الثورة السودانية تجرف البشير وتكشف حكم العكسر للبلاد

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

كشفت الثورة السودانية الصامدة الوجه الحقيقي لنظام الحكم في السودان، بعد أن أجبرت الرئيس السوداني عمر البشير على حل الحكومة وتنصيب وزير الدفاع عوض بن عوف نائبا أول للرئيس، مع احتفاظه بمنصبه كوزير للدفاع، مع إعلان حالة الطوارئ.

 

حيث أعلن البشير يوم الجمعة الماضي حالة الطوارئ لمدة عام، وحل الحكومة المركزية وحكومات الولايات، وعيّن 16 ضابطًا في الجيش وضابطين من جهاز الأمن والمخابرات محافظين لولايات البلاد الـ18.  وعيّن وزير الدفاع عوض بن عوف نائبا أول للرئيس، مع احتفاظه بمنصبه كوزير للدفاع.

 

وقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، العميد أحمد خليفة الشامي، في بيان صحفي، إن البشير قرر تعيين الفريق أول مراقب جوي ركن عصام الدين مبارك حبيب الله وزيراً للدولة بوزارة الدفاع، وترقية الفريق الركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن البرهان إلى رتبة الفريق أول .

 

كما طالب البشير البرلمان بتأجيل تعديلات دستورية كان يسعى من خلالها لتمديد فترة رئاسته في انتخابات الرئاسة عام 2020.

 

وبسبب صمود الثورة السودانية، وفشل حملته القمعية المميتة التي استمرت لأسابيع، سلم البشير يوم الثلاثاء الماضي زمام الحكم رسميا -أثناء أداء مراسم القسم- لوزير الدفاع وكلاهما يرتدي الزي العسكري في كشف علني لحكم العسكر للسودان.

 

كما أمر البشير بحظر جميع التجمعات بدون إذن من السلطات ومنح قوات الأمن سلطات واسعة لدخول المباني وتفتيش الناس.

 

وأعطى صلاحيات واسعة للشرطة كتفتيش أي مبنى في أي وقت،  ومراقبة الأشخاص ووسائل المواصلات العامة، واعتقال المشتبه بهم والتحفظ على الأموال والممتلكات خلال فترة التحقيق.

 

كما أعطى الحق للسلطات السودانية في فرض الرقابة على أي ممتلكات أو منشآت، والحجزَ عليها وعلى الأموال في حالات الشبهة.

 

ويدخل في القيود الجديدة بقانون الطوارئ حظر كل الأخبار وما يتصل بها من إعداد أو نشر أو تداول يصنّف بأنه يضر بالدولة أو المواطنين، أو يدعو إلى تقويض النظام الدستوري القائم أو بث روح الكراهية أو العنصرية أو التفرقة بأي وسيلة من وسائل النشر. إضافة لقائمة من القوانين التي تخص التعاملات المالية والتجارية.

 

الثورة مستمرة

ومع ذلك خرجت مظاهرات حاشدة وذلك بعد ساعات فقط من إعلان حالة الطوارئ وحظر التجمعات والمظاهرات، خرجت في قلب العاصمة الخرطوم وعدد من أحياء وقرى في جميع السودان وهي تطالب بإسقاط النظام الحاكم وتنحي عمر البشير.

 

من جهتها حاولت الشرطة صد المحتجين بقنابل الغاز المسيلة للدموع وأحيانا بالرصاص الحي. كما وجهت أصابع الاتهام بشأن الانتهاكات الإنسانية والتحرش الجنسي بالطالبات الجامعيات، لعناصر الأمن، في أحداث اقتحام إحدى الجامعات.

 

وبلغ عدد القتلى في هذه الثورة بحسب إحصاءات هيومن رايتس ووتش 51 قتيلا على الأقل، في حين اعترف المسؤولون السودانيون بعدد 31 شخصا قتلوا خلال الثورة التي انطلقت في 19 كانون الأول/ديسمبر الماضي.

 

قانون الطوارئ خطوة فاشلة

وعن رسالة السودانيين للبشير عبر هذه الاحتجاجات، أكد عدة ناشطين أن قانون الطوارئ كان مطبقا بالأصل في حوالي 13 ولاية، ومع ذلك لم يمنع المحتجين من الخروج في الاحتجاجات والمطالبة بإسقاط النظام.

 

ويجدر الإشارة إلى أن حالة الطوارئ تطبق في  ولايات دارفور الخمس وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وولايتي شمال كردفان وكسلا. وبعد انطلاق الثورة فرضت حالة الطوارئ في ولايات نهر النيل والشمالية والنيل الأبيض والقضارف وسنار. والآن تقبع كل السودان تحت حكم الطوارئ.

 

ويرى الثوار السودانيين في فرض قانون الطوارئ مجرد شرعنة للمارسات الظالمة التي طالما مارستها الحكومة السودانية بحق المواطنين السودانيين، وبالتالي فستشرعن بهذا القانون القتل الذي مارسته من قبل والعنف والتعذيب وانتهاك حرمات البيوت وحقوق الإنسان. تماما كما يفعل أي نظام دكتاتوري في العالم.

 

من جانبه لا يرى المتحدث السابق باسم تجمع المهنيين السودانيين بالخارج الصحفي محمد الأسباط أن أوامر الطوارئ ستحد من حركة الاحتجاجات، لأنها ليست أمرا جديدا، فالبلاد تعيشها منذ انفصال جنوب السودان في يوليو/تموز 2011.

 

واتفق المراقبون بالنظر للوضع الذي آل إليه الشارع السوداني أن هذه القرارات وقانون الطوارئ لن تغير من خط الثورة، فقد وصلت إلى مرحلة يصعب العودة منها إلى أي نقطة في الخلف.

 

وليست المرة الأولى التي تعرف فيها السودان حالة الطوارئ فقد سبق وأن فرضها البشير في البلاد، وكانت المرة الأولى لأكثر من عام لدى وصوله إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في الثلاثين من يونيو/حزيران 1989. والثانية في ديسمبر/كانون الأول 1999، إثر ما يعرف بالمفاصلة التي أطاحت بحليفه حسن الترابي.

 

  شكل الحكومة العسكرية

وفي حين تولى وزير الدفاع زمام البلاد، شملت القرارات إجراء تعديل في رئاسة الأركان المشتركة كان منها تعيين الفريق أول ركن كمال عبد المعروف الماحي بشير رئيسًا للأركان المشتركة، الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب أحمد بابكر نائبًا لرئيس الأركان المشتركة، والفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن البرهان مفتشًا عامًا للقوات المسلحة، والفريق طيار ركن صلاح عبد الخالق سعيد رئيسًا لأركان القوى الجوية، والفريق الركن محمد عثمان الحسين رئيسًا لأركان القوات البرية، والفريق بحري ركن عبد الله المطري الفرضي رئيسًا لأركان القوات البحرية، والفريق الركن شمس الدين كباشي إبراهيم رئيسًا لهيئة العمليات المشتركة، والفريق الركن مصطفي محمد مصطفي رئيسًا لهيئة الاستخبارات العسكرية.

 

وبهذا يحكم السودان علنيا اليوم حكام عسكريون وأمنيين لإدارة الولايات السودانية المختلفة.

 

وهي الطريقة التي يحاول من خلالها عمر البشير فرض الواقع المصري على الثورة السودانية.

 

وستواجه الآن هذه الثورة النظام الحقيقي في السودان وهو العكسر الذي لا يمثل عمر البشير إلا واجهة له.