حلف دول البحر الأحمر ينهي مناورات “الموج الأحمر” في غياب إريتريا وتحديات تلوح في الأفق
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
في إطار جهود السعودية لتقوية التحالف الدولي الذي أعلنت عنه مؤخرًا خلال مؤتمر جمع دول البحر الأحمر، اختتمت هذا الأسبوع فعاليات المناورات البحرية التي حملت إسم “الموج الأحمر” بقيادة الأسطول الغربي بجدة.
وقد شارك في المناورات الدول العربية السبع المطلة على البحر الأحمر وهي السعودية، الأردن، مصر، السودان، جيبوتي، اليمن، والصومال. وغاب عن هذه المناورات أحد أهم الدول المطلة على البحر الأحمر، وهي إريتريا.
ويجدر الإشارة إلى أن السعودية أعلنت في شهر ديسمبر الماضي عن تأسيس كيان لدول البحر الأحمر وخليج عدن يضم الدول المشاركة في المناورات، لتعزيز سبل التعاون فى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية ولتحقيق مصالحها المشتركة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
مناورات “الموج الأحمر”
المناورات الأخيرة شملت فعاليات مختلفة كان منها تمارين الإنزال الجوي والاقتحام البحري. وهي تهدف لرفع مستوى جاهزية هذه الدول لأي سيناريوهات مرتقبة في وقت تتعرض فيه خريطة العالم لتغيرات جيوسياسية هامة. وتتباين فيه التحالفات الدولية واستقطابات الدول الكبرى.
وبحسب مدير المناورات العميد الركن علي بن أحمد الغانمي فإنها أول مناورات في البحر الأحمر من نوعها في ما يعد أهم ممر بحري تجاري في العالم، تمر من خلاله شحنات النفط الخليجي باتجاه أوروبا وأمريكا.
وأوضح الغانمي بأن العديد من القطع كالسفن والزوارق وقطاع المشاة والقوات الخاصة والغواصين قد شاركوا في تمرينات الرماية على الأهداف البحرية والجوية إضافة إلى غيرها من التمرينات. بينما شاركت القوات الجوية السعودية بطائرات “التايفون”.
وبينما تسلط الصحافة الضوء على أهمية التحالف، لابد من أن نلقي نظرة سريعة على التحديات التي تلوح بالأفق وتهدد طموحات هذا التحالف.
التحدي الأول
في هذه الأثناء التي يستعرض فيها التحالف الجديد قواته، تبقى إريتريا خارج دائرته، ما يمثل بالنسبة للمراقبين نقطة تحدي كبير لطموحات السعودية في الهيمنة على البحر الأحمر، خاصة إذا نظرنا لعدد القواعد العسكرية التي أقيمت على أرض إريتريا والتي تمتلكها دول تصنف في مرتبة “التهديد” بالنسبة للسعودية، كإيران وتركيا وقطر وإسرائيل.
ولا شك أن السعودية تسعى من خلال هذه المناورات لإرسال رسائل لخصومها كإيران وقطر، بأنها لن تفرّط في أمن أهم مجرى مائي يتصل بحركتها التجارية في العالم. والذي تقع في شماله قناة السويس وفي جنوبه باب المندب.
كما تعكس المناورات الأخيرة خشية السعودية من أن تنجح إيران في السيطرة على مضيق باب المندب من خلال قواعدها في إريتريا فضلا عن امتداد ذراعها الحوثي في اليمن التي تصل بها لعمق الأراضي السعودية.
ولكن لتحقيق ذلك بشكل فعّال على السعودية أن تكسب الود الإريتري أولا، والذي يبدو من الصعب الوصول إليه بضمانات وثيقة، وهذا لا يعني أن إريتريا لا تهتم بالدخول في التحالف أو الاستفادة من عروضه ولو مرحليا، ولكن يعني أكثر أن التحالف السعودي الجديد لا يثق أسمرة كثيرًا، وإن حصل تقارب ما فسيكون ضمن مقاربة سياسية معينة قد لا تستمر لأمد بعيد.
التحدي القطري
من جهة أخرى توجه هذه المناورات رسالة مباشرة لقطر، الخصم اللدود للسعودية والإمارات. مع العلم أن قطر تستند إلى ولائها للبيت الأبيض كونها تستقبل على أراضيها أهم قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة هي قاعدة العديد.
وبالنظر في تركيا وقطر كمحور واحد، ثم في علاقة طهران وأنقرة التي تتسم بالهدوء والتفاهم، فإننا نستطيع أن نتوقع محورا إيرانيا تركيا قطريا إن استدعت له الظروف ودفعت السعودية بقوة ضد قطر. خاصة وأن هذه البلدان تملك موطأ قدم على البحر الأحمر، سواء من خلال إريتريا أو من خلال السودان.
وإذا أخذنا بعين الإعتبار درجة الإزعاج التي يسببها الإعلام القطري للسعودية والإمارات فإن تسليط الآلة الإعلامية للنيل من الرياض وأبو ظبي له مفعول لا يستهان به وقد يشغل الحلف الجديد بملاحقة فضائح السعودية والإمارات في المحاكم والمحافل الدولية أو أن يضطره لتقديم الرشاوى الضخمة من الدولارات لحفظ صورة مقبولة نوعا ما في المجتمع الدولي، تمامًا كما وظّفت الآلة القطرية قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بشكل سبب الكثير من الحرج للحكومة السعودية ودفعت لأجله ثمنا باهظا لم يكن في حسبان ولي العهد -قليل الخبرة- الذي أصبح واضحا لأغلب الشعوب المسلمة بأنه أداة في يد الصهيونية بما أثاره من فساد في بلاد الحرمين وبما أهدره من أموال في سبيل رضا واشنطن ودول أوروبا. ما يقدم مادة دسمة لمسلسل من الفضائح للنشر في يد الإعلام القطري.
وإن استنزاف الرياض في حرب إعلامية تكلف خزينتها الأموال الطائلة يعد استراتيجية فتاكة ولها عواقبها في محور الزمن، وهذا التحدي الذي تمثله قطر لم يغب عن ذهن السعودية ولهذا لا زالت تكنّ العداء الأكبر للدوحة وتسعى بكل الفرص لاحتواء الأزمة بأقل خسائر ممكنة.
مع العلم أن واشنطن قد استفادت أيما استفادة من تخبطات الحكومة السعودية ووجهت لها الإهانات لمزيد ابتزاز ونهب.
ولا ينكر مراقب أن قطر قد تمكنت من تسديد ضربات قوية للسعودية في السياسة والإعلام وغيره من مجالات، ما يعني أنها خصم على مستوى من التهديد لا يستهان به بالنسبة للرياض.
ولا أوضح من فشل جميع الخطط السعودية في النيل من الدوحة، وعلى رأسها فشلها في تأليب واشنطن الحليف الاستراتيجي الآخر لقطر!
ولا شك في هشاشة النظام السعودي لولا مساندة الولايات المتحدة له، وهذا ما دفع بترامب للقول بكل صراحة (لولا الولايات المتحدة لسقط ملك آل سعود خلال أسبوعين فقط).
التحدي الأمريكي
ثم إن سياسات الحليف الأمريكي مع قرارات رئيسه دونالد ترامب الجديدة لا تبشر بالخير بالنسبة للرياض، فالأمريكيون يتراجعون في الساحات الساخنة في العالم كأفغانستان وسوريا والصومال. وهذه التراجعات سواء كانت سياسية أو عسكرية تعكس مدى خشية واشنطن من عواقب التورط في صراعات مستنزفة لخزينتها وقواتها البشرية دون طائل حقيقي يرجى منها، خاصة مع تربص التنين الصيني والقيصر الروسي، وهو ما تدركه إدارة البيت الأبيض بشكل عميق ولهذا تسعى للتركيز على جو المنافسة الشرس بدل الانشغال ببؤر صراعات استغرقت منها عقودًا من التدخل بكل أشكاله العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية ومع ذلك لم تجني منها الشيء الكبير. وهو ما يتوافق بشكل كامل مع رؤى الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوا في البيت الأبيض.
ويبدو أن السعودية تسعى لإنشاء حلف يحاكي حلف الناتو، لمواجهة الخطر الإيراني.
ولا شك أن هذا الحلف يحظى ظاهرا بدعم أمريكي وإسرائيلي لكن التعويل على الأخيرين مجازفة كبيرة للسعودية، فسياسات واشنطن وتل أبيب زئبقية لا يمكن أن تستقر إلا مع استقرار مصالحهما. وكما تخلت اليوم واشنطن عن حلفائها الأكراد في سوريا وعن حكومة أفغانستان المدعومة من الغرب لا نستبعد أن تتخلى عن السعودية غدًا رغم كل البليونات التي دفعتها الرياض في سبيل تلبية رغبات ترامب الجشعة. بل إن مناقشة هذا المشروع لا تزال متداولة في كواليس البيت الأبيض.
ثم اليهود قوم لا يستقيم لهم عهد، وسياساتهم متلونة، ومصالحهم جشعة.
ويبقى الأهم من هذا كله، هو أن الحرب المعلنة من واشنطن على طهران لم يظهر منها إلا خسارة بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء لصالح إيران، في وقت تتحالف القوات الأمريكية من قوات الحشد الشيعي في العراق، ما يجعل مسألة جدية الولايات المتحدة في حرب إيران محط شك ونظر.
التحدي الصومالي
ولعل أكثر ما يثير التساءلات في الكيان الجديد الذي أعلنت عنه السعودية هو مدى ثبات بعض الأعضاء على خط أهداف هذا الحلف، وعلى رأسهم الصومال، فهذه الحكومة الهشّة التي تحسب في صف قطر وتعاني من فشل ذريع في الداخل، ولا تملك أي سيطرة على معظم الأراضي الصومالية، لا يمكن التعويل على ولائها المستمر.
ويجدر الإشارة إلى أن حكومة فرماجو تحظى بدعم مالي من الدوحة وهو الذي تسبب في تأزيم العلاقة مع الإمارات بشكل صارخ في الأشهر القليلة الماضية، انتهت فصوله بخروج الأخيرة من الصومال – ساخطة- بعد تقديمها خدمات تدريب للميليشيات الصومالية وانخراطها في برامج تدعم جهود الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب.
لكن أبو ظبي لم تستسلم لهذا التصعيد الصومالي القطري، فقد كسبت ولاءات الإدارات الإقليمية في صفها والأهم من ذلك ولاء إدارة صومالي لاند الانفصالية – شمال الصومال- حيث تستمر في إقامة قاعدة عسكرية لها رغم معارضة حكومة فرماجو.
ولا يمكن تحديد مدى جدية الحكومة الصومالية في الانخراط في تحالف قد يصبح في يوم من الأيام مستهدفا لقطر الحليف الاستراتيجي لحكومة فرماجو إلى الآن. وهو الحليف الذي لا تختصر مساندته لها من خلال الدعم المالي والسياسي فقط، بل أيضا المساندة الإعلامية حيث يعمل الإعلام القطري على تجميل صورة الحكومة الصومالية في شاشاته ومن خلال تقاريره.
ومهما حاولت هذه الحكومة إخفاء ميولها للضفة القطرية بانخراطها في حلف السعودية الجديد، فإن الأدلة ما لبثت تؤكد هذا الميول. وهذا يعني أننا أمام لاعب لا يعوّل عليه في مثل هذه التحالفات، خاصة أنها تكابد لحفظ أمن عاصمتها ولم تنجح في ذلك، فكيف ستحفظ أمن البحر الأحمر؟.
التحدي الجيبوتي
ثم هناك لاعب آخر غير مستقر في هذا الكيان لا يمكن التعويل عليه لأنه غير مستقل وتتجاذبه المصالح في كل اتجاه وإن كانت متناقضة، هو جيبوتي، البلاد التي تدين للصين بما يقرب من 80 في المائة من ديونها الخارجية. وكونها تؤجر أراضيها لدول كبرى، كالولايات المتحدة وفرنسا والصين فإنها لن تستطيع أن تحرك ساكنا إلا برضا هذه القوى. وستكون في مأزق كبير إن اصطدمت هذه القوى ببعضها البعض.
تحدي الاستفزاز وفقدان الثقة
ويجدر الإشارة إلى أن إريتريا تمتلك ساحلا يمتد طوله لمسافة 1150 كم على البحر الأحمر، وعددا كبير من الجزر بموقع استراتيجي، خارج سيطرة تحالف السعودية الجديد، ويبقى الأهم من ذلك أن أغلب هذه الجزر مؤجرة لتركيا وقطر وإسرائيل وإيران والإمارات.
فهذه الدول بتنوع أجنداتها وتحالفاتها تهدد مصير التحالف الجديد بقيادة السعودية.
وتكمن خطورة هذا التجمع الكثيف للقوى الدولية في مساحة محدودة نسبيا، في أن أي حركة من الجماعات الجهادية في مضيق باب المندب قد تخلط الأوراق وتكون بمثابة الشرارة التي تشتعل بعدها الاتهامات.
ويسهل هذه المهمة طول المضيق الذي لا يتعدى 30 كيلو متراً فقط، ما يعني أنه بالإمكان استهداف السفن أثناء عبورها من خلاله.
ثم هناك احتمالية أخرى لإشعال فتيل الخطر، هو الجزر العديدة وغير المأهولة بالسكان، والتي قد تصبح بؤرا للعمل الجهادي، يهدد مصالح هذا الحلف.
وقد سبق وأن استهدفت القاعدة المدمرة الأمريكية (يو أس أس كول) وقتل في الهجوم 17 من طاقم السفينة.
الخلاصة
في الواقع تبدو جميع التحالفات في هذا العصر هشّة، وعمرها قصير، فالجميع يعيش تحت وطأة الضغط الاقتصادي وتدافع القوى، والمصالح وحالات الاضطرار، مما يجعل المستقبل ملغوما باحتماليات وفرضيات لم تخطر على بال، وتكتلات جديدة قد تفاجأ الجميع. لكن لا يمنع هذا من تصنيف تحالفات على أنها أكثر صلابة من غيرها.
ويبدو أن الرد على مناورات الموج الأحمر جاء سريعا من الجانب الإيراني، حيث أعلن قائد القوة البحرية في الجيش الإيراني الأدميرال حسين خانزادي، بأن إيران ستجري مناورات بحرية مشتركة مع روسيا قريبا في قزوين.
وبمقارنة سريعة يبدو التحالف الإيراني الروسي أصلب بكثير من التحالف السعودي الأمريكي، بغض النظر عن التحالفات الجانبية الأخرى.
فرغم كل التعقيد الذي تتسم به الخريطة اليوم في هذه المساحة من الأرض التي يكثر فيها اللاعبون، يطل القيصر الروسي بقرونه ليدخل في مكونات المشهد، حيث تعهدت موسكو مؤخرا ببناء مركز لوجستي في أحد موانئ إريتريا. فضلا عن انخراطها في مشاريع استثمارية عميقة وكبرى من خلال السودان كمثل مشروع استثمار معادن حوض «أتلانتس 2»، الذي يعرف بـ “كنز البحر الأحمر”، والذي تشارك فيه السعودية أيضا.
وهذا يعني أن تحالف السعودية الجديد سيدخل في صراع الدول الكبرى، ولن تكون الأولوية الأمريكية فيه، في الحرب على ما يُسمى الإرهاب الذي يهدد النظام السعودي. إنما التخلص من وطأة الصين وروسيا الثقيلة، فالمسألة مسألة مكانة دولة عظمى تتزعزع وتغيير في هيكل النظام الدولي يتعمّق.
وأما السعودية فلن يكون مصير تحالفها إلا مجرد حبر على ورق إن غدرت به إريتريا أو تخلت عنه الصومال وجيبوتي أو أفشلته إيران وروسيا، وفي أحسن الأحوال لن يكون أكثر من “كرت” تستعمله الولايات المتحدة في تخفيف الخناق الذي يلاحقها كابوسه عند ذكر روسيا والصين.