زيارة فرماجو لإرتيريا المفاجأة.. تدفعها المصالحة الإثيوبية الإرتيرية وجيبوتي محطة مقبلة

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

(شهادة) – وتستمر التطورات في ملف المصالحة الإثيوبية الإرتيرية، ليفاجأ الرئيس الصومالي عبد الله فرماجو الشعب الصومالي والمراقبين لمنطقة شرق إفريقيا بزيارة غير متوقعة لإرتيريا، الخصم الذي لم يعترف يوما بحكومة صومالية بما فيها حكومة فرماجو معتبرا إياها تابعة لإثيوبيا والذي طالما وجه التهم لإثيوبيا بزعزعة استقرار الصومال.

 

تفاصيل الزيارة

الزيارة التي قام بها فرماجو للقاء الرئيس الإرتيري أسياس أفورقي يوم السبت 28 يوليو الماضي استغرقت ثلاثة أيام وجاءت بعد زيارة رئيس وزراء إثيوبيا الجديد أبي أحمد للصومال، فيما تعد هي الأخرى زيارة تاريخية أولى لجارة يجمعها بإثيوبيا سجل تاريخي من الحروب مثقل بالأحقاد والثارات. أثارت استهجان الشارع الصومالي ودفعت فرماجو لتقديم التبريرات والتطمينات حول اتفاقيات الموانئ الصومالية التي أبرمت في هذه الزيارة لتستفيد إثيوبيا – حبيسة البر- من الساحل الصومالي.

 

وبحسب البيان الذي صدر بعد الزيارة، فإن الرئيسين ناقشا في اجتماعهما في العاصمة الإرتيرية أسمرة، تطبيع العلاقات بين الحكومتين وتبادل السفارات في وقت قريب.

 

وبحسب تصريحات وزير الإعلام الإريتري يمانى ميسكيل، فقد رافق فرماجو وزراء الإعلام والثقافة والسياحة والمواصلات والخارجية للحكومة الصومالية المدعومة من الغرب.

 

بنود الاتفاقية

الاتفاقية التي وقع عليها فرماجو وأفورقي شملت عدة بنود كان على رأسها احترام إرتيريا السيادة الوطنية للصومال ووحدة أراضيه، ومساعدته على استعادة مركزه في منطقة شرق إفريقيا وفي العالم. وبذل كل الجهود لإقامة تعاون ثنائي بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والدفاع، كما اتفق الطرفان على إقامة علاقات دبلوسية وفتح السفارات وتبادل الخبرات.

 

دوافع الزيارة

ويرى المراقبون أن خطوة التقارب الإرتيري الصومالي المفاجئة دفعتها إلى الأمام المصالحة الإثيوبية الإرتيرية الجديدة، وأنها جاءت بتخطيط ومباركة أمريكية لتغيير الخريطة الجيوسياسية للقوى في شرق إفريقيا، حيث أشاد وزير الخارجية الأمريكية “مايك بومبيو” بما وصفه “جهود الإصلاح التاريخية” التي قام بها أبي أحمد منذ تولي مهام منصبه في أبريل / نيسان  الماضي، وطبقاً لبيان وزَّعه مكتب أبي أحمد مؤخرا، فقد شجع مايك أيضاً الحكومة الإثيوبية على الاستمرار في ما وصفه حل النزاعات الإقليمية في القرن الأفريقي وتعزيز التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وإثيوبيا. من جهة أخرى، أكد نائب الرئيس الأميركي مايك بينس، في لقائه مع أبي أحمد أثناء زيارة الأخير للولايات المتحدة على شراكة الأمريكيين الطويلة مع إثيوبيا.

 

العقوبات على إرتيريا لم تعدد مبررة

زيارة فرماجو التي جاءت بعد 15 سنة من المقاطعة بين الصومال وإرتيريا، جاءت لتكسر الجليد بين الحكومتين المتخاصمتين في وقت أبدت فيه الأمم المتحدة عن نيتها في رفع العقوبات الأممية التي فرضتها على إريتريا منذ 2009 والتي كان منها تجميد أصول إرتيرية ومنع مسؤولين سياسيين وعسكريين من السفر، إضافة إلى حظر على الأسلحة.

 

وقد فرضت العقوبات بتهمة دعم إرتيريا للمحاكم الإسلامية في الصومال وهو الاتهام الذي وجهته إثيوبيا لإرتيريا لكنه لم يثبت ورفضته أسمرة بقوة وتراجعت عنه الأمم المتحدة مؤخرا حيث لمح الأمين العام أنطونيو غوتيريش للأمم المتحدة إلى أن هذه العقوبات قد لا تكون مبررة بعد اليوم.

 

ويجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا طلبت رسمياً من الأمم المتحدة، رفع العقوبات عن إريتريا في اتصال مباشر بملف المصالحة بين الطرفين.

 

جيبوتي المحطة المقبلة

تميزت العلاقات بين بلدان شرق إفريقيا المتجاورة بالتوتر والاحتقان المستمر، وبعد تحسين العلاقات الإثيوبية الإرتيرية ثم الصومالية الإرتيرية تتجه الأنظار للعلاقات الجيبوتية الإرتيرية  التي تشنجت بسبب النزاع الحدودي بين الدولتين تسبب في اندلاع حرب بينهما في عام 2008.

 

وتشير خلفية الصراع بين جيبوتي وإرتيريا إلى أنه امتداد للصراع بين إرتيريا وإثيوبيا باعتبار  جيبوتي المجاورة أحد الحلفاء الاقتصاديين الرئيسيين لإثيوبيا.

 

وكان الوجود العسكري لإثيوبيا في الصومال وبدعم من الغرب قد لاقى انتقادات لاذعة من  إريتريا التي وصفت تدخل إثيوبيا في الصومال بأنه يضر أكثر مما ينفع.  ووصل الأمر إلى أن أعلنت إريتريا انسحابها من الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا “إيجاد” عام 2007 احتجاجًا على توغل قوات إثيوبية في أراضٍ صوماليةٍ.

 

إلا أن المصالحة الأخيرة دفعت إرتيريا لتغير نبرة الاتهام والانتقاد إلى نبرة التقارب والقبول.

 

الملف الجيبوتي في زيارة فرماجو

ويبدو أن زيارة فرماجو لأسمرة جاءت لتحقق التقارب بين إرتيريا وجيبوتي وفق توجيهات إثيوبية، وقد أكدت تصريحات النائب أيوب إسماعيل يوسف عضو مجلس الشيوخ الصومالي وجود مبادرة صومالية للوساطة بين البلدين لإيجال حلول سلمية للنزاع الحدودي بين جيبوتي وإرتيريا. حملها فرماجو في زيارته لأسمرة.

 

تصريحات فرماجو تثير غضب الجيبوتيين

ولكن دعوة فرماجو الأمم المتحدة لرفع حظر السلاح المفروض على إريتريا خلال هذه الزيارة أثار حفيظة الجيبوتيين. وهذا ما أكده بيان أصدرته السفارة الجيبوتية في مقديشو مباشرة عقب زيارة فرماجو لأسمرة، جاء فيه أن “جيبوتي تشعر بخيبة أمل حيال طلب الرئيس الصومالي، من الأمم المتحدة، رفع حظر السلاح عن إريتريا خلال زيارته للعاصمة الإريترية أسمرة مؤخرا.”

 

وأضاف البيان : “إن إريتريا، ومنذ 2009، تثير القلاقل الأمنية مع جيرانها خاصة مع جيبوتي”.

 

وأوضح البيان بشكل مباشر سبب الاستنكار الجيبوتي حيث جاء فيه: إن “الأمر الذي لا يمكن قبوله هو دعم الصومال لإريتريا، التي تسيطر على أراض جيبوتية وتعتقل مواطنين جيبوتيين” في إشارة إلى الخلاف الحدودي بين البلدين ووجود سجناء جيبوتيين في معتقلات إرتيريا.

 

وكون جيبوتي تشارك بجنودها في بعثة أميسوم للاتحاد الإفريقي التي تقاتل في الصومال ضد حركة الشباب المجاهدين ، استغل البيان الفرصة بالمنّ على حكومة فرماجو بهذا الدعم العسكري الذي ينتظر منه أن يجعل الصومال في صف جيبوتي بلا ارتياب، فجاء في البيان: ” من غير المنطق دعم الصومال لإريتريا، بينما جنودنا يضحون بأنفسهم للدفاع واستعادة استقرار الصومال”.

 

ولا يمكن تحديد الاستنكار الجيبوتي كمحطة حاسمة لآفاق المصالحة بين جيبوتي وإريتريا ذلك أن الوساطة الإثيوبية بدعم أمريكي تمضي على قدم وساق في تحقيق سلسلة المصالحات بين جيران شرق إفريقيا. ولا يستبعد أن يكون ثمن رضا الجيبوتيين، تنازل إرتيريا عن أراضي جيبوتي التي استولت عليها مقابل ما ضمته لمساحتها من أراضي متنازع عليها مع إثيوبيا فضلا عن  حل قضية السجناء. خاصة وأن تقارير عديدة أعلنت مؤخرا عن جهود إثيوبية حثيثة تسعى لجمع الرئيس الجيبوتي مع نظيريه الإرتيري في الأيام المقبلة.

 

اغتيال مدير مشروع سد النهضة

وفي وقت تتسارع فيه التطورات التي تدفعها المصالحة بين إرتيريا وإثيوبيا، منذ انطلاق رئيس وزراء الأخيرة أبي أحمد في سياسة إصلاحية جديدة لم تعهدها إثيوبيا ولا شرق إفريقيا من قبل، يبدو أن أطرافا أخرى تحاول عرقلة هذه السياسة من خلال توجيه ضربات غير متوقعة، كان آخرها، عملية اغتيال مدير مشروع سد النهضة المهندس “سيمجنيو بيكيلي” في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

 

ويرى المراقبون أن عملية الاغتيال تمثل رسالة لأبي أحمد أن إشعال فتيل أزمة سد النهضة من جديد قد يقوض كل جهود رئيس الوزراء الطموح في المنطقة، ويقطع الطريق أمام سياساته بالنظر إلى حساسية المشروع وتأثيره الخطير على المنطقة برمتها.

 

قراءة في مستقبل المصالحات

لا يعدو التحرك الصومالي في اتجاه تقارب مع إرتيريا رغم الخلفية الثقيلة من الخصومات بين البلدين إلا خضوعا مباشرا من فرماجو لمطالب إثيوبيا واتباعا طائعا أو مكرها لسياسات أبي الجديدة التي تمليها الإرادة الأمريكية في شرق إفريقيا.

 

وحرص فرماجو على تلبية مطالب إثيوبيا والخضوع لسياساتها يعكس درجة ارتباط وجود حكومته بالحليف الأمريكي إثيوبيا، وهو ما دفعه بحسب العديد من المراقبين لتخفيف لهجة الانتقاد والهجوم على الإمارات بعد أزمة الموانئ، إلى لهجة لين وتقارب يبدو أنها جاءت بتأثير إثيوبي لأجل مرحلة مقبلة تحمل الكثير من الجديد لم يعتده الجو الجيوسياسي في شرق إفريقيا، تديرها الولايات المتحدة من خلف وعرابها أبي أحمد الإثيوبي. وكلاهما يحرك الرئيس الصومالي فرماجو بحبال الدمية المتحركة ما يفسر سرعة تراجع الأخير عن مواقفه وتصريحاته المعلنة سابقا.

 

وإلى حين تتجلى مرامي المصالحات المفاجئة والتقاربات السريعة بين خصوم الأمس، ومدى جديتها ومتانتها، تبقى حكومة فرماجو تابعة مخلصة لسياسات خارجية لم تجني منها إلى الآن شيئا ملموسا ولا تطورا يستحق التقدير في الداخل الصومالي. وينتظر منها أن تصل إلى الكفاءة المطلوبة لتسلم زمام البلاد بعد خروج منتظر في عام 2020  لقوات الإتحاد الإفريقي “أميسوم” المنهكة، التي بدورها تشكك في قدرة حكومة فرماجو على القيادة وملأ الفراغ الذي ستتركه القوات الإفريقية بخروجها، بالنظر لدرجة الفشل التي اقترنت بممارسات هذه الحكومة على رأسها فشلها في إرساء الأمن في العاصمة الصومالية مقديشو التي بذلت فيها جهود عظمى وإجراءات أمنية كبرى، ورغم ذلك لا زالت هجمات حركة الشباب المجاهدين تضرب عمقها وفي قلب مؤسساتها كما نجحت مؤخرا في استهداف وزراة الداخلية والأمن وتسديد ضربات قوية للقصر الرئاسي.