الانتخابات الرئاسية الكينية وخديعة الديمقراطية:

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية:

كينيا (شهادة) – لقد ثبت أن قرار إعادة الانتخابات الكينية الرئاسية لم يكن دليلا على نجاح ما يُسمى بالديمقراطية كما اعتبرته الكثير من الأقلام التي سابقت لتثمين إعلان الحكومة الكينية قبولها قرار المحكمة العليا بإعادة الانتخابات نظرا لشرعية الاعتراضات التي قدمتها المعارضة، وإن كان يعد خطوة غير مسبوقة في تاريخ إفريقيا.

 

انتخابات القمع  والوحشية

فقد جاءت الأيام التي أعقبت الإعداد لدورة الانتخابات الجديدة لتؤكد فساد النظام القمعي والمستبد الذي تسلط على الشعب الكيني ولتثبت أن خديعة الديمقراطية كانت فصلا جديدا من فصول ترويضه وبعنف.

لقد نقلت عدسات الكاميرات من مختلف المؤسسات الصحافية الطريقة البشعة والعنيفة التي تعاملت فيها قوات الأمن مع الكينيين، ما دفع بنشطاء منظمة هيومن رايتش ووتش إلى توجيه الاتهامات للحكومة الكينية بانتهاك حقوق الإنسان خلال هذه الانتخابات.

وفي الوقت الذي أُحبط فيه زعيم المعارضة رايلا أودينغا من سياسة المراوغة التي مارستها معه الحكومة الكينية، نجح أبرز رأس كيني معارض في كسب تجاوب أنصاره بمقاطعة الانتخابات التي وصفها بالمهزلة – وبشكل صارم- ما أدى بالنتيجة إلى تدني نسبة الإقبال بشكل ملحوظ إذ أعلن وافولا تشيبوكاتي، رئيس لجنة الانتخابات ، بأن ما يقدر بنحو 6.55 مليون كيني أدلوا بأصواتهم في جولة الإعادة، أي 34.5 في المائة فقط من الناخبين المسجلين. وهي النسبة التي أزعجت الرئيس الحالي أوهورو كيناتا كثيرا  فدفع بقواته للشوارع الكينية لإحكام السيطرة فيها بقوة الحديد والنار.

ويجدر الإشارة إلى أن نسبة الإقبال في انتخابات أغسطس / آب  المنصرم – الملغاة- وصلت 80 في المائة. وأن أودينغا – البالغ من العمر 72 عاما – سبق وأن  خسر 3 معارك انتخابية رئاسية في السنوات 1997 و2007 و2013.

هذه القوة المفرطة التي سلطها أوهورو كيناتا على شعبه أدت  إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى من المدنيين العزّل الذين قمعوا بالضرب وبالغاز المسيل للدموع وخراطيم الماء والرصاص الحي حسب شهادات منظمات حقوق الإنسان.

من جهتهم أنصار المعارضة قاطعوا الانتخابات الرئاسية بشكل كامل في 4 دوائر من أصل 47 دائرة في البلاد، وهي الدوائر التي تشمل أنصار أودينغا وغالبتيهم من أتنية لويو. كما منع حاكم منطقة كيسومو المعارض أي انتخابات في منطقته معلنا في ذات الوقت الحداد الوطني طوال أسبوع.

وقد اعتبرت المعارضة الإجراءات من الجانب الحكومي غير كافية لضمان نزاهة الانتخابات وبالتالي عدم قدرة اللجنة المسؤولة عن الانتخابات من ضمان إجراء انتخابات نزيهة.، وهو الانتقاد ذاته الذي أعلنه رئيس اللجنة الانتخابية بنفسه وبعض العاملين في اللجنة، ما عزز موقف أودينغا المقاطع.

الانتخابات الملغاة والمعادة سواء

بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية في أغسطس الماضي  حصل الرئيس الحالي كينياتا على 54.27% من الأصوات، إلا أن المحكمة العليا – تحت ضغط المعارضة الساخطة – أصدرت قرارا في الأول من سبتمبر يقضي ببطلان الانتخابات وطالبت بإعادتها في الـ26 من أكتوبر التالي، وعزت المحكمة العليا سبب إلغائها للانتخابات لمخالفات إجرائية، وتجاوزات في نقل النتائج، محملة اللجنة الانتخابية مسؤولية انتخابات افتقرت إلى الشروط الأدنى لتحقيق نزاهة فيها.

نزاهة لم تتمكن من تحقيقها لجنة الانتخابات مرة ثانية في الانتخابات المعادة ما أثار سخط المعارضة من جديد ومقاطعتها بقوة مؤدية إلى ضعف نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع بشكل ملموس.

ولكن يبدو أن كيناتا لم يلقي بالا لهذا الضعف وأعلن لاحقا فوزه وسط الاحتفالات مع أنصاره بفوز لم يكن جديرا به خاصة مع عجزه على توحيد كينيا وانكشاف عمق معاناتها من الانقسامات العرقية بعد عملية انتخابية دموية غلبت عليها الفوضى منذ شهور. وقد علقت  صحيفة “ذي نايشن” أحد أشهر الصحف الكينية على صفحتها الأولى بخصوص هذا الوضع المتدهور فكتبت: “إثر هذه الانتخابات، باتت البلاد أكثر انقساماً واضطراباً”، وأن على كيناتا وأودينغا “أن يدركا أن مواقفهما المتناقضة لم تعد مقبولة”.

 

تاريخ من الدكتاتورية

لا شك أن تداعيات الانتخابات الأخيرة، جاءت نتيجة الاحتقان وشعور التهميش والظلم الذي تعاني منه العديد من الإثنيات على رأسها إثنية ليو منذ استقلال كينيا في 1963، حيث يحصي المراقبون 4 انتخابات متتالية شهدتها كينيا لاختيار رئيس لها، تربع فيها على عرش السلطة 3 رؤساء -من  الأربع المنتخبين- ينتمون جميعهم إلى أتنية كيكويو التي تهيمن أيضاً على اقتصاد البلاد.

وإن كان سقط في هذه الانتخابات العشرات من الكينيين خلال التظاهرات التي قمعتها الشرطة بعنف وسجلت خلالها مشاهد فظيعة للوحشية الكينية، حتى أن بعض المتظاهرين تعرض للضرب المبرح، ونقل ميتاً إلى المستشفى. إلا أن ذكريات انتخابات 2007 الرئاسية كانت أشد وأنكى، بسقوط ما لا يقل عن 1100 قتيل وتشريد 600 ألف آخرين.

.

وبالاستناد لهذا التاريخ من القمع والاستبداد والانفراد بالسلطة، شخص رايلا أودينغا وضع كينيا بـ«ديكتاتورية» تهيمن عليها، ودعا إلى قيام “حركة مقاومة وطنية” ضد “السلطة غير الشرعية للحكومة”. حسبما وصفها.

 

الحقيقة المرة

واليوم بعد أن تم خداعهم بوعود “الديمقراطية” لتحقيق العدالة في المجتمع الكيني، ظهر مرة أخرى الوجه القبيح لدكتاتورية الحكومة وشاهد الكينيون بأم أعينهم إحراق عشرات المتاجر والمنازل، وقتل 49 شخص على الأقل وجرح العشرات كان أغلبهم من أنصار المعارضة الذين يعيشون في ضواحي كاوانغواري وكيبيرا وماتاري ونيروبي، أو في مدن غرب البلاد، أين تصطف المعارضة إلى جانب أودينغا.

كما سجلت مواجهات دامية بين عناصر من اتنية كيكويو التي ينتمي اليها الرئيس اوهورو كينياتا، مع عناصر من اتنيات ليو ولوهيا وكيسيي، المؤيدين للتحالف المعارض. واستخدم كلا الطرفين السواطير والسكاكين والعصي والأحجار.

هكذا ظهر انقسام المجتمع الكيني بشكل صارخ والذي رغم ضعف مشاركته في الانتخابات الثانية وتعرضه للقمع والوحشية على أيدي القوات الحكومية، وجد نفسه أمام واقع مفروض عليه فرضا سقطت معه جميع الأحلام بعدالة الديمقراطية وتحطمت معه آماله في مستقبل أفضل، ذلك حين أعلنت اللجنة الانتخابية الكينية أن الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كيناتا فاز بـ98.2 في المئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية .

ويستمر بهذا كيناتا في حكم كينيا رغم حجم المعارضة والانقسام في المجتمع الكيني ورغم تاريخ طويل من الفساد والدكتاتورية ورغم اتهام المحكمة الجنائية الدولية له باستعانته بخدمات المونغيكي ، المجموعة الاجرامية المخيفة من اتنية كيكويو في 2007-2008.  لتثبت الديمقراطية من جديد فشلها في كينيا كنظام حكم يعد بتحقيق العدالة والأمن والاستقرار في المجتمعات التي تسعى لتطبيقها.