في هذا المقال سنبحث معًا قضية المقاطعة؛ لنعرض أهمية المقاطعة الاقتصادية وتحريض أمتنا الإسلامية لمقاطعة منتجات الدول الاحتلال. سنبحث معًا تاريخ حملات المقاطعة، وتأثير المقاطعة وتوعية للأمَّة الإسلاميَّة وأبنائها.
فمثلا افتتحت شركة كوكاكولا في الصومال سنة 2004 بتكلفة تقدر 9 ملايين دولار رغم أنها شركة أمريكية تدعم الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد معركة الطوفان الأقصى هناك دعوات لمقاطعة شركة كوكاكولا بسبب عملها في المستوطنات الإسرائيلية ودعمها المستمر لجهات تروج الاحتلال الإسرائيلي في أراضي الفلسطينيين، وتبرر الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
وهدفنا من هذا المقال هو تعريف المقاطعة ودوره بتحرير الأوطان ومقاومة المحتلين.
ما هي المقاطعة؟
المقاطعة لغة: لفط مفاعلة بين إثنين أو أكثر، وهي في المعاجم العربية تدور حول: الإبانة، والهجران، وعدم التواصل.[1]
واصطلاحاَ: تدور حول المعنى اللغوي، جاء في “الموسوعة الاقتصادية” في المقاطعة الاقتصادية تعني:
سحب العلاقات ورفض التفاوض مع الطرف المقاطع والمنشآت التابعة له. [2]
ووقف العلاقات الاقتصادية المالية مع دولة أخرى ورعاياها، بهدف ممارسة الضغط على هذه الدولة لتحقيق الأهداف المرجوة من ممارسة هذه المقاطعة، وبالتأكيد فإن المقاطعة قد تفيد معنى العموم من حيث شمولها لحركة السلع، سواء ناحية الاستيراد والتصدير، أو من حيث امتدادها إلى أنواع أخرى، كرفض التعامل مع شخص أو منظمة أو دولة. [3]
تاريخ حملات المقاطعة؟
ولقد سجلت التاريخ الإنساني على مر العصور القديمة، بالأحداث التاريخية باستخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية كوسيلة من وسائل المقاومة ولم تكن المقاطعة حديثة النشأة.
المقاطعة الاقتصادية ما قبل الإسلام
لعل الكثير من المسلمين يظنون أن المقاطعة الاقتصادية هي مسألة حادثة، ولم تستخدم في العصور القديمة كوسيلة من وسائل الضغط؛ لكنها على العكس من ذلك، وإن كانت حديثة الإسم إلا إنها قديمة الفعل.
ومثال ذلك، ما قام به يوسف -عليه السلام- من منع الميرة عن إخوته، إن هم لم يأتوا له بأخيهم من أبيهم.
كما في قوله تعالى -حكاية عن يوسف – عليه السلام -: ﴿وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ﴾ (يوسف: 59، 60).
المقاطعة الاقتصادية ما بعد الإسلام
ومن أشهر مقاطعة ما بعد الإسلام، هو ما فعله الصحابي ثمامة بن أثال، عندما أسلم حيث قال لكفار قريش: ” والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطةٍ حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم “.[4]
المقاطعة الاقتصادية في العصر الحديث
حملات المقاطعات الاقتصادية لها تاريخاً طويلاً ومهماً جداً في تغيير المجتمعات، فبعضها تمكنت من تغيير مجرى التاريخ، وبعضها ساهمت في التأثير اقتصادياً على العديد من الدول الإحتلال، ومن أشهر المقاطعات في هذا العصر:
1- في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، امتنع حلف الفلاحون في إيرلندا إبان حركة تحريرها من الاحتلال البريطاني، من التعامل مع وكيل أحد اللوردات الإنجليز من أصحاب الإقطاعات الزراعية في إيرلندا.
2- في عام ( 1869- 1948) قامت الهند بمقاطعة السلع الاحتلال البريطاني بدعوة السياسي الهندي مهاتما غاندي.
فقال غاندي في ذلك الحملة بجملته الشهيرة: ” كلوا مما تنتجون، والبسوا مما تصنعون، وقاطعوا بضائع العدو… احملوا مغازلكم واتبعوني”.
وفي بداية المقاطعة قام الهنود بحرق السلع الإنجليز في مدينة بومباي وبسبب المقاطعة والعصيان المدني ضد الغزاة، خسرت الشركات البريطانية لملايين الدولارات، وأخيراً انسحبت بريطانيا آخر جندي إنجليزي من الهند سنة 1947م.
3- أعلن الملك فيصل بن عبد العزيز بإستخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأوقفها ضخ النفط وبيعه في أعقاب حرب (1967) وأثناء حرب (1973).
4- بدأت عام 1959م من أشهر الحملات المقاطعة في القرن الماضي في جنوب أفريقيا واستمرت تلك الحملة حتى إلغاء النظام الفصل العنصري سنة 1994م.
5- بدأت المقاطعة العربية للمصالح اليهودية في عام 1922 وأعلن مجلس الدول العربية مقاطعة رسمية البضائع اليهودية عن طريق جامعة الدول العربية بعد حرب 1948.
6- ومن أشهر المقاطعات في هذا القرن مقاطعة المنتجات الدانماركية على خلفية رسوم مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم التي نشرتها صحيفة Jyllands-Posten عام 2005.
7- مقاطعة ٧ أكتوبر 2023 بدأت بعد بداية الإبادة الجماعية في غزة وحملة المقاطعة تستمر إلي يومنا هذا بدون توقف بل تتمدد في الدول الغربية.
أثار حملات المقاطعة؟.
وتاريخ حملات المقاطعة في القرن الماضي لها دروس وعبر وبسبب المقاطعة الهنود عن الاحتلال البريطاني انسحبت بريطانيا آخر جندي إنجليزي من الهند سنة 1947م وبسبب أثر المقاطعة تم إلغاء النظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وأيضا وبسبب مقاطعة الحافلات في مونتغمري تم إلغاء على قانون الفصل العنصري الذي تتبناه مدينة مونتغمري سنة 1956.
وأيضاً أثرت المقاطعة للاحتلال الإسرائيلي في القرن الماضي:
” تعترف الصهاينة من “الموسوعة الصهيونية، طبعة 1971” بأن الصهاينة عانوا كثيراً من المقاطعة الاقتصادية التي فرضها عليهم عرب فلسطين منذ الموجة الأولى لوصول اليهود إلى أرض الميعاد في عام 1882م. وبسبب أثر المقاطعة عرضت جولدا مائير رئيسة الوزراء الاحتلال الإسرائيلي وقتها على عبد الناصر الجلاء من <سيناء مقابل إنهاء المقاطعة > وهذا بشهادة موشى دايان في كتابه الشهير “الإختراق” على صفحة 171، وبسبب أثر المقاطعة كتب “يوفال اليتسور” على صفحات “معاريف” الإسرائيلية في 24/11/1977 معترفاً بأن الفائدة الحقيقية لأي معاهدة سلام بين مصر والاحتلال الإسرائيلي يجب أن تكون إلغاء المقاطعة”.[5]
تأثير المقاطعة الاقتصادية ما بعد طوفان الأقصى
لعبت بعض حركات المقاطعة في العالم الإسلامي دوراً بطولي بحملة المقاطعة، ومنذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من شهر أكتوبر 2023م، تأثرت عديد من الشركات العملاقة والعلامات التجارية العالمية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي مثل “ماكدونالدز وستاربكس وكنتاكي وكارفور” وشركات أخرى بحملات المقاطعة الشعبية في العالم الإسلامي.
فمثلا، أعلنت شركة “ستاربكس” عن خسائر وانخفاض في مبيعات متاجر الشركة بسبب المقاطعة، مما أدى إلى تراجع حاد في سعر السهم بنحو 16%.
وأغلقت شركة كارفور عددا من فروعها في الأردن وأيضا شركة ستاربكس أغلقت أحد فروعها في العاصمة الأردنية عمان.
وأيضا أغلقت سلسلة مطاعم كنتاكي الأميركية KFC فروعها البالغ عددها 108 من أصل 600 في ماليزيا مؤقتاً، وذلك على خلفية المقاطعة الشركات الداعمة لعدوان الاحتلال الإسرائيلي، والتي تكبدت خسائر فادحة منذ بداية المقاطعة.
أثر المقاطعة على المسلمين
سلاح المقاطعة يتحول إلى ثقافة شعبية في العالم الإسلامي، وكانت للمقاطعة أثراً كبير على دعم المنتجات والبضائع المحلية في بلادنا بدلاً من المنتجات الغربية الداعمة لعدوان الاحتلال الإسرائيلي.
ونذكر بعضاً من آثار الحميدة لحملات المقاطعة:
1- إثارة الشعور بالوحدة الإسلامية:
وإذا أراد المسلمين القوة والتغلب على خصومهم فعليهم بالاعتصام بحبل الله، قال الله تعالى:
وبما أن هدف المقاطعة الاقتصادية هو إيذاء الكافرين المحتلين واعوانهم وردّ ظلمهم على المسلمين، فإنها تدخل في معنى الموالاة للمؤمنين والمعاداة للكافرين.
3- تشجيع شركات المحلية في بلادنا:
حملة المقاطعة الاقتصادية تساهم في تحقيق استقلال اقتصادي أكبر وتقوية الصناعات المحلية في عالمنا الإسلامي، وتبني المنتجات المحلية في العالم الإسلامي يعتبر خطوة نحو بناء اقتصادات قوية ومستقلة قادرة على الصمود في وجه التحديات والضغوطات العالمية.