في حين يندد يهود “الفلاشا” في تل أبيب بالعنصرية ضدهم حاخام يهودي كبير يدعو لتسريع هجرة يهود إثيوبيا إلى إسرائيل
تقرير خاصة لوكالة شهادة الإخبارية
دعا الحاخام يوسف حيدان، وهو الحاخام الأكبر السابق للجماعة اليهودية الإثيوبية في إسرائيل، الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ قرار نهائي بشأن هجرة ما تبقى من يهود إثيوبيا “الفلاشا” الذين ينتظرون دورهم في الترحيل إلى إسرائيل. بحسب صحيفة جيروزاليم بوست اليهودية.
وتأتي دعوة الحاخام اليهودي في وقت تندد فيه جالية يهود إثيوبيا “الفلاشا” بالعنصرية التي تمارسها الحكومة ضدهم.
عملية تهجير سارية
وقد وصل بالفعل 80 مستوطن جديد من إثيوبيا إلى مطار بن غوريون الإسرائيلي يوم الإثنين، وهي الدفعة الأولى من مجموعة تضم ألفا من يهود الفلاشا الذين وافقت السلطات الإسرائيلية على هجرتهم إلى فلسطين المحتلة العام الماضي.
وينتظر حوالي 7 آلاف آخرين في العاصمة أديس أبابا وجوندار تسريع إجراءات هجرتهم، حيث انتقد ناشطون بشدة الحكومة الإسرائيلية لتعطيلها هذه الإجراءات. بحسب الصحيفة.
وقد قررت الحكومة الإسرائيلية في عام 2015 توطين جميع اليهود الفلاشا في إسرائيل. ولكن تم تأجيل عملية التنفيذ لعدة أسباب منها المعارضة السياسية للمشروع في تل أبيب.
وبحسب صحيفة جيروزاليم بوست لا يحق ليهود الفلاشا الحصول على الجنسية بموجب قانون العودة لأن أسلافهم قد تحولوا – تحت الإكراه – إلى الديانة المسيحية. ولكن يتم منحهم الجنسية بموجب قانون الدخول بناءً على تقدير وزير الداخلية ، وفي معظم الحالات وفق قوانين لم شمل الأسرة.
كما تشترط الحكومة الإسرائيلية اعتناق الديانة اليهودية عند دخولهم إلى إسرائيل.
وأوضحت الصحيفة بأنه خلال موجات الترحيل باسم “بيتا إسرائيل” لتهجير اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل، انقسمت بعض العائلات نتيجة منع بعض أفرادها من الدخول معها.
ووفقاً لما ذكره عضو الكنيست أفراهام نيجويز ، وهو أحد الناشطين منذ فترة طويلة لأجل قضية اليهود الفلاشا، فإن ما يقرب من ألف شخص من مجموع الثمانية آلاف ممن يسعون للهجرة من إثيوبيا لإسرائيل لديهم أطفال هناك ، و 2200 لديهم الآباء والأمهات ، و 2500 لديهم الإخوة والأخوات ، وجميعهم يعتبرون من الأقارب من الدرجة الأولى. بحسب صحيفة جيروزاليم بوست.
كما أن هناك 2300 آخرين ممن ينتظرون لديهم أعمام وعمات وأبناء عمومة في إسرائيل ، والذين يعتبرون من أقارب الدرجة الثانية.
وفي حديثه لصحيفة جيروزاليم بوست، حرص الحاخام حدين على مطالبة وزير الداخلية الإسرائيلي بمعالجة جميع الطلبات البالغ عددها ثمانية آلاف طلب، وتقييمها كي يتم إغلاق المراكز التجمعية ليهود الفلاشا في أديس أبابا وجوندار وإنهاء هذه القضية.
وقال الحاخام : “إن عملية ترحيل ألف إثيوبي يهودي أمر جيد، وأنا أرحب بهذا القرار. لكنه لا يكفي “، وأضاف: “على الحكومة أن تسرع معاملات أولئك الذين لا زالوا ينتظرون ترحيلهم كما لا يوجد ما يمنع وزارة الداخلية من التحقق من أهلية هؤلاء المنتظرين”.
وقال الحاخام اليهودي: “يقع على عاتق اليهود في العالم اليوم واجب تقديم يد المساعدة للحكومة الإسرائيلية حتى تتمكن من استيعاب المهاجرين الجدد. هذه مسؤولية وطنية لدى جميع اليهود لأن كل اليهود يتحملون مسؤولية بعضهم البعض “كما قال مقتبسا عن التلمود.
وقال حيدان إنه يقدر جهود يهود أمريكا الشمالية في الماضي في تقديمهم المساعدة لترحيل المهاجرين من إثيوبيا إلى إسرائيل ، لكنه يرى أن “العمل لم ينته بعد”.
معارضة للمشروع
وأشارت الصحيفة إلى أن معارضة كبيرة تتصاعد مع تصاعد هجرة اليهود الفلاشا، يقودها الجناح المحافظ الإسرائيلي إضافة إلى عناصر في الجالية اليهودية الإثيوبية (بيتا) الذين يقولون بأن أعضاء المجتمع المتبقين ليسوا من نسل اليهود من جهة الأمهات، كما كان الحال مع مهاجرين سابقين من يهود الفلاشا في التسعينات والألفية الثانية. وبالتالي فإن المزيد من ملفات الهجرة من شأنه أن يؤدي إلى زيادة طلبات جمع شمل العائلات من الإثيوبيين الذين ليسوا يهوديين بالأصل أو لا يرتبطون بجماعة اليهود الفلاشا.
ونقلت الصحيفة قول الحاخام في أنه بمجرد أن بدأ مجتمع بيتا اليهودي الإسرائيلي عملية الهجرة ، تخلى يهود الفلاشا عن ممتلكاتهم في قراهم الأصلية حيث كانوا يعملون على تربية الماشية والأغنام ذلك أنهم كانوا يسعون دائما إلى تحقيق حلم أجدادهم في الوصول إلى أرض إسرائيل. في إشارة إلى فلسطين المحتلة.
عمليات تهجير سابقة
ويجدر الإشارة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على ترحيل يهود إثيوبيا “الفلاشا”منذ 1948 إلى أراضي فلسطين المحتلة، حيث حملت أول عمليات التهجير إسم عمليات موسى في نفس العام، وإن كانت سبقتها محاولات لتهريب هؤلاء اليهود في ظل معارضة من المسؤولين اليهود لفكرة هجرتهم بالأصل، ولا تزال عملية التهجير والاستيطان مستمرة إلى اللحظة.
كما هاجر أكثر من 100 ألف يهودي إثيوبي إلى أراضي فلسطين المحتلة منذ ثمانينيات القرن العشرين وكان أحد أبرز عمليات التهجير، “عملية سليمان” في مايو/أيار 1991 عند سقوط نظام منغيستو هايلي ميريام، وفي عهد رئيس الوزراء السابق إسحاق شامير، حيث هُجّر أكثر من 20 ألف شخص إلى إسرائيل خلال 36 ساعة فقط.
وعملية جوشوا عام 1985 التي تمت بمساعدة سلاح الجو الأميركي.
وعملية حق العودة التي حوّل خلالها حوالي 25 ألف يهودي من إثيوبيا إلى أرض فلسطين المحتلة، سنة 1982.
وعمليات موسى الثانية وسبأ في 1984 و1985 على التوالي، والتي نقل فيها عشرات الآلاف من اليهود الفلاشا إلى أراضي فلسطين المحتلة بمساعدة السودان في عصر الرئيس السوداني السابق جعفر نميري وبمعية الإدارة الأمريكية.
وعمليات أخرى كعملية أجنحة الحمام في 2012 حيث سُفّر حوالي 8000 آخرين من إثيوبيا إلى فلسطين المحتلة.
وقد بلغ عدد اليهود المهجرين في عام 2014، بحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الهجرة والاستيعاب والوكالة اليهودية، بلغ نحو 26 ألفا و500 يهودي متجاوزا المعدل السنوي للمهاجرين 20 ألفا.
ويجري حاليا استجلاب 8000 يهودي من إثيوبيا إلى فلسطين المحتلة وقد وصل العشرات منهم في عملية تهجير مستمرة وفق برنامج منظم.
لماذا تستعين تل أبيب باليهود الفلاشا؟
ولم يأتي تهجير اليهود الفلاشا لدولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل قضية اليهودية كدين واحد أو بدعاوى الأخوة اليهودية كما يروج لذلك الحاخامات، بل ثبتت معارضة بعض المسئولين اليهود لهجرة هؤلاء الفلاشا وزعموا أنهم يحملون أمراضًا وراثيةً معديةً.
وذلك بحسب ما قاله يعقوب وينشتاين في الوكالة اليهودية حين زار إثيوبيا عام 1949 للمطالبة بتهجير اليهود الفلاشا.
كذلك رفض معظم رؤساء وزراء إسرائيل، كديفيد بن غوريون وموشيه شاريت وليفي إشكول وجولدا مائير هذه الفكرة، بل وعومل من وصل من يهود الفلاشا بتمييز عنصري صارخ.
ولكن الحاجة عمومًا لخدمة هذه الطبقة من يهود الفلاشا في خدمات يترفع عنها اليهود الأصليين، هي التي دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين للموافقة على تطبيق “قانون العودة” الذي يقود ويشرعن عملية التهجير، على يهود إثيوبيا في عام 1975.
وتم توظيفهم بالفعل كأيدي عاملة رخيصة وكشريحة تدعم عملية الاستيطان والديمغرافية اليهودية في فلسطين المحتلة.
رد الجميل على الطريقة اليهودية
وفي حين سبق وأن أشادت صحيفة جيروزاليم بوست بموقف اليهود الفلاشا في دعم إخوانهم المضطهدين في أوروبا، يبدو الواقع داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، على عكس ما يجب أن يكون من رد الجميل في التعامل مع اليهود الفلاشا.
حيث يصطدم المستوطنون الجدد من إثيوبيا بالواقع العنصري الذي كان بانتظارهم داخل الأراضي المحتلة على أيدي سلطات تل أبيب والتي كانت كفيلة بهدم أحلامهم ودفعهم لقبول الواقع بكل عنصريته في سبيل كسب لقمة العيش.
ويظهر من خلال معاملة السلطات الإسرائيلية مع اليهود الفلاشا أنهم استجلبوا لخدمة النخبة اليهودية، لهذا فقد أسكنوا في المناطق الحدودية مع الدول العربية لخطورتها، وفي أحياء فقيرة ومهملة ومدن من الصفيح، وعرفوا التمييز في مقاعد الدراسة، وفي سوق العمل حيث يعمل أغلبهم في كنس الشوارع وتنظيف دورات المياه وتبلغ البطالة في صفوفهم نسبة 65 % ذلك أنهم يحرمون من تولي وظائف النخبة، سواء في المؤسسة العسكرية أو النظام السياسي، وتصل نسبة المعتقلين منهم بتهم جنائية إلى 40%.
بل وصل الأمر أن حظرت بعض الأماكن العامة دخولهم. ولطالما تعرضوا للضرب والإهانة في الشوارع، وسجلت التقارير عمليات إتلاف كميات الدم التي تبرع بها يهود الفلاشا، بحجة الخوف من مرض الإيدز، وهو ما أغضب يهود الفلاشا كثيرًا، وخرجوا في احتجاجات رفعوا خلالها لافتات تحمل عبارة “دمنا مثل دمكم”.
وأدت هذه المعاملة العنصرية لانفجار الجالية اليهودية من إثيوبيا ضد حكومة إسرائيل، مع بداية مايو/أيار 2015، حيث خرجوا في احتجاجات غاضبة أصيب خلالها العشرات من المحتجين ومن الشرطة بجروح متفاوتة الخطورة.
ويعزوا المراقبون هذا الانفجار، للفيديو الذي تم تسجيله وهو يظهر اعتداء شرطيان يهوديان على جندي من يهود الفلاشا.
ولقي الفيديو تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أحرج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ودفعه للقاء الجندي، في محاولة لرد الاتهامات بالعنصرية.
وقال أحد المستوطنين من يهود الفلاشا بعد إقامته في فلسطين المحتلة: “كنا نعتقد أننا في الطريق إلى جنة عدن، ولم نتخيل مواجهة هذه العنصرية والاستخفاف، ولذا أحن اليوم إلى موطني الأول، رغم قسوة المعيشة هناك”..
وقال رئيس حزب “ميرتس” المعارض إيلان غيلون: “أن ما يتعرض له الفلاشا يؤكد تفشي العنصرية في إسرائيل التي سعت لاستقدامهم وأهملت استيعابهم”.
وفي الواقع قد فشل يهود الفلاشا حتى الآن في الاندماج في المجتمع اليهودي، ويتم تصنيفهم كيهود من الدرجة الثالثة بعد اليهود الشرقيين.
موجة الاحتجاجات الأخيرة
ولا زال يهود الفلاشا يعترضون على العنصرية الإسرائيلية اتجاههم إلى اللحظة، فقد خرج الآلاف منهم هذا الأسبوع في تل أبيب احتجاجًا على مقتل “يهودا بيادجا” وهو شاب يهودي من أصل إثيوبي مختل عقليا كان قد قتل برصاص الشرطة الإسرائيلية الأسبوع الماضي.
ويتهم يهود الفلاشا الشرطة الإسرائيلية باستهانتها بالقتل، لدوافع عنصرية نابعة من لون بشرتهم.
وقد اعتقلت الشرطة عددا من المحتجين فيما أعلنت إصابة بعض أفرادها أثناء هذه المواجهات مع يهود الفلاشا الغاضبين.
وقال بسيل لاغيسا أحد قادة الاحتجاجات: إن “الاحتجاج اليوم هو تعبير عن الشعور بالاشمئزاز من الوعود والاعتذارات الرسمية، وعن الاشمئزاز من اللجان التي يتم تعينها في كل مرة، ونحن بالفعل شبعنا من الوعود، ويبدو أن كل جهودهم التي قدمنها دمرت دفعة واحدة، نحن جزء من المجتمع، لكننا نخفض رؤوسنا، وسنرفض تعيين أي لجان تحقيق، نطالب بخطوات عملية وليس بوعود كاذبة”.
وقالت أحد المحتجات بحسب موقع صحيفة “هآرتس” إنها قررت المشاركة في المظاهرة لأنه “توجد عنصرية في كل مكان. وأنا أشعر أنني لا أنتمي للدولة”. وأضافت أن “إثنين من أشقائي خدموا في وحدة قتالية. هذا لا يصدق، أنت تعطي روحك وفي النهاية يقتلونك”.
ويجدر الإشارة إلى أنه بحسب أحدث إحصاء رسمي إسرائيلي، يعيش في دولة الاحتلال حوالي 135 ألف شخص من أصول إثيوبية “الفلاشا”، وهم يمثلون أكثر فئة واجهت صعوبات في التأقلم بسبب عنصرية السلطات في البلاد.