نيويورك تايمز: تسريب صوتي يشير لعلاقة قطر مع تنظيم الدولة بهدف طرد الإمارات من الصومال
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرًا لكاتبيه “رونين برغمان” و”دافيد د. كيركباتريك”، يعرض تفاصيل تسريب صوتي لمكالمة جرت بين سفير قطر في الصومال وأحد رجال الأعمال القطريين يكشف بأن تفجيرًا وقع في مدينة بوصاصو شمال شرق الصومال قبل شهرين، نفذه “أصدقاء” قطر لطرد خصومهم الإماراتيين من الساحة الصومالية وتعميق النفوذ القطري في البلاد.
تنظيم الدولة “أصدقاء” قطر
التفجير الذي أشار له التسريب الصوتي بحسب الصحيفة هو التفجير الذي تبناه تنظيم الدولة واستهدف محكمة العدل في مدينة بوصاصو، وقد نشرت وكالة أعماق، الذراع الإعلامي للتنظيم، بيانًا يؤكد فيه مسؤوليته عن التفجير بتاريخ 12 مايو 2019 ويذكر فيها عدد المصابين تمامًا كما وثقت ذلك صحيفة نيويورك تايمز وهو 8 مصابين.
بيان تنظيم الدولة يتبنى الهجوم في مدينة بوصاصو الذي أشار إليه تسريب صوتي حصلت عليه صحيفة نيويورك تايمز
ويجدر الإشارة إلى أن المكالمة المسربة أجريت بعد حوالي أسبوع واحد من تاريخ التفجير الذي تبناه التنظيم، أي بتاريخ 18 مايو 2019 تمامًا كما أوضحت الصحيفة.
وفي هذه المكالمة المسربة من هاتف خلوي بين السفير القطري في الصومال، حسن بن حمزة هاشم، وخليفة كايد المهندي، وهو رجل أعمال مقرب من أمير قطر تميم بن حمد، قال المهندي: “أصدقاؤنا كانوا وراء التفجيرات الأخيرة”، في إشارة إلى تنظيم الدولة الذي تبنى مسؤولية التفجير المذكور.
محتوى التسريب الصوتي
وقال المهندي أيضا في هذا التسريب: “إن المسلحين نفذوا هذا التفجير في بوصاصو لتسهيل مصالح قطر بطرد منافستها الإمارات”.
وأضاف: “نعلم من يقف خلف التفجيرات وعمليات القتل” بحسب ما عرضت الصحيفة.
وقال أيضا: “إن الهدف من إثارة العنف هو دفع الإماراتيين للهروب من هنا”. “ليطردوا الإماراتيين فلا يقومون بتجديد العقد معهم وسأجلب بعدها العقد هنا للدوحة” عاصمة قطر.
وعند سؤال المهندي عن المحادثة المسربة من الهاتف الخلوي، لم ينكر حقيقتها، تماما كما فعلت حكومة قطر التي لم تنكرها من الأساس، لكن كلاهما اتفقا على أنه كان يتكلم كمواطن بشخصه وليس كمسؤول حكومي.
من جانبه لم يبد السفير حسن بن حمزة هاشم أي احتجاج أو استياء من فكرة أن القطريين لعبوا دورًا في التفجير. وقال: “لماذا تنفذ هذه الهجمات هناك، هي لأجل إجبارهم (الإماراتيين) على الهروب!”.
والمهندي مقرب من أمير قطر، تميم بن حمد بحسب ما أكدت النيويورك تايمز. وأشارت إلى أن هناك صورا تجمع الإثنين سوية، كما أن المعلومات التي حصلت عليها الصحيفة من تقارير الأخبار والرسائل النصية التي زودتها بها وكالة الاستخبارات، تؤكد أن المهندي كثيرا ما يسافر مع الأمير تميم.
وحين أجرت الصحيفة اتصالا هاتفيا قصيرًا مع السفير القطري أنكر معرفته بالمهندي وأغلق الخط بسرعة.
بينما في مكاملة هاتفية منفردة قالت الصحيفة أن المهندي اعترف بأنه صديق للسفير ولكنه أضاف: “أنا رجل متقاعد ورجل أعمال ولا أمثل أي حكومة”.
وحين طلب منه تقديم توضيح لوصفه منفذي تفجير بوصاصو من تنظيم الدولة بالأصدقاء قال المهندي: “كل الصوماليون أصدقائي”.
أما عن مصدر التسريب للمكالمة الهاتفية، فقالت الصحيفة أنه من وكالة استخبارات أجنبية معارضة لسياسات قطر الخارجية.
صراع جديد في الصومال
وترى الصحيفة أن الهجوم على ما يبدو يشكل جزءًا من صراع مختلف جدًا، بين حكومات الخليج الغنية والمتنافسة على النفوذ والمصالح في القرن الإفريقي.
وأوضحت الصحيفة أنه خلال العامين الأخيرين، ظهرت في الصومال ساحة حرب محورية جديدة، بين الإمارات وقطر، كل منهما يعمل على تزويد الفئات المفضلة لديه بالأسلحة والتدريب العسكري. وكل منهما يوجّه للآخر الاتهامات بتقديم رشاوى للمسؤولين المحليين، وفي نفس الوقت يتنافس كلاهما على كسب العقود لإدارة الموانئ واستغلال الثروات الطبيعية في البلد الواقع في القرن الإفريقي.
المنافسة المحمومة بين قطر والإمارات
وأشارت الصحيفة إلى أن المنافسة المحمومة بين الخصمين قطر والإمارات ألهبت النزاع في القرن الإفريقي. واستشهدت بقول “زاك فرتين” الباحث في مؤسسة بروكنجز والدبلوماسي الأمريكي السابق في المنطقة الذي قال:” تقدم الصومال المثال الأكثر وضوحًا لكيف يمكن للتنافس الخليجي أن يثير الزعزعة” وأضاف: “تعتبر دول الخليج تلك البلاد (الصومال) كزبون، كل ما يشغلها هو إحكام السيطرة على المنطقة ونصب علمها واحتكار المناطق والعلاقات قبل أن يسبقها لذلك منافس”.
ويجدر الذكر أن قبل عامين، قطعت الإمارات والسعودية ومصر وحلفاء آخرين لهما، علاقاتهم الاقتصادية والدبلوماسية مع قطر في محاولة للضغط عليها لتغيير سياساتها.
وأشارت الصحيفة للدور الإماراتي في المنطقة حين تحركت بإرسال فرق المرتزقة إلى الصومال في عام 2012، لمحاربة قراصنة البحر في الساحل ولقتال حركة الشباب المجاهدين. ومع مرور الوقت أسست الإمارات قرابة العشر موانئ تجارية في خليج عدن والقرن الإفريقي. وأقامت قاعدة عسكرية رئيسية في عصب في إريتريا والتي كانت تعتمد عليها لإطلاق عملياتها في اليمن.
وحين ضرب الجفاف الصومال في عام 2011، قامت حليفة قطر، تركيا، بتقديم تبرعات للمتضررين ثم ما لبثت أن أقامت استثمارات تجارية شاملة وفتحت قاعدة عسكرية رئيسية وقدمت برنامج تدريب عسكري في العاصمة مقديشو في عام 2017.
ورغم إعلانها الحياد، اصطفت الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب في صف تركيا وقطر، واستولت على حوالي 10 مليون دولار نقدية من طائرة إماراتية في مطار مقديشو. وقال مسؤول إماراتي أن النقود كانت لدفع رواتب الجنود وضباط الشرطة الصوماليين تحت برنامج التدريب الإماراتي، لكن الحكومة الصومالية اتهمت الإمارات بالتخطيط لكسب النفوذ وزعزعة استقرار البلاد.
من جانبها انتقمت الإمارات بقطع التعاون مع الحكومة الصومالية، وحولت تركيزها إلى الإدارات الإقليمية المعارضة لهذه الحكومة، وهي صومالي لاند وبونتلاند بما فيها بوصاصو.
وحصلت شركة موانئ دبي في 2017 على عقد استثمار بحجم 336 مليون دولار لمدة 30 سنة لتوسيع وإدارة ميناء بوصاصو، وقد تعهد الشركة بـ 440 مليون أخرى في 2016 لتطوير ميناء بربرة في صومالي لاند.
لكن قطر تحركت بسرعة للاستفادة من الخلاف الإماراتي مع الحكومة الصومالية بتقوية علاقاتها الخاصة. وصرح مسؤولون قطريون لرويترز بأنهم قدموا 385 مليون دولار للحكومة الصومالية المدعومة من الغرب، وفي يناير/ كانون الثاني أعلنت قطر بأنها قدمت 68 سيارة مدرعة لمساعدة هذه الحكومة في حربها ضد حركة الشباب المجاهدين.
موقف حركة الشباب من المحورين المتخاصمين
من جانبها تصدت حركة الشباب المجاهدين لكلا المحورين، سواء الإماراتي أو التركي القطري، واتهمتهم بالمشاركة في الحملة الصليبية ضد الصومال ونهب ثروات البلاد ودعم الحكومة الصومالية التي تصنفها بالمرتدة.
وقد نفذت الحركة عدة عمليات ضد تركيا التي تؤيد الحكومة الصومالية وميليشياتها، وكان من هجماتها استهداف السفارة التركية في مقديشو عام 2013 وقصف القاعدة العسكرية التركية مرات عديدة بقذائف الهاون، وآخرها كان اغتيال مهندس تركي يعمل في فريق التدريب العسكري التركي في مقديشو.
واستهدفت حركة الشباب المجاهدين أيضا وفدًا دبلوماسيًا قطريًا في مقديشو بعملية استشهادية يوم 4 مايو 2013.
كما استهدفت الحركة الإمارات عدة مرات كان أبرزها الهجوم بسيارة مفخخة ضربت موكبًا لسفير الإمارات في الصومال رفقة وفد عسكري إماراتي في مديرية هدن بمقديشو بتاريخ 24 يونيو عام 2015 إضافة إلى الهجوم الذي اغتيل فيه “باول أنتوني فيرموسا” مدير شركة موانئ دبي في شمال شرق الصومال في فبراير من هذا العام.
تنظيم الدولة في الصراع القطري الإماراتي
ويمثل التسريب الصوتي للمسؤولين القطريين الذي كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز ولم تنكره قطر، إضافة جديدة لمعطيات الصراع بين المحور القطري التركي من جهة والمحور الإمارتي من جهة أخرى في إطار التنافس المحموم من أجل السيطرة على الصومال ودلالة أخرى على مدى تغلغل النفوذ القطري في البلاد.
ويرى المراقبون أن ظهور تنظيم الدولة في صف قطر في هذا الصراع لم يكن أمرًا مستبعدًا، نظرا لسيطرة قطر على جهاز الاستخبارات الصومالي الذي يترأسه حاليا المدعو “فهد ياسين” مدير مكتب قناة الجزيرة الأسبق في الصومال، ورجل قطر في مقديشو، والذي بدوره استطاع اختراق تنظيم الدولة واستخدامه لقتال حركة الشباب المجاهدين التي تمثل التحدي الأكبر للأجندات الدولية المعادية في الصومال.