إثيوبيا دكتاتورية فكيف تقيم سلاما عند غيرها؟:

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية:

إثيوبيا (شهادة) – “إثيوبيا” إسم ارتبط باليهودية التي انتشرت في مرتفعات الحبشة ولا تزال حية فيها، وارتبط بالنصرانية والكنائس العتيقة، وارتبط بالهجرة الأولى للمسلمين، وارتبط أيضا بتاريخ طويل من الفقر والصراعات الداخلية والخارجية.

وقد مثلت رئاسة وزراء ميليس زِناوي السابقة لإثيوبيا، والتي امتدت بين عامي 1991 و2012، فترة التحالفات الدولية الواسعة، وتوطدت خلالها العلاقات الهامة مع توني بلير وبيل كلينتون وبيل جيتس وجوزيف ستيلجيتز، كما توطدت العلاقة مع الصين.

وزيناوي الذي صعد لقيادة الجبهة الثورية عام 1989 تربع على عرش السلطة السياسية لأكثر من 20 عامًا حتى وفاته بعد أن أخضع إثيوبيا لحكمه الاستبدادي القمعي.

وفي نفس الوقت تشارك إثيوبيا بالآلاف من جنودها في قوات الأمم المتحدة فيما يسمى مهمات حفظ السلام في منطقة أبيى المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، كما لها أذرع استخباراتية داخل العمق السوداني إضافة إلى تورطها في ما يسمى الحرب على الإرهاب وبعثة حفظ السلام، مع الجارة التي تتقاسم وإياها تاريخا طويلا من الحروب والاقتتال ، الصومال،  ولازالت هذه سياسة إثيوبيا  حتى بعد خروج زناوي من رئاسة الوزراء ودخول خلفه هيلا مريام ديسالين، وزير الخارجية السابق، ليحمل إرث الحروب والإستبداد على عاتقه ويستمر في نفس خط سير من سبق.

ومن المفارقات التي تدعو للتأمل، أن إثيوبيا التي يصنف فيها النظام بالسلطوي غير الديمقراطي ويحتقن فيه ملف الحريات وحقوق الإنسان بشكل صارخ، إلا أن في عاصمتها يتواجد مقر الاتحاد الإفريقي الذي يقود ما يسمى بعثات حفظ السلام، والذي تشارك فيه إثيوبيا بقواتها بإيعاز مباشر من الأمم المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لدولة لم تحقق السلام في أرضها أن تحققه عند جيرانها؟!

حكم دكتاتوري قمعي استبدادي

فداخليا تسيطر قبيلة التجراي (التي تمثل 6% فقط من نسيج المجتمع الإثيوبي) على السياسة والاقتصاد والجيش والمؤسسات الأمنية والاستخباراتية لتعكس صورة الاستبداد في أعلى مستوياته ما دفع الشعب الإثيوبي لإعلان عدة محاولات للثورة قادتها  قبائل مسلمة كالأورومو وأوجادين الذين يقبعون تحت قمع السلطة الإثيوبية المستمر لكنها أجهضت كلها بقوة السلاح والبطش.

ويجدر الإشارة إلى أن الخريطة المجتمعية الإثيوبية تنقسم إلى قسمين بارزين الأول تمثله قبيلة “التجراي” الأقل نسبة ومع ذلك يملكون زمام السلطة، ويسيطرون على البلاد سياسيًا واقتصاديًا وعسكريا، أما الثاني فتمثله قبيلتا “الأورومو والأمهرة” الأعلى نسبة، ومع ذلك فهم يُعانون من التهميش والتجاهل والقمع من قبل النسبة الأقل ،  قبيلة التيجري، التي تتمتع بامتيازات السلطة.

ومن أحدث أخبار القمع والاستبداد الذي يتعرض له الإثيوبيون ما أقدمت عليه الحكومة الإثيوبية من الاستيلاء على أراضي بعض القبائل وتهجير أفرادها بصورة عرقية عنصرية فجة، واستهدف هذا العدوان  “الأورومو” أكبر المجموعات العرقية في البلاد، ورغم حملة الاحتجاجات والثورة التي قامت كرد فعل لهذا العدوان ورغم الصدى الكبير لهذه الثورة في خارج إثيوبيا إلا أن الحكومة الإثيوبية نجحت في إخمادها بالقوة وملاحقة النشطاء واعتقال الصحفيين وكل من عارض سياسات الحكومة لتطيل بذلك أمد معاناة الشعب المقموع.

 

معارضة مقوضة

لاشك أن هذا الواقع المتأزم في إثيوبيا وهذا القمع المستمر والاستبداد ولّد معارضة والتي ظهر معها تحالف الوحدة من أجل الديمقراطية والعدالة الذي يمثل المعارضة الأبرز في إثيوبيا، والحزب الديمقراطي والحزب الأزرق ومنتدى الوحدة الديمقراطية وعدد آخر من الأحزاب التي تناضل من أجل التخلص من سلطة القمع والاستبداد، لكنها لم تحقق تغييرا يذكر.

وبدل من ذلك تسببت سياسة القهر والخنق التي تطبقها إثيوبيا على المعارضة بتضييق مساحات الحريات وقامت بتكرار حالات الاعتقال بحق صحفيين ونشطاء كما قادت حملات تشويه وتخوين للمعارضة وتسترت تحت مبررات “الإرهاب” في تعذيب وقتل المعارضين، ولم تفلح إنذارات المؤسسات الحقوقية الدولية التي اعتبرت إثيوبيا بلدًا ينتهك حقوق الإنسان من تغيير الواقع الإثيوبي. وبحسب الإيكونمست تعتبر إثيوبيا كواحدة من أبرز الدول السلطوية.

اقتصاد منهوب

تؤكد التقارير المتخصصة أن ما يقارب من ثلثي الاقتصاد تسيطر عليه الدولة من خلال الشركات المملوكة للقطاع العام في الحكومة والجيش مع وجود مساحة محدودة للقطاع الخاص.

وتحصل إثيوبيا على الدعم الغربي والدولي من خلال المساعدات الاقتصادية والمشاركة في تمويل المشاريع القومية المختلفة، لكن برغم أن إثيوبيا تستقبل أكثر من 4 مليار دولار سنويا، وهي أكبر دولة إفريقية تتلقى منح من الولايات المتحدة وتحصل على ذات المنح والمساعدات من الصين وتركيا وإسرائيل وحتى الكويت، إلا أنها تبقى دولة نامية وفقيرة سياسيا واجتماعيا.

وفي الوقت الذي يحتفي فيه العالم بإثيوبيا كأحد الاقتصاديات العالمية الأكثر نموًا نتيجة الارتفاع الحاد للناتج المحلي الإجمالي المرتبط بالاستثمارات الأجنبية الضخمة في مجالات المرافق والخدمات خلال السنوات الماضية، إلا أن الحقيقة التي يشاهدها الجميع هي معاناة الشعب الإثيوبي المستمرة بتراجع واضح في مستوى الموارد والدخول والذي أدى إلى تدني المستوى المعيشي للإثيوبيين، ثم زاد تخصيص موارد الدولة لفئة دون أخرى من تأزيم الوضع الاقتصادي للشعب الإثيوبي، ويأتي هذا في وقت فشلت فيه السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية المتبعة في تحقيق تحسن.

سياسة الهيمنة

وبحكم موقعها الجغرافي تضع إثيوبيا يدها على ثروات مائية مهمة تجعل من جنوب السودان وكينيا وأوغندا وتنزانيا بحاجة لها بشكل ماس  للتزود بالطاقة والمياه وأيضا للحصول على الكهرباء التي تولدها من السدود على النهر الأزرق وغيره من أنهار إثيوبيا وأبرزها سد النهضة  الذي أثار مشروعه جدلا واسعا .

فالسياسة التي اعتمدتها إثيوبيا بإقامة سد النهضة رغم حجم المعارضة المصرية لهذا المشروع مكنها من نقل الثقل الإقليمي في وادي النيل من القاهرة إلى أديس أبابا، ومن نيروبي إليها، فالسد الأكبر في إفريقيا يقطع الطريق اليوم على هيمنة مصر على وادي النيل، وقد نجحت إثيوبيا في إخضاع منافسيها، ما يبدو جليا بعد مسارعة مصر والسودان إلى توقيع  اتفاق النيل ليؤكدا موافقتهما على إعطاء أديس أبابا الحق والقيادة في تسيير دفة النيل، وبعد مرحلة التذمر والتهديد التي تباينت حدتها، أبدت الآن القاهرة الرغبة في توطيد العلاقات مع إثيوبيا وتغيرت لغة الخطاب لنغمة التودد.

ومن جهتها أكدت الولايات المتحدة مباركتها للاتفاقية الإطارية بين مصر وإثيوبيا والسودان، واعتبرتها خطوة للأمام من أجل التعاون بين البلدان الثلاثة.

 

الإرهاب الإثيوبي

ورغم نص الدستور الإثيوبي على علمانية الدولة بحجة الحياد تجاه قضية الدين إلا أن المسلمين الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان يشتكون من تدخل الحكومة الإثيوبية في شؤونهم الدينية ويستنكرون التشويه في برامج الإعلام وربط الإسلام بما يسمى “الإرهاب” في وقت تلقي الحكومة بكل ثقلها لوأد حركات التمرد في الداخل في مناطق الأورومو وأوجادين (وهو الإقليم الصومالى الذي تحتله إثيوبيا)، وكان من وسائلها تشديد مراقبة المساجد واعتقال دعاة ونشطاء يدافعون عن قضايا المسلمين، وعلى نفس النهج تحاول التصدي للحركة الجهادية في الصومال المجاور.

وقد اشتهرت إثيوبيا بقمع حرية التعبير على مستوى الأفراد وعلى المستوى الإعلامي ما دفع بالكثيرين للفرار من هذه السياسة إلى خارج البلاد، ومن هناك أعلنوا معارضتهم للسلطة الاستبدادية الدكتاتورية الإثيوبية.

 صمت دولي ومصالح مع الأمريكيين مشتركة

تعتبر إثيوبيا اليد اليمنى للولايات المتحدة في إفريقيا والحليف المثالي لتحقيق أهداف الأمريكيين في المنطقة، وقد حصلت إثيوبيا مقابل هذا التحالف على أموال كثيرة وتسهيلات، في حين حصلت الولايات المتحدة على دعم عسكري لقيادة عملياتها في شرق إفريقيا ووفرت على نفسها خوض الحرب بجيشها فكانت إثيوبيا وكيلها في المنطقة بتسخير جيشها لخدمة الأمريكيين، وقد وفرت الأخيرة للقوات الأمريكية فرصة إنشاء قاعدة جوية بمدينة (أربامنش) جنوب إثيوبيا بالقرب من الحدود الصومالية. أين يقبع أسطول للطائرات المحملة بصواريخ (هيل فاير) بدون طيار لتنفيذ عمليات القصف والاستهداف في الصومال ضد حركة الشباب المجاهدين.

ولا يختصر التعاون العسكرى بين أثيوبيا وأمريكا في هذه القاعدة، بل يتسع إلى عدة مجالات وأشكال من التعاون لا زال مستمرا.

ورغم ثبوت الأدلة على التواجد العسكري الأمريكي في أرضها، تصر الحكومة الإثيوبية على نفي ذلك والإصرار على رفضها لأي شكل من أشكال الوجود العسكري الأمريكي على أرضها وهو الرفض الذي أعلنه مرارا وزير خارجيتها إلا  أن مجمع سكنى بمطار «أربامنش المدنى» لإقامة الجنود الامريكيين يؤكد جنوح الأمريكين للاستعانة بالأراضي الاثيوبية، لقيادة الطائرات بدون طيار.

لا زال التاريخ يسجل دفع أمريكا لإثيوبيا ودعمها ماليا وعسكريا في غزوها للأراضى الصومالية عام 2006  دون أن ننسى التعاون العسكرى غير المباشر وغير المعلن بين الجانبين منذ سقوط نظام سياد بري، ما يسمح لنا  بتقييم حجم المصالح المشتركة التي تحكم العلاقات الأمريكية الإثيوبية والتي تفسر صمت المجتمع الدولي عن الوضع المنذر في داخل إثيوبيا بل على العكس من ذلك تسارع الأمم المتحدة لكسب هذه القوة المعادية للسلام لتكون جزء في فريقها الذي يزعم العمل لأجل تحقيق السلام. لترسم لنا مشهد النفاق الدولي الصارخ في التعامل مع القضايا بحسب المصالح الجيوسياسية في العالم. وليصبح توظيف القوى بحسب المصالح الأمريكية والغربية لا الشعارات الشكلية التي ترفعها الأمم المتحدة في حين لا تطبقها إلا على بلدان معينة وتغض الطرف عن أخرى كما هو الحال الآن مع إثيوبيا التي تستعين بها الأمم المتحدة وتصبغ عليها الشرعية لإقامة سلام مزعوم في الصومال والسودان بينما لم تعرفه هي بعد على أرضها.