إثيوبيا: بين السياسات المتغيرة والتصريحات المضطربة ومباركات البابا

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

تشهد إثيوبيا اليوم تغييرات عديدة في سياسة البلاد، وتصريحات مريبة تعكس الاضطراب، ثم تحركات من رئيس الوزراء ترسل دلالات وإشارات.

 

تغييرات في سياسة التعامل مع المعارضة

فقد أعلنت الحكومة الإثيوبية في بيان من مكتب المدعي العام عن حصول “13 ألفا و200 شخص على وثائق عفو” بعد أن اتهموا سابقًا بالخيانة أو الإرهاب، فيما أعطيت بعض أحزاب المعارضة حقها في النشاط لأول مرة في تاريخ المعارضة الإثيوبية.

 

الخبر نقلته هيئة الإذاعة والتلفزيون الإثيوبية (فانا) حيث حصلت جماعات معارضة – كانت تصنف “إرهابية”- على حق مزاولة نشاطها في البلاد بإقرار من البرلمان وهي جبهة “تحرير أورومو”، و”الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين”، وحركة “جينبوت 7″، المعارضة في المنفى، وذلك منذ شهر يونيو الماضي. فيما اعتبره مراقبون وسيلة جديدة لتهدئة الشارع الإثيوبي وتخفيف لهجة العنف.

 

ولا زالت الحكومة الإثيوبية تحاول ضبط الشارع المضطرب، ويبدو أن رئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد” قد وصل إلى قناعة بأن فتح الباب للمشاورات مع ساسة المعارضة وجماعات من المجتمع الدولي لمناقشة المشاكل في الساحة الإثيوبية الداخلية أصبح ضرورة وإلزاما ، بعد فشل سياسة القمع الأمني والحديد والنار.

 

ويعكس القرار مدى التغيير الذي نال من السياسة الإثيوبية في التعامل مع المعارضة في البلاد، فبعد أن كانت رموزها تُلاحق وتُطارد وتُسجن بتهم الخيانة والإرهاب، تبدلت لهجة الحكومة اليوم بإصدار العفو العام ومحاولة تفعيل العلاقات من خلال المفاوضات، وهذه السياسة بحسب ما يرى المراقبون، جديدة على النظام الإثيوبي الذي لا يعرف إلا الضرب بيد من حديد، لكنها تعكس أكثر درجة تأثير الضغط من الشارع الإثيوبي في إرضاخ الحكومة لمطالب الشعب والمعارضة الإثيوبية.

 

ويخشى بعض المراقبين أن يضطر أبي أحمد لمواجهة معارضة منافسة تؤدي إلى تغييرات كبرى في سياسة الحكم الإثيوبية، خاصة وأن انتقادات المعارضة تصل لحد المطالبة بتغيير القوانين الإثيوبية وتغيير الحكومة. في حين يراه البعض فرصة لنهضة كبرى في إثيوبيا تحقق فيها المعارضة أهدافها التي طالما كافحت لأجلها.

 

ويجدر الإشارة إلى أن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا أخبارًا وشهادات تؤكد تنفيذ الجيش الإثيوبي عمليات قصف جوي على مواقع لجماعة تحرير أورومو في منطقة “ولغا” غرب ولاية أورومو. وهو ما كذبه قائد القوات الجوية الإثيوبية العميد “يلما مرغيشا” في مقابلة له مع وكالة الأنباء الإثيوبية مشيرًا إلى أن الحكومة تحاول فقط فرض الأمن على البلاد.

 

تصريحات مضطربة تعكس سوء تقييم وفساد

وعلى الصعيد الاقتصادي، لا يزال ملف سد النهضة يشوبه الغموض بعد التصريحات المضطربة التي أدلى بها مسؤولون حكوميون، والتي تؤكد بأن الأخطاء قد تراكمت في مشروع بناء السد الواعد، والاتهامات بالفساد وبسوء التقييم أضحت السبب الرئيس لتفسير تأخر إعلان الافتتاح.

 

وقد بررت الحكومة الإثيوبية تعطل مشروع سد النهضة لأسباب إدارية وتقنية، حيث تعطلت شركة “ميتيك” المقاولة وهي شركة تابعة لقوات الدفاع الإثيوبية عن تلبية شروط العقد الذي وقعته مع الحكومة .

 

كما واجهت الشركة عقبة وادٍ عميقٍ خلال البناء، لم تكن متوقعة. مع العلم أن التخطيط للبناء انطلق بتقدير مدة البناء بخمس سنوات فقط لتكون كافية لإتمام مشروع سد بهذا الحجم، في حين هذا القييم لم يخرج عن وصف “المجازفة” أو “سوء التقييم” بحسب الخبراء في بناء السدود.

 

حيث أطلقت إثيوبيا مشروع سد النهضة في عام 2011، بإقليم “بني شنقول ـ جمز”، على بعد أكثر من 980 كم عن العاصمة أديس أبابا، ووعدت بإنهائه في 5 سنوات، ثم تراجعت لاحقًا بعد تجاوز التاريخ المحدد للافتتاح، وأقرت بأن الأعمال على بناء السد ستتأخر لسنوات أخرى.

 

وبدل الحديث عن سد النهضة وتقديم تفسير لتعثر المشروع، لفت الإعلام الإثيوبي الأنظار لسد “غيدابو” للري الذي أعلنت عن افتتاحه وكالة الأنباء الإثيوبية. وتبلغ سعة السد الجديد التخزينية 62.5 مليون متر مكعب، وهو يقع بين ولايتي جنوب البلاد وأوروميا،  وبلغت تكلفة بنائه ما يزيد عن1.1 مليار بر إثيوبي.

 

فهل الإعلان عن مشروع السد الجديد جاء للتخفيف من حجم الضغط والمساءلة التي تتكرر بخصوص تعثر سد النهضة أم أنه خطوة أخرى لاستدراك التأخير الذي وقع فيه مشروع بناء هذا السد؟

 

والنتيجة أن سد النهضة لا زال متعثرًا ولا تزال تصريحات المسؤولين عنه لا تقدم الإجابات الكافية حتى الآن، لتبديد مخاوف الشعب من الاتهامات بالفساد المالي والاختلاسات التي وجهت للقائمين عليه، بل على العكس تعمّقها. خاصة مع ظهور الأدلة على حقيقتها. وتأكيد بعض المراقبين الإثيوبيين أن الحل الأفضل أمام الحكومة هو التخلي عن سياسة التعتيم والتصريحات المضطربة واعتماد منهج الشفافية في مثل هذه القضايا.

 

عسكريا: القوات الإثيوبية وورطة الصومال

في هذه الأثناء التي تعاني فيها إثيوبيا اضطرابات داخلية واقتصادية، تعاني القوات الإثيوبية من هجمات حركة الشباب المجاهدين التي تستهدف قوافل جنودها العسكرية داخل الأراضي الصومالية، فقد ارتفعت حصيلة الجنود الذين قتلوا في كمين نصبه مقاتلو  حركة الشباب على الطريق السريع الواصل بين مدينتي مقديشو وبيدوا جنوب غرب البلاد. إلى 82 جندي إثيوبي بحسب مصادر إعلامية للحركة بعد أن نشرت الأخيرة بيانًا مستعجلا بعنوان “دحر رتل من قوات الأحباش الصليبية” تناول تفاصيل ودوافع الكمين الذي استهدف القوات الإثيوبية وحصيلة أولية لعدد القتلى الإثيوبيين قدرت بـ 57 قتيلا.

 

والجدير بالذكر أن وزارة الدفاع الإثيوبية نفت جملةً وتفصيلًا حقيقة سقوط قتلى من جنودها في الكمين الذي نصبته الحركة مع اعترافها بوقوع قواتها في الكمين، ولكن ما لبثت أن أعلنت بأنها تستعد لشنّ “هجوم واسع النطاق”؛ رداً على كمين حركة الشباب على قواتها.

 

وتساءل مراقبون لماذا تعلن إثيوبيا حملة انتقامية من حركة الشباب إن كانت تزعم أن الكمين لم يقتل أحدًا من جنودها؟ ما يكشف الاضطراب في التصريحات الإثيوبية.

 

فيما اعتبر آخرون الرد تأكيدًا على صحة رواية حركة الشباب في مقتل القوات الإثيوبية في الكمين وإلحاق خسائر كبيرة في صفوف الرتل العسكري الذي كان يتحرك داخل الأراضي الصومالية ما يدفعها لرد فعل بحجم الخسارة.

 

أبي أحمد وهدية للبابا

 

 

وفي سياق منفصل، زار رئيس الوزراء الإثيوبي، بابا الفاتيكان فرنسيس الأول لمناقشة مشاريع أبي أحمد التي يعمل عليها حاليًا داخل البلاد وخارجها، واختتم اللقاء بتقديم أبي هدية للبابا مكونة من الأقمشة الإثيوبية التقليدية ولوحة رسم عليها ما وصف بأنه “المسيح “، في حين أهدى البابا لأبي أحمد  ميدالية مع صورة لحفنة من الذرة وعنقودًا من العنب في الصحراء، وفسّر البابا هذا الرمز بأنه نبوءة “أشعيا” في معتقدات النصارى تقضي بأن الصحراء ستتحول يوم ما إلى حديقة غناء.

 

السياسات المتغيرة والتصريحات المضطربة إلى أين؟

يبدو واضحا أن السياسة الإثيوبية قد تغيرت وأصبحت تعمد إلى تغيير لهجة خطابها وتصنيفاتها مع المعارضة بسبب ما تفرضه قوة الشارع الإثيوبي، لكن اضطربات تصريحاتها لا زالت تخفي درجة التخبط في اتخاذ القرارت أو في إدارة البلاد والاقتصاد والقوات، وتؤكد على إصرار الحكومة على مواصلة سياسة التعتيم لإخفاء أخطائها القاتلة، وقد ظهر ذلك في إنكارها القصوفات على المعارضة ومحاولاتها في مداراة تعثر سد النهضة بسبب الفساد المالي والإداري، وأيضا إنكارها سقوط قتلى من جنودها في الصومال – في الآونة الأخيرة- نتيجة تصعيد الهجمات المستهدفة لهم من قبل حركة الشباب المجاهدين، حيث أصرت وزارة الدفاع على إنكار مقتل جنودها تمامًا كما أنكرت إستعمال القصف على مواقع لجبهة تحرير أورومو.

 

ولا شك أن هذه السياسة الإثيوبية والاضطراب، لن تغير من واقع البلاد في الداخل ولا في واقع قواتها في الصومال، أين تدفع البلاد الثمن الباهظ لتدخل حكومتها المرفوض من قبل الشعب الصومالي رغم ترحيب الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب به، والتي يعتبر الشعب الصومالي ترحيبها هذا خيانة لتاريخ الصومال، حيث يعتبر الصوماليون إثيوبيا العدو الأول للبلاد نظرا لسجل التاريخ المليء بالحروب بين البلدين بسبب أطماع الحكومات الإثيوبية في البلاد.

 

فهل سينجي تقارب أبي أحمد مع البابا فرانسيس إثيوبيا ومباركات الأخير له من دوامة الاضطرابات والتغييرات، أم أنه يعطي إشارات تدعم الاتجاه الذي يشكك في أن رئيس الوزراء قد اعتنق دين والدته النصرانية. هذا ما ستوضحه أكثر تحركات أبي المقبلة.