عدد القتلى من المدنيين المسلمين في عهد ترامب ثمانية أضعاف ما يعلنه البنتاغون:
(شهادة) – لم تكن حادثة مقتل المزارعين في قرية “المعلم” على بعد 37 كم جنوب مقديشو ، من قبل القوات الخاصة الأمريكية قبل أيام إلا واحدة من سلسلة من الاعتداءات التي تنفذها الإدارة الأمريكية باسم “مكافحة الإرهاب” في القرن الإفريقي.
فقد تصاعدت الأصوات المنددة بارتفاع عدد الضحايا المدنيين الذين يتم استهدافهم بشكل مباشر من قبل القوات الخاصة الأمريكية في الصومال، وهي العمليات التي تعلن القيادة الأمريكية عن نجاحها في تصفية ما وصفتهم بـ “قادة متشددين” من حركة الشباب المجاهدين في حين أن الضحايا جميعا كانوا من المدنيين.
واتفقت التقارير الإحصائية الأخيرة على أن الارتفاع في عدد الضحايا المدنيين بدأ منذ استلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه في البيت الأبيض حيث أعطى الضوء الأخضر لقواته في تنفيذ عملياتهم مستهينا بجميع القيود في تنفيذ هذه العمليات لتخفيف عدد الضحايا المدنيين.
مقتل المزارعين في الصومال
وقد نشرت صحيفة الغارديان البريطانية شهادات السكان المحليين في قرية “المعلم” الذين أكدوا بأن القتلى في عملية الإنزال التي قامت بها القوات الأمريكية الخاصة في القرية لم يكونوا من حركة الشباب المجاهدين بل كانوا مجرد مزارعين، وقال المزارع محمد شيخ محمد للصحيفة : إن العملية بدأت في حوالي الساعة الواحدة من صباح يوم الخميس الماضي عندما “نزلت قوات من طائرة هليكوبتر وبدأت في إطلاق النار على الناس في المزرعة”.
وقال محمود للصحيفة بأنه “يعرف أن خمسة رجال قتلوا.” “وكان منهم اثنان من سائقي الجرارات في مزرعة للموز ، وثلاثة من رعاة الماشية”.
من جهتهم أكد أربعة مسؤولون أمنيون صوماليون وضابط كبير في قوة أميصوم في مقديشو بأنه لم تصلهم أية تقارير عن أي مقاومة للقوات الخاصة الأمريكية خلال الغارة. كما أنه لم يتم ضبط أي أسلحة خلال العملية بحسب ما نقلت الصحيفة.
وأكد ساكن آخر في المنطقة وهو المزارع حسن محي الدين للصحيفة، بأن المزارعين لم يكونوا مسلحين ورغم ذلك فإن “القوات الخاصة الأمريكية أطلقوا عليهم النار، من مسافة قريبة وقتلوهم “.
صحيفة “ديلي بيست” من جهتها نشرت تقريرا يتحدث عن العملية ذكرت فيه بأن أحد القرويين أطلق النار على القوات الخاصة الأمريكية معتقدا بأنها من ميليشيا عشائرية متنافسة قبل أن يصاب بطلقة.
لكن الشيخ حسن عبدي جمالي ، وهو شيخ من قرية “المعلم”، هاجم بحدة “الأمريكيين” كونهم المسؤولين عن إطلاق النار في ذلك الخميس. وقال : “إنهم لا يقتلون حركة الشباب. إنهم يقتلون المدنيين فقط”. بحسب ما نقلت صحيفة الغارديان.
نفي أمريكي رغم الحقائق
التصريحات الأمريكية حول العملية التي قتل فيها 5 مزارعين ، جاءت على لسان المتحدث باسم قيادة أفريكوم لتؤكد بإصرار على أن العملية التي قادتها القوات الخاصة الأمريكية كانت ضد حركة الشباب في قرية “المعلم” بالقرب من مدينة “أفجوي” في 9 مايو المنصرم، وقد انضمت إليها تصريحات متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي بالصومال عبد العزيز حيلديبان الذي قال بأن القوات “بما في ذلك قوات الحكومة الصومالية وأصدقائهم أغارت على هدف عدو … وقتلت أعضاء حركة الشباب”.
وتأتي هذه التصريحات من أفريكوم وقوات الأمن الصومالية متناقضة تماما مع نتائج التحقيقات الصحفية وشهادات السكان في القرية التي تؤكد أن الضحايا جميعا كانوا من المزارعين المحليين، ما تسبب في حالة من الغضب العارم عند الشعب الصومالي الذي ندد باعتداءات القوات الأمريكية المتصاعدة بحق المدنيين.
تقرير الغارديان ليس الأول من نوعه الذي يكشف عن مدى تمادي القوات الأمريكية في استهداف المدنيين في الصومال، فقد سبق وأن نشرت الصحيفة تقارير في هذه السنة تتحدث عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين في الصومال ، حيث ازدادت الضربات الجوية الأمريكية الموجهة ضد حركة الشباب المجاهدين لتصل إلى مستويات غير مسبوقة.
حركة الشباب تعلن فشل القوات الأمريكية في الصومال
ومع ذلك، من جانبها أعلنت حركة الشباب المجاهدين، فشل عمليات القوات الخاصة الأمريكية في مناسبات عديدة بعد إحباطها لعمليات الإنزال التي نفذتها هذه القوات في الولايات الإسلامية التي تقع تحت سيطرتها، كما أكدت الحركة مقتل جندي من القوات الخاصة الأمريكية خلال غارة على قرية “دار السلام” العام الماضي بالقرب من العاصمة مقديشو، وهو أول جندي أمريكي يموت في الصومال منذ كارثة بلاك هوك داون عام 1993 بحسب التقارير الأمريكية.
على غرار الصومال ،ازدياد الاعتداءات الأمريكية في العراق وسوريا
ارتفاع الضحايا المدنيين بسبب العمليات العسكرية الأمريكية لم ينحسر في الصومال فقط فقد سبق وأن حذرّت منظمة “إير وورز” البريطانية، التي تضم تجمعاً للصحافيين والباحثين وتتخذ من لندن مقراً لها، من أن عدد القتلى المدنيين جراء غارات التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن في العراق وسوريا، قد تضاعف بشكل ملحوظ في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مقارنًة بسلفه باراك أوباما.
وقدرت المنظمة المختصة بمتابعة تأثير قصف التحالف الدولي على المدنيين، عدد الضحايا الذين يسقطون جراء الغارات الجوية، التي يشنها التحالف الدولي، بما يصل إلى 360 مدنيًا شهريًا، منذ بداية فترة حكم ترامب، في كانون الثاني/يناير الماضي. على عكس عدد الضحايا في فترة حكم باراك أوباما، والذي كان يصل إلى 80 قتيلاً تقريباً شهرياً في كل من العراق وسوريا.
وأرجعت المنظمة سبب ارتفاع عدد القتلى من المدنيين لطلب الرئيس الأميركي من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وضع خطة عسكرية ترفع القيود المشددة عن عمليات القصف الجوي.
وقال كريس وودز، مدير منظمة “إير وورز”، بأن الزيادة الحادة في عدد القتلى المدنيين خلال حكم ترامب تثير “قلقاً بالغاً”. وطالب وودز الولايات المتحدة وحلفائها العسكريين بضرورة ضمان توفير سبل حماية أفضل للمدنيين في الوقت الحالي.
عدد الضحايا ارتفع إلى 60%
معضلة ازدياد الضحايا المدنيين كتب عنها أيضا ميكا زينكو على موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، بتاريخ 19 حزيران/يونيو 2017، حيث تحدث عن مقالته في صحيفة نيويورك تايمز التي تناولت مسألة ازدياد عدد ضحايا غارات التحالف في سورية والعراق من المدنيين إلى نسبة 60%.
يقول الكاتب، واستناداً إلى الأرقام التي قدمها الجيش الأمريكي، بأن 60% من وفيات غير المقاتلين المسجلة على امتداد 34 شهراً من الحرب الجوية، حدثت في الأشهر الأربعة الأولى منذ أن تولى ترامب مهام منصبه .
البنتاغون يغض الطرف
ويرى زينكو أن انعدام المسائلة العامة، تسمح للبنتاغون برفض الاعتراف بمسؤوليته عندما تكون طائراته أودت بحياة مدنيين، ومن ثم يتم إخفاء هذه الجرائم وتشتيت المسؤولية تحت مظلة التحالف. وأكد أيضا على ضرورة الاهتمام بتخفيف عدد الضحايا المدنيين في الضربات العسكرية الأمريكية لأن لهذا تأثيرا سلبيا مباشرا في فعالية الحرب على ما يسمى الإرهاب.
عدد القتلى الحقيقي 8 أضعاف ما تعلنه الولايات المتحدة
منظمة “إير وورز” أكدت أيضا في مطلع حزيران/يونيو الماضي أن عدد القتلى المدنيين هو 8 أضعاف ما تعلنه الولايات المتحدة. وهي نفس الإفادة من قبل منظمات غير حكومية أخرى، مثل فريق الرصد Airwars، التي أكدت أيضا بأن أرقام الضحايا المدنيين الحقيقية وصلت إلى ما يزيد عن 8 أضعاف التقديرات العسكرية الأمريكية.
منظمة “إيروارز” أفادت أيضا في تقرير سابق لها، أنها لم تعد قادرة على متابعة الغارات الروسية إثر انشغالها بإحصاء القتلى المدنيين الذين يُعتقد أن قصف طائرات الولايات المتحدة وقوات التحالف تسبب بقتلهم. حيث صرح كريس وودز قائلا: إن “قرار تعليق تقديراتنا بشأن الغارات الروسية بشكل مؤقت كان غاية في الصعوبة”. مضيفًا أن “موسكو لا تزال تقتل مئات المدنيين في سوريا كل شهر بحسب التقارير، إلا أنه ومع ارتفاع الحصيلة لضحايا التحالف بهذا الشكل الحاد، ومع موارد منظمتنا المحدودة للغاية، نعتقد أن تركيزنا الرئيسي يجب أن يكون حالياً على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.”
تزايد الاعتداءات الأمريكية في أفغانستان
تصريحات منظمة “إير وورز” ومديرها، جاءت لتصب في نفس الاتجاه مع ما أكده الكاتب الأمريكي ستيفن فيلدستين حول ارتفاع عدد المدنيين القتلى الذين سقطوا جراء الغارات الجوية بقيادة واشنطن.
وأوضح فيلدستين في مقال نشرته مجلة نيوزويك الأميركية أن العدد الرسمي للمدنيين القتلى جراء الغارات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة زاد بشكل لافت في أفغانستان حيث كشفت إحصاءات للأمم المتحدة عن زيادة بنسبة 67 % في عدد المدنيين الأفغان الذين قتلوا جراء الضربات الجوية الأميركية خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
ورجح فيلدستين إلى أن هذه الزيادة تعود لإعطاء ترامب صلاحية أكبر للجيش الأميركي على الأرض من دون الرجوع في القرارات الميدانية إلى البيت الأبيض.
وقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة عن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين، الذين سقطوا في غارات جوية أمريكية في أفغانستان بنسبة فاقت 50% منذ العام الماضي.
وتأتي هذه الإحصاءات الموثوقة والمتواترة في وقت تستمر فيه مزاعم المسؤولين الأمريكيين بأن الضربات تستهدف المسلحين فقط، وفي وقت يؤكد التقرير الأممي أن أكثر من ثلثي الضحايا هم من النساء والأطفال.
ويرجع المراقبون قرارات ترامب في تخفيف القيود على الضربات بغض النظر عن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين إلى التزامه استراتيجيته الجديدة التي أعلن عنها في أغسطس/ آب، والتي يحاول من خلالها تشديد الضغط لحسم الوضع المستعصي في أفغانستان.
تخفيف القيود على الضربات العسكرية رافقه إلقاء الولايات المتحدة المزيد من القنابل في عهد ترامب، بنسبة قاربت الـ 20%. بحسب التقارير الإحصائية.
اليمن أول ضحايا ترامب
ولا يختلف الوضع في اليمن عن ذاته في الصومال أو العراق أو سوريا أو أفغانستان، فقد أدت ما تسميها الإدارة الأمريكية “العمليات السرية”، لمجرزة في 29 يناير الماضي في محافظة البيضاء وسط اليمن، قتل فيها 16 طفلا وامرأة. في عملية إنزال جوي للجيش الأمريكي حاطها التكتيم بدعوى استهداف تنظيم القاعدة في اليمن.
وتعتبر هذه المجزرة في اليمن أول هجوم يستفتح فيه دونالد ترامب فترته الرئاسية للولايات المتحدة.
“عمليات عشوائية”، “عمليات خاطئة”
ورغم تصاعد الأصوات المنددة باعتداءات القوات الأمريكية على المدنيين بشكل متعمد، لا تزال لهجة الاستعلاء والتهوين ملازمة لتصريحات الساسة الأمريكيين، تماما كما حدث في تصريحات وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) حين قتلت القوات الأمريكية أكثر من 500 مدني في الموصل في قصف جوي، ثم بررت العملية “بالخطأ”. وبهذا تضيع حقوق هؤلاء المدنيين تحت ذريعة ما تسميه القيادة الأمريكية بالعمليات “العشوائية” أو “الخاطئة”.
تداعيات الاستهانة في استهداف المدنيين
ويرى المراقبون أن الجيش الأمريكي في عهد ترامب، أصبح يمتلك إدارة ذاتية متزايدة، ولديه الإذن الكامل باتخاذ القرار بشأن كيفية استخدام القوة ومدى هذا الاستخدام، ما يزيد -بلا مبالاة- من نسبة الضحايا المدنيين، ويعرض حياة الجنود الأميركيين إلى الخطر إذا ما أغرقوا في وحل حروب الشرق الأوسط، وما يؤدي أيضًا إلى انعدام الرقابة على النزاعات التي باتت تنخرط فيها الولايات المتحدة.
إجرام ينتظر العدالة
وبغض النظر عن التفسيرات التي تبرر بها الإدارة الأمريكية هذه الاعتداءات وكذلك فشل التقارير المنددة بها من الحد من سقوط الضحايا المدنيين بضربات عسكرية أمريكية مباشرة، فإن الحقيقة التي حفرت اليوم في أذهان الشعوب المسلمة هي أن الجيش الأمريكي جيش مجرم لا يفرق بين مدني ومقاتل وأن الاستهانة بدماء المسلمين هي عنده أولوية قبل أن تكون هدفا. وهذا ما يضاعف من شعور السخط والغضب الذي يؤدي لنبذ الدور الأمريكي في أي بؤرة صراع في العالم الإسلامي ويزيد من أزمة الثقة المنعدمة في نوايا الأمريكيين الذين يلبسون قناع رعاة للسلام ودعاة للديمقراطية والحريات بينما التقارير الميدانية تؤكد أنهم مجرد مجرمين قتلة تنتظرهم المساءلة والمحاكمة.