استمرار التجنيد السري للميليشيات الصومالية في ساحات صراع دولية

مع استمرار الصراعات والحروب في العالم، تزداد الحاجة لتوظيف المرتزقة بشكل ملح في كل يوم، وقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاع نسبة توظيف المرتزقة في ساحات الحرب في عدة مناطق في العالم، ومؤخرا تتحدث التقارير عن لجوء الأمريكان لهؤلاء المرتزقة في حربهم في أوكرانيا ضد روسيا.

ولم يكن الصومال بعيدا عن هذا التوظيف الذي يتم بهدوء وبدون إثارة الضجيج الإعلامي، فقد كشفت مصادر متعددة لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، عن تنفيذ مبادرة سرية من قبل الإمارات ومصر، لتجنيد وتدريب ما يقرب من 3000 شاب صومالي.

وقالت المصادر، إن عملية تدريب الشبان بدأت منذ أشهر، حيث حصل المجندون، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و28 عامًا، على وعود بوظائف جيدة الأجر، مع إرسال العديد منهم بالفعل إلى مصر للتدريب العسكري، في حين دفعت أجورهم الإمارات.

ونفس الأمر تكرر بعد اندلاع الحرب في إثيوبيا، حيث أكدت العديد من التقارير توظيف الميليشيات الصومالية في حرب الحكومة الإثيوبية على إقليم تيغراي المعارض، كما استفادت من الميليشيات الصومالية كل من تركيا وقطر، اللتين تتمتعان بنفوذ في الصومال في السنوات الأخيرة.

ونقل تقرير الموقع البريطاني شهاداتٍ عن بعض أهالي المجندين، حيث إنه من بين أولئك الذين تمّ إيواؤهم في ثكنة دامانيو في مقديشو؛ الشقيقُ الأصغر لمصطفى “عبد الله”. وقال “عبد الله”، إنه يشعر بالقلق على شقيقه الأصغر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، وهو سائق عربة ريكشا سابق، يبلغ من العمر 28 عامًا.

وعبّر “عبد الله” عن غضبه من السلطات لإقناع شقيقه الأصغر بالانضمام، وهو ما يعتقد أنه فعله من أجل إعالة ابنته الصغيرة.

وقال عبد الله: “بصفتي شقيقه الأكبر الذي قام بتربيته، لم يخطرني عندما كان يغادر، ونحن قلقون عليه”. وأضاف: “علمنا الآن أنه يعاني في معسكر في مقديشو ومن المتوقع نقله إلى مصر للتدريب العسكري”.

 

تجنيد الميليشيات الصومالية

وأضاف “عبد الله”، الذي يعيش في بيدوا في الجنوب الغربي للصومال، أنّه علم أيضًا أنه حصل على وعد براتب يبلغ حوالي 500 دولار شهريًا”.

وعلى عكس شقيق مصطفى، تمكّن مجند آخر يدعى محمد -طلب حجب اسمه الحقيقي- من الفرار من المخيم في الساعات الأولى من انضمامه.

وقال محمد، الذي احتُجز مع شقيق مصطفى، والذي صودر هاتفه الذكي عند وصوله، إنه لم يستطع تحمّل الظروف القاسية في المخيم، بما في ذلك نقص الطعام والمرافق الطبية الكافية.

وأكد محمد على أنّ الظروف كانت سيئة للغاية، لدرجة أن خمسة من المجندين ماتوا في منتصف أكتوبر/تشرين الأول.

وأوضح، أنه “تم تجنيد ما يقرب من 120 منا من بيدوا في منتصف شهر سبتمبر تقريبًا، وتم إبلاغنا بأننا سنُنقل إلى مصر للتدريب”.

وتابع: “اخترت الانضمام منذ أن قيل لي إن هذا يدر المال. كنا حوالي 2000 مجند في المخيم”.

وأضاف أنّ مسؤولاً أمنياً صومالياً كبيراً أبلغهم بأن الإمارات تعيد إحياء وجودها الأمني في الصومال، وأنهم سيتوجهون قريباً إلى مصر للتدريب.

وبحسب الروايات، فقد خضع المجندون -ومعظمهم من عائلات فقيرة- لفحوصات طبية وأمنية شاملة قبل تجنيدهم، والتسجيل لإعالة أحبائهم في بلد يعيش فيه ما يقرب من سبعة من كل 10 أشخاص في فقر.

وبحسب كبار المسؤولين في الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، لموقع “ميدل إيست آي”، إن الأفراد يقومون سراً بالتجنيد في مكتب الرئيس الصومالي، بالتعاون مع أفراد أمن من الإمارات ومصر.

وبحسب التصريحات التي تصل من ضباط يخفون هويتهم، فإن التدريبات أجريت في كل من مصر وداخل الصومال، وخاصة مدينة بوساسو الساحلية، حيث يوجد لدى الإمارات المتحدة منشأة تدريب، وحيث سبق لها تدريب قوة مشاة البحرية التابعة لولاية بونتلاند.

وتُظهر صور حصل عليها موقع “ميدل إيست آي”، مجندينَ شبان يرتدون ملابس رياضية زرقاء، ويحلقون رؤوسهم في مصنع حلويات سابق، أصبح الآن معسكرًا عسكريًا، قبل نقلهم إلى ثكنة دامانيو في مقديشو.

وبحسب سجل الرواتب العسكرية الحكومية، يتقاضى المجندون حوالي 200 دولار شهريًا، بينما تتقاضى القوات التي تدربها الإمارات 400 دولار على الأقل شهريًا. مما يحفز المجندين للتجنيد لأسباب مادية خاصة وأن أغلبهم يعاني من وضع اقتصادي سيء.

وفي حين تعلن تركيا تدريبها للميليشيات الصومالية تكتم ذلك الإمارات، إلا أن كلاهما يستفيد من هذه الميليشيات في صراعات دولية لا حدود لها.

ومن المرجح أن يكون الاتصال لإعداد تدريب جديد للمجندين الصوماليين من الإمارات قد جاء من خلال مصر، التي تتمتع بعلاقات قوية مع الحكومة والمخابرات الصومالية.

من جانبه يرى عبد الوهاب شيخ عبد الصمد، الباحث في معهد الدراسات الإستراتيجية للقرن الأفريقي، أن حملة التجنيد من قبل الإمارات ومصر تهدف إلى مواجهة نفوذ تركيا وقطر المتزايد في الصومال. ويعتقد عبد الصمد أيضًا، أن الإمارات يمكن أن تستخدم المجندين المدربين حديثًا لتعزيز اهتمامهم بالصومال، لا سيما في المساعدة في إدارة الموانئ التي تديرها موانئ دبي العالمية، في بربرة وبوصاصو.

 

قلق لدى الأهالي

ويشعر أهالي المجندين بقلق بالغ خاصة مع انقطاع أخبار أبنائهم بعد سفرهم للقتال في مناطق كإثيوبيا التي ضخت فيها الحكومة الإثيوبية المئات من الميليشيات الحكومية. وغالبا قتلوا أو أصيبوا في هذه الساحات التي انقطعت عن الاتصال بسبب التعتيم الإعلامي الشديد الذي تمارسه أديس أبابا.

وتستمر حاليا عملية التجنيد بسرية، وتعتبر الصومال أرضا خصبة لتوفير الميليشيات للدول المنخرطة في الصراعات الدولية، وذلك لتفشي الفقر والحاجة المادية للأسر التي تغريها رواتب التجنيد، لكنها تتفاجأ بفقد الاتصال بأبنائها، ثم المستقبل المجهول.

وقد خرجت أسر المجندين في شوارع مقديشو للمطالبة بأخبار عن مصير أبنائهم في كل مرة دون جدوى.

ومع استمرار الصراعات في العالم والحاجة لمزيد من المرتزقة يبدو أن التجنيد في الصومال سيتسمر إلى أجل غير محدد، خاصة مع تسهيل الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب لهذه العملية.

وقد حذرت حركة الشباب المجاهدين مرارا من استمرار عملية تجنيد الميليشيات لقتال الحركة وللقتال في ساحات حرب بعيدة، وتوعدت باستهداف مراكز التجنيد حيثما وجدت.