منظمات حقوقية: الاختفاء القسري وانتهاك حقوق الإنسان أبرز الجرائم التي تمارسها حكومتا كينيا وجنوب السودان
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
انتقدت منظمات حقوقية بشدة كل من الشرطة الكينية والسلطات في جنوب السودان لتماطلهما في إجراء تحقيقات فعالة وشفافة ومحايدة في ظاهرة الاختفاء القسري لمواطنين من جنوب السودان والتي تفشى أمرها في كينيا بشكل صارخ في السنوات الأخيرة.
اختفاء مواطنين من جنوب السودان في كينيا
وقالت كل من منظمة “العفو الدولية” ومنظمة “هيومن رايتس ووتش”بأن معارضين اثنين من جنوب السودان قد اختفى لهما كل أثر منذ أكثر من عامين.
ورغم عدم الوصول لخبر عن مصيرهما أغلقت محكمة كينية عليا ملف التحقيق الذي أجرته الشرطة خلال 24 شهرًا في قضية اختفائهما.
وقد اختفى كل من “دونغ صموئيل لوك”، وهو محام وناشط حقوقي بارز من جنوب السودان، و”أغري إدري”، العضو في المعارضة السياسية بشكل مفاجئ ما دفع بأسرتيهما لرفع شكاوى للحكومة الكينية والمطالبة بالتحقيق في قضية اختفائهما.
وتشير التقارير إلى أن الرجلين تم اختطافهما من شوارع نيروبي يومي 23 و24 يناير/كانون الثاني 2017 على التوالي.
وقالت جهان هنري المديرة المشاركة في قسم إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: ” انتظرت أسرتا دونغ صموئيل لوك وأغري إزبيون إدري الحقيقة بصبر طوال عامين، وهم في حالة من عدم اليقين. لكن هذا القرار الذي يسمح للشرطة الكينية بالإفلات من المحاسبة، يخاطر بنسيان القضية وحرمان العائلات من العدالة”.
ليست المرة الأولى
وليست المرة الأولى التي تتواطأ فيها الحكومة الكينية وحكومة جنوب السودان في ملفات اختفاء قسري لمواطنين معارضين من جنوب السودان يتم تسليمهم في الخفاء وبدون إجراءات قانونية ليتم تغييبهم سنوات طويلة في السجون والزنازين الانفرادية في جنوب السودان.
ففي ديسمبر/ كانون الأول 2017، اختفى “ماركو لوكيدور لوكهابو”، وهو مسؤول في المعارضة السياسية في جنوب السودان، أخفي قسرا من مخيم كاكوما للاجئين. واعتقل بدون تهمة في مركز الاحتجاز “البيت الأزرق” سيئ السمعة في جوبا حتى 25 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، رحّلت كينيا الناطق باسم المعارضة السياسية في جنوب السودان جيمس غاديت داك، إلى جنوب السودان في ظل احتجاج كبير. وفي وقت لاحق، حُكم على غاديت بالإعدام شنقا بتهمة الخيانة، ولكن صدر عفو عنه في 31 أكتوبر تشرين الأول 2018. وتؤكد رواية غاديت لترحيله غير القانوني، التعاون بين أعلى المستويات في حكومتي كينيا وجنوب السودان.
من جهتهما أكدت أسرتا المخطوفين كما أكد مراقبون لسياسة جنوب السودان، أن اختفاء الرجلين جاء كنتيجة للتواطؤ بين جنوب السودان وكينيا.
الحكومتان تصران على النفي
أما الحكومة الكينية فنفت أي تورط لها في عمليات الاختفاء القسري وكذلك فعلت حكومة جنوب السودان رغم ثبوت الأدلة على تورطهما في جرائم اختفاء قسري وتأكيد الشهود على أنها تمت بتواطأ بين الحكومتين.
مهزلة المحاكمة الصورية
وقد انتقد مراقبون الطريقة التي سارت عليها المحاكمة في قضية اختفاء لوك وإدري خاصة مع وجود ثغرات كبيرة في أداء الشرطة والسلطات الكينية.
ومع ذلك خرج قرار المحكمة النهائي والرافض لأي التماس من عائلتي المفقودين، بقرار ينهي أي رقابة قضائية على إجراءات الشرطة في القضية.
وقالت جوان نانيوكي، المديرة الإقليمية لشرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحيرات العظمى في منظمة العفو الدولية: “إلى متى ستستمر هذه المهزلة وعائلتي لوك وإدري تعاني بسبب أحبائهما؟”
أدلة تثبت إجرام الحكومتين
وقد تمكنت منظمتي هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية من الحصول على معلومات تؤكد مشاهدة لوك وإدري في معتقل تابع لجهاز الأمن الوطني في جوبا، جنوب السودان، يومي 25 و26 يناير/كانون الثاني 2017.
وتشير معلومات من جنوب السودان إلى أن الرجلين قد نُقلا من هناك في 27 يناير/كانون الثاني إلى مكان مجهول. بحسب ما أعلنت المنظمتين.
وتنظم هذه الجريمة في إخفاء قسري لمواطنين من قبل حكومات، لسلسلة من جرائم الاختفاء القسري الأخرى التي وثقتها منظمات حقوقية وقائمة انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة التي يرتكبها عملاء جهاز الأمن الوطني، بما في ذلك الاحتجاز غير القانوني والمعاملة السيئة والتعذيب والوفاة في الحجز.
وبحسب ما نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش، تؤكد تقارير أخرى من محتجزين سابقين أن لوك وإدري كانا معتقلين في جنوب السودان في يناير/كانون الثاني 2017. وفي أواخر 2018، أخبر أحد المعتقلين السابقين، ويليام إندلي، وسائل الإعلام أنه رأى إدري وأن آخرين قد أكدوا رؤية لوك في السجن في مقر جهاز الأمن الوطني. لكن حكومة جنوب السودان ظلت صامتة ولم تحقق في هذه التقارير.
وقالت المنظمتان إنه إذا كان الرجلان في عهدة جهاز الأمن الوطني، كما تشير الأدلة بقوة، فإنهما يتعرضان لخطر الإساءة، بما في ذلك التعذيب.
إقامتهما القانونية في كينيا لم تحفظ لهما حقوقهما
ويجدر الإشارة إلى أن دونغ لوك كان لاجئا مسجلا في كينيا، حيث أقام فيها منذ أغسطس/آب 2013. وانتقل إدري إلى كينيا بتأشيرة زائر بعد اندلاع النزاع في جنوب السودان في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2013، وكان وجوده قانوني في البلاد وقت اختفائه.
جرائم موثقة وعجز في إنقاذ الضحايا
وأمام هذه الحقائق تقف المنظمات الحقوقية عاجزة في إنقاذ حياة العديد من المختطفين على أيدي الحكومات التي تنتهك قوانينها وتتعامل مع المواطنين بطريقة المجرمين.
ورغم الفضائح المتتالية التي كشفت جرائم الحكومتين في عمليات الخطف والاختفاء القسري والتعامل بالالتفاف على القانون وتعرض المخطوفين لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، تستمر الحكومة الكينية وحكومة جنوب السودان في الإنكار والتغافل، وكأن شيئا لم يحدث.
ويرى المراقبون أن استهانة الحكومتين بمثل هذه الجرائم هو الذي يغذي وقود المعارضة في داخل البلدين وهو ما يظهر لاحقا بشكل تمردات وعنف مسلح لا تزال تشتكي منه كل من كينيا وجنوب السودان.