اقتصاد السودان يواجه الصعوبات منذ انفصال الجنوب .. والحكومة تتقارب مع موسكو في ظل تجاهل واشنطن
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
بعد أن كان الجنوب جزءا لا يتجزأ من بلاد السودان، يتحرك منه وإليه السودانيون دون حواجز، تتأهب الحكومة السودانية مؤخرا لفتح ثلاثة معابر حدودية على الخط الفاصل بينه وبين البلد الأم لتنظيم إجراءات الدخول والخروج بين البلدين.
وأكد مسؤلون سودانيون أن الحكومة السودانية تسعى لإقامة منطقة حرة على الحدود لتبادل المنافع والمصالح في قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة الحدودية.
أزمة حادة رغم رفع العقوبات
وتأتي هذه التصريحات في وقت تعرف فيه السودان أزمة اقتصادية حادة وحراكا شعبيا ساخطا بسبب فشل خطط الحكومة في تجاوز هذه الأزمة ثم سياستها القمعية اتجاه الشارع السوداني المطالب بتحسين الأوضاع المعيشية.
ورغم رفع واشنطن في الثاني عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2017.عقوبات اقتصادية كانت فرضتها لمدة عقدين من الزمن على السودان، لم ينتعش الاقتصاد السوداني كما كانت تطمح الحكومة السودانية.
ويؤكد رجال الأعمال السودانيون على أنه من الصعب أن يتجاوز الاقتصاد السوداني أزمته مباشرة بعد هذا الرفع، نظرا لبقاء السودان ضمن قائمة الدول الراعيةلما يسمى الإرهاب منذ 1993.
وهو التصنيف الذي يخيف المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية من ممارسة النشاط التجاري في السودان كدولة مصنفة في القائمة السوداء الأمريكية التي تضمّ أيضا كوريا الشمالية وإيران بالرغم من إزالة العوائق القانونية أمام الاستثمار فيها.
شكاوى متواصلة
ويشتكي رجال الأعمال السودانيون من ارتفاع تكاليف الانتاج التي تضطرهم إلى تسريح اليد العاملة والاكتفاء بساعات إنتاجية محدودة. في وقت اضطرت مئات المصانع إلى إغلاق أبوابها.
كما ازداد الوضع المعيشي سوءا مع أزمة وقود السيارات والخبز والمواد الغذائية التي يقف لأجل الحصول عليها السودانيون في طوابير طويلة، اعتادوا عليها كسمة ظاهرة في شوارع العاصمة السودانية.
من جهته أدى تضاعف أسعار المواد الغذائية واقتراب معدل التضخم من 70%، إلى خروج تظاهرات غاضبة من الحكومة واجهتها الأخيرة بحملات قمع واعتقال ومحاولة فرض تعليمات صندوق النقد الدولي على أمل تجاوز الأزمة.
الصعوبات منذ انفصال جنوب البلاد
وعلى عكس ما تحاول رسمه السلطات السودانية فإن اقتصاد البلاد قبل انفصال الجنوب السوداني كان أكثر استقرارا بتسجيله لنمو بلغ 6% حتى عام 2008. في حين أنه بعد انفصال الجنوب – في 2011 – والذي أخذ معه عائدات النفط التي تصل لثلاثة أرباع الإنتاج النفطي للبلاد، وتراجع معه الاحتياط من العملات الأجنبية. انفخض معدل نمو الاقتصاد السوداني ليصبح 3.2% في عام 2017، في ظل دين خارجي بلغ قرابة الـ55 مليار دولار بحسب صندوق النقد الدولي.
ورغم محاولات الحكومة استيعاب العجز، إلا أن سياساتها منذ الاتفاق على انفصال الجنوب، لا تزال فاشلة. ويظهر ذلك من خلال مواصلة التضخم في الارتفاع بشكل طردي ولجوء السلطات السودانية لإبطاء زيادات الأسعار بفرض قيود صارمة على السحوبات النقدية من البنوك. ما يجعل الشارع السوداني في حالة احتقان مستمرة.
ويجدر الإشارة إلى أن السودان فقد بعد انفصال الجنوب ربع سكانه وربع مساحته التي تمثل رقما مهما في الميزان النوعي والاستراتيجي.
وقال محللون أن السودان تكبد خسائر بمليارات الدولارات من عائدات النفط منذ نال الجنوب استقلاله، وأكد العديد من الخبراء الاقتصاديين أن «الأوضاع تتدهور أكثر فأكثر» مع كل يوم.
في حين قال خبير اقتصادي دولي رفض الكشف عن هويته “لقد خسروا هذا المردود (النفطي). لقد ذهب إلى الأبد”.
بانتظار الأمريكان
وفي هذه الأثناء تنتظر الحكومة السودانية على وجل اللقاء الثاني مع إدارة واشنطن والذي من المتوقع أن يجري كخطوة ثانية بعد الخطوة الأولى التي تمثلت في رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان على أمل أن يرفع اسم البلاد من قائمة الأمريكيين السوداء. إلا أن واشنطن على النقيض من ذلك ليس مستعجلة ولا تبدو متحمسة لإجراء لقاء قريب تترقبه الأنظار السودانية لاعتبارات سياسية بحسب ما رصده المراقبون.
تطورات المفاوضات مع جنوب السودان
وتتأهب الخرطوم لاحتضان اجتماع جديد للهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” في 22 أكتوبر الحالي للنظر في ملف الجنوب وتنفيذ الاتفاقيات بين الفرقاء السودانيين والهيئة والوساطة السودانية.
وتأتي التحضيرات لهذا الاجتماع بعد أن قام وفد للإيغاد بزيارة إلى جوبا، عاصمة جنوب السودان، للتمهيد للاتفاقية وضمان تمريرها بسلام.
ويجدر الإشارة إلى أن اجتماعا سابقا استضافته الخرطوم في يونيو/حزيران الماضي في سلسلة المفاوضات التي تجريها السلطات السودانية مع جنوب السودان وانتهى بتوقيع اتفاق الترتيبات الأمنية ووقف دائم لإطلاق النار وتقسيم السلطة بحضور رئيس دولة جنوب السودان “سلفاكير ميارديت”وزعيم المعارضة المسلحة “رياك مشار” في الخرطوم بوساطة منظمة الإيغاد وحضور الرئيسين السوداني عمر البشير والأوغندي يوري موسفيني.
وينتظر السودانيون فتح المعابر الحدودية الثلاث مع جنوب السودان التي أعلن عن اقتراب موعد افتتاحها عن طريق وزارة الصناعة والتجارة السودانية.
وبحسب مسئولين سودانيين فإن فتح المعابر ينتظر أن يكون بعد استكمال متطلبات إنفاذ الاتفاقية الموقعة بين المتفاوضين والوساطة السودانية والإيغاد.
من جهتها قالت الحركة الوطنية بجنوب السودان المنضوية تحت تحالف المعارضة “سوا” إن نجاح السودان وإيغاد في ملف الترتيبات الأمنية وخاصة تجميع وتدريب القوات العسكرية من شأنه إنفاذ اتفاق السلام برمته في رسالة تعكس رضا الحركة عن الاتفاقية الأخيرة.
تقارب روسي سوادني في رسالة للأمريكيين
لم يخفي الرئيس السوداني عمر البشير رغبته في التقارب الروسي في محاولة لتجاوز الضغط الأمريكي على السودان، أو توظيف التقارب الروسي كورقة بديل عن الأمريكيين، وقد تمت زيارات دبلوماسية بين الطرفين في الآونة الأخيرة نتج عنها إبرام اتفاقيات كان منها، برامج تدريب عسكري.
فقد أنهت شركة مروحيات روسيا تدريب خبراء من السودان بموجب برنامج تدريب استغرق شهرا على قيادة وصيانة مروحيات من طراز “مي-17 بي-5”.
وجاء في بيان للشركة بحسب الإعلام الروسي: “لقد أنهى مصنع قازان للمروحيات برنامج تدريب متخصصين من السودان، وقد تضمن البرنامج تدريبًا نظريًا على أجهزة تحاكى مروحية “مي-17 بي-5″.
وأضاف البيان :” أنه تم تدريب طيارين، ومهندسى طيران، ومتخصصين فى معدات الطيران، وأجهزة الاتصال الإلكترونية”،
ويأتي التركيز على مروحيات طراز مي-17 بي-5 تحديدا كون السودان تمتلك أكثر من 20 طائرة من هذا الطراز.
مستقبل غامض
وفي ظل تدافع المصالح الدولية بين الدول الكبرى، يبدو أن السودان يحاول التحرر من قيود الإدارة الأمريكية والمضي قدما نحو إدارة حرة لاقتصاده. إلا أن عوامل داخلية أكثر عمقا وتأثيرا على رأسها انفصال جنوب البلاد وسياسات صندوق النقد الدولي المجحفة تلقي بظلالها على مشهد مستقبل اقتصاد هشّ فقد أحد أهم دعائمه النفطية. فهل سيستيقظ السودانيون على وقع مشهد اقتصادي أفضل، أم أنهم سيتكيفون وطوابير الانتظار المرهقة.