واشنطن بوست: حركة الشباب تعمل كحكومة محلية فعالة لهذا لن ترحل بعيدا في وقت قريب!:
الصومال (شهادة) – في مقالة جديدة لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، نشرتها الكاتبة”تريسيا باكون”، الأستاذة المساعدة في الجامعة الأمريكية في مدرسة الشؤون المدنية، تحت عنوان “لهذا لن يرحل الشباب بعيدا في وقت قريب!” عرضت الصحيفة رؤية الكاتبة لواقع الصراع في الصومال وكينيا بعد سلسلة حوارات ودراسات أجرتها بنفسها في البلدين الشرق إفريقيين.
واستهلت باكون مقالتها بالتذكير بهجمات “حركة الشباب المجاهدين” الأخيرة، التي أحصت منها الهجوم في العاصمة الصومالية مقديشو بتاريخ 14 حزيران، والذي سقط خلاله 30 قتيلا، وهجوم “الشباب”على قاعدة عسكرية في إدارة “بونتلاند”، والذي أودى بحياة العشرات من الجنود، لتسبق بذلك “الشباب” جماعة بوكو حرام من حيث حصيلة الهجمات ولتصنف كأكثر منظمة إرهابية قاتلة في إفريقيا، بحسب مقالة الصحفية الأمريكية.
وترى باكون بناء على أبحاثها الميدانية الأخيرة في كينيا والصومال، حيث ينشط الشباب بشكل أبرز، أن سبب شعبية “حركة الشباب المجاهدين” واجتذابها للأتباع ليس “العنف” بحد ذاته، بل تُرجعه لاستمرار “الشباب” في تقديم النموذج الجذاب المنافس للحكومة الصومالية، ويظهر هذا جليا في قدرتها على الإدارة وحفظ المناطق آمنة وفك النزاعات مع عدم تفشي الفساد في أوساطها، خاصة في المناطق المهمشة وغير المتطورةالتي تهملها الحكومة.
وقالت باكون: “وكنتيجة، فإن حركة الشباب أصبحت ظل حكومة، تقدم نفسها كبطل صومالي للقبائل المهملة والمهمشة”.
وسلطت باكون الضوء على زيادة الولايات المتحدة الأمريكية تواجدها العسكري، وتوسيعها نطاق قوانين تدخلها في الصومال ضد “حركة الشباب المجاهدين”. وأحصت الضربات الأمريكية تحت ظل الصلاحيات الموسعة الجديدة، التي عدت منها ضربة نفذتها القوات الأمريكية في 11 حزيران الماضي استهدفت بها مركز تدريب وقيادة للحركة، وأخرى في 2 يوليو، وثالثة في 4 يوليو، حسب روايتها .
وأشارت باكون إلى قيام إدارة ترامب تحت ضغط وزارة الدفاع الأمريكية، بتصنيف الصومال كـ”منطقة أخطار نشطة” تسمح للولايات المتحدة بتوجيه ضربات هجومية لا تحتاج إلى إذن.
وتحت عنوان جانبي: إلى أي درجة لا تزال حركة الشباب قوية؟
تقول باكون أنه بالرغم من أن البعض يرى حركة الشباب المجاهدين كمنظمة تم إضعافها، بالنظر لفقدانها السيطرة على المدن والموانئ الرئيسية، ولفقدانها القدرة العسكرية لاستعادة سيطراتها عليها، وكذا خسارتها لمصادر التمويل. فضلا عن تمكن التحركات الدولية من تقليص فرصها في الاستفادة من بعض أنواع التجارة، واكتفاء الحركة بتجنيد المقاتلين الأجانب من نفس المنطقة، إضافة إلى أن الحركة لم تنفذ هجمات رئيسية خارج الصومال منذ 2015، ترى باكون أن “حركة الشباب” قد أظهرت قدرة مذهلة في التكيف. ولم تتمكن فقط من البقاء بل أيضا من التمدد.
تقول باكون: “لقد تم احتواء حركة الشباب جغرافيا من قبل قوات الاتحاد الإفريقي (أميسوم) ولكن هذا جلب هجمات على قواعد أميسوم العسكرية وأوقع بين صفوفهم أرقاما قياسية من القتلى والجرحى، إضافة لغنيمة الأسلحة والمركبات العسكرية والأسلحة الثقيلة”.
وترى باكون أن حركة الشباب رغم أنها تبدو لا مركزية لكنها قادرة على التجمع بشكل وحدات متعددة لشن هجوم.
وأضافت باكون: ” أن جهاز الاستخبارات لحركة الشباب المجاهدين “الأمنيات”، قطع أوصال الحياة في العاصمة الصومالية بالتفجيرات والاغتيالات والهجمات الهادفة”.
تناولت باكون أيضا نشاط حركة الشباب في كينيا. وسلطت الضوء على الهجمات المستمرة التي تشنها الحركة بالعبوات الناسفة خاصة في مناطق الشمال الشرقي والسواحل الكينية، إذ تحرص على زعزعة الأمن قبيل أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية الكينية في وقت ارتفعت فيها وتيرة التوترات وبرزت فيه المخاوف من ارتباط العنف بالانتخابات.
المقالة لم تكتف بعرض النشاط العسكري لحركة الشباب، بل تعمقت في تحليل الإنجازات الأخرى للحركة والتي فصلتها باكون تحت عنوان: “الشباب تعمل كحكومة محلية فعالة”.
وأبرزت مشاهدات باكون خلال حواراتها التي أجرتها في كينيا والصومال في شهر يناير ومايو وحزيران من هذه السنة، أبرزت قدرات الحركة في إدارة المجتمع القبلي في الصومال، وتوفير الخدمات الأساسية للقبائل ما أكسب الحركة قوة وتأثيرا سياسيا في جنوب الصومال.
تناولت باكون أيضا مسألة الأمن حيث قالت: ” تقدم حركة الشباب خدمات لا تزال الحكومة غير قادرة على توفيرها”.. ” فحركة الشباب توفر الأمن والاستقرار في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، فهي تدير المحاكم بما فيها المحاكم المتنقلة، لمعاقبة المجرمين وحلّ النزاعات”.
وترى باكون أهمية هذا الأمر لكون هذه المناطق تعرف الصراعات المحلية خاصة في قضايا تنازع ملكية الأراضي وهي قضايا تحتاج إلى معالجة بعيدا عن العنف.
وسجلت باكون المفارقة في كون التقارير الإعلامية توجه تركيزها على أساليب حركة الشباب “الوحشية” في العقاب، في الوقت الذي ينشد فيه بعض الصوماليين المحاكم التابعة لحركة الشباب المجاهدين، كونهم يعلمون أنها ستصدر أحكاما فاصلة وستدعم تنفيذها.
كما سجلت باكون إعجابها بنظام الضرائب الفعال وغير الفاسد الذي تديره حركة الشباب، والذي بالمقابل يوفر خدمة الأمن ويحفظ حقوق المواطنين بتسليم وصولات الدفع عند نقاط التفتيش، ويظهر ذلك بوضوح على الطرقات التي تقع في سيطرات الحركة، على عكس قوات الاتحاد الإفريقي “أميسوم” التي تنظر للضرائب كباب للتمويل. ولا توفر القوات الحكومية ذات المزايا ما دفع بالمواطنين ورجال الأعمال والأيدي العاملة إلى تكرار الشكاوى من تداعيات ذلك اقتصاديا وأمنيا. حسب ما رصدت باكون بنفسها.
وسلطت باكون الضوء أيضا على قدرة الشباب في شغل موقع المدافع عن القبائل والقادر على إدارة القبائل والتجمعات المحلية وتحصيل الدعم – بما في ذلك كسب دعم القيادات والميليشيات المعارضة للحكومة. لتستخلص باكون أن: “هذا جعل الجماعة أكثر شمولية وأكثر تداخلا مع المجتمعات المحلية وتمثيلا للمجتمع الصومالي بطريقة تجعل من الصعوبة التمييز بين المدنيين والمقاتلين”.
وتوضح باكون أن قدرات حركة الشباب العسكرية والاستخباراتية تعكس بنية منتشرة ولكنها منظمة بشكل جيد. ما يجعل كل شخص يدرك من استهداف “الشباب” للمتراجعين والجواسيس.
وخلصت دراسات وتحاليل باكون إلى أن “حركة الشباب” قد تمكنت من إيجاد الطرق والوسائل التي استغلت بها الفراغ الذي خلفته الحكومة، وأنها تمتلك قوة عسكرية وتأثير سياسي وإيديولوجي “عقدي” يصل إلى خارج مناطق سيطراتها، ما يؤكد أن هزيمتها لن تكون عسكريا فقط . في وقت يصبح فيه تطور الحكومة الصومالية أضعف وأكثر تأخرا.