مجلة ديرشبيجل الألمانية: نهاية الغرب

فيما يلي ترجمة افتتاحية العدد الأخير من مجلة ديرشبيجل الألمانية بعنوان “نهاية الغرب “، التي نشرت بتاريخ 9 نوفمبر 2024 بقلم: ديرك كوربجويت.

 

“عصرٌ ينتهي، وعصرٌ جديد يبدأ، وليس هناك ما يرمز إلى ذلك بوضوح مثل إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.

لقد فقد الغرب قوته القيادية، وانهار الأساس المشترك للقيم، الذي كان قد بدأ بالتصدع منذ فترة طويلة. الانقسامات في كل مكان؛ بين الدول، وداخل المجتمعات. صعود اليمين في إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا. لم يعد الغرب كتلة واحدة تمثل الديمقراطيات الليبرالية.

ازدهر العالم الغربي بعد عام 1945 كرد فعل على نظامين شموليين، النازية والستالينية. ظلّ “إرث” هتلر كتحذير من أن كارثة كهذه لا ينبغي أن تتكرر. من ناحية، شعرت الدول الغربية بتهديد من الاتحاد السوفيتي خلف الستار الحديدي، ومن ناحية أخرى، كانت تشعر بالحافز لإظهار نموذجها المناقض – الديمقراطية الاجتماعية والليبرالية.

 

تميزت هذه الديمقراطية برعاية الإنسان وحقوق الفرد. الازدهار للجميع من خلال التوازن الاجتماعي، وتزايد حقوق النساء والمثليين، وغياب القمع السلطوي – جعل الغرب جذاباً في العقود الأولى بعد الحرب. استمتع المواطنون بحريتهم ومستوى حياتهم العالي، مما ساهم في تكوين طبقة وسطى واسعة دعمت الديمقراطية الليبرالية.

بعد عصر الأيديولوجيات الشمولية، التي كانت بمثابة “أديان سياسية”، جاء عصر العقلانية المرتكزة على المعرفة العلمية. كانت السياسة تُدار بجدية كبيرة؛ حيث كان الهدف هو منع عودة الفاشية، والتصدي للاتحاد السوفيتي.

اقتربت الدول الغربية بعضها من بعض تحت مظلة الناتو، حيث أصبحت حدود الدول أقل أهمية. الأهمية الكبرى كانت للتحالفات، حتى أن بعض الحدود الوطنية أصبحت شبه مختفية. كان هذا عصر العولمة والاتحاد الأوروبي والمواطنة العالمية. كان عصرًا جيدًا رغم عيوبه، ولكنه انتهى للأسف.

لكن كيف انتهى ما بدأ بكل هذا الوعد بدونالد ترامب، شخصية مدمّرة للنظام، يستخدم الجنون كوسيلة للسياسة؟

في الديمقراطيات الليبرالية، كان التقدم الاجتماعي هو الهدف الأول. لكن مع مرور الوقت، بدا أن القضية الاجتماعية قد حُلت، وانتهت حقبة الاشتراكية الديمقراطية، حيث أن معظم المجتمع بات يتمتع بمستوى معيشي جيد. أصبحت السياسة التقدمية شيئاً آخر: إسقاط السلطة الذكورية، وتوسيع الحريات للأقليات – مشاريع هامة بلا شك.

 

لكن هذا التحول لم يُدار بشكل جيد. لم يكن السياسيون في اليسار الوسطي، كالديمقراطيين في أمريكا أو الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر في ألمانيا، يقدرون بما يكفي أن مسألة العدالة والقلق من الانحدار الاجتماعي لن تختفي بمجرد ارتفاع مستوى الرفاهية العام. وهكذا نشأت صورة عن الأحزاب اليسارية الليبرالية بأنها لا تهتم بالعمال أو الطبقة الوسطى. الارتفاع في تكاليف المعيشة كان سببًا مهمًا لانتصار ترامب.

 

أيضاً، لم تتمكن الحكومات من جعل محاربة التغير المناخي مشروعًا بديهياً منذ وقت مبكر. تأخر اتخاذ القرارات حتى أصبحت المهمة كبيرة لدرجة أخافت الكثيرين من التغيرات الكبيرة في حياتهم المعتادة. وقد استفاد ترامب من ذلك عبر إنكار الحقائق.

 

كما قلل الليبراليون من أهمية الشعور الوطني، الذي ظل قويًا. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فقد الغرب أكبر محفز للوحدة. ومع تلاشي هذا الدافع، عادت مشاعر الهوية الوطنية لتتصدر. لم يكن الهدف حماية الغرب ككل، بل حماية الأمة. بدأ الناس يرون في المهاجرين تهديداً. هذا التحول لم يتم التعامل معه بجدية كافية من قبل الليبراليين الديمقراطيين. وكان ذلك لصالح ترامب.

 

في البداية، ساعد الخوف من الحرب الحكومات في الحفاظ على وحدة الدول الغربية. لكن عندما تفككت هذه الروابط، فشلت الديمقراطيات الليبرالية في إدارة “ما بعد فترة ما بعد الحرب” بحنكة. افتقرت بعض الحكومات ببساطة إلى الجدية، كما يظهر في النهاية المخزية لائتلاف الضوء الثلاثي. والنتيجة أن قطاعات واسعة من المجتمع باتت تشعر بالراحة أكثر مع الساسة السلطويين. إنه أمر محزن.

 

إن إعادة إحياء الغرب قد تكون ممكنة فقط إذا تم إدراك أن جميع القضايا تقريباً هي قضايا اجتماعية، سواء في السياسة الاقتصادية أو سياسة الهجرة أو المناخ. السياسة العقلانية تبقى ضرورية، ولكن بلمسة إنسانية.

 

ترجمة الباحث على مواقع التواصل: حسن قطامش