هل يمكن لمقبرة جماعية أن تخفي تورط القوات الأمريكية الخاصة من أفريكوم في جريمة المجزرة بحق الجدة والأطفال الخمس وسط الصومال؟
لم تمض أسابيع كثيرة على المجزرة التي ارتكبتها القوات الأمريكية الخاصة، التابعة للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، بحق عائلة بدوية فقيرة في قرية أودوين بضاحية مدينة عيل جرس بولاية جلجدود الشهر الماضي.
لقد كان المجزرة بشعة جدًا، خاصة مع مشاهد الدمار والدماء التي خلفتها القوات الخاصة خلفها. فمن مشهد الدماء على فراش الجدة والأطفال الصغار الخمس، إلى مقتل الماشية رأسًا رأسًا بإصابات مباشرة، إلى تدمير المكان بالقصوفات الأمريكية.
وجاء أول تصريح من قيادة أفريكوم بعد مطالبة مكتب السياسة والولايات لحركة الشباب المجاهدين لها بإعادة جثمان الضحايا الذين قتلوا واختطفوا في هجومها الليلي، لأهاليهم كي يتم دفنهم بما يُكرم به الموتى في الإسلام. جاء ليتنصل من أي مشاركة للقوات الخاصة الأمريكية في هذا الهجوم على بيت قروي في منطقة نائية من وسط الصومال.
ولكنه مع ذلك، كما يقول المثل “لا يوجد أبدًا جريمة مثالية”، فلا بد أن تظهر بينات وقرائن تكشف الجاني، وقد اعترفت أفريكوم أنها تدخلت لانتشال الضحايا من أجل تقديم الإجلاء الطبي لهم استجابة لطلب الحكومة الصومالية التي حملتها مسؤولية الهجوم.
وبعد هذا الاعتراف الصريح البيّن، فإن الجدة والأطفال الخمس الذين اختفوا من بيتهم ليلة الهجوم، والذين ارتوى فراشهم بدمائهم، كانوا بحوزة أفريكوم لإغاثتهم بحسب الرواية الأمريكية!
لكن في الواقع، الأحداث التي تلت هذا الهجوم لم تكن في حسابات القيادة الأمريكية، فقد هاجم مقاتلو حركة الشباب المجاهدين قواعد القوات الخاصة في منطقة عيل لاهيلي، القريبة من عيل جرس حيث تقع قرية أودوين التي وقعت فيها المجزرة، وأطبقوا سيطرتهم على المنطقة بعد أن كبدوا القوات الحكومية الخاصة، المدربة على يد الأمريكيين خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
وبعد أيام من هذا الهجوم الكاسح والسيطرة على المنطقة، اكتشف أحد الرعاة أثناء تنقله، مقبرة جماعية، وانتهت عملية البحث والتقصي عن قصة هذه المقبرة الجماعية – التي لم يكن ير سكان المنطقة مثلها من قبل- إلى أن المقبرة تضم رفاة الجدة و3 أطفال ذكور، من المفقودين في يوم المجرزة في أودوين، فانتشر الخبر كالنار في الهشيم في المنطقة، وارتفعت دعوات السكان المحليين للسماء، لا تخلوا من لعن الأمريكيين والمتعاونيين معهم من الصوماليين والقوات الدولية وكل من شارك في هذا العدوان المشين.
وبقي طفلان، ولد وبنت، في عداد المفقودين، أو بتعبير آخر بيد قيادة أفريكوم، ولا يعلم على أبقت عليهما في حوزتها لكونهما مصابين وتداوي جراحاتهما! أم أنها تخلصت منهما في مقبرة جماعية أخرى كما هي عادتها في التستر على جرائمها؟!
إن اكتشاف المقبرة الجماعية يعد فضيحة كبيرة للقوات الخاصة الأمريكية وقيادتها أفريكوم، بعد فضيحة تصفيتهم لقطيع الأغنام في بيت مدنيين عزّل لا علاقة لهم بالصراع الدائر بين الغرب وحركة الشباب المجاهدين.
ويبدو أن أفريكوم كانت مطمئنة من تخطيطها في التستر على جريمتها الوحشية، من حيث أن المنطقة التي دفنت فيها جثث الضحايا المدنيين، كانت تحت سيطرة القوات الخاصة الصومالية التي دربتها. ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي أفريكوم!
والسؤال الذي يتردد الآن، ماذا تريد أفريكوم من قتل جدة مسنة وأحفادها الخمس؟ ماذا تريد من اختطافهم ثم دفن عدد منهم في مقبرة جماعية في عمق الصحراء؟ ماذا تريد من قتل ماشيتهم؟ ماذا تريد من كل هذه الخطوات الحثيثة للتستر على آثار المجزرة التي ارتكبتها قواتها الخاصة عالية التدريب والمجهزة بأحدث التجهيزات والتقنية الحربية بحق عائلة بدوية فقيرة ضعيفة؟
ماذا تريد أفريكوم أن تحقق من خلال التسلط والاعتداء على امرأة مسنة وأحفادها ثم حرمانهم الدفن الكريم؟ هل هذا يخدم الحرب على ما يسمى الإرهاب؟
في الواقع لن تجد جوابا يرد على كل هذه التساؤلات إلا جواب واحد.
إنه الحقد الأمريكي على الشعب الصومالي المسلم الذي يعيش في ظلال نظام الشريعة الإسلامية في الصومال.
إن الولايات المتحدة لا تقود حربا ضد حركة الشباب المجاهدين وحدها أو أي جماعة جهادية تطالب بإقامة نظام الشريعة الإسلامية وتسعى لإقامته بقوة الجهاد والسلاح كما تدعي الإدارة الأمريكية في حربها التي تسميها “مكافحة الإرهاب”، إنما مشكلة الولايات المتحدة هي مع كل من يريد أو يقبل العيش تحت نظام الشريعة الإسلامية ولو كان امرأة مسنة، وطفلا وطفلة!
إنها في الواقع الحرب على الإسلام وليس الإرهاب، فالإرهاب في العقيدة الأمريكية هو الإسلام. لأنه يرهب الأمريكان ويقطع حبال هيمنتهم ويدفع عدوانهم الصائل على بلاد المسلمين. وهو ما تؤكده الممارسات الخبيثة التي تمارسها الولايات المتحدة في الصومال.
فإن أرادت القوات الأمريكية تحميل القوات الخاصة الصومالية مسؤولية هذه المجزرة فهذا لا يعفيها مطلقا من تبعات هذه المذبحة الدموية، لأن من نفذها هم جنودها الذين دربتهم بنفسها، ومولتهم وسلحتهم ورافقتهم خلال عمليات إنزالهم وهجماتهم، وقدمت لهم الدعم الاستخباراتي والجوي واللوجستي، فضلا عن أنها اعترفت بنفسها بأنها تدخلت للإجلاء الطبي للمدنيين المصابين في هذا الهجوم، استجابة لطلب الحكومة الصومالية، وبالتالي فهي مطالبة بإعادة الطفلين المفقودين إلى اللحظة واللذان لم تتكلف حتى بتحمل مسؤوليتها وتقديم أي معلومات عن حالتهما، أحيين هما أم ميتين؟! على الأقل بإعلام والديهما اللذين لا يزالان ينزفان لفقد فلذات أكبادهم وجدتهم.
وهذا الانحطاط الأخلاقي عار سيبقى مسجلا في صفحات التاريخ السوداء للولايات المتحدة. ولن يمسحه ألف محاضرة في حقوق الإنسان والعدالة والديمقراطية والسلام وما يتبعها من ترهات الشعارات الخادعة.
أما المقبرة الجماعية، فهي بيّنة دامغة لا يمكن لأفريكوم التخلص منها، ولا التنصل من تورطها فيها، لأنها اعترفت بنفسها بانتشال المدنيين من مكان الهجوم، ولكن المدنيين وجدوا في مقبرة جماعية! لقد دفنتهم القوات الأمريكية الخاصة في جوف الليل لتتستر على جريمتها بحق المدنيين العزل بل ولتتهرب من مسؤولية الهجوم برمته.
ولو جادل أحدهم أنه ربما يكون خطأ عسكريا أثناء التنفيذ فستبقى الرصاصات التي اخترقت أجساد الماشية رأسا رأسا بإصابات مباشرة، في بيت العائلة البدوية في قرية أودوين في عين جرس بولاية جلجدود، أكبر دليل على أن عملية القتل كانت متعمدة واستهداف المدنيين العزل كان بداعي التعطش لسفك دماء المسلمين الأبرياء وإفراغ الأحقاد الصليبية التي تحاول القيادة الأمريكية “أفريكوم” التستر عليها بما يسمى تحقيق “الديمقراطية والسلام”.
وإلا لكانت أفريكوم امتلكت بعض الشجاعة للاعتراف بمسؤوليتها في هذا الهجوم وتحملت هذه المسؤولية كاملة بتعويض عائلة القتلى وتصحيح أخطائها وتخفيف الخسائر على الضحايا. وعلى الأقل أعادت بـ”شرف” دولة كبرى – لا تعرفه – الجثث لأهلها كي تدفن كما يجب.
هذه هي “الديمقراطية” و”السلام” الذي أحضرته القوات الخاصة الأمريكية للصومال، وفي الواقع فإن “الديمقراطية” و”السلام” هما ترجمة لأركان الهيمنة الأمريكية، فالديمقراطية هي النظام الذي تريد فرضه الولايات المتحدة بقوة السلاح وكل استراتيجية خبيثة، على كل شعوب المنطقة، ليبقوا تحت رقابتها ولمنع أي فرصة أو فكرة نظام إسلامي يستقل به المسلمون في بلادهم، ولتتحكم في مشهد الحكم بما لا يصب في مصلحة إقامة نظام إسلامي مستقل.
والسلام المزعوم هو في الواقع الخضوع التام لإرادة القوات الأمريكية والتعاون المطلق معهم في كل الميادين والمجالات بما فيها الأمنية والعسكرية، لمنع أي صعود إسلامي. وبتعبير آخر إنه الإخضاع لإرادة الاحتلال ومحاربة كل من يريد الخروج من سجن هذا الاحتلال أو كسر أغلال هيمنته ليحلق حرا في السماء.
ولو ظهرت معارضة لذلك ولو كانت بمجرد القبول بالعيش تحت نظام الشريعة الإسلامية الذي تقيمه جماعة جهادية مسلمة تمردت على النظام الدولي لتستقل بحكمها وتزدهر بمقوماتها الدينية والثقافية والحضارية، لكان “المعارضون” أهدافا مشروعة لمجازر ومذابح الجيش الأمريكي، ولتتسلل قواته الخاصة النخبة، لإخفاء الأدلة على هذا العار بحفر المقابر الجماعية في جوف الليل وعمق الصحراء النائية.
وهكذا شاهدنا كيف أحبط العثور على مقبرة جماعية لجثث 4 من الضحايا الستة للمجرزة الأمريكية في قرية أودوين بعيل جرس، جميع محاولات وخطط أفريكوم في التستر على جريمتها.
وستبقى هذه المقبرة الجماعية تشعل نيران الانتقام في قلوب القبائل الصومالية التي شهدت بنفسها على دناءة القوات الأمريكية وانحطاطها الأخلاقي وعرفت الوجه الكالح الحقيقي للولايات المتحدة، التي غزت بلادهم واستباحت سماءها وأرضها وحتى دماء ماشيتها!
وإلى أن يقتص من القاتل، سيكون كل أمريكي وعميل ووكيل ومتعاون مع الحكومة الأمريكية والتحالف الغربي المحارب، هدفا مشروعا لحركة الشباب المجاهدين والقبائل الصومالية المسلمة.