بعد خمس سنوات من هجوم “ويست غيت” حركة الشباب تصل إلى تنزانيا والموزمبيق وتهدد الأنظمة في شرق إفريقيا

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

كينيا (شهادة) – بعد مرور خمس سنوات على الهجوم الذي استهدف مركز التسوق “ويست غيت” في العاصمة الكينية نيروبي، لا تزال تداعياته تلقي بظلالها على الواقع الكيني والبلدان المجاورة.

الهجوم الذي نفذته حركة الشباب المجاهدين في 21 سبتمبر 2013 قاده أربعة مسلحين وأوقع 68 قتيلا وما يقرب من 200 جريح بعد عدة أيام من الحصار عجزت أمامه جميع الفرق الأمنية والعسكرية الكينية والدولية وانتهى بتدمير كامل لمبنى المركز، سلط الضوء على ضعف القوات الأمنية والجيش الكينيين وعلى هشاشة الآلة الإعلامية الحكومية التي عمقت من شعور عدم الثقة بين الشعب الكيني وبين حكومته.

وقد تناولت بعض المواقع الغربية ذكرى الهجوم بتوجيه النقد الحاد للحكومة الكينية وسياساتها التي جعلت بعد خمس سنوات من تاريخ وقوعه، حركة الشباب المجاهدين تصل إلى تنزانيا والموزمبيق وتهدد الأنظمة في شرق إفريقيا.

وكان أبرز من تناول هذا الموضوع بتفصيل ودراسة المجموعة الدولية للأزمات التي نشرت تقريرا بعنوان “بعد خمس سنوات من ويست غيت لا تزال حركة الشباب تمثرا خطرا في شرق إفريقيا”.

الاختيار الدقيق للهدف

ولفت التقرير الانتباه إلى تعمد أمير حركة الشباب المجاهدين السابق، الشيخ مختار أبو الزبير الذي قتل في قصف أمريكي قبل ثلاث سنوات، لاختيار الهدف المثير لاهتمام العدسات وهو “مركز تسوق ويست غيت، الذي افتتح في عام 2007 من قبل رجل أعمال إسرائيلي، وكان وجهة شهيرة للكثير من الكينيين فضلا عن الدبلوماسيين وغيرهم من المغتربين المقيمين في أحياء وستلاندس الراقية وأحياء جيجيري القريبة في العاصمة نيروبي”.

 

بعد خمس سنوات لا زالت الحركة خطرا

التقرير الذي نشرته المؤسسة في 21 سبتمبر 2018 أوضح أن جميع الجهود المبذولة من الحكومة الكينية والمجتمع الدولي بعد هجوم “ويست غيت” لم تتمكن من تجاوز خطر حركة الشباب المجاهدين، وجاء في التقرير: “على الرغم من فقدان الأراضي في الصومال وتقليص التجنيد في كينيا تحت ضغط السلطات، إلا أن حركة الشباب تكيفت بإيجاد مناطق جديدة للعمل ، بما في ذلك بناء علاقات مع المسلحين في جنوب تنزانيا وشمال موزمبيق.”

وليؤكد التقرير في الأخير أن حركة الشباب لا تزال تركز على أهدافها بجدية، وهي استعادة السلطة في الصومال وإنفاذ القانون الإسلامي (الشريعة الإسلامية) في مناطق المسلمين في شرق أفريقيا.

 

أخطاء كينيا في التصدي لحركة الشباب

وقد أكد التقرير أن النهج العنيف الذي اتبعته السلطات الكينية  في مواجهة التهديدات كان سببا في تفاقم الوضع الأمني وفي زيادة نسب التجنيد لصالح حركة الشباب المجاهدين، حيث أدت الاعتقالات الشاملة بدون تمييز والقتل خارج دائرة القضاء من قبل عصابات الحكومة إضافة إلى قائمة المظالم والاستبعاد السياسي والاقتصادي للأقليات المسلمة في شرق أفريقيا.أدت إلى لجوء أبناء الكينيين والصوماليين المسلمين الساخطين إلى صفوف حركة الشباب المجاهدين.

وأوضح التقرير الذي اعتمد على دراسات ميدانية في كينيا وتنزانيا وأوغندا ودراسات سابقة للمجموعة الدولية للأزمات، أن انتباه الحكومة الكينية لفشل منهجها في التصدي لحركة الشباب المجاهدين بعد ارتفاع معدل هجماتها لأرقام منذرة، وإحاطتها بالأسباب التي تزيد من التجنيد في كينيا لصالح الحركة، جعلها تغير من سياساتها منذ 2015 وتتقرب أكثر إلى المجتمعات المحلية المسلمة، وتحاول توظيفها في التصدي لحركة الشباب وتوسيع دائرة جمع المعلومات الاستخباراتية وتوظيف رجال الدين للتحذير من الدعوات الجهادية التي ترسلها الحركة، مقابل الحصول على حقوقهم في السلطة والخدمات.

ومع ذلك “ورغم انخفاض الهجمات على الأراضي الكينية منذ 2015، فإن حركة الشباب تكيفت وأظهرت مرونة كبيرة ، ولا تزال تشكل تهديدًا لكينيا ، بينما ترسخ جذورها في أجزاء من تنزانيا ، حيث يتصاعد العنف المسلّح ، وتتوسّع عملياتها في موزمبيق”.بحسب التقرير.

 

تنزانيا لم تتعلم الدرس

ومع تمدد أذرع حركة الشباب في العمق التنزاني بعد حملات القمع الأمنية الكثيفة في كينيا، واستجابة التنزانيين المسلمين لهذا التمدد بسبب قائمة المظالم التي يعانون منها في ظل حكومتهم القمعية الأخرى. وقعت تنزانيا في نفس أخطاء كينيا، حين واجهت هذا التمدد بمزيد قمع للمسلمين وإمعان تهميشهم سياسيا واقتصاديا، وتفاجأت بعدها بتزايد نفوذ حركة الشباب في أرضها، وفتح معسكرات تصاعدت معها معدلات التجنيد وتمكين خلايا من العمل بسرية وتنفيذ هجمات متتالية بمعونة التنزانيين أنفسهم.

 

ويفسر التقرير هذا الالتفاف من المسلمين التنزانيين على حركة الشباب لوجود علاقات شخصية بين مقاتلي الحركة وبعض المقاتلين التنزانيين في جماعات قائمة بحد ذاتها تحمل رسالة بأهداف محلية ضد الحكومة التنزانية. ولكن باتحادها مع حركة الشباب وعملها تحت جناحها، زادت من رصيدها وقوتها وأيضا انتقلت من رسالتها المحلية إلى رسالة أوسع.

 

ووفقا لمسؤولين أمنيين بحسب التقرير، فإن التنزانيين يشكلون ثاني أكبر جماعة من الأجانب – بعد الكينيين – الذين انضموا إلى حركة الشباب في الصومال بين عام 2009 و2012.

وتقول السلطات التنزانية أن مئات الشباب اختفوا من منازل أسرهم في منطقة بواني، ولا سيما في كيبيتي ،مكورانغا، روفيجي، وإكويريري،  وربما انضموا إلى هذه الشبكات الجهادية بحسب ما ورد في التقرير.

 

القتل خارج دائرة القضاء

وجه التقرير الانتباه أيضا لتداعيات القتل خارج نطاق القضاء الذي اعتمدته السلطات الكينية والتنزانية كسياسة لتصفية واغتيال المشتبه بهم دون محاكمة قضائية.

وأكد التقرير أن عمليات القتل خارج نطاق القضاء قتلت المئات من الشباب، وكانت وراء المخاطر التي تدفع الشباب إلى التسلح بأسلحة المجاهدين وتأجيج التوتر بين الطوائف.

ومن أبرز الشيوخ الذين تمت تصفيتهم بهذه الطريقة، الشيخ عبود روجو والشيخ أبو بكر شاريف “ماكابوري”قتلا كلاهما في إطلاق نار على جانب الطريق في كينيا، الشيخ روغو في أغسطس 2012 والشيخ ماكابوري في أبريل 2014 ، وتتهمهما السلطات الكينية بلعب أدوارا مهمة بشكل خاص في بناء الروابط بين المجاهدين التنزانيين والخارج بما في ذلك حركة الشباب المجاهدين.

وقد أثار مقتلهما سخط الكثير من المسلمين في كينيا ونفر العديد منهم إلى الصومال للالتحاق بمعسكرات التدريب هناك ثم العودة للقتال في داخل الأراضي الكينية كما بيّنت ذلك الإصدارات الإعلامية لحركة الشباب المجاهدين التي تنشرها مؤسسة الكتائب التابعة لها.

وتحدثتتقارير وسائل الإعلام التنزانية المحلية عن العشرات من الجثث مجهولة الهوية وجدت على شاطئ كوكو على المحيط الهندي وعلى ضفاف نهر روفو. ووجه المسلمون أصابع الاتهام للشرطة بأنها اعتقلت وأخفت كثيرًا من أبنائهم لا سيما الشباب ، دون دليل دامغ على أنهم من المجاهدين.

وفي مايو 2018 ، قال عضو البرلمان من المنطقة للهيئة التشريعية أن 380 شخصا قد اختفوا. واشتكت أحزاب المعارضة من اعتقال عناصر الأمن أو قتل أفرادها تحت غطاء حملة مكافحة ما يسمى الإرهاب. بحسب تقرير المجموعة الدولية للأزمات الذي اعتبر هذه الاستراتيجية الخطيرة فرصة لزيادة حدة التوتر للأسوء وخلفية مهمة لجهود تجنيد حركة الشباب المجاهدين. وهو نفس الخطر الذي يتوعد أوغندا إن استمرت في سياساتها القمعية للأقلية المسلمة على أرضها.

 

مرونة الحركة وقدرتها على التكيف

وسلط التقرير الضوء على قدرة الحركة في التكيف مع تغيير السياسات الأمنية للسلطات، في مواجهة لنفوذها في الأراضي الكينية والتنزانية، فعندما قامت الشرطة الكينية والسلطات المحلية بتحسين تكتيكاتهم في عام 2015، لا سيما من خلال تعزيز مشاركة المجتمع المسلم وتحسين طرق جمع المعلومات الاستخبارية، والعامل الأهم نشر مسؤولي الأمن الصوماليين من الجالية المسلمة لقيادة العمليات في المنطقة. تكيفت حركة الشباب بعدة طرق.

أولا: بدأ تجنيد المقاتلين، سواء بالسفر إلى الصومال أو للقيام بهجمات داخل كينيا – في مناطق خارج المراكز السابقة في مومباسا ونيروبي وشمال كينيا ، لا سيما في غرب البلاد.

ثانياً : وخاصة في غرب ووسط كينيا ، سعت إلى دعوة الشباب المسيحيين إلى اعتناق الإسلام وتجنيدهم تحت رايتها..

وأخيرا : تهريب المقاتلين على طول الساحل الكيني للتسلل إلى تنزانيا ، حيث تسمح العلاقات العرقية والثقافية باستيعابهم.

وبهذا الشكل تكيفت حركة الشباب مع الخطط الأمنية الجديدة حتى أصبح لها نفوذا اليوم في شمال الموزمبيق. فهي تستفيد من سخط الشعب وظلم الحكومات وتحسن المناورة بسياسة الظهور والاختفاء والتحرك بحسب ما يتوفر لها من حرية وبحسب ما توفره لها البيئة التي تعمل فيها.

 

وأشار التقرير إلى أنها نفس سياسة الحركة في الصومال، فقد تمكنت حركة الشباب بينما كانت تفقد السيطرة الرسمية على العاصمة مقديشو، “تمكنت من أن تحتفظ ببصمة ثقيلة هناك. واستمرت في تنفيذ هجمات معقدة بشكل منتظم”، لا سيما على أهداف الحكومة المدعومة من الغرب، واستمر نشطاؤها في تحصيل أموال الزكاة والتأثير في العمق المؤسساتي للعاصمة.

بينما “الحكومة المركزية ، مع أنها مدعومة على المستوى الدولي، ﻻ ﺗﺰال ﺿﻌﻴﻔﺔ وﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺜﺔ اﻻﺗﺤﺎد اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﻮﻣﺎل ﻹﺑﻘﺎء حركة الشباب على مسافة” ليست دوما طويلة.

 

تورط الحكومة الكينية

وأشار التقرير إلى تعمد حركة الشباب استهداف الأهداف الحساسة والمؤثرة في كينيا مثل استهدافها  البنية التحتية للاتصالات ، مما اضطر قوات الأمن للتحول من الهواتف الخلوية إلى الهواتف الساتلية الأكثر تكلفة.

 

وفي نفس السياق حذر التقرير من هجمات حركة الشباب والتي من شأنها أن تستنزف اقتصادًا يعتمد على السياحة والاستثمار الأجنبي في قطاع الخدمات وبالتالي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم مصادر أخرى من الهشاشة والاحتكاك.

 

وقد ذهب تقرير آخر على موقع الواشنطن بوست كتبه الصحفي الكيني باتريك غذارا، تناول هجوم “الويست غيت” بعد خمس سنوات من تاريخ وقوعه، ذهب إلى التأكيد بأن تداعيات الهجوم أدت إلى تعزيز ثقافة الصمت المحيطة بالمخالفات وعدم الكفاءة لدى المؤسسة العسكرية الكينيةمن مختلف النواحي.

فقد صدم الكينيون كثيرا برؤية جنود القوات الكينية تنهب مركز التسوق بدل تحريره في وقت كانت تسجل لقطات نهبهم كاميرات المراقبة في المركز.

ورغم أن الشعب الكيني سبق وأن عرف سلسلة من النهب من قبل الحكومات المتعاقبة الاستعمارية وما بعد الاستعمارية التي تركت بصماتها في المجتمع الكيني، فإن معظم هذا التاريخ كان يستثني الجيش الكيني إلى حد كبير بالنظر إليه كمنارة للاحتراف والشرف في بحر سياسي قاس وعنيف. وبعد أن قاومت إغراءات السلطة، كان ينظر إلى قوات الدفاع الكينيعلى أنها الأضداد القطبية لدائرة الشرطة الوطنية الفاسدة والسيئة التي يتفاعل معها الكينيون كل يوم.بحسب تقرير الواشنطن بوست.

إلا أن هجوم ويستغيت ساعد في إنهاء كل ذلك. حين كشف بقسوة درجة العفن التي نخرت في الجيش وانفجرت تماما أسطورة الانضباط والكفاءة والنزاهة على حد تعبير باتريك غذارا.

وبحسب نفس التقرير لم يتوقف الأمر عند “ويست غيت” بل تلاه هجوم غاريسا في 2015 وتبعه مذابح نالت من جنود قوات الدفاع الكينية في الصومال ، أولا في عيل عدي في عام 2016 وبعد عام من ذلك في كولبيو ، لتقوض هذه الهجمات أي ثقة متبقية في قدرات الجيش الكيني.

“ومع ذلك ووضوح الصورة في فشل هذه القوات، سرعان ما كانت جميع هذه الأحداث تتجسد في صمت عميق لا هوادة فيه من جانب الحكومة وتردد عميق من جانب المؤسسات الأخرى غير الحكومية في البلادمثلوسائل الإعلام ، والمجتمع المدني ، والكنيسة.” بحسب التقرير.

ويأتي هذا في وقت فرضت فيه السلطات الكينية الصمت عن أخطاء الجيش وتشبيه أي انتقاد يوجه إليه بمثابة تقديم العون للعدو.مبررة رفضها الإجابة عن الأسئلة المحرجة، بحجة الأمن القومي.  وبقي الكينيون يعيشون الاضطراب والخوف تتقاذفهم التصريحات السياسية الكاذبة والمتناقضة والتي كشف عنها بوضوح واستخدمها إعلام حركة الشباب لصالح قضيته في إصدارته التي تنشرها مؤسسة الكتائب.

وقد انتقد التقرير استغراق وسائل الإعلام الكينية الوقت والدعاية للحديث عن بطولة ومرونة رجال الانقاذ في هجوم ويست غيت وعن تلاشي خطر حركة الشباب، بدل الحديث عن كذب الحكومة وتناقضات مسئوليها وعدم كفاءة الجيش خلال الأزمة.

ولفت الكاتب الانتباه في الأخير لعدم وجود رواية رسمية لما حدث – على الرغم من وعود الرئيس الكيني أوهورو كينياتا في الفترة التي أعقبت مباشرة إنشاء لجنة تحقيق عامة بالهجوم – بالكاد تسجل على الرادار الإعلامي. وعلى الرغم من الكثير من الثغرات والتناقضات في ما قاله المسؤولون والضباط خلال الأزمة.  ليس هناك إلا عددا قليلا من المطالب بالمساءلة وأقل منه من أجل الإصلاح بحسبما جاء في تقرير الواشنطن بوست.

 

المظالم تزيد من جاذبية الجهاد

من جهته خلص  تقرير المجموعة الدولية للأزمات إلى أنه “من المرجح أن تظل حركة الشباب قوة هائلة داخل الصومال وخطرًا خارجها تبدو آفاق هزيمتها بعيدة.وحتى لو تغير هذا فإن القتال في كينيا وتنزانيا ، والذي وقع قبل تدخل حركة الشباب في بعض الأماكن، يمكن توقعه ما دامت المظالم مستمرة”.