كتاب هولند: مبررات للفشل ورواية جديدة لعملية تحرير الرهينة الفرنسي الفاشلة في الصومال

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

(شهادة) – بعد خمس سنوات من استلامه منصب رئيس فرنسا، قضاها وسط انتقادات واسعة من الشارع الفرنسي، خرج الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولند بكتاب حمل عنوان “دروس السلطة” les leçons du pouvoir  ليخفف من وطأة فشل هذه السنوات التي قضاها في عراك مع منتقديه منذ 2012 إلى 2017.

الكتاب الذي شمل 400 صفحة جاء يحمل التبريرات لسياسات الفشل  للسياسي الاشتراكي الفرنسي هولند، والانتقادات للرئيس الجديد إيمانويل ماكرون مع جملة من التعليقات تعكس ندما لتصرفاته في حياته الشخصية وأخطائه التي ارتكبها خلال ولايته الرئاسية.

 

انتقادات لماكرون

وقد استغرق كتاب الرئيس – عديم الشعبية والذي اعتزل مضمار الرئاسة بعد خسارته – استغرق الجزء الأكبر من كتابه في مهاجمة الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون.

ويجدر الإشارة إلى أن ماكرون كان يشغل منصب وزير الاقتصاد في حكومتة السابقة، وقد أمضى قرابة السنة في رئاسة فرنسا إلى الآن.

وشملت انتقادات هولند لماكرون، بأنه لم يكن يوماً من أصحاب الميول الديموقراطية الاجتماعية، وأن جوهر توجهاته يترتب عليه تفاقم في عدم المساواة الاجتماعية. واتهمه بتسيير “شؤون فرنسا كأنه يسير شركة اقتصادية”.

كما ذكّره بأن مصيره لن يختلف عن مصير حكام فرنسا الذي تمسكوا بالحكم الملكي. في إشارة إلى الملك  لويس السادس عشر، وهو آخر ملك فرنسي عاش في القصر، أعدم في وسط باريس بالمقصلة عام 1793 خلال الثورة الفرنسية، وكذلك أعدمت زوجته ماري أنطوانيت بنفس الطريقة في نفس السنة.

 

هولند ينتقدم النواب الاشتراكيين لتبرير فشله

انتقد أيضا فرانسوا هولند النواب الاشتراكيين الذين تمردوا على سياسته وقللوا من مصداقيتها ومن نتائجها. وقال في كتابه: “النواب المتمردون في الحزب الاشتراكي قللوا منذ بداية عهدتي الرئاسية من مصداقية السياسة التي كنت أتبعها ومن أهميتها. كانوا مقتنعين أن مرشحا آخر هو الذي سيفوز في مكاني، الأمر الذي فسح المجال أمام إيمانويل ماكرون للفوز بالانتخابات”. وأضاف هولند: “لقد قطعوا الغصن الذي كنت أجلس عليه، لكنهم نسوا أنهم هم أيضا كانوا يجلسون على نفس الغصن. وحصول بنوا هامون على 6 بالمائة من الأصوات هو دليل على أن المتمردين لم يكونوا على صواب”.

 

سخرية من هولند على مواقع التواصل

وقد أثار تبرير هولند انسحابه من سباق الرئاسة الفرنسي على أنه كان بإمكانه الفوز على ماكرون لكنه لم يرغب في ذلك ، موجة سخرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي،  وكتب أحدهم “كان بإمكاني الفوز بجائزة نوبل للآداب، لكنني لم أرغب في ذلك”.

واعتبر الفرنسيون الساخرون تبريرات هولند فاشلة بعد تهاوي حزبه الاشتراكي في الانتخابات، والذي أصبح يوصف بمثابة جثة متحركة.

رواية هولند لتبرير فشل عملية إنقاذ الرهينة الفرنسي في الصومال

وكان الصومال حاضرا في كتاب الرئيس الفرنسي ولكن في صفحات الفشل حيث حاول هولند تقديم رواية جديدة تبرر فشل عملية  القوات الفرنسية الخاصة في تحرير رهينة كانت محتجزة لدى حركة الشباب المجاهدين.

ومثّل ما وصف بـ “ليلة الكوموندوز” خيبة أمل كبيرة لهولند عقب قراره في السماح بهجوم جوي على أحد مراكز سيطرة حركة الشباب المجاهدين في بلدة بولو مارير بالصومال لإنقاذ العميل الاستخباراتي المدعو ” دينيس أليكس”.. حيث فشلت العملية وانتهت بمقتل الرهينة انتقاما لمقتل المدنيين الصوماليين على يد القوات الخاصة الفرنسية لتسجل في  صفحات التاريخ الأسود لفرنسا.

ووصف هولند في محاولة لتبرير إخفاقه في اتخاذ القرار المناسب. وصف يوم 11 يناير 2013، الذي فشلت فيه العملية بأنه كان يوما مشحونا بالقرارات الكبيرة.

فبعيدا عن إنزال الجيش الفرنسي لردع زحف قوات من وصفهم بالمسلحين الإسلاميين بشمال مالي في اتجاه الجنوب، اضطر هولند بحسب روايته لاتخاذ قرار آخر في نفس اليوم وخلال نفس الاجتماع مع القادة العسكريين والاستخبارات الفرنسية،  يتعلق  بمحاولة إنقاذ عميل المخابرات الفرنسي دينيس أليكس.

وبحسب هولند فقد رصدت الاستخبارات الفرنسية بيتا مستقلا على مقربة من الساحل، يفترض أن يتواجد به دينيس أليكس، ما تطلب اجتماعا مستعجلا بين الرئيس وكتيبة القادة العسكريين، ويقول هولند: “أخبرني رئيس الاستخبارات، بصوته الرصين الواثق آنذاك، أن كتيبة من القوات المسلحة الفرنسية، مستعدة للنزول ليلا، ويمكنها أن تتسلل وتتقدم في العملية وتطوق المنزل لتأخذ رجلنا”،   وأضاف: “العملية صعبة جدا، والنجاح غير مؤكد، ولكن إن بقينا جامدين ولم نحرك ساكنا، سيتم إجلاء مواطننا ونقله إلى مكان آخر بدون أدنى شك، ومن الواضح أن زملاءه يجمعون على ضرورة تنفيذ عملية استخراجه، ويؤكدون أنهم أعدوها بدقة، كما تم إعلام عائلته أيضا، وبدورهم يتمنون أن نفعل ما بوسعنا لإنقاذه..”.

وأشار هولند إلى إحساس ما لازمه خلال الاجتماع يحذره من مخاطر هذه العملية التي قد تقود أليكس إلى مقصلة الإعدام عند أول خطأ، ولكنه لم يستطع الكشف عن تردده أمام حماس زملاء أليكس وعائلته، فاضطر لإبقاء ذلك في دواخله والتزام الصمت، في تبرير آخر لفشله في اتخاذ القرار المناسب.

وعلق هولند على سبب إخفائه هذه المشاعر أن “الأعداء المتعصبين، الذين يتقنون المناورة لا تستطيع فرنسا إظهار أدنى نقطة ضعف، وأدنى شك”.

ولهذا السبب أقر هولند العملية وقال: “فحصت الخطط التي قدمت لي.. وقلت: أنا موافق”.

وقد تكتم هولند ولم يصرح بأي تصريح حول العملية، وقال: “لم أقل  أي شيء بخصوص عملية الصومال. الجيش في العمل، وكل مساء تردني تفاصيل التحركات الأولى لقواتنا، من رئيس الأركان الجنرال بوغا.. كنت أعلم أن مضجعي سيقض من الأخبار التي ستأتيني من الصومال، حيث رجالنا اقتربوا من الشاطئ وبدؤوا بالتحرك في اتجاه المكان حيث يتواجد أليكس.. لابد من البقاء متيقظا لأتمكن من الرد وفقا للظروف”.

هولند لم ينتظر طويلا، واستغرق الأمر هنيهة فقط حتى وصله اتصال مستعجل على هاتفه الشخصي من الجنرال بوغا يخبره بفشل العملية، وقال هولند: “آنذاك أول ما تبادر إلى ذهني هو الرهينة أليكس، ضاق قلبي”.

رواية مختلفة عن تصريحات حركة الشباب المجاهدين والشهود العيان

وقد بدت رواية هولند كمحاولة جديدة لتبرير فشل القوات الفرنسية الخاصة في تنفيذ عملية التحرير.

حيث اختلفت رواية هولند عن رواية حركة الشباب المجاهدين آنذاك وعن شهادات الشهود أيضا من سكان المنطقة، حيث قال هولند أن السبب في فشل عملية إنقاذ الرهينة  الفرنسي هو “ظلام  الليل الإفريقي، ففي اليوم الذي كان الجنود الفرنسيون  يقتربون من المنزل حيث يقيم أليكس، صدم أحدهم قدم مقاتل جهادي، كان نائما على الأرض، فذهبت رصاصة طائشة، استيقظ على وقعها الإرهابيون وانخرطوا في القتال لأربع ساعات.. صدمنا عنصر المفاجأة.. فقام أحد الخاطفين بإعدام وكيلنا، خسارتان مؤسفتان وحشيتان، خيبة أمل قاسية وحزن لا ينتهي”. بحسب ما ورد في كتاب هولند.

بينما أكدت رواية الشهود في مدينة بولمرير بأن السكان أبلغوا المقاتلين في حركة الشباب بهبوط عدة مروحيات هجومية تقل قوات خاصة على مسافة نحو ثلاثة كيلومترات من بولومارير، وهكذا تمكنوا من الاستعداد.

وأكدوا أن القوات الفرنسية قتلت 9 مدنيين. أثناء تقدمها في الأرض.

وأوضحت المصادر أن من بين المدنيين الذين سقطوا في بولومارير رجل وزوجته وابنه. وخسرت القوة الخاصة الفرنسية جنديين من قواتها.

من جهته قال أبو مصعب عبد العزيز الناطق العسكري لحركة الشباب المجاهدين عقب فشل عملية التحرير: لقد “تمت عملية إنزال للقوات الفرنسية الخاصة على مسافة خمسة كيلومترات من مدينة بولومرير بولاية شبيلي السفلى، ثم تحركت مشيا بالأقدام نحو البيت المستهدف”، وأكد أن الرهينة لم يكن موجودا بالموقع الذي داهمته القوات الفرنسية.

وقال أبو مصعب أن ما لا يقل عن 80 من القوات الخاصة شاركت في الهجوم بمسانده خمس طائرات مروحيات حربية فرنسية.

وأضاف الشيخ أبو مصعب “كانت قواتنا يقظة ولم تكن نائمة كما ظن الفرنسيون، بل كانت جاهزة وتم إفشال الهجوم الفرنسي برغم إعدادهم العملية لعدة شهور”.

 

فرنسا رفضت طلب حركة الشباب في تحرير أسرى مسلمين

من جهته أعلن وزير الدفاع الفرنسي جان أيف لودريان آنذاك في معرض حديثه عن فشل العملية، أن مقاتلي “الشباب” الذين كانوا يحتجزون الرهينة في الصومال كانوا يطالبون بالإفراج عن أسرى مسلمين في سجون غربية مقابل الافراج عن أليكس، وهو الطلب الذي رفضت فرنسا تلبيته واختارت بدله تنفيذ عملية التحرير للرهينة رغم تحذيرات حركة الشباب من مغبة المغامرة بحياة عميلهم.

كما أقر لودريان بأن المقاومة كانت “أقوى مما كان متوقعا” في مواجهة رجال القوات الخاصة الفرنسية الذين حسب مصدر في الاستخبارات الفرنسية كان عددهم خمسين.

إعدام الرهينة جاء بعد فشل العملية وليس أثناءها بتوثيق إصدار من حركة الشباب

وبعد فشل العملية أعلنت حركة الشباب، أنها ستنفذ تهديدها لعدم التزام فرنسا بشروط المفاوضات، وهو قتل الرهينة الفرنسي المحتجز لديها منذ عام 2009 .

وبالفعل نشرت الحركة إصدار مصورا بعنوان «وراء الظلال : الغزوة الفرنسية الفاشلة» يتحدث فيه دنيس أليكس بعد فشل العملية ليؤكد أنه لا يزال حيا وأنه لم يقتل أثناء الهجوم، ثم انتهى الإصدار بتنفيذ حكم الإعدام فيه. ليوثق هذا الإصدار كذب الرواية الفرنسية وكذب رواية هولند.

وفي حين مثل الإصدار ضربة مؤلمة لفرنسا بتصوير عميلها حيا ثم تنفيذ حكم الإعدام فيه بعد العملية الفاشلة، لم تبدي مع ذلك السلطات الفرنسية أية ردود للتراجع عن روايتها الكاذبة في ادعاء مقتل عميلها أثناء العملية.

ويذكر أن دنيس أليكس اعتقل في العاصمة مقديشو، حيث كان يتولى رسميا مهمة تدريب عناصر من الشرطة والحرس الرئاسي للحكومة الصومالية المدعومة من الغرب وتحت غطاء وظيفة صحفي.

الهدف من الكتاب

وفي حين يرى المراقبون كتاب هولند «دروس السلطة» محاولة فاشلة أخرى لتبرير الرئيس المنهزم فشله في رئاسة فرنسا، فإن آخرون يرون بأن هولند استغل الفترة المضطربة التي يمر بها ماكرون، ليزيد في تعقيد الاختبار الصعب الذي تمر به رئاسة الرئيس الحالي خاصة في ظل إضرابات واسعة النطاق لعمال السكك الحديدية في جميع أنحاء البلاد، وتراجع شعبية منافس لم يكن بالهين في السباق الرئاسي مع هولند، وفي وقت يمثل مشروع إعادة تشكيل الاقتصاد الفرنسي هدفا أساسيا لمصالح فرنسا. وكما تقول القاعدة، إذا عمت خفت فإن فشل ماكرون سيخفف من التقريع الذي ينال هولند في كل مناسبة ولو إلى حد ما.