استقالة رئيس وزراء إثيوبيا ديسالين: رضوخ لمطالب المحتجين أم مناورة سياسية من الحكومة؟:
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
(شهادة) – لم تكن الاضطرابات التي شهدتها إثيوبيا منذ سنتين بدون تداعيات على الحكومة الإثيوبية، فقد اضطرت الأخيرة خلال الشهر الماضي إلى الإفراج عن أكثر من ستة آلاف سجين وسارعت لإغلاق سجن اشتهر بممارسات للتعذيب. ولاشك أن استقالة رئيس الوزراء “هايلي مريم ديسالين” كانت أحد أبرز هذه التداعيات بل وسابقة هي الأولى من نوعها التي يستقيل فيها رئيس الوزراء في تاريخ إثيوبيا الحديث.
وفي حين يرى المراقبون استقالة رئيس الوزراء تحصيل حاصل لضغوطات الجماهير والمعارضة على الحكومة الإثيوبية، يرى آخرون بأنها مجرد تكتيك سياسي لذر الرماد في العيون وتهدئة الجموع.
إعلان حالة الطوارئ
استقالة ديسالين ، أعقبها بعد يوم واحد فقط، قرار حكومي يفرض حالة الطوارئ على البلاد للسيطرة على زمام الاضطرابات، وتفادي أي تطور عنيف سيء باتجاه تفكيك الحكومة.
ويجدر الإشارة إلى أن مرسوم حالة الطوارئ يتضمن حضرا لكل نشاطات إعداد وطباعة وتعميم الكتابات عبر وسائل الإعلام التي يمكن أن تسبب الاضطرابات والشك بين الناس وتنظيم المظاهرة.
وقد سبق وأن فرضت الحكومة حالة الطوارئ من قبل في أكتوبر / تشرين الأول 2016، ورفعتها في أغسطس / آب 2017، تم خلالها حظر التجول وتقييد التنقلات وسجن نحو 29 ألف شخص.
ولكنها ورغم صرامتها أخفقت حالة الطوارئ هذه في وقف الاحتجاجات وكذلك فشل قرار السلطات بالإفراج عن آلاف المعتقلين من أنصار المعارضة في إخماد تلك الاحتجاجات.
رفض أمريكي
قرار إعلان حالة الطوارئ رفضته واشنطن وانتقدته بشدة حيث أعلنت السفارة الأمريكية في أديس أبابا في بيان لها، بأنها تعارض بقوة قرار الحكومة فرض حالة طوارئ تتضمن فرض قيود على الحقوق الأساسية مثل الحق في التجمع وحرية التعبير . وأضاف البيان: “نعي المخاوف التي عبرت عنها الحكومة من أحداث عنف وخسائر في الأرواح، ونشاركها القلق، لكننا نعتقد وبشدة أن الرد يكون بالمزيد من الحريات لا الحد منها”.
وإن كان الموقف الأمريكي مخالفا لما يتوقعه الإثيوبيون باعتبار أمريكا شريكا استراتيجيا للحكومة الإثيوبية في إفريقيا، إلا أن هذه التصريحات تكشف عن المخاوف الأمريكية من السياسية الإثيوبية التي قد تفاقم الوضع بصراعات داخلية تضعف نفوذها في الحرب على ما يسمى “الإرهاب” في الصومال والتي تحظى باهتمام الولايات المتحدة بشكل متواصل، خاصة وأن الاضطرابات الأخيرة كانت السبب وراء سحب إثيوبيا جيشها من مناطق تم احتلالها في جنوب ووسط الصومال، في حين تنتظر واشنطن مزيدا من التدخل الإثيوبي لفرض هيمنتها على المنطقة المستعصية.
الاحتجاجات
الاضطرابات في الساحة الإثيوبية تصاعدت منذ خروج الإثيوبيين الأوروميين والأمهريين خلال عامي 2015 و2016 في احتجاجات مناهضة للحكومة، في مناطق تعد الأكثر كثافة سكانية. تسبب في شرارتها الأولى بادئ الأمر معارضة خطة لتوسيع العاصمة أديس أبابا حين أقرت الحكومة إقامة منطقة اقتصادية جديدة قرب العاصمة ستؤدي إلى نزوح المزارعين الأوروميين ، ثم اشتد أوارها لمزيد من المطالب الحقوقية المدنية. احتجاجا على القيود السياسية وانتزاع أراض من المواطنين وانتهاكات حقوق الإنسان. إضافة إلى الاشتباكات التي وقعت في المناطق الحدودية بين إقليم الصومال الإثيوبي وإقليم أورومو. وقد تسبب قمع الحكومة لهذه الاحتجاجات في سقوط قتلى بالمئات ونزوح الآلاف.
واقع الأورومو
يشكو إقليم أورومو ذي الأغلبية المسلمة من تعديات للحكومة وسياسة القمع والتهديد وامتهان القتل والتنكيل والاعتقال العشوائي، والتهجير القسري والاستيطان المنظّم ومحاربة الثقافة الخاصة لقوميتهم المسلمة، فضلا عن سعي الحكومة لتفشي الفقر والتخلّف والجهل ومحاربة التنمية والتطوّر في مناطق إقامة الأوروميين.
وقد وصل القمع لدرجة منعت فيها السلطات الإثيوبية أبناء الأورومو من استخدام لغتهم في التعليم، وفرضت عليهم بدل ذلك اللغة الأمهرية التي يعتبرونها لغة الاستعمار.
رئيس الوزراء المستقيل
اشتهر “هايلي مريم ديسالين” كحليف مقرب لرئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي، وكسياسي إثيوبي نصراني بروتستانتي، في وسط بلد ينتمي معظم النصارى فيها إلى الطائفة الأرثوذكسية. ومع أنه لا ينتمي لعرقية “التغراي” النافذة في السلطة الإثيوبية فهو ينتمي إلى عرقية “ولايتا” التي تقطن جنوبي البلاد إلا أنه عمل في مناصب حساسة في حكومة إثيوبيا.
فقد شغل في عام 2010 منصب نائب لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى توليه رئاسة الوزراء التي تعتبر أقوى منصب في البلاد.
في حين شغل منصب المستشار الخاص لرئيس الوزراء للشؤون الاجتماعية والمنظمات المدنية برتبة وزير. في الفترة الممتدة بين 2006-2008 .
في نفس الوقت الذي كان يمارس فيه ديسالين وظائفه الحكومية كان يعمل أيضا كرئيس حركة شعب جنوب إثيوبيا الديمقراطية (SEPDM)، ونائبا لرئيس مجلس الإدارة وعضو اللجنة التنفيذية للجبهة الثورية الديمقراطية للشعب الإثيوبي وهو الحزب الحاكم.
ثم منذ وفاة زيناوي في 20 أغسطس/آب 2012، بعدما حكم البلاد 21 عاما بسياسة الحديد والنار، أصبح ديسالين رئيس الوزراء التالي لإثيوبيا .
لماذا ديسالين رئيس وزراء؟!
اختيار ديسالين لمنصب رئيس الوزراء اعتبره مركز الأبحاث الوطنية لمجموعة الأزمات كـ”مناورة تهدف إلى قطع الطريق أمام انتقادات محتملة، في حين تحتفظ نخبة تيغراي في الجبهة الثورية الديمقراطية في الواقع بالحكم”.
ما يعني أن ديسالين لعب دورا في تسكين الغضبة الشعبية تجاه أقلية التيغراي التي تهيمن على الحكم منذ عقود رغم أنها لا تمثل سوى 7% من تركيبة الشعب الإثيوبي العرقية في حين تصل نسبة أبناء الأورومو والأمهرا نحو 60% ورغم ذلك لا يحظون بحقوق التيغراي.
تحديات الحكومة الإثيوبية
تأتي هذه الاضطرابات التي أدت إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد في وقت تعاني منه إثيوبيا من تهديدات ذات خطورة متزايدة، على رأسها النزعات العرقية الانفصالية لقوميات مثل الأرومو الذين يشعرون بالتهميش في وسط البلاد، ولهم أكثر من جبهة مسلحة حاولت انتزاع حقوقهم بالقوة. فأبناء قومية ” الأرومو”، يمثلون نسبة 40 % من عدد سكان إثيوبيا حسب الإحصاءات الحكومية، وهم يعتقدون أن تمثيلهم في السلطة لا يتناسب مع ثقلهم السكاني، فضلا عن أن أبناء هذه القومية يدينون بالإسلام .
ثم طموحات إقليم أوغادين أو الصومال الغربي الذي تقيم فيه أغلبية ذات أصول صومالية في الشرق، وبه أكثر من حركة مسلحة متمردة تريد الانفصال عن إثيوبيا.
أيضا الفوضى قد تشتعل في إقليم العفر في أقصى الشمال الشرقي على الحدود مع إريتريا، وكذلك الأنواق على الحدود الغربية مع السودان.
ثم على الحدود الشمالية الغربية، خط القتال مع إريتريا التي تسعى لتخليص بلدتها “بادمي” من أيدي الإثيوبيين، بعدما حكمت هيئة ترسيم الحدود الدولية في لاهاي بأحقيتها فيها.
إضافة إلى هذا، تبقى قضية الخلاف على مياه حوض النيل بين مصر والسودان من جانب، وإثيوبيا وكينيا ورواندا وأوغندا وبوروندي من جانب آخر، تبقى بانتظار حل، وقد أعلنت وزارة الخارجية المصرية، أنها تلقت إخطارا سودانيا بتأجيل الاجتماع الوزاري الثلاثي الخاص بالسد بناء على طلب إثيوبي.
ويزيد الوضع الإثيوبي خطورة، القلق المتزايد من تهديد حركة الشباب المجاهدين في الصومال، التي تسيطر على أجزاء كبيرة وتتوعد بالثأر من إثيوبيا لغزوها الصومال وقتل شعبه وتسطير الجرائم البشعة على أرضه والتنكيل بأبنائه ، وتخشى الحكومة الإثيوبية أن يكون التهديد من قبل حركة الشباب إما بهجمات مباشرة أو بدعم المسلمين لإشعال ثورة مسلحة.
رسائل الاستقالة
في حين يبدو واضحا أن استقالة رئيس الوزراء تعد رسالة للشعب الإثيوبي بأن الائتلاف الحاكم يتجاوب مع مطالب الشعب، ويرغب في توسيع المشاركة “الديمقراطية”. إلا أن حزب “الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية” الحاكم في إثيوبيا، هو صاحب القرار في السياسات العامة أولا وأخيرا وليس رئيس الوزراء.
فقد صرح رئيس حزب مؤتمر الأورومو الفيدرالي المعارض، ميريرا غودينا، فور إعلان استقالة رئيس الوزراء ديسالين بأنه من غير الواضح إذا كانت استقالة ديسالين من رئاسة الوزراء ستشكل فرقا حقيقيا في البلاد. مضيفا أن حزب الجبهة الثورية للشعب الإثيوبي أو ما يسمى “الائتلاف الحاكم” وأنصاره يسيطرون على معظم مقاعد البرلمان، كما نقلت تصريحاته “فرانس برس”.
وعلى نفس السياق علّق مولاتو جيميتشو نائب الأمين العام لحزب مؤتمر أورومو الاتحادي المعارض بأن إثيوبيا تحتاج نظاما سياسيا جديدا بالكامل. في إشارة إلى أن المراوغة في إقالة رئيس الوزراء لن تجدي نفعا ولا تستجيب لمطالب المحتجين.
من جهتها أعلنت الإذاعة الحكومية الإثيوبية بأن ديسالين سيبقى في منصبه حتى يتم نقل السلطة إلى رئيس وزراء جديد .في حين ستمتد حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر. وخلال هذه الفترة يمنح الدستور الإثيوبي صلاحيات استثنائية للجيش والأجهزة الأمنية لاتخاذ التدابير المناسبة.
ما بعد الاستقالة
ويبدو أن استقالة ديسالين لم تنجح في تهدئة الشارع الإثيوبي ، فقد شهد إقليم الأمهرا، شمالي إثيوبيا، إضرابا واسعا للمحال التجارية وعربات النقل العام، بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان حالة الطوارئ بالبلاد.
وعن خليفة رئيس الوزراء المستقيل، يقترح بعض المراقبين المتابعين لكواليس السياسة الإثيوبية، ثلاث شخصيات الأكثر حظا بمنصب ديسالين في رئاسة الوزراء. أولهم، “ديميك ميكونن” الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس الوزراء، أما الثاني فهو “ليما مقرسا”، حاكم إقليم أوروميا، والذي تزيد حظوظه على أمل أن يهدأ تنصيب أورومي الاحتجاجات في الشارع الإثيوبي. ثم الثالث، “ورقنيه قبيو” وهو وزير الخارجية الحالي.
والسؤال الذي يطرح نفسه، في حال تم تنصيب رئيس وزراء جديد، ولم تنجح هذه الخطوة في تهدئة المحتجين ما هي السياسة التي ستلجأ لها الحكومة الإثيوبية لفرض سيطرتها على الشارع الإثيوبي؟
والجواب أن أمام الحكومة خيارين لا ثالث لهما، إما أن تحزم قبضتها وتشدد ضرباتها، وتواجه الاحتجاجات بالقوة العسكرية، وهذه طريقة سبق وأن أثبتت فشلها رغم سقوط مئات القتلى.
وإما أن تلجأ لطريق التفاوض مع الأحزاب والمعارضين وهو الخيار الأكثر حظا والأقرب نفعا مع احتمالية إحداث تغييرات في تركيبة الحكومة الإثيوبية إن وافقت على مطالب المحتجين. ولعل ذلك سيكون أهون في أعين التيغراي، من الانجراف إلى محيط الحروب الأهلية والصراع الداخلي الكفيل بأن يهدم كل ما سهر “ميليس زيناوي” على تحقيقه لإحكام القبضة على إثيوبيا.