابات حرة ونزيهة.

 

هيومن راتيس ووتش تتنقد سياسة البشير

من جهتها انتقدت جيهان هنري ، المديرة المشاركة لقسم إفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش الأسلوب الذي ينتهجه الرئيس عمر البشير في قمع الثورة السودانية والاستمرار في التلاعب بمصير المئات من المحتجين الذين تعتقلهم السلطات السودانية في سجونها.

 

وأشارت هنري لقول صلاح عبد الله قوش، مدير جهاز المخابرات والأمن الوطني السوداني الذي أعلن عن إطلاق سراح 186 من  المحتجين  هذا الأسبوع ، لكنه لم يقل شيئا عن مصير المئات الذين لا يزالون محاصرين في أعقاب حملة دموية ومستمرة لا تنتهي.

 

كما أعلن صلاح عبد الله قوش في كلمة ألقاها خلال حفل تخريج ضباط من الأمن السوداني، بأن هناك خمسة جيوش تنتظر ساعة الصفر لتتقدم نحو الخرطوم، بعد إشغالها بالفوضى، وأعمال السلب والقتل وذلك حتى لا تجد من يقاومها.  بحسب ما نقلت الأناضول عن  المركز السوداني للخدمات الصحفية.

 

وأكدت هنري أن السلطات السودانية واجهت بالعنف الشديد الاحتجاجات التي انطلقت منذ أواسط ديسمبر / كانون الأول، وقتلت 51 متظاهرًا على الأقل ، بحسب آخر الإحصاءات كما ضربت وحبست المئات من السودانيين.

 

وانتقدت ممثلة هيومن رايتس ووتش الأسلوب الدعائي الذي تنتهجه حكومة عمر البشير حيث عمدت لعقد لقاءات مع أشخاص أفرج عنهم،  تحت أضواء الضجة الإعلامية في القنوات التلفزيونية، ومعظمهم لم يلبثوا في السجن طويلا، ليشكروا المعاملة الإيجابية للحكومة. وهي التصريحات التي أكد العديد من النشطاء أنها جاءت تحت الإكراه.

 

وأكدت هنري أن الدعاية الإعلامية تكتيك مألوف، مؤكدة أن العديد من أعضاء الأحزاب المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان تم اعتقالهم لعدة أسابيع معظمهم في أماكن مجهولة ، دون السماح لهم بالاتصال بمحام أو بزيارات عائلية.

 

واعتبرت الدعاية السودانية مضللة. حيث لا يزال  خلف القضبان ، الدكتور محمد ناجي الأصم وأحمد ربيع من نقابة المهنيين السودانيين ، اللذين تم اعتقالهما في 4 يناير / كانون الثاني الماضي. إضافة إلى ما لا يقل عن 27 طبيبًا معتقلًا، بمن فيهم الدكتور أحمد الشيخ ، رئيس نقابة أطباء السودان.

 

واعتُقل عشرات من أعضاء أحزاب المعارضة ، ومن بينهم صديق يوسف البالغ من العمر 88 عامًا. إضافة لأعداد أخرى من الناشطين والمعارضين.

 

ولا زالت عملية الاعتقال مستمرة تستهدف كل ناشط أو معترض.

 

وبحسب هنري يتحايل النظام السوداني على شعبه بالإفراج عن بعض الشخصيات غير المؤثرة حين يكون الوضع مناسبًا في حين يخفي المؤثرين في أماكن مجهولة. ويمنع تواصلهم مع المحامين أو الأطباء أو ذويهم.

 

مطالبات بريطانية بالتدخل

من جهتها نشرت صحفية الغارديان البريطانية مطالبات من قبل نواب وناشطين حقوقيين يطالبون الحكومة البريطانية باتخاذ إجراءات لحماية المحتجين السودانيين من اعتداءت حكومة عمر البشير.

 

وسلطت الصحيفة الضوء على مقتل عشرات المحتجين على أيدي قوات الأمن السودانية مشيرة إلى أن الحكومة مستمرة في التصعيد. وأن هناك تقارير مزعجة عن قيام قوات الأمن بإطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع في المستشفيات، ما أعاد للذاكرة الفظائع التي قام بها النظام السوداني في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.

 

وجاء في الصحيفة على لسان المطالبين: “إننا نتطلع إلى الاستماع إلى الإجراءات التي سيتخذها وزير الخارجية لضمان احترام حقوق الإنسان للمحتجين ، وخاصة الشروط التي ستضعها الحكومة البريطانية أمام حكومة السودان”. في محاولة للتأثير على الحكومة السودانية وأسلوبها العنيف في مواجهة غضبة الشارع السوداني.

 

ولفتت الصحيفة الانتباه للتقارير التي تؤكد بأن المستشفيات السودانية قد تعرضت للغزو من قبل قوات الشرطة التي تطارد المحتجين السلميين بالغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية داخل قسم الطوارئ في مستشفى أم درمان ، حيث أُلقي القبض على العديد من أعضاء نقابة الأطباء السودانيين الذين لا زالوا محتجزين في سجون الحكومة السودانية.

 

ويجدر الإشارة إلى أن 200 من العاملين في مجال الصحة البريطاني ، إلى جانب فرع اتحاد الأطباء السودانيين في بريطانيا، قدموا رسالة إلى وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث. وحثوا الحكومة البريطانية على التدخل دبلوماسيًا ودعوة الرئيس عمر البشير ونظامه لإنهاء الرد الوحشي والعنيف على هذه الاحتجاجات. ولم تصدر بعد ردود حكومية حول هذه المطالبات.

 

وسبق وأن نشرت صحيفة الغارديان مقالًا لنسرين مالك بعنوان “أين كلوني في الوقت الذي تحتاج إليه السودان؟

 

وقالت كاتبة المقال – منتقدة الصمت اتجاه ما يجري في السودان- أن النجم الأمريكي الشهير جورج كلوني وجون برنديرغاسن، الناشطان في مجال حقوق الإنسان في السودان كتبا رسالة لمجلة التايمز الأمريكية عبرا فيها عن رفضهما لانتهاكات حقوق الإنسان في السودان. وتساءلا في رسالتهما إن كانت شركات المحاماة لا تعلم بأن الرئيس عمر البشير ارتكب جرائم قتل جماعية، وأنه كان مسؤولاً عن مقتل مئات الأف من المدنيين في دارفور؟ و أنه اضطهد المسيحيين؟

 

وقالت “أسمحوا لي (اليوم) أن أذكركم بأن السودان يشهد انتفاضة من قبل أبناء شعبها الذين يعانون من سلطة الديكتاتور الحاكم في البلاد منذ 30 عامًا ومن تداعيات آلية حقوق الإنسان العالمية التي عزلتهم عن العالم لمدة 20 عامًا.

 

وختمت مقالتها بالقول إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا لا تشير مؤسسات حقوق الإنسان بأي طريقة إلى انتفاضة السودان ومقتل المتظاهرين على يد النظام الوحشي ، مشيرة إلى أن الجواب على هذا السؤال هو أنهم “ببساطة لا يعلمون”.

 

 البشير يفتح الحدود مع إريتريا

وفي تطور بارز ،أعلن عمر البشير خلال خطابه في كسلا يوم الخميس عن فتح الحدود مع إريتريا حيث قال: “أعلن من هنا من كسلا فتح الحدود مع إريتريا، لأنهم إخواننا وأهلنا، السياسة لن تفرقنا”.

 

ويجدر الإشارة إلى أن البشير أغلق الحدود مع إريتريا في أوائل يناير/ كانون الثاني 2018 بعد أن أعلن عن حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في ولايتي كسلا وشمال كردفان في محاولة لمكافحة تهريب الأسلحة والأغذية. في حين أكدت التقارير أن حكومة البشير اتهمت حكومة أفورقي بالتخطيط لعمليات عسكرية ضد بلاده. حيث تواترت التقارير الصحفية التي تتحدثت عن شكوك سودانية بوجود حشود عسكرية في قاعدة “ساوا” الإريتيرية، تستهدف تنفيذ عمليات عسكرية داخل العمق السوداني، بدعم من مصر والإمارات.

 

ويرى المراقبون أن إعلان البشير إعادة فتح الحدود مع أريتريا يعكس إعجابه بموقفها مما يجري في بلاده.

 

ولا زالت الثورة السودانية صامدة أمام سياسات القمع والاعتقالات التي تنتهجها حكومة البشير الذي تسلم الحكم في السودان منذ عام 1989. عاش خلالها السودانيون قرابة الـ 30 عامًا، في أزمات اقتصادية وظروف معيشية سيئة للغاية.