واقع الكينيين في الولايات المتحدة الأمريكية

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

نشرت صحيفة “ديلي نيشن” الكينية تقريرًا خاصًا لواقع الكينيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية، لتسلط الضوء على حالة القطيعة التي يعاني منها المهاجرون الكينيون بعد وصولهم هناك وقلق أقاربهم عليهم والأسباب التي تدفعهم للاستمرار في العيش حتى في أسوء الظروف دون التفكير في العودة لبلادهم الأصل، ليخلص التقرير في الأخير إلى أن المهاجرين الكينيين يكابدون لأجل كسب لقمة العيش في الولايات المتحدة وأن الكثيريين منهم كان مصيره مؤسفًا وليس كما يعتقد الناس بأنها أرض الأحلام الواعدة.

 

قصة فيوليت

وتناولت الصحيفة قصة امرأة كينية تدعى “فيوليت كيمتونو”، تواصل فريق الصحيفة مع أقاربها في مقاطعة كيسي.

 

وبحسب الصحيفة فإن فيوليت كانت تعيش في الولايات المتحدة منذ عام 2006 وأكد أقاربها أنها ذهبت إلى هناك لأجل الحصول على بطاقة الإقامة الأمريكية (البطاقة الخضراء) لتخبرهم لاحقا أنها التحقت بالجامعة لدراسة الطب.

 

بعد عام 2006 ، زارت الفتاة أقاربها في كيسي مرة واحدة فقط ، في يناير عام 2018 عندما رجعت لحضور مراسم دفن والدتها.

 

وقد توفي والدها في عام 2001. وتكفل أجدادها بتمويل تكاليف تعليمها في كينيا.

 

الحياة السرية

وبحسب الصحيفة فإن أهل الفتاة لا يعلمون الكثير عن حياة حفيدتهم أو ما تفعله في الولايات المتحدة.

 

وقال شقيقها: “كل ما أعرفه عنها هو أنها ذهبت لدراسة الطب، فنادرا ما نتواصل وحين نفعل ذلك، يكون بشكل مقتضب، دون الكشف عن التفاصيل، لقد تحدثنا آخر مرة قبل شهرين، حين كنت أستفسر منها بشأن مسائل تتعلق بممتلكات والدينا”.

 

وقامت الصحيفة من جهتها بالاتصال بالفتاة فيوليت، للتعليق على مخاوف أقربائها، لكنها تفاجئت برد قاس من طرفها لم يكن متوقعا.

 

حيث صرخت فيوليت مخاطبة الصحفي:”ومن أنت؟ توقف عن تهديدى! إن قضية أين أعيش؟ وما الذي أفعله ليست من شأن أي أحد، انشغل بنفسك فقط”. بحسب ما نقلت الصحيفة

وأوضحت الصحيفة بأن الفتاة فيوليت من بين الكثير من الكينيين الذين يقيمون في الولايات المتحدة ، لكنهم انقطعوا عن عائلاتهم ولا يفصحون عن تفاصيل حياتها إلا ما ندر. 

 

ظاهرة منتشرة

وقال ديفيد أومباتي ، وهو مسؤول كبير في مقاطعة جنوب ولاية ماسا للصحيفة: “هذه الحالة ليست شاذة، فقد رحل العديد من الأشخاص من هذه المنطقة إلى الولايات المتحدة ولا أحد يعرف كيف يذهبون وماذا يفعلون، ومع طبيعة الحياة التي غلب عليها اليوم رفض الناس التدخل في حياتهم الشخصية، يصبح من الصعب جدا توجيه الأسئلة إليهم”.

 

وترى الصحيفة بأن حالات الهجرة للكينيين الذي فشلوا في العودة إلى ديارهم منذ عقود، قد تسببت في حالات قلق بارز لدى أقاربهم بل أحيانا كثيرة كانت سببا في حزنهم ومحنتهم.

 

وبحسب تقرير لبلومبورغ صدر في عام 2018، فقد تم إحصاء 120 ألف كيني يعيشون بشكل قانوني ويعملون في الولايات المتحدة.

 

ويصبح هذا الرقم أكبر عندما يتم حساب المهاجرين غير الشرعيين وخاصة أولئك الذين يسافرون للولايات المتحدة بتأشيرات الدراسة أو الزيارة ولكنهم لا يعودون بعد انتهاء صلاحية تأشيراتهم.

 

وفي الواقع فإن العديد من الكينيين “عالقون” في الولايات المتحدة، حتى عندما يكون حالهم في كينيا أفضل، كما أنهم لا يتواصلون أو يزورون أقاربهم إلا في النادر.

 

لماذا البقاء؟

ونقلت الصحيفة قول المحاضر السابق في جامعة نيروبي “أوماري أونيانغو” الذي قال إن هناك ظروفا مختلفة تدفع بعض الكينيين إلى العيش في الولايات المتحدة حتى في أسوء الظروف”.

 

وأضاف الدكتور الذي يدير عيادة أسنان ناجحة في مدينة لوس أنجلس في ولاية كاليفورنيا: “هناك من حاول تحصيل عمل مناسب أو عمل تجاري يمكنه أن يزاوله في كينيا قبل أن يغير مكان إقامته” ولكن ” من الصعب تحقيق الأمرين معا لأسباب مختلفة”.

 

واقتبس أونيانغو عن مقالة غير منشورة للدكتور مارفين أوبيو بعنوان  “المهاجرون الأفارقة عالقين في الولايات المتحدة” حيث قال: “إن الكينيين الذين أنشأوا عائلاتهم في الولايات المتحدة يجدون أنفسهم عالقين هناك بسبب المعايير الأكاديمية المتفوقة والمدارس الممولة بشكل جيد والمتميزة من ناحية الكفاءة والثقة مقارنة مع تلك التي توجد في كينيا”.

 

وأضاف أونيانغو: “وتعاني كينيا من معدل بطالة مرتفع في قطاع التوظيف، ما يجعل الحصول على وظيفة بنفس الامتيازات كما هو الحال في الولايات المتحدة أمرا صعبا”.

 

ثم “أولئك الذين حاولوا تأسيس شركات تجارية في كينيا انتهى بهم الحال إلى خسارة مبالغ كبيرة من المال بسبب تحايل أقاربهم ، ولا أحد يرغب فعلا في الانتقال لكينيا حتى يتأكد بأن لديه مشروعا يسمح له بتوليد دخل بشكل مستمر في وطنه”.

 

أما أوبييو، وهو مدرس في كاليفورنيا ، فيقول بإن التخمينات الحالمة وغير الواقعية قد وضعت الكثير من الكينيين في الولايات المتحدة في ورطة.

 

“فالنظام الدراسي الأمريكي ليس بالهين، وكثير من الناس لا يستوعبون هذا النظام قبل أن يطالبوا من يعيش في أمريكا بتحقيق أحلامهم”.

 

وأوضح أوبييو أن الكينيين وخاصة النساء يتمتعون بالحرية الاجتماعية والاقتصادية في الولايات المتحدة وهو ما يمنعهم من العودة إلى وطنهم.

 

كما أشار أونيانغو إلى وكالات إنفاذ القانون التي وصفها بالضعيفة في كينيا على أنها أحد الأسباب التي تجعل الكينيين في الشتات مترددين في العودة إلى بلادهم.

 

الكينيون عالقون

ونقلت الصحيفة  قصة رجل من  بوماشوجي من مقاطعة كيسي والذي رحل  إلى الولايات المتحدة فيما يبدو لتحصيل المزيد من الشهادات الدراسية، ولكن لم يرجع لوطنه إلا بعد عقدين في الولايات المتحدة، بسبب الموت.

 

فقد تخلى جوزيف أومامبيا، وهو إسم مستعار، عن زوجته وأطفاله الثلاث قبل عشر سنوات وقد أصبح أبناءه في الجامعة لكنهم لا يرون والدهم إلا عن طريق الواتس أب.

 

وتولت والدتهم – التي تعمل كمسؤولة في منصب رفيع المستوى في مؤسسة شبه حكومية كينية- تولت مهمة تربيتهم والاعتناء بهم بمفردها.

 

كذلك نقلت الصحيفة قصة أخرى لتوم أورينا، وهو إسم مستعار، والذي ترك منزل والديه في نيروبي ليقيم في الولايات المتحدة منذ حوالي 20 سنة بهدف إكمال دراسته الجامعية في إدارة الأعمال، لكنه لم يكن يدري ما ينتظره هناك.

 

فحين قرر والده الذي كان يعمل سابقًا في نظام الرئيس دانيال أراب موي، أن ينقل الشاب من الجامعة الأمريكية الدولية (USIU-Africa) إلى جامعة أخرى في سان دييغو، كان الشاب لا زال في منتصف دراسته. ولأجل ذلك أعلن والده عن حملة لجمع التبرعات جمع فيها الملايين من أجل دفع تكاليف دراسته ومسكنه ومعيشته في الجامعة.

 

وحجز الوالد لولده مقعدا في رحلة إلى الولايات المتحدة ووعده بإرسال الأموال إليه قبل أن يصل إلى كاليفورنيا ، خشية أن تضيع معه الأموال خلال سفره.

 

ولكن ما لبث الشاب أن وصل إلى كاليفورنيا حتى اكتشف بأن والده لم يرسل له سنتا واحد لمكتب القبول بالجامعة.

 

ولم يحصل على إجابات من خلال المكالمات الهاتفية، في حين والدته كانت عاطلة عن العمل وتسترزق من الزراعة المحلية في غرب كينيا. ولم يكن لديها من المال ما يمكنها به أن ينقذ ابنها من هذا المأزق، والذي انتهى بعد ذلك بين المشردين.

.

الأحلام  الكاذبة

من جهته قال الصحفي الكيني بيتر ماكورى المقيم في الولايات المتحدة أن هناك العديد من الطلاب الكينيين الآخرين، من الذين أرسلهم آباؤهم إلى أمريكا على أمل زائف بأن تكون الولايات المتحدة أرض الأحلام والحليب والعسل ، حيث كل شيء يتحقق بسهولة في آخر المطاف.

 

وقال ماكوري: “ما لا يقدرونه هو أنه عندما تأتي بتأشيرة طالب، فإنك تخاطر بنفسك بالترحيل إذا تم إلقاء القبض عليك وأنت تمارس عملا آخر”.

 

لقد أدى التنفيذ الصارم للقانون في الولايات المتحدة إلى اعتقال العديد من المهاجرين الكينيين.

 

وفي نوفمبر من العام الماضي، عقد الكينيون الذين يعيشون في ولاية مينيسوتا اجتماعًا لمناقشة السبل التي يمكنهم بها تصحيح صورتهم التي تضررت بشدة.

 

وعقد هذا الاجتماع نتيجة تزايد عدد الكينيين الذين يُسجنون بسبب مشاركتهم في أنشطة إجرامية.

 

وقال ماكورى إنه تم القبض على العديد من الكينيين، وخاصة الرجال، واتهموا بالاغتصاب وضرب الزوجات.

 

 “مانديلفو يا وانومي”

في يونيو من العام الماضي، اجتمعت مجموعة من الكينيين المهاجرين في أتلانتا ، جورجيا ، وشكلوا ما يسمى ” مانديلفو يا وانومي” (مجموعة لتوظيف الرجال) بهدف إدانة النساء. فأغلبهم من الكينيين الذين يقولون بأن شكاوى وصلت الشرطة عنهم، لأسخف الابتزازات.

 

وقد سلط الفيلم الوثائقي الذي كتبه وأنتجه كابا مابونجوا الضوء على بعض التحديات التي لا يتم تداولها بين المهاجرين في الولايات المتحدة. بحسب ما ورد في تقرير الصحيفة.

 

الفيلم، الذي صدر في رالي، كارولاينا الشمالية، يضم عددا من الكينيين الذين يشاركون ليكشفوا بصراحة عن حقيقة محنهم في الولايات المتحدة.

 

وقد أكد الفيلم الوثائقي أن العديد من الكينيين، مثلهم مثل غيرهم من المهاجرين، يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم وكسب لقمة العيش.

 

كما أدت التحديات في بعض الأحيان – خاصة لدى الشباب – إلى الوقوع في مشاكل ومصائب ، لينتهي بهم المصير بدخول  السجن ، أو ملاجئ المشردين ، أو يجبرون على الرجوع في رحلة قسرية إلى الوطن أو قد يكون مصيرهم الموت بحسب الصحيفة الكينية.

 

وفي الواقع بحسب التقرير، فإن هذا الفيلم يسلط الضوء على المفاهيم الخاطئة التي يعتقدها الكينيون بشأ الحياة في  أرض تسمى “أرض الحرية”. في إشارة إلى الولايات المتحدة.

 

خلاصة التقرير

وختاما فقد سلط هذا التقرير لصحيفة نايشن الضوء على الواقع الحقيقي للكينيين في الولايات المتحدة الأمريكية والذين يعانون مثلهم مثل جميع المهاجرين في الولايات المتحدة ولكنهم مع ذلك يرفضون العودة لبلادهم كون واقعها يبقى في أعينهم أسوء من واقع الولايات المتحدة.

 

إضافة إلى إثارته موضوع التفكك الأسري والاحتيال والفساد الحكومي الذي يكون عادة سببا لاستمرار الهجرة والبعد عن الوطن.