إثيوبيا تلجأ إلى إيقاف الحرب مع إريتريا والإمارات تدفع بقوة

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

إثيوبيا (شهادة) – لا يزال قطار الأحداث السريع في إثيوبيا يأتي بالجديد منذ استلام أبي أحمد منصب رئاسة الوزراء، وإعلانه جملة من القرارات التي انعطف بها عن مسار السياسة الإثيوبية المعهودة وأبرزها إقامة علاقات مع إريتريا العدو اللدود لإثيوبيا.

فرغم امتداد الصراع بين البلدين المتجاورين لحوالي عشرين سنة عرف خلالها الإثيوبيون والإريتريون حروبا ومعارك فشلت الوساطات في أخماد أوراها، قتل فيها الآلاف من الأشخاص. تمكنت الجهود الأخيرة بين ساسة البلدين من وضع نقطة أخيرة لسيناريو الصراع يبدو أن وراءها دعم دولي قوي وأثمان مغرية.

تاريخ الصراع
ويذكر أن إريتريا استقلت عن إثيوبيا في عام 1993 بعد حرب استمرت 3 عقود، لكن الصراع اندلع مجددا بينهما وحمل اسم “حرب بادمي” في عام 1998 إشارة إلى مثلث بادمي الحدودي الذي يضم ثلاث مناطق بادمي وتسورنا ويوري. وقطعت العلاقات الدبلوماسية منذ ذلك الحين.

وفي مايو 2000، اندلعت حرب ثانية بين الطرفين، أنفقت خلالها أكثر من 6 مليارات دولار، وقتل فيها نحو مئة ألف شخص من الجانبين فضلا عن سقوط آلاف الجرحى والأسرى والنازحين.

وفي يونيو 2000 تم توقيع اتفاق بالجزائر لوقف الحرب وإحالة النزاع إلى التحكيم ورغم إنشاء مفوضية لترسيم الحدود بين الطرفين لإلزامهما باحترام هذا الترسيم إلا أن إثيوبيا رفضت حكم اللجنة الدولية، وكان جوابها نشر الآلاف من الجنود الإضافيين على الحدود مع إريتريا حتى 2018 .

ومع كل هذه القطيعة بقي لأسمرة وفدا دائما في أديس أبابا يمثلها في الاتحاد الأفريقي الذي يقع مقره بالعاصمة الإثيوبية.

الإمارات والإتفاق
ولا يستغرب أن يكون خبر إعلان إنهاء الحرب بين إثيوبيا وإريتريا قد جاء مباشرة بعد التقارب المفاجئ وغير المسبوق بين الإمارات وإثيوبيا والذي تجلى بزيارة ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد ليقدم مساعدة مالية بلغت 3 مليارات دولار بسخاء أثار الكثير من الجدل.

وهو المبلغ الذي كان بحاجته أبي أحمد بشكل حاسم نظرا للتحديات التي تواجه بلاده بسبب نقص السيولة والنقد بعد سنوات من الثورة الداخلية المتواصلة والاستنزاف جراء التدخل العسكري في الصومال المجاور دون الحديث عن تكلفة الحرب مع إريتريا ومصاريف الجيش المستنفر على الحدود.

ثم كذلك كان أول رد مرحب بإعلان نهاية الحرب، من الحليف الإريتيري ، الإمارات ، وقد تجلى ذلك بإعلان عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي بأن “هذ الاتفاق سينعكس إيجابا على تعزيز الأمن والاستقرار في البلدين بشكل خاص وعلى القرن الأفريقي والمنطقة بشكل عام”.

كما وصف الخطوة بـ “التاريخية لقادة البلدين الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد علي”.
ولم يتردد الوزير في تأكيد دور الإمارات في هذا الإتفاق، حيث قال: “من منطلق الحرص على العلاقات الدولية السليمة والصحيحة تدعم –الإمارات – هذ التوجه الحكيم وستعمل على تعزيزه ليكون سلاماً وإزدهاراً يستحقه الطرفان”.

ويفسر المراقبون التقارب الإماراتي الإثيوبي بورقة ضغط على حكومة محمد عبد الله فرماجو في الصومال بعد تصاعد دخان الأزمة بين الإمارات وبينها على خلفية أزمة قطر، ورفض فرماجو مقاطعة قطر في وقت حاول فيه الحفاظ على المكاسب التي يجنيها من الطرفين المتشاكسين.

وارتبط هذا أكثر بفشل الإمارات في حفظ مصالحها البحرية على شواطئ الصومال وسحبها لقوات التدريب التي كانت تقدم المساعدة للميليشيات الحكومية بسبب رفض الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب لهذا الاستثمار والتعاقد الذي أبرم مع الإدارات الإقليمية واعتبر غير قانونيا في كل من صومالي لاند وبونتلاند.

ويعتبر هذا التقارب فرصة لإجبار الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب للخضوع للطلبات الإماراتية خاصة وأن إثيوبيا تلعب دورا حاسما في بقاء حكومة فرماجو الهشة في الصومال كونها حليف استراتيجي يقدم الدعم العسكري الضروي لها في إطار ما يسمى بعثة الإتحاد الإفريقي.

من جهة أخرى ولأن إريتريا منضمة بصورة واضحة لتحالف السعودية والإمارات، وتعاني من أزمات وعدم استقرار قد تستغله إثيوبيا “الحاقدة” في أي حين، دفع بالحليف الإماراتي لتغطية فواتير تأمين إرتيريا وتقديم القربات لإثيوبيا حتى لا تخسر الإمارات مصالحها البحرية على ساحل إرتيريا، وهو ما يترجم ببعد نظر الإمارات في حفظ مكان لها على البحر في منطقة تعد من أهم المناطق الاستراتيجية في الصراع الدائر في اليمن. في وقت خسرت فيه قواعدها في جيبوتي والصومال.

كل هذا كان وراء دفع الإمارات بقوة لإنجاح صفقة الاتفاق بين البلدين ودفع تكاليف إغراء إثيوبيا للمضي في هذا الطريق طوعا، خاصة وأن إثيوبيا بحاجة لهذا الدعم ولإخماد نيران الحرب التي تهدد حدودها الشرقية منذ عقود وتأمين ممر بحري مستقر ينقذ اقتصادها من أزمات تهدد استقراره بالاعتماد على ممرات مكلفة وغير مضمونة.

 

تبادل الزيارات
وقد تبادل البلدان الزيارات بعد إبرام الاتفاق في الكواليس، حيث زار أبى أحمد العاصمة الإريترية أسمرة يوم الأحد 8 يوليو/تموز، بعد شهر من إعلان قبوله هذه الاتفاقية مع إريتريا بشكل كامل بينما أرسلت إريتريا وفدا رفيع المستوى إلى إثيوبيا .
وهي الزيارة التي أعلن فيها أبي أحمد عودة رحلات طيران بلاده مرة أخرى إلى إريتريا قريبا.

 

محاولة الاغتيال
ويجدر الإشارة إلى أن خطوات أبي أحمد في اتجاه المصالحة مع إريتريا لا تلاقي الترحيب في كل الأوساط الإثيوبية، حيث تعرض رئيس الوزراء لمحاولة اغتيال، قبل أسابيع وبعد لحظات من إتمامه كلمة ألقاها أمام عشرات الآلاف من المحتشدين في ميدان ميسكل بوسط أديس أبابا.

ويؤكد ذلك وصف أبي للمحاولة بأنها “محاولة غير ناجحة لقوى لا تريد أن ترى إثيوبيا متحدة”.

 

روسيا ترحب
ومن أبرز الردود الدولية على الاتفاق الجديد بين البلدين، كان الرد الروسي الذي رحب وأشاد بهذه الخطوة حيث قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن “موسكو ترحب باستئناف الاتصالات الإثيوبية الإريترية المباشرة، والتي تم التوصل إليها بفضل النوايا الحسنة لزعماء الدولتين”.

 

عودة العلاقات وعودة المصالح
وعودة العلاقة بين البلدين تعني إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما وفتح سفارة كل منهما في عاصمة الأخرى.
وعودتها بحسب تصريح أبي يعني استعداده لقبول نقل تبعية المنطقة المتنازع عليها، حيث صرح خلال لقاء مع ممثلين من إريتريا في أديس أبابا قائلا: “ستتم مبادلة أراض بين البلدين، لكن ذلك لن يهم، لن توجد حدود بيننا لأن العلاقة بيننا ستقوى”.
كما ستستفيد إثيوبيا من المنفذ البحري على الساحل الإريتيري حيث قال أبي: “إن بلاده التي ليست لها منافذ بحرية ستبدأ في استخدام ميناء إريتريا”.

وهو ما أكدته هيئة الإذاعة العامة في إثيوبيا، حيث أعلنت أن إثيوبيا وإريتريا ستطوران معا موانئ على ساحل البحر الأحمر في إريتريا بعد يوم من اجتماعهما.

وكانت الحروب التي فتحتها إثيوبيا مع جيرانها قد أوقعتها في حالة من الاستنزاف الاقتصادي في وقت تعاني فيه من مشاكل داخلية أدت لسلسلة من الاحتجاجات الغاضبة في الشارع الإثيوبي.

وشكل اعتماد إثيوبيا حاليا على جيبوتي في توفير منفذ بحري للصادرات والواردات الإثيوبية، عقبة في حرية الحركة الاقتصادية نظرا لوجود قواعد عسكرية لعدة قوى دولية تهدد استقرار الاقتصاد الإثيوبي الذي يحتاج لهذا المنفذ بشكل مستمر.

أما إريتريا فترى في أبي فرصة للاستفادة من رئيس الوزراء الذي ينحدر من إثنية الأورومو، بعدما عانت من ساسة التيغراي الإثيوبيين الذين هددوا أمنها باستمرار بهدف الحصول على ممر بحري بالقوة بحسب بعض المحللين.

وقد فرضت السلطات الإيرتيرية حالة من الطوارئ المستمرة منذ عام 1998، فكانت النتيجة تعطيل التنمية واستنزف الموارد الاقتصادية وإجبار الشعب على التجنيد العسكري.

وتطمح إريتريا بهذا الاتفاق إلى الاستفادة من عائدات الرسوم التي ستجنيها من جراء استعمال إثيوبيا لموانئها. وتحقيق متنفس من تداعيات الاستنفار العسكري على الحدود بين البلدين في الشارع الإرتيري.

الاتفاقية التي تم التوقيع عليها بين الطرفين وتضم خمسة محاور جاءت كنتاج لجهود التطبيع من الطرف الإثيوبي الذي تشجعه أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة، يهمها الحفاظ على مصالحها في منطقة شرق إفريقيا، بدت بوادرها منذ تولي أبي السلطة في أبريل /نيسان الماضي، بعد أن أعلن جملة من القرارات كان من بينها إنهاء حالة الطوارئ في البلاد والإفراج عن السجناء وإعلان خطط للانفتاح الاقتصادي وتشجيع المستثمرين الأجانب.

 

التأثير الإقليمي
ونظرا للدور المحوري الذي تمثله إثيوبيا في منطقة شرق أفريقيا، أدى تراجع قوتها في السنوات الأخيرة لفتح الباب أمام الخطر الكبير في صعود قوى أخرى غير مرغوب بها من الحليف الاستراتيجي لأديس أبابا ، الولايات المتحدة التي شجعت صعود أبي، وتحديدا في البلد المجاور الصومال الذي يعرف صعود الحركة الجهادية، حركة الشباب المجاهدين والتي بتوالي ضرباتها على الجيش الاثيوبي اضطر الأخير إلى الانسحاب من عدة قواعد له في الصومال وسحب جزء من قواته.

وخلاصة المشهد أن لجوء إثيوبيا للمصالحة مع إرتيريا رغم العناد التيجري الذي امتد عشرين سنة لم يكن وليد رغبة آنية، إنما جاء لحاجة إثيوبيا الماسة للاستفادة من مصالحها مع إرتيريا ولتستجيب لتشجيع الإمارات صاحبة المصلحة الثانية من هذا الاتفاق لأجل تحقيق أهدافها الجيوسياسية في شرق إفريقيا بالتحالفات ودفع الأموال.

ويبقى المستقبل القريب كفيلا بتأكيد مدى وثاقة هذا الاتفاق في وقت لم يتم بعد فيه تحديد الجهة التي حاولت اغتيال أبي في أديس أبابا ومخططاتها وفي وقت تكثر فيه الرهانات مع أزمة قطر التي لا يبدو أنها ستصل إلى نهاية قريبة.