على غرار أفغانستان وسوريا القوات الأمريكية تتراجع في الصومال

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

تخطط وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لخفض عدد قواتها في الصومال، فيما يعد أحدث قرار يصيغه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سياسته التي تروم لتقليص انتشار القوات الأمريكية في العالم.

 

وبحسب الصحف الأمريكية فإن قرار ترامب الجديد يقضي بتقليص الدور الأمريكي في الصومال، وسحب جزء من قواته من الميدان إضافة إلى تخفيض عدد الضربات الجوية التي تستهدف حركة الشباب المجاهدين.

 

وأكّدت تصريحات سربها مسؤولان أمريكيان لشبكة (أن.بي.سي نيوز) على أن هذا القرار يدخل في سياسة ترامب الجديدة لتخفيض عدد القوات الأمريكية المنتشرة في العالم. وجاء بعد تقييم واشنطن لدورها في الصراع في الصومال، حيث خلصت إلى أن تهديد حركة الشباب المجاهدين لا يصل مباشرة للولايات المتحدة وإنما يهدد الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب وجيرانها.

 

وبالتالي ترى واشنطن أنه ما من داعي لأن تبقي الإدارة الأمريكية قواتها في أرض تكبّدت بسبب الانخراط في الصراع الدائر عليها، خسائر بشرية ومادية بشكل مستمر لا مبرر لها.

 

من جهته علّل أحد المسؤولين الأمريكيين تراجع الدور الأمريكي في الصومال بكون الولايات المتحدة لا ترى أي تهديد من حركة الشباب مباشرًا لها، وأنه آن الأوان للحكومة الصومالية المدعومة من الغرب أن تتولى مسؤولياتها في هذه الحرب وتساءل قائلا: “هل يعقل أن نؤدي وظيفة الحكومة الصومالية بدلا منها؟”.

 

انسحابات من أفغانستان وسوريا

ويأتي هذا القرار ضمن سلسلة قرارات أخرى كان أبرزها الإعلان عن بدء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد أكثر من 17 عاما من القتال الذي خسرت فيه الولايات المتحدة عددًا كبيرًا من قواتها فضلا عن تحملها أعباء ميزانية ثقيلة لتكاليف الحرب التي لا تنتهي في مواجهة إمارة أفغانستان الإسلامية.

 

في حين يراه المراقبون إذعانًا للشروط التي فرضتها قيادة طالبان الرافضة لأي مفاوضات قبل سحب دول الاحتلال جميع قواتها من أراضي أفغانستان.

 

ثم انسحاب آخر من سوريا سبق الإعلان عنه أثار جدلا واسعا في الداخل الأمريكي. حيث برره ترامب بكون التواجد الأمريكي في سوريا لا طائل منه في أرض لا يوجد بها إلا الموت والرمال.

 

وبهذا ليست الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب الوحيدة التي تشعر بتخلي حليفها الرئيسي عنها بشكل مفاجيء، فقد قاسمها نفس الشعور، الحكومة المدعومة من الغرب في أفغانستان والميليشيات الكردية في سوريا.

 

وقد قال مسؤول أمريكي وخبير فيما يسمى مكافحة الإرهاب معلقا على القرارات الأمريكية الأخيرة: “إذا ما مضت الإدارة الأمريكية في تنفيذ هذه القرارات، فإنها ستوفر متسعًا للجهاديين، ما سيشكل تهديدًا خطيرًا  للولايات المتحدة والأهداف الغربية”.

 

البنتاغون يؤكد مواصلة دعمه للحكومة الصومالية

ومع هذه التسريبات التي نشرتها شبكة (أن.بي.سي نيوز) لم تعلن وزارة الدفاع (البنتاغون) رسميًا بعد عن قرار تقليص القوات في الصومال وقال المتحدث باسم الوزارة كانديس تريش: ” لا يوجد هناك تغيير في السياسات الأمريكية بشأن العمليات الأمريكية في الصومال، سنستمر في مساعدة الحكومة الصومالية وجهودها لتفكيك حركة الشباب”.

 

تغيير كبير في الاستراتيجية الأمريكية

ولكن القرارات الأخيرة بتقليص أو سحب القوات الأمريكية من مسارح تعد ساخنة في العالم، تعكس تحولا استراتيجيا أوسع نطاقا في سياسة الجيش الأمريكي والتي يفسرها المراقبون بضرورة، للتركيز بدلا من ذلك على خصمين خطيرين يبرزان في الساحة بقوة اليوم، هما روسيا والصين.

 

مفارقات السياسة الترامبية

ومن المفارقات في السياسة الترامبية، أنه سبق وأن اتخذ ترامب قرارا برفع عدد القوات الأمريكية في الصومال فور استلامه إدارة البيت الأبيض، إضافة إلى رفع القيود على شروط توجيه الضربات بالطائرات بدون طيار، مما أدى إلى ارتفاع معدلات القتلى المدنيين في البلاد، ثم ما لبث أن أصدر قرارًا آخر يقضي بتقليص الوجود العسكري الأمريكي في كافة القارة الإفريقية ما عدا الصومال ونيجيريا، واليوم يقرر تقليص عدد قواته في القارة بشكل شامل.

 

وبحسب تصريحات المسؤولين اللذين اشترطا عدم الكشف عن هويتهما فإن ترامب يتبع توجيهات وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، الذي استقال في الشهر الماضي، والذي يرى بأن مهمة القوات الأمريكية في الخارج يجب أن تتقلص.

 

تحويل صلاحيات القصف للاستخبارات

من جهة أخرى علل أحد المسؤولين تخفيف الضربات في الصومال بعدم وجود أهداف تستهدفها الطائرات الأمريكية، بعد أن قضت بزعمه الحملات الأخيرة على أغلب القيادات الرئيسية في حركة الشباب المجاهدين وقال: “يمكننا القول إن أهدافنا تناقصت في الصومال”.

 

وعلى هذا الأساس ستتحول مهمة استهداف حركة الشباب المجاهدين في الصومال ليد وكالة الاستخبارات الوطنية (سي أي إي) بحسب ما صرّح المسؤول.

 

وبحسب تقرير شبكة (أن.بي.سي نيوز) فإن وكالة الاستخبارات (سي أي إي) ليست مجهزة بنفس كفاءة الجيش الأمريكي لتتمكن من نشر المئات من قواتها في الميدان لقيادة الضربات الجوية. وستنفذ على الأرجح عددًا محدودًا من غارات القصف.

 

فيمكن مثلا لوكالة الاستخبارات (سي أي إي) أن تستهدف تجمعًا لمقاتلي حركة الشباب ولكنها لن تكون قادرة على تقديم الدعم الجوي للهجمات البرية التي تشنها ميليشيات الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب أو قوات بعثة الإتحاد الإفريقي (أميصوم) بحسب ما صرّح المسؤول.

 

وبلغة الإحصائيات، نفذت القوات الأمريكية 47 ضربة بالطائرات بدون طيار خلال عام 2018 في الصومال، بينما بلغ عدد الضربات في عام 2017، 35 ضربة. بحسب ما أعلنت عنه قيادة أفريكوم.

 

من جهته وصف رئيس وكالة الإستخبارات الوطنية، دان كوتس، حركة الشباب المجاهدين بأنها “أخطر تهديد إرهابي فعّال يهدد المصالح الأمريكية في شرق إفريقيا”.

 

فضلا عن “أن الحركة لديها علاقات وطيدة وقديمة مع تنظيم قاعدة الجهاد”.

 

ويقول الخبراء أن الحركة لا زالت مرنة، وترفض إلقاء السلاح أو المصالحة مع الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب.

 

القرار نتيجة تقييم للدور الأمريكي في الصومال

ولا شك أن قرار ترامب في تقليص عدد القوات جاء بعد تقييم شامل للدور الأمريكي في بلاد القرن الإفريقي، وفي وقت شرعت فيه قيادة أميصوم في سحب قواتها الـ 22 ألفا المعلن عنها في البلاد. لتسلم مهمة الأمن للميليشيات الصومالية مع عام 2020. والتي يشكك المراقبون في كفاءتها لأداء هذه المهمة.

 

من جهته عبّر السناتور الديمقراطي من لجنة الخدمات العسكرية التابعة لمجلس الشيوخ، جاك ريد، من رود إيسلاند، عبر عن قلقه عقب زيارة سابقة له للبلاد، من أن الصومال بعيدة جدًا عن الاستقرار وتوفير قوات يمكنها أن تؤمن أراضيها.

 

أما جوشوا غيلتزر، المدير السابق لمكافحة الارهاب في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض ويعمل الآن أستاذ القانون في جامعة جورج تاون فقال: “أعتقد أن البيت الأبيض هذه المرة، يرى الصومال وغرب إفريقيا كتهديدات هامشية في محيط تحديات الإرهاب”.

 

وأضاف: “ولكن هناك خطر حين تسمح الولايات المتحدة بتقليص دورها في الصومال كونها تقدم فرصة لحركة الشباب لإعادة بناء ملجأ آمن لها في البلاد”.

 

ويرى السيناتور أن الانسحاب الأمريكي في مثل هذه المرحلة، قد يصطدم بتطورات مستقبلية أكثر خطورة.

 

وقد سبق وأن أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) بأن عدد قواتها في الصومال يصل لـ 500 بما فيهم الجنود والموظفين الإداريين والمقاولين.

 

ولكن لا يزال من غير الواضح العدد الذي قررت الإدارة الإمريكية سحبه من هذه القوات المتواجدة حاليا في الصومال.

 

رغم الانقسام الأمريكي الداخلي ترامب له أسبابه

والواضح أن قرارات ترامب الأخيرة لم ترق لكثير من الأمريكيين الذين يرون فيها تراجعًا مصيريا للدور الأمريكي في وقت يصعد فيه الروس والصينيون بقوة، ولكن الملياردير الأمريكي الذي يتعامل مع الملفات الدولية بعقلية رجل الأعمال، يرى أن الخسائر التي تكبدتها القوات الأمريكية بالتورط في مستنقعات صراع لا تنتهي، قد استنزفت قوى المؤسسات العسكرية والأمنية والاقتصادية لأقوى قوة في العالم، والاستمرار في هذا النهج ينذر بسقوط الولايات المتحدة وهو تمامًا ما وصل إليه بول كينيدي في كتابه صعود وسقوط القوى العظمى حيث جاء فيه: “إذا توسعت أمريكا باستخدامها للقوة العسكرية وتوسعت بشكل استراتيجي أكثر من اللازم، فإن هذا سيؤدي إلى سقوطها”.

 

ولا شك أن تقييم الولايات المتحدة لسياساتها في هذه المرحلة تحديدًا، وقبل أن يحسم الصراع في كثير من الساحات يعكس درجة الجدية التي يفرضها الخصوم بطموحاتهم التوسعية.

 

من جهتها تواصل حركة الشباب المجاهدين بنفس الوتيرة توجيه هجماتها لمراكز الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب وأميصوم، حتى تحقق هدفها المعلن: تحرير الصومال من أي هيمنة غربية أو قوة احتلال وتحكيم شرع الله في البلاد.