صحيفة نيويورك تايمز: حملة إعلامية سرية على مواقع التواصل لتعزيز حكم العسكر في السوادن

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

نشرت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية تقريرًا بعنوان: “إننا في حالة حرب: حملة إعلامية سرية على مواقع التواصل لتعزيز حكم العسكر في السودان”. تناول توظيف شركة دعائية مصرية وأخرى إماراتية لقيادة حرب على مواقع التواصل الاجتماعي ضد المحتجين السودانيين وتلميع صورة حكم العسكر السوداني.

 

وقالت الصحيفة بعد أيام من المذبحة التي قتل فيها المتظاهرون السودانيون على أيدي الجنود السودانيين في الخرطوم في شهر يونيو/حزيران الماضي، بدأت إحدى شركات الدعاية الرقمية الغامضة في القاهرة تحمل إسم “نيو ويفز” بنشر “مقاتلين” على الأنترنت لتلميع حكم العسكر. وهي عملية سرية تعمل على مدح وتجميل صورة الجيش السوداني على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

ووظفت الشركة المصرية، التي يديرها ضابط سابق في الجيش المصري وخبير في “حرب الإنترنت”، وظفت المجندين الجدد بـراتب 180 دولارًا شهريًا لكتابة رسائل مؤيدة للجيش السوداني باستخدام حسابات مزيفة على فيسبوك وتويتر وأنستغرام وتلغرام. حيث يملي عليهم المدربون أسماء الوسوم والنقاط التي يتحدثون عنها بحسب ما أوضحت الصحيفة.

 

وتم تلقين المجندين الجدد دروسًا بشأن الثورة السودانية على أن المحتجين ينشرون الفوضى في البلاد ولابد من استرجاع النظام قبل أن تعم هذه الفوضى.

 

ونقلت الصحيفة قول أحد المدربين وهو يصف للمجندين الجدد طبيعة عملهم قائلًا: “إننا في حالة حرب” فـ “والوضع الأمني هش، وعلى الجيش أن يحكم الآن. ”

 

وبحسب الصحيفة فقد أصبحت حملات التأثير السري الأداة المفضلة للقادة في دول مثل الصين وروسيا، حيث يسمح التلاعب في وسائل التواصل الاجتماعي بدعم التكتيكات القمعية الموظفة في الشوارع.

 

أما في الشرق الأوسط، فيتم تنسيق تلك الحملات العابرة للحدود بين حكومات المنطقة في محاولة لتعزيز الحكم الاستبدادي وإخماد فرص الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى الربيع العربي في عام 2011.

 

وأشارت الصحيفة إلى أن الجهود المصرية السرية لدعم الجيش السوداني على وسائل التواصل الاجتماعي هذا الصيف من قبل شركة “نيو ويفز” في القاهرة ، مجرد جزء من عملية أكبر بكثير امتدت في الشرق الأوسط واستهدفت أشخاصًا بعينهم في تسع دول على الأقل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقا لفيسبوك.

 

وتم الكشف عن الحملة في 1 أغسطس عندما أعلن موقع فيسبوك بأنه أغلق مئات الحسابات التي تديرها شركة “نيو ويفز” المصرية وشركة إماراتية تحمل نفس الإسم.

 

وبالتعاون استخدمت الشركتان الأموال والخداع والتزوير للاستفادة من جمهور فيسبوك البالغ 14 مليون مستخدم بالإضافة إلى الآلاف الآخرين على أنستغرام.

 

ونقلت الصحيفة قول متحدث باسم فيسبوك خلال مقابلة قال فيها: “إن الشركة لم تعثر على أدلة كافية لربط العملية بحكومات مصر أو الإمارات. ولكن كان هناك الكثير من القرائن تدل على ذلك”.

 

عمرو حسين صاحب شركة “نيو وفيز” متقاعد من الجيش المصري منذ عام 2001 وصف نفسه على صفحته في فيسبوك بأنه “باحث في حروب الإنترنت”. وهو مؤيد قوي للرئيس المصري المستبد عبد الفتاح السيسي، حيث قاد حملات دعائية علنية لدعم حملة السيسي المحارب لحريات الإنترنت. بحسب وصف الصحيفة.

 

ويقع مقر شركة حسين في مشروع إسكان مملوك للجيش المصري في شرق القاهرة حيث يتم تحذير الموظفين من التحدث إلى الغرباء حول طبيعة عملهم.

 

وقالت الصحيفة إن رسائل الشركة تعكس أهداف السياسة الخارجية لكل من مصر والإمارات والسعودية ووصفت الصحيفة الدول الثلاث بالمحور القوي الذي يتمتع بنفوذ هائل في جميع أنحاء الشرق الأوسط منذ عام 2011، والذي عمل على تعزيز موقع الحلفاء الاستبداديين والتدخل في الحروب الإقليمية.

 

وأشارت الصحيفة لأربعة أشخاص على دراية بشركة “نيو ويفز” كشفوا لها طبيعة نشاط الشركة بشرط عدم الكشف عن هويتهم خشية السلطات المصرية.

 

من جانبه اتهم حسين شركة فيسبوك بالكذب ونفى أي صلة لشركته بالإمارات. وكتب في رسالة نصية: “لا أعرف ما الذي تتحدثون عنه” ، فيسبوك هذا “غير عادل”. ورفض التعليق.

 

وأوضحت الصحيفة أن موظفين اثنين سابقين في شركة “نيو ويفز” رفضا التعليق على رسائل الصحيفة.

 

وقال النشطاء السودانيون الذين لاحظوا زيادة في نشاط وسائل التواصل الاجتماعي المؤيدة للجيش السوداني خلال الصيف بأنهم لم يتفاجأوا بالحملة الملمعة للعسكر.

 

وقال محمد سليمان مهندس مقيم في مدينة “بوسطن” الأمريكية ويناصر الثورة في السودان: “كان هناك الكثير من الحسابات الوهمية “… و”الأخبار المزيفة هي مصدر خطر حقيقي للسودان. وعند الحديث عن  ثورة مضادة فإن إحدى وسائل النظام الرئيسية لقيادتها ستكون وسائل الإعلام الاجتماعية”.

 

من جانبها أعلنت فيسبوك أن الشركات المصرية والإماراتية عملت معًا لإدارة 361 حسابًا تصل إلى 13.7 مليون مستخدم على فيسبوك. وأنفقت 167 ألف دولار على الدعاية واستخدمت بطاقات هوية مزورة لإخفاء دورها في العملية.

 

وأيّدت هذه الحسابات أيضا اللواء خليفة حفتر الذي تعد مصر والإمارات من بين أقوى حلفائه، وقد أشاد من جانبه بالإمارات وانتقد قطر خصم السعوديين والمصريين والإماراتيين .

 

رسائل أخرى أرسلتها هذه الحسابات تحدثت عن الحرب التي قادتها السعودية في اليمن وعززت المطالب باستقلال أرض الصومال  وهو هدف رئيسي للإمارات في سباق النفوذ والعقود المربحة في القرن الإفريقي بحسب ما أشارت الصحيفة.

 

ووصف الموقع الإلكتروني للشركة الإماراتية “نيو ويفز”، الذي تم إغلاقه بعد أن ذكرته شركة فيسبوك في 1 أغسطس، وصف نشاطه على أنه مجمع إعلامي تملكه الحكومة في أبو ظبي.

 

وقال وكيل خدمة العملاء في مجمع “توفور54” إن شركة “نيو ويفز” لديها 10 موظفين مسجلين ومديرها العام هو محمد حمدان الزعبي.

 

وأكدت الصحيفة أن الشركة لم تستجب لرسائلها الإلكترونية ولا لمكالماتها الهاتفية.

 

أما في القاهرة، فقد قيل للمجندين الجدد في شركة “نيو ويفز” التي تستهدف ثورة السودان أن مهمتهم هي خلق “توازن” بين الجيش والمتظاهرين على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

وقال أحد المدربين: “إننا نفعل شيئًا كبيرًا جدًا ، مهما جدًا هنا”… “ففي الماضي كانت الحروب تدار بالأسلحة. أما الآن فتتم إدارة الحروب عبر وسائل التواصل الاجتماعي “.

 

وقالت الصحيفة لقد كانت مصر والسعودية والإمارات الدول الداعمة بشكل رئيسي للجنرالات السودانيين الذين استولوا على السلطة في شهر أبريل الماضي، كما عرض السعوديون والإماراتيون 3 مليارات دولار كمساعدات بينما قدمت مصر الدعم الدبلوماسي للبلاد.

 

رغم ذلك، كان من الصعب السيطرة على مساحة وسائل التواصل الاجتماعي النشطة بحيوية في السودان.

 

ومنذ الاحتجاجات الأولى ضد البشير في شهر ديسمبر، استخدم قادة الثورة الإنترنت لتعبئة المظاهرات وللتحايل على الرقابة الرسمية ولجذب الدعم من المشاهير.

 

وأوضحت الصحيفة أنه خلال ساعات من مذبحة المدنيين في الخرطوم في 3 يونيو، كان أول عمل للجيش هو قطع الإنترنت في السودان. ثم تنشيط وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لتخفيف بشاعة صورتها القاسية.

 

وأظهرت الحسابات التي يديرها “حميدتي” ووحدته شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع “سيئة السمعة” صوره وهو يطبخ الوجبات ويلقي خطابًا أمام المسيرات، مسلطًا الضوء على مطالبه بأجور المعلمين بحسبما أشارت الصحيفة.

 

وطالب النشطاء السودانيون من موقع فيسبوك إغلاق هذه الحسابات، متهمين الشركة بإعطاء منصة مجانية لمجرم حرب .

 

من جانبها رفضت فيسبوك إغلاق الحسابات لأن قوات الدعم السريع أصبحت” ممثلاً للدولة السودانية”. والفريق حميدتي أصبح شخصية بارزة في حكومة تقاسم السلطة الجديدة.

 

وأوضحت الصحيفة أنه في أبريل/نيسان، بدأت فيسبوك بالتحقيق في نشاط شركة “نيو ويفز” كجزء من حملتها العالمية لإغلاق ما تسميه “سلوكًا غير منسق” على نظامها الأساسي.

 

وانتشرت حسابات كثيرة مؤيدة للجيش على موقع تويتر مكتوبة بأسماء وهمية، وغالبًا ما تستخدم صورًا لنشطاء أو موسيقيين بارزين لكن لغتها العربية تدل على أن من يكتبها لم يكونوا سودانيين.

 

وقالت صحيفة نيويورك تايمز لقد كشفت شركة “نيو ويفز” عن نهج الدولة المصرية في التحكم في النقاش عبر الإنترنت.

 

وأشارت إلى سياسات القمع وتكميم الأفواه التي يسلطها السيسي على الشعب المصري، فقالت الصحيفة: “في عهد السيسي، حظرت مصر أكثر من 500 موقع على شبكة الإنترنت وأدخلت قوانين تجرِّم انتقاد الحكومة المصرية على وسائل التواصل الاجتماعي التي وصفها السيسي بأنها تشكل تهديدًا للأمن القومي”.

 

وكثيرًا ما يتم سجن الناشطين الناقدين للحكومة على الإنترنت في مصر. ونقلت الصحيفة قصة اعتقال ريم محمد دسوقي في 7 يوليو/تموز وهي مواطنة أمريكية مصرية، حيث اعتقلت عند وصولها إلى مطار القاهرة مع ابنها البالغ من العمر 13 عامًا. وصادر المسؤولون المصريون هاتف ريم وبحثوا في مشاركاتها على فيسبوك واتهموها بعد ذلك باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للإضرار بمصر.

 

ريم محتجزة الآن في سجن القناطر خارج القاهرة وعاد ابنها إلى الولايات المتحدة. بحسب ما أوضحت الصحيفة.

 

وكشفت الصحيفة أيضا نشاط حسين مدير شركة “نيو ويفز” المرتبط بالحكومة المصرية حيث أكدت أن حسين سبق وأن كتب بين عامي 2015 و 2017 في عمود في جريدة “البوابة” المؤيدة للجيش المصري. وفي الخريف الماضي، وجه حملة توعية عامة تحذر المصريين من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي.

 

واستشهدت الصحيفة بمقابلة مع حسين على قناة تلفزيونية مؤيدة للحكومة المصرية يقول فيها: “منذ عام 2011 تدور حرب على وسائل التواصل الاجتماعي”، وسلطت الصحيفة الضوء على استخدامه المثل “النازي”: “كلما كبرت الكذبة كلما زاد عدد الناس الذين يصدقونها”.

 

وقال فيسبوك إن المدراء التنفيذيين لشركة “نيو ويفز” ومثيلتها الإماراتية بذلوا قصارى جهدهم لإخفاء دورهم في حملة التأثير في الشرق الأوسط. فقد حصلوا على حسابات مزيفة لإدارة صفحات فيسبوك التي زُعم أنها مواقع إخبارية لتغطية أخبار تسع دول، بما في ذلك السودان والصومال والكويت وليبيا.

 

وغالبًا ما كانت الصفحات تتضمن منشورات حقيقية حول أخبار حقيقية أو عناصر ترفيهية خفيفة مثل الرسوم المتحركة، تتخللها عناصر مزيفة تتصل بموضوع مشترك.

 

ومثال على ذلك ضربت الصحيفة مثالا صفحة (السودان اليوم) على “فيسبوك” التي ترتبط بموقع يحمل نفس الإسم نشر 17 مقالاً في الفترة ما بين شهري مايو وأغسطس تحمل اتهامات لجماعة الإخوان المسلمين بالتآمر للإطاحة بالمجلس العسكري الانتقالي في السودان، و 60 مقالة أخرى تدعم قيادة حميدتي.

 

وشارك فيسبوك النتائج التي توصل إليها مع تويتر، والذي قام بدوره بحذف حساب “نيو ويفز” ولكن تويتر رفض التعليق واكتفى بإعلان إزالته عدة حسابات متعلقة بالسودان.

 

وخلال مقابلة في شهر يوليو قال حسين أن شركة “نيو ويفز” لديها عميل واحد فقط، هو شركة إنتاج مسرحي تديرها الحكومة المصرية تسمى”أوبرا بنت عربي” وقال إنه يتحدث عن خطر وسائل التواصل الاجتماعي لأن مجتمع الشرق الأوسط مجتمع خاص. وأضاف: “أنا أتحدث عن الأخطار ليس فقط في مصر بل في كل العالم”.

 

وختمت الصحيفة مقالتها بالإشارة إلى تهرب حسين من كشف مزيد من الحقائق بشأن هذه الحرب التي تخوضها الحكومات على الأنترنت في ثورة مضادة لثورات الشعوب في المنطقة.

 

ويجدر الإشارة إلى أن هذه المقالة نشرت في وقت استلم فيه رئيس الوزراء السوداني “حمدوك” رئاسة حكومته المؤقتة وأعلن عن قائمة وزرائه التي شملت العديد من اليساريين والديمقراطيين والشيوعيين. في حين لا زال الثوار في الشارع السوداني يبدون القلق من تداعيات سياسات حمدوك الإصلاحية التي سيتحمل المواطن السوداني عبأها من جديد ومما يخفيه حكم العسكر الذي يشارك في السلطة ويقود فترتها الانتقالية الأولى.