ما وراء الاتفاق الإثيوبي الصومالي وزيارة أبي أحمد
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
(شهادة) – لم تكن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد للصومال في 16 حزيران /يونيو الماضي شكلية في مضمونها بقدر ما تحمل من مشاريع يجري لها التخطيط في دائرة من المصالح الشخصية والدولية.
وهذا ما يفسر إعلان حكومة البلدين، الصومال وإثيوبيا، عن عدة اتفاقيات في مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد كان أبرزها مشروع استثمار مشترك في أربعة موانئ صومالية وإزالة جميع العوائق أمام الحركة التجارية بينهما.
ولم يخفي أبي نيته في توسيع دائرة المصالح مع الصومال من خلال تصريحه في مؤتمر صحفي مشترك بمقديشو خلال زيارته قال فيه أن العلاقات بين بلاده والصومال ستتخذ مسارا جديدا مبنيا على التعاون المشترك في جميع المجالات.
توقيت الاتفاقية
وما يثير الاهتمام في هذه الاتفاقية أنها جاءت بعد ثلاثة أشهر فقط من إلغاء حكومة عبد الله فرماجو المدعومة من الغرب للاتفاقية الإماراتية الإثيوبية لاستغلال موانئها في شمال الصومال والتي كانت في مطلع مارس/آذار الماضي لتشغيل ميناء بربرة. بعد عاصفة من الجدل أدت إلى تراشقات وخصامات بين إدارتي صومالي لاند من جهة وحكومة فرماجو من جهة أخرى مسنودة بالبرلمان. وصل الاحتقان فيها إلى درجة رفع حكومة فرماجو شكوى إلى الجامعة العربية ضد الإمارات بتهمة تقويض وحدة البلاد.
تحركات أبي التجارية لم تقف عند عتبة الصومال بل جاءت بعد يوم واحد فقط من توقيع رئيس الوزراء الإثيوبي مع ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مذكرات تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون كان من بينها تقديم الإمارات ثلاثة مليارات دولار لصالح إثيوبيا.
مصالح ذات أولوية على البحر
ويجدر التذكير إلى أن الإمارات تستميت للحصول على موطأ قدم لها وتعزيزه في الموانئ المطلة على واحد من أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم نظرا للصراع الدائر في المنطقة وتطورات حرب اليمن. وتزداد هذه الحاجة إلحاحا بعد خسارتها لميناء جيبوتي وميناء صومالي لاند وإلغاء الإتفاقيات الموقعة بين الدول المالكة والإمارات، ولم يبق للأخيرة إلا ميناء إريتريا الذي لوحده لا يلبي طموحات حكومة بن زايد والتطورات الجيوسياسية في المنطقة.
وتتنافس العديد من الدول على طول ساحل القرن الأفريقي على البحر الأحمر والممتد إلى الشمال من الصومال وعبر جيبوتي وإريتريا صوب قناة السويس بامتلاك موانئ لها كالسعودية وتركيا التي تدعم قطر إضافة إلى الدول الغربية.
ويبقى الوصول إلى البحر وتأمين ممر بحري لحركتها الاقتصادية من أهم المطالب الاستراتيجية لإثيوبيا، التي لا تملك ساحلا بحريا ويعتمد اقتصادها على الحركة التجارية البحرية بشكل مستمر وتعتمد مرحليا على موانئ في جيبوتي والسودان لا تلبي طموحات المصالح الإثيوبية.
تقارب إماراتي صومالي غير مباشر أو التفاف؟
وفي الوقت الذي اعتبر فيه بعض المحللين تقارب حكومة فرماجو مع إثيوبيا بأنه يمثل مرحلة بناء علاقات وطيدة جديدة مع الإمارات بطريقة غير مباشرة، كخطوة استدراك ومراجعة لمواقفها السابقة المعادية مع الدولة المصرة على حفظ استثماراتها في الساحل الصومالي. ألمح وزير الإعلام الصومالي طاهر محمود غيلي في حديث لإذاعة صوت أمريكا إلى إمكانية التوصل إلى اتفاقية بشأن ميناء بربرة مع الإمارات، وهو الأمر الذي أثار العديد من الاستفهامات خاصة بعد الرفض العنيد والشرس الذي أبدته حكومة فرماجو والبرلمان التابع لها قبيل فترة ليست بعيدة، وصل فيها الأمر إلى حد الشكاوى الرسمية في المحافل الدولية وإلغاء الاتفاقيات المبرمة مع الإمارات وخسارة امتيازات بآلاف الدولارات كانت تنتظر صومالي لاند وإثيوبيا المشاركتين في هذا الاستثمار مع الإمارات.
ويجدر التذكير إلى أن الاستثمارات الإثيوبية الجديدة هي استثمارات مدعومة من قبل الإمارات ما يعني أن أي اتفاقيات مع الصومال تعني انخراط الإمارات فيها ولو بشكل غير مباشر. وبهذا تمكنت الحكومة الإماراتية من تحقيق عودة لها في موانئ الصومال بفضل دولاراتها وتوسط الشريك الإثيوبي. ولم يبقى على حكومة فرماجو إلا الإذعان والالتزام بهذه الاتفاقيات خشية أن تخسر الدعم الإثيوبي لها في وقت تعاني فيه ضعفا وهشاشة في الصراع الدائر في الصومال.
وفي الواقع يصعب تحديد الاتفاقيات الجديدة إن كانت تقاربا إماراتيا صوماليا غير مباشر بوساطة إثيوبية لحفظ ماء الوجه، أو حركة التفاف قامت بها الإمارات لإخضاع حكومة فرماجو وإجبارها على التنازل لصالح مشاريعها على الساحل الصومالي.
حركة الشباب تحذّر من مؤامرات العدو الإثيوبي
وفي الوقت الذي احتفلت فيه حكومة فرماجو باتفاقياتها المبرمة مع عدو الصومال التاريخي اللدود ، إثيوبيا، أصدرت حركة الشباب المجاهدين كلمة على لسان القيادي الشيخ أبو عبد الرحمن “مهد وارسمي” تحذّر من عواقب الاتفاقيات بين حكومة مدعومة من الغرب وحكومة عدوة للشعب الصومالي منذ عقود من الزمن.
وأوضح الشيخ أبو عبد الرحمن في تصريحات بثتها إذاعة الأندس التابعة لحركة الشباب المجاهدين بتاريخ 11 يوليو الماضي، أن اتفاقيات مثل هذه مع أطراف عميلة، تعني أن مؤامرة إثيوبية يجري تنفيذها إما بالقوة أو بالحيلة. وأنها جزء من خطة لتسليم البلاد لصالح إثيوبيا لا يمكن أن تقبل بتمريرها حركة الشباب.
وفي كلمته نبّه الشيخ أبو عبد الرحمن إلى أن الحرب بين إثيوبيا والصومال تعود جذورها لزمن أجداد الصوماليين، وكانت بالأصل حربا عقدية للدفاع عن الدين الإسلامي والمسلمين من عدوان الأحباش الصليبيين. راح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى بين الطرفين. في إشارة إلى أن الاتفاقيات التي تأتي من طرف عدو محارب قديم وخصم تاريخي لدود لا زالت بينهما مطالب الثأر في الدماء، لا يمكن أن تحمل البشريات للصوماليين.
وجاء في كلمة الشيخ أبو عبد الرحمن: ـ”منذ فترة كان الأحباش يعملون على تعبيد طريق ممتد من إثيوبيا إلى ميناء “هوبيو” الصومالي وهو أحد الموانئ التي سلمت للإثيوبيين، وكان هذا الطريق يمر في ضواحي مدينة “عابدواق”، ولما انتبه المجاهدون لهذه الخطة الخبيثة تصدوا لهذا المشروع، ولكن لم يتوفق الأحباش عند هذا الحد، بل حشدوا المليشيات المرتدة في مدينة طوسمريب وسعوا لتمرير هذا المشروع بالقوة”. في إشارة إلى إصرار إثيوبيا على استغلال الساحل الصومالي ولو بالقوة إلا أن محاولتهم باءت بالفشل.
كما وجه الشيخ أبو عبد الرحمن انتقادات قوية لعبد الله فرماجو رئيس الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب وقال: “إن فرماجو مواطن أمريكي وعضو في الحزب الجمهوري الأمريكي الذي ينتمي إليه دونالد ترامب. استمال قلوب الصوماليين بأنه وطني لكن أول ما قام به بعد وصوله إلى السلطة هو تسليم أي مواطن صومالي مطلوب إلى إثيوبيا”. في إشارة إلى عمالة حكومة فرماجو التي لم تتردد في تسليم المواطنيين الصوماليين لعدوهم الإثيوبي وهي الحكومة التي يحمل رئيسها جنسية وولاءا أمريكيا.
مستقبل الاتفاقيات
ويرى المراقبون أن على الحكومتين الإثيوبية والصومالية أخذ تحذيرات حركة الشباب على محمل الجد، لأنها قادرة على تسديد ضربات مدمرة لأي مشاريع بين الطرفين. خاصة وأن الاتفاقيات أبرمت على مستويات أخرى بما فيها الأمن وأن الحركة تسيطر على أغلب الطرقات المؤدية إلى الساحل.
ويبدو أن مستقبل هذه الاتفاقيات مرهون أيضا بدرجة ثبات التحالف الإماراتي الإثيوبي الجديد، وعدم تأثير أزمة قطر والمصالح التركية في اتجاه قناعات حكومة فرماجو وأيضا قناعات أبي أحمد.
وإلى أن نرى نتائجها فإن إثيوبيا تبقى المستفيد الأكبر من كل هذه التقاربات في وقت يحتاج فيه رئيس وزرائها الجديد أبي أحمد لتعزيز مصداقيته عند شعبه ونقل الاقتصاد الإثيوبي لمرحلة من الاستقرار والانتعاش بعد مرحلة من الفوضى والخسائر التي فرضتها عليه الاضطرابات الداخلية وتكاليف الحروب والتدخلات العسكرية الخارجية. وليتم التأكيد مرة أخرى على أهمية الصومال للمصالح الجشعة للحليف الأمريكي – إثيوبيا – في شرق إفريقيا.