ماذا وراء إعفاء صندوق النقد الدولي الصومال من 4.5 مليار دولار من الديون؟

وافق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على إعفاء الصومال من ديونه بقيمة 4.5 مليار دولار يوم الأربعاء بعد أن أكملت الدولة الواقعة في القرن الأفريقي سنوات من الإصلاحات المالية في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون بحسب وكالات الأنباء.
وقد أطلق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هذه المبادرة في عام 1996 معلنا أنها مساعدة لأفقر بلدان العالم على تحقيق القدرة على تحمل الديون.
وقال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في بيان إن تخفيف عبء الديون “سيسهل الوصول إلى الموارد المالية الإضافية الحيوية التي ستساعد الصومال على تعزيز اقتصاده والحد من الفقر وتعزيز خلق فرص العمل”.
وأضاف البيان “بعد نقطة الإنجاز في مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، انخفض الدين الخارجي للصومال من 64 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 إلى أقل من 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2023”.
ورحبت الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب بإعفاء الديون.
وقال وزير المالية بيهي إيجيه في مقابلة مع صوت أمريكا:”إنه معلم كبير، ونحن فخورون حقا”.
“إن رؤية الصومال قد وصلت إلى نقطة الإنجاز، ينطوي على إنجاز كبير. وفي الوقت نفسه، إنها أيضا مسؤولية كبيرة، لأنه يتعين على الصومال الوقوف على قدميه والحفاظ على مكاسب الإصلاح التي تحققت على مر السنين وتعزيز تعبئة الإيرادات المحلية”.
والصومال هو البلد الـ 37 الذي يكمل عملية مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، التي بدأت منذ عام 1996.
وتعود الديون إلى عام 1991، عندما أطيح بالرئيس السابق محمد سياد بري، وانهارت الدولة الصومالية.
وقالت كريستينا سفينسون، المديرة القطرية للبنك الدولي، إن هذه الخطوة تمنح الصومال بداية جديدة في رحلته لتعزيز الاقتصاد.
وقالت سفينسون لصوت أمريكا:”هذا تخفيف كبير للديون على الصومال” ، “وهذا يعني بداية جديدة للصومال، وهي إشارة مهمة جدا للمستثمرين، وللقطاع الخاص”.
ووافق مجلس الوزراء الصومالي في أكتوبر على أكثر من 1 مليار دولار لميزانية العام المقبل، ومن المتوقع أن يأتي معظمها من الدعم الخارجي، حيث أن الحكومة الصومالية لم تجمع إيرادات من البلاد بأكملها. وتأتي معظم الإيرادات التي تعتمد عليها الحكومة حاليا من ميناء مقديشو ومطارها. بحسب صوت أمريكا.
وقالت سفينسون إنه من المهم أن ترفع الحكومة الإيرادات المحلية. وقالت إنه سيكون من الصعب على الصومال الحصول على قروض جديدة الآن بعد أن تم إعفاء الديون.
وقالت أيضا: “بسبب الإيرادات المنخفضة للغاية، تماما كما لو كان لديك بطاقة ائتمان، وقمت بإلغاء جميع الديون، لا يمكنك البدء في تحمل ديون جديدة إذا لم يكن لديك دخل”.
“ولأن الإيرادات منخفضة للغاية، سيكون من الصعب جدا على الصومال تحمل أي ديون ليست ميسرة للغاية، مما يعني أن لديهم ظروفا مواتية للغاية”.
وقال إيجيه إن الحكومة ملتزمة بزيادة الإيرادات المحلية من مستواها الحالي البالغ 345 مليون دولار سنويا. وقال إنه لا يخطط للحصول على قروض جديدة.
وقال أيضا: “نحن نسعى بالفعل إلى تعزيز وتقوية إيراداتنا المحلية حتى نتمكن من تلبية عملياتنا المحلية، وفي المستقبل القريب لتغطية بعض احتياجات التنمية أيضا”.
وقالت سفينسون إن السلطات الصومالية أظهرت التزاما بالإصلاحات، ليس فقط خلال إدارة واحدة. وقالت إن المؤسسات المالية الدولية تريد أن ترى الصومال يواصل الإصلاحات.
وقالت: “كان هناك محفز واحد لنقطة الإنجاز في مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون لم يتحقق، وهو يتعلق بمواءمة التعريفات الجمركية وتنفيذ نفس التعريفات الجمركية في موانئ كيسمايو وبوساسو ومقديشو”.
وأشارت إلى “التحديات السياسية” لعدم تنفيذ تنسيق التعريفات.
وأضافت “هذه علامة على ضرورة استمرار هذا الإصلاح… يجب أن يكون هناك اتفاق حكومي دولي بشأن الجمارك”.
وقالت أيضا إن انضمام الصومال مؤخرا إلى الكتلة الاقتصادية الإقليمية لجماعة شرق إفريقيا سيكون حافزا إضافيا لتحقيق هذا الإصلاح، لأن هدف مجموعة شرق أفريقيا هو أن تقوم الدول بتنسيق الأنظمة الجمركية.
ولاشك أن إعفاء الصومال من هذه النسبة من الديون هو بداية رحلة من الالتزام بإلزامات وإملاءات صندوق النقد الدولي، الذي كان سبب انهيار الاقتصاد الصومالي في تاريخ هذه البلاد.

 

خلفية تاريخية: كيف تدهور الاقتصاد الصومالي بسياسات صندوق النقد الدولي

 

 

استقلت الصومال في سنة 1960 بعد عقود من الاحتلال البريطاني والإيطالي، وكانت تتمتع آنذاك باقتصاد متوازن قائم بشكل أساسي على الزراعة ورعاية الماشية.
وهو اقتصاد مكّن البلاد من أن تكون مكتفية ذاتيا من الغذاء، واستمر الأمر كذلك حتى السبعينات لتبدأ مرحلة التدهور.
وفي أثناء هذا التدهور انشغلت الحكومة الصومالية بملف الحدود، الذي استغله الاحتلال قبل خروجه، وزرع فيه ما يخدم مشاريعه.
حيث كانت الصومال تطالب بأراضيها التي استولت عليها كل من كينيا وإثيوبيا، لكونها أراضي صومالية نهبها الاحتلال لصالح دول الجوار.
وقاد الصوماليون لأجل استرجاع أراضيهم، عملية غزو فاشلة على كينيا في سنة 1963، انتهت سنة 1967 بتوقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار، دون استرداد الأراضي الصومالية.
بعد هذه المحاولة بنحو 10 سنوات، جاء الدور على إثيوبيا، ففي يوليو 1977 أمر الرئيس الصومالي محمد سياد بري، بشن هجوم على إثيوبيا لاسترجاع منطقة أوجادين المتواجدة شرق إثيوبيا وغرب الصومال.
وفي بداية حربهم نجح الصوماليون في السيطرة على 60 بالمئة من المنطقة المستهدفة، لكن مع غدر الاتحاد السوفيتي حليف الصومال آنذاك، انقلبت المكاسب إلى هزائم.
حيث أنشأ الاتحاد السوفيتي جسرًا جويًا ضخمًا نقل عبره كميات كبيرة من المعدات والأسلحة للجانب الإثيوبي، مما أثار سخط الرئيس الصومالي آنذاك، محمد سياد بري، فقام بطرد الخبراء والمستشارين التابعين للاتحاد السوفيتي من الصومال، وذلك في نوفمبر 1977، على أمل أن يدخل الأمريكيون الصراع إلى جانبه نكاية في الاتحاد السوفيتي.
ومع أن الأمريكيين دعموا الصومال في هذه الحرب بشكل ما، إلا أنه لم يكن الدعم الذي يحرز به الانتصار على التحالف السوفيتي الإثيوبي في الجهة المقابلة.
واستسلم الصوماليون لحقيقة تفوق الجيش الاثيوبي المدعوم سوفيتيا من حيث القوة والعدد والعتاد، فأمر سياد بري في مارس عام 1978 قواته بالانسحاب من أوجادين.
في هذه الحرب الصومالية الإثيوبية، التي امتدت من يوليو 1977 إلى مارس 1978، قتل 60 ألف إنسان، من بينهم 20 ألف جندي صومالي و15 ألف جندي إثيوبي، و25 ألف مدني.
ومن جانبها تخلت الدول الشيوعية القريبة من الاتحاد السوفيتي، مثل كوبا وكوريا الشمالية، وألمانيا الشرقية، عن دعمها للصومال.
وفي أبريل 1978 تعرض سياد بري لمحاولة انقلاب فاشلة، وكانت الصومال حينها تعاني الاضطراب السياسي والاقتصادي معا.
وعمّقت تداعيات الحرب الفاشلة ضعف الاقتصاد الصومالي لأن زيادة الإنفاق العسكري زاد من حجم العجز في الميزانية الصومالية. ولتعويض هذا العجز لجأت الحكومة الصومالية إلى الاقتراض المصرفي.
في سنة 1979م، توقف الاقتصاد الصومالي عن النمو، ومعدل التضخم تضاعف بالمقارنة مع عامي 1978 و1979، وانخفض ميزان المدفوعات الإجمالي من فائض في عام 1978 إلى عجز قياسي بلغ 99 مليون دولار أمريكي في عام 1979م.
جميع مؤشرات الاقتصاد الصومالي اتفقت على أن أداءه يتدهور، وأحواله تزداد سوءا في كل يوم.
فهرعت الحكومة الصومالية آنذاك إلى صندوق النقد الدولي، وفي فبراير 1980، بدأت رحلة الصومال مع صندوق النقد الدولي، الذي نفذ معها ما يعرف بـ”الطب الاقتصادي”، بتشجيع البلاد على اتباع وصفته الشهيرة جدا، التي تضم ما يسمى “برامج التكيف الهيلكي”.
دخلت الصومال غرفة عمليات صندوق النقد الدولي، وبعده البنك الدولي وهي أصلا مصابة إصابة قاتلة. فبرامج التكيف الهيكلي ونصائح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، دمرت الصومال، وجعلت أحوال البلاد اسوأ مما كانت عليه.
ففي يونيو 1981، خفضت الصومال بتوصية من صندوق النقد الدولي من قيمة عملتها المعروفة باسم الشلن الصومالي، بنسبة 50 بالمئة، على أساس أن التخفيض سيدعم الصادرات والسلعة الصومالية ستكون أرخص، وبالتالي أكثر جاذبية بالنسبة للمستوردين الأجانب، لكن هذا التخفيض لم يكن كافيا بحسب خبراء الصندوق، وعلى هذا خفض الصوماليون الشلن مرة أخرى في منتصف عام 1982، وفي الأخير عوموه تعويما مضرًا، من خلال ربطه بحقوق السحب الخاصة سنة 1983، وتسبب تخفيض قيمة العملة الصومالية أكثر من مرة، في ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة وكل المدخلات الزراعية، فأصبح جزء كبير من الشعب الصومالي عاجزا عن ممارسة مهنة الزراعة خصوصا وأن المشكلة لم تنحصر في ارتفاع الأسعار، بل لأن الحكومة الصومالية في الوقت نفسه حررت سوق الحبوب، وجعلته يرتهن لسياسة العرض والطلب، فمن يملك المال يمكنه الشراء ومن لا يمكنه فلا يحصل على شيء. إضافة إلى تقليل برامج الدعم والإرشاد الحكومي، التي كان يتم توفيرها للمزارعين.
وفي السياق نفسه شجع الصندوق الحكومة الصومالية على أن يتوقف المزارعون عن زراعة الزراعات التقليدية، مثل الرز والقمح والذرة. وبدلا من ذلك تشجيعهم على الإنتاج الغذائي للسوق المحلي، حيث كان المانحون يشجعون تطوير ما يسمى “القيمة المضافة العالية” الموجهة للتصدير، مثل الفواكه والخضروات والبذور الزيتية والقطن للتصدير في أفضل الأراضي الزراعية المروية.
خصوصا وأن المحاصيل التقليدية، كانت تغرق السوق المحلي بسبب أن البلاد كانت مفتوحة أمام المحاصيل الأمريكية الرخيصة، بفضل دعم الحكومة الأمريكية لمزارعيها.
وكانت نتيجة جميع هذه السياسات، أن حدث الإفقار للمجتمعات الزراعية في الصومال، والانهيار للبنية الزراعية في البلاد.
وهكذا أصبحت الصومال التي كانت مكتفية ذاتيًا من الغذاء إلى غاية السبعينات، أصبحت فجأة تعتمد على المعونات الغذائية بالتوازي مع تدهور أحوال الاقتصاد الزراعي، وعلى خطاه كذلك بدأ الاقتصاد الحيواني في الانهيار، ويعود ذلك لسببين:
الأول: لانخفاض قيمة العملة في الثمانينات الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الأدوية البيطرية، التي كان معظمها مستوردا.
الثاني: أن الاقتصاد الصومالي في هذه الفترة كان له طبع اشتراكي، وهذا يعني أن الحكومة متداخلة في جميع قطاعات الاقتصاد، من خلال الإدارة والملكية والدعم.
وطلب البنك الدولي في ظل هذه الظروف، من الحكومة الصومالية أن تفرض رسوما على الخدمات البيطرية التي تقدمها للمربيين، وتمت خصخصة قطاع الخدمات البيطرية وخرجت منه الحكومة، وهكذا عن طريق وزارة الثروة الحيوانية تخلت الحكومة عن جزء كبير من مسؤولياتها.
واستثقل الأطباء البيطريون الذي استلموا هذه المسؤولية في القطاع الخاص، التحرك لمراكز الحيوانات البعيدة واكتفوا بمتابعة الأقرب مسافة، فتسبب ذلك في ضعف الثروة الحيوانية البعيدة عن المدن، وبفضل هذه السياسات تم تدمير اقتصاد الثروة الحيوانية بعد أن كانت الصادرات من الثروة الحيوانية تمثل 80 بالمئة من حجم صادرات الصومال في عام 1983 مع نسبة 50 بالمئة من العاملين في مجال الثروة الحيوانية.
وهكذا انجرت الحكومة الصومالية لتطبيق برامج التكيف الهيكلي وهي تخرج من القطاعات الاقتصادية، بدون تخطيط ولا دراسة للتبعات.
وفي عام 1989، كان الانفاق الحكومي على قطاع الصحة قد قل بنسبة 78 بالمئة بالمقارنة مع مستواه سنة 1975، فانخفضت خدمات الصحة ولم يقف الأمر على القطاع الصحي بل وصل أيضا إلى قطاع التعليم حيث لم يعد هناك دعم حكومي للتعليم.
فالحكومة الصومالية التي كانت تنفق 82 دولار سنويا على كل طالب في المرحلة الابتدائية سنة 1982، أصبحت مع نهاية الثمانينات وتحديدا سنة 1989 تنفق على الطالب الواحد 4 دولار سنويا فقط.
وبسحب الحكومة دعمها لقطاع التعليم أصبح جزء كبير من الشعب الصومالي غير قادر على توفير التعيم لأبنائه. لذلك لم يكن مفاجئا أن أصبح معدل التحاق الطلاب بالمدارس في الصومال سنة 1989، بنسبة 41 بالمئة بالمقارنة مع سنة 1981.
وفُقدت الكتب المدرسية والمدارس وفقد المعلمون القدرة على دفع تكاليف معيشتهم بسبب ضعف رواتبهم، وانهيار أهم قطاعين في البلاد، الزراعي والحيواني.
وأصبح حال الصومال في الثمانينات مأساويا، وبدأت دول غنية تبعث مساعدات للصومال، ولكنها لا تتعدى معونات غذائية، فلم يحصل الصومال على دعم اقتصادي أو صناعي أو مؤسساتي إنتاجي، لرفع الانتاج واستقلالية الاقتصاد، والتخلص من الديون بخطط فعالة، وإنما منّ عليه المانحون بكميات من الأغذية الاستهلاكية بصلاحية محدودة.
وقد ساهمت سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في جعل الصومال يعتمد على المساعدات الغذائية الخارجية للعيش، وضرب الجوع الجميع حتى الموظفين في القطاع العام,
ففي عام 1989 انخفضت القيمة الحقيقية لأجور موظفي القطاع العام بنسبة 90 بالمئة بالمقارنة مع قيمتها في السبعينات، ووصل متوسط الأجر الشهري الذي يحصل عليه الموظف في القطاع العام إلى 3 دولارات شهريا فقط.
وأدى هذا الانهيار الاقتصادي إلى تفكك الجهاز الإداري للدولة، وهنا تدخل البنك الدولي واقترح خطة لاستعادة أجور الخدمة المدنية ولكن تعين الوصول إلى هذا الهدف تمويله من الموارد المالية نفسها وذلك من خلال فصل حوالي 40 بالمئة من موظفي القطاع العام وإلغاء علاوات الرواتب، وبحلول عام 1995، كان سيتم تخفيض موظفي الخدمة المدنية، إلى 25 ألف موظف بموجب هذا الاقتراح في بلد يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة.
وأصبحت الحكومة تأخذ المساعدات لتبيعها من أجل توفير المال لمشاريعها أو لخدمة ديونها، التي كانت قيمتها سنة 1989 تعادل نسبتها قريبا من 195 بالمئة من قيمة صادرات البلاد.
ووسط هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة، دخلت الصومال في 1991 في حرب أهلية حيث أطيح بالرئيس الصومالي سياد بري، وكانت هذه الحرب الضربة القاضية للاقتصاد الصومالي المترنح.
وتوفي في سنة 1992 حوالي 350 ألف صومالي، بسبب الجوع والمرض والحرب، وزاد عدم الاستقرار السياسي من شدة أزمة الاقتصاد التي تأثرت أكثر بتغيرات المناخ، ففي 2011 ضربت موجة جفاف قاسية الصومال، فدمرت المحاصيل وتوفي نحو 250 ألف صومالي، نصفهم من الأطفال.
لقد توفي ربع مليون صومالي جوعا في أسوأ مجاعة في القرن العشرين، مع نسبة  70 بالمئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر في الصومال.

 

سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تدمر الصومال ودول أخرى

 

لقد دمرت سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الاقتصاد الصومالي، ولا عجب أن وصفت هذه المنظمات الدولية بالوحش الذي يفترس الدول النامية ويشار إليها بالمؤسسة المالية المخادعة التي تسرق خيرات الدول وتسهم في انهيارها اقتصاديا وتحرمها فرص النهوض والاستقواء، وتضمن بقاءها بحاجة دائمة للخارج، ولذلك أطلق على صندوق النقد الدولي اسم “القاتل الاقتصادي”.

 

 

ولم تكن الصومال الوحيدة ضحية هذا الافتراس، بل من أبرز الدول التي فشلت في تجربتها مع صندوق النقد الدولي، ملاوي، الدولة الإفريقية الزراعية التي رفعت الدعم عن الأسمدة فلم يزرع مواطنوها، وباعت مخزونها من الحبوب فلم يأكل مواطنوها، وضربتها مجاعة قاتلة عام 2002 ثم مجاعة ثانية عام 2005 وأكدت في نهاية المطاف أن سبب ما تعانيه هو النصائح والتعليمات التي ألزمها بها صندوق النقد الدولي.
وقام الرئيس الجديد برمي برنامج الصندوق خلف ظهره وأعاد الدعم للأسمدة وتخلصت ملاوي من مجاعتها.
واليوم أكثر من 70 دولة من أصل 189 مدينة لصندوق النقد الدولية بنحو 80 ترليون  دولار بحسب إحصائيات عام 2016.
وعجزت 28 دولة تاريخيا عن تسديد ديونها للصندوق من بينها فيتنام والبوسنة والهرسك والسودان ومصر والكونغو وكوبا والعراق وأفغانستان والأرجنتين.
وأما تلك التي نجحت في سد ديونها فلم تعد تنصح بالارتهان لصندوق النقد الدولي لما كلفها من معاناة وشدائد.
وفي المقابل فقد نجحت عدة دول في تقوية اقتصادها بدون الارتهان لصندوق النقد الدولي، منها الصين وماليزيا.
ولذلك وجهت انتقادات حادة لصندوق النقد الدولي، حيث قالت مؤسسة هيرات فاوندشن وهي من كبار منتقدي الصندوق إنه ما بين عامي 1965 و1995، اقترضت 89 دولة نامية من صندوق النقد الدولي، 48 منها ليست في حال أحسن مما كانت عليه و32 دولة في حالة أكثر فقرًا مما كانت عليه قبل الاقتراض.
وقال عالم الاقتصادي ميشيل تشولو ديفسكي:”إن صندوق النقد الدولي قد يترك البلد أكثر فقرا مما كان عليه مع مديونية أكبر وصفوة حاكمة أكثر ثراء”.
 بينما قال الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستبليتز أن القروض التي تقدم من الصندوق إلى الدول تكون ضارة في حالات كثيرة خاصة التي توجه إلى الدول النامية، ويتهم الصندوق بأنه أداة أمريكية للتحكم بالدول بحكم قدرتها على إعطاء القرض من عدمه، فهي الوحيدة التي تمتلك حق الفيتو، ويتهمه الكاتب جون بيركان الصندوق أيضا بأنه أداة بيد الشركات العملاقة لدخول الدول النامية واستغلال مواردها.
ومن الانتقادات الأخرى أن الصندوق لا يراعى ظروف كل بلد على حدى فهو يضع وصفة واحدة قد تصلح لبلد ولا تصلح لبلد آخر.
واليوم يفتح صندوق النقد الدولي أذرعه للصومال المكلوم، ويبرم الاتفاقيات والمعاهدات مع حكومة هشة لا تمثل شعبها ولا تملك زمام أمرها ولا قدرة على السيطرة على البلاد، وتعيش صراعا وجوديا مع حركة الشباب المجاهدين والقبائل الصومالية التي تطالب بإسقاطها وإقامة نظام الشريعة الإسلامية بقوة السلاح، وصراعا سياسيا مع الولايات الإقليمية التي لا تزال تتنافس على مصالحها الخاصة، فهل ستكون النتيجة إلا مزيد توريط للصومال وهدر لطاقاته واستغلال لمقدراته وتضييع كامل لفرص نهوضه!
وفي الواقع فإن من صفق لإعفاء الديون في سياسة صندوق النقد الدولي لم يدرك بعد أن مقابله ستكون هناك عملية استنزاف وتدمير للاقتصاد الصومالي الهش أساسا، في استكمال لنتائج تاريخ هذا الصندوق في هدم الاقتصاد الصومالي، وبعبارة أخرى لم يدرك بعد مع أي قاتل اقتصادي يتعامل!
المصادر:
وكالات الأنباء
ميدان: صندوق النقد.. مؤامرة أميركية أم مساعدة دولية؟
الجزيرة “إي جي بلس”: المُخبر الاقتصادي، كيف جعل صندوق النقد الدولي الصومال من أفقر دول العالم؟ كيف قتل الطبيب المريض؟

 

لتحميل المقالة بصيغة PDF