ماذا وراء زيارة الرئيس الكيني إلى واشنطن وحفاوة الاستقبال وترقية كينيا لحليف رئيسي خارج الناتو؟
استقبل الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس نظيره الكيني وليام روتو في البيت الأبيض بحفاوة لافتة، تخللها عشاء فاخر ضم 500 ضيف بينهم مشاهير. فيما يعتبر أول زيارة دولة يجريها رئيس إفريقي لواشنطن منذ 15 عاما، وأول عشاء رسمي في البيت الأبيض لدولة إفريقية منذ عام 2008، والسادس والأكبر من بين حفلات العشاء الرسمية التي أقامها بايدن.
الزيارة جاءت في وقت تواجه فيه واشنطن تحديات جيوسياسية في كل أنحاء القارة الإفريقية.
وخلال زيارة روتو أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن تصنيف كينيا دولة حليفة خارج حلف الناتو، مشيداً خلال المؤتمر الصحافي المشترك بالبيت الأبيض مع الرئيس الكيني ويليام روتو، بجهود نيروبي في مكافحة حركة الشباب المجاهدين في شرق أفريقيا والمساعدة في مهام إعادة الاستقرار في هايتي.
الترويج الأمريكي للديمقراطية لإخفاء عيوبها
وخلال كلمته حرص بايدن على الإشادة بالديمقراطية الأمريكية واعتبارها نقطة شراكة مع كينيا. واليوم، قال بايدن:”نحتفل بمرور 60 عامًا من الشراكة بين ديمقراطياتنا، ونحن نحقق هذه الرغبة معًا، ونحن مستمرون. أعتقد حقًا أنها أخرجت أفضل ما في كلانا. ليس فقط في كينيا وأمريكا، بل في جميع أنحاء العالم، كان لها تأثير إيجابي”.
ولكن تعليقات بايدن جاءت في وقت تعيش فيه الدولة الشرق إفريقية غضبا شعبيا بشأن خطط الحكومة لفرض ضرائب إضافية، ويواجه الرئيس روتو انتقادات متزايدة حول الإسراف الحكومي المنفلت، ويتهمه معارضوه بالنزعة الاستبدادية في إدارة الدولة. فضلا عن معارضة بارزة لتدخله في هايتي، وانتقادات لفشله في الوفاء بوعوده الانتخابية.
وقال مسؤول في البيت الأبيض طلب عدم الكشف عن اسمه: “من الواضح أن الديمقراطية تتراجع على مستوى العالم، ونحن نرى كينيا ديمقراطية مُهمة ومستقرة في شرق إفريقيا”.
وهو ما أكده روتو بنفسه خلال كلمته التي ألقاها في واشنطن حيث قال:”تأتي زيارتي في وقت حيث يُنظر إلى الديمقراطية على أنها تتراجع في جميع أنحاء العالم. إن الانجراف المتسارع نحو الأنظمة غير المبالية بالقيم الديمقراطية يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة لنا، وأعتقد أن الوقت قد حان لكي تنشر الولايات المتحدة، بالتعاون مع كينيا، قدراتها وتحشد الدول الديمقراطية ذات الفكر المماثل لتأسيس قضية الديمقراطية”.
التطلع لتقوية كينيا لمنع تمدد حركة الشباب المجاهدين
وبعد الثناء على شراكة كينيا مع الديمقراطية، قال بايدن:” ولكن من خلال شراكتنا، نواصل الوفاء بمسؤولياتنا في أربعة مجالات رئيسية”. وعدها بايدن، أولا، بترقية كينيا لحليف خارج حلف الناتو، وثانيا، بالإشادة بدورها في منع الصعود الجهادي في شرق إفريقيا الذي تقوده حركة الشباب المجاهدين، والثالثة، الإشادة بالدعم المتبادل لأوكرانيا الذي بحسب بايدن أدى إلى حشد العالم للوقوف خلف ميثاق الأمم المتحدة. ثم رابعا، العمل مع كينيا في هايتي الذي بحسب الرئيس الأمريكي يمهد الطريق للحد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن.
ويعلم روتو أن واشنطن مهتمة جدا بدور كينيا في منع تمدد حركة الشباب المجاهدين بعد فشل استراتيجياتها في القضاء على الحركة الجهادية في الصومال، ويريد الرئيس الكيني “التأكد من أن انسحاب عناصر قوات التحالف الدولي “أتميس” لا يترك فراغا تملأه حركة الشباب”، بشكل بديهي. كما حدث في أفغانستان مع حركة طالبان والحكومة الأفغانية العاجزة.
وطالب على هامش المقابلات التي أجراها في الكابيتول هيل بأن “على كينيا والولايات المتحدة والدول الأخرى الموجودة على خط المواجهة أن تعمل معا” بشأن هذا الموضوع.
وهو ما يتفق معه فيه بايدن الذي قال:”نحن أقوى والعالم أكثر أماناً عندما تعمل كينيا والولايات المتحدة معاً”، مشيداً بدور الدولة الواقعة شرق إفريقيا في محاربة حركة الشباب في شرق إفريقيا.
وأجاب روتو بادين قائلا: “أنا على ثقة، سيدي الرئيس، من أن الشراكة بين الولايات المتحدة وكينيا ستوفر لنا الحلول التي يحتاجها العالم بشدة”.
وقال الرئيسان في وقت لاحق خلال بيان مشترك إن بايدن: “أعلن عزمه تصنيف كينيا كحليف رئيسي من خارج الناتو”، وأكدا أن “هذا رمز قوي للعلاقة الوثيقة بين بلدينا”.
وترجو الإدارة الأمريكية بعد خسارتها النسبية لحليفها الإستراتيجي إثيوبيا التي مالت أكثر إلى منافسيها روسيا والصين، وانشغلت باضطراباتها الداخلية عن خدمة واشنطن، من أن تصبح كينيا الوكيل الاستراتيجي لها في القارة، ويبدو أنه الخيار الاضطراري خاصة وأن كينيا تعاني ثقل ديون الصين وهيمنة الاستثمارات الصينية في أرضها كما تعاني تغلغل حركة الشباب المجاهدين في شمالها الشرقي فضلا عن اضطراب داخلي وأزمات لا تنتهي. ولا تملك مقومات إثيوبيا التي ساعدت الأمريكيين كثيرا وطويلا في المنطقة.
محاولة لتعويض التراجع الأمريكي في إفريقيا
جاءت ترقية كينيا لحليف لواشنطن يحظى بمساعدات ودعم، في ظل تراجع النفوذ الأمريكي في القارة الأفريقية مع حلفاء مثل النيجر، التي طالب المجلس العسكري فيها برحيل القوات الأمريكية، وإثيوبيا والسنغال اللتين تشهدان اضطرابات داخلية، وتأمل إدارة بايدن في أن تكون زيارة الدولة للرئيس الكيني نوعاً من إعادة الدفء للعلاقات الباردة التي شهدتها الولايات المتحدة مع الدول الأفريقية.
وتنظر إدارة بايدن إلى الزعيم الكيني كأحد أقرب الشركاء الأمنيين في أفريقيا، خاصة وأن رتو قدم مساعدات مهمة للولايات المتحدة في الحرب على ما يسمى الإرهاب في القارة الأفريقية.
وتسعى الإدارة الأمريكية إلى تعاون أمني أوثق لمحاربة حركة الشباب المجاهدين في الصومال وكينيا، لمنع تمدد الحركة بعدما أيقنت الإدارة الأمريكية صعوبة تحقيق وحدة صومالية تحت ظل الحكومة الصومالية الهشة المدعومة من الغرب وبعد تيقنها أيضا من أنها أمام نموذج آخر لأفغانستان وحركة طالبان حيث أن الحكومة الصومالية لا تختلف عن الحكومة الأفغانية التي استهلكت الأموال الطائلة والمساعدات الضخمة دون أن تظهر قدرة على التصرف كحكومة مكتفية يمكنها ضمان الهيمنة الغربية دون وجود دعم خارجي مباشر.ولعل هذا ما جعل بايدن يشير إلى أفغانستان واستحالة هزيمتها في كلمته حيث قال في جوابه على سؤال طرح عليه: “أليس من المفارقة أنه بينما تنهي أمريكا حروبها الأبدية في أفغانستان – وآخرها في عام 2021، تحت قيادتك، عندما سحبت قواتك من كابول – وأنك تُلزم كينيا بحروب خارجية أخرى على بعد 12 ألف كيلومتر من نيروبي؟”.
“يعني لماذا التناقض؟ لماذا هذا الانقسام – بينما تنهي حروبك الأبدية، والحروب الخارجية، ومع ذلك فإنك تلزم كينيا بهايتي؟ هل يمكن أن توضح ذلك؟”.
فرد الرئيس بايدن قائلا:”بسهولة شديدة. هناك سبب وراء تسمية أفغانستان باسم “مقبرة الإمبراطوريات”. إن احتمال قيام أي شخص بتوحيد أفغانستان أمر مستبعد للغاية. رقم واحد”.
وبحسب بايدن هناك طرق للسيطرة على الإرهاب بخلاف احتلال أفغانستان. لقد كانت حاجة غير ضرورية.
وأضاف بايدن: “وبالمناسبة، لقد سألت عن – ألمحت إلى أننا لم نفعل أي شيء في أي مكان آخر. حسنًا، نحن – نحن منشغلون نوعًا ما حول العالم. ولكننا ننخرط أيضًا في الكونغو، في أحد الأحياء، وكما تعلمون، سنستمر في المساعدة في تخفيف المعاناة الإنسانية هناك (هايتي)”.
وبحسب الرؤية الأمريكية لنيروبي فإن الولايات المتحدة تتخذ اليوم من كينيا مركزاً للجهود لإنهاء الفوضى في بلدان مجاورة؛ مثل السودان وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
في هذا الصدد، أكد مستشار الأمن القومي الأميركي جايك ساليفان الأربعاء أن “كينيا عملت جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة لمواجهة أهم التحديات في عصرنا”.
فيبدو أن واشنطن بدأت تيأس من شركائها الآخرين في إفريقيا، وحولت الدعم لكينيا لعل وعسى تخفف من خسائرها في الصومال، وفي ذلك إشارة على عجز الحكومة الصومالية الهشة في تحقيق طموحات الإدارة الأمريكية بالقضاء على نظام الشريعة الإسلامية في البلاد تماما كما عجزت الحكومة الأفغانية الهشة المنحلة.
المصالح الاقتصادية مقابل العمل كوكيل لواشنطن
من جانبه يسعى الرئيس روتو إلى حشد الدعم الأميركي لأجندته السياسية والاقتصادية والحصول على مساندة أمريكية فيما يتعلق بتخفيف ديون كينيا التي ارتفعت في ولايته، لدى المؤسسات المالية الدولية، وتعزيز خطط مكافحة التغير المناخي في القارة الأفريقية، وهي القضايا التي يحاول من خلالها الرئيس الكيني اكتساب مكانة وسمعة متميزتين بعدّه رجل الدولة الرائد في أفريقيا. وقد أشار الرئيس روتو في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الأحد الماضي، إلى المشكلات المناخية التي تواجه الدول الأفريقية من أمطار وفيضانات، إضافة إلى مشكلات الجفاف والتصحر.
ويحاول الرئيس روتو جذب الشركات الأجنبية إلى كينيا مروجاً لبلاده بوصفها مخزناً للكربون، مستفيداً من الصناعات البيئية الناشئة التي تعمل في مجال امتصاص الكربون من الغلاف الجوي، ثم دفنه عميقاً في التكوينات الصخرية.
ويعول ويليام روتو على الولايات المتحدة لدفع اقتصاد بلاده قدما. على سبيل المثال، يطلب الزعيم الكيني من الكونغرس الأميركي تمديد اتفاق تجارة حرة لمدة عشر سنوات، وهو يشكل أهمية بالغة للعديد من البلدان الإفريقية، ومن المقرر أن ينتهي في عام 2025.
وحصل روتو مقابل تقريب واشنطن له، إعلان بايدن أنه سيكون هناك 250 مليار دولار من القدرة الإقراضية الجديدة من بنوك التنمية المتعددة الأطراف مثل البنك الدولي لمساعدة الدول منخفضة الدخل على الاستثمار في تنميتها والتصدي للتحديات المتزايدة.
وإطلاق “حقبة جديدة من التعاون التكنولوجي بين الولايات المتحدة وكينيا. وهذا يعني شراكات جديدة مع الصناعة، والذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، وشركات الأمن السيبراني؛ مبادرات جديدة لتوسيع نطاق الإنترنت بأسعار معقولة في جميع أنحاء شرق أفريقيا؛ برامج تعليمية جديدة ستجلب الطلاب الكينيين إلى الولايات المتحدة للدراسة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات” بحسب بايدن.
وقال بايدن أنه “يعمل مع الكونجرس لجعل كينيا أول دولة في أفريقيا تحصل على التمويل من خلال قانون تشيبس والعلوم، والذي خدمنا بشكل جيد”.
“ومن شأن هذا التمويل أن يربط سلاسل التوريد الخاصة بهم بالولايات المتحدة وبشركائنا ويحفز الابتكار الذي يمتد من وادي السيليكون في كاليفورنيا إلى سيليكون سافانا في كينيا – والتي، بالمناسبة، هي بالفعل مركز تكنولوجي بقيمة مليار دولار – وهي بالفعل مليار دولار مركز التكنولوجيا”.
وقال بايدن:”وأخيرا، نحن نضمن أن الديمقراطية تحقق مصالح شعبنا. ويشمل ذلك مجتمع الشتات الكيني هنا في الولايات المتحدة”.
ويبدو واضحا حرص بايدن على تلميع الديقراطية المتهاوية.
الشراكات الأفريقية أقل قيمة لدى الكونغرس
لكن تقرب بايدن من روتو لا يعني صلاحيات مفتوحة، فقد انتقد مشرعون من الحزب الديمقراطي رفض رئيس مجلس النواب مايك جونسون، السماح للرئيس الكيني بإلقاء كلمة أمام الكونغرس خلال زيارته لواشنطن، وقد تجاهل رئيس مجلس النواب الطلب الذي قدمه أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب لدعوة روتو لإلقاء كلمة أمام الكونغرس.
وقال 14 عضواً ديمقراطياً في مجلس النواب في رسالة لجونسون إنهم «يشعرون بخيبة أمل شديدة» بسبب القرار، وقالوا إن «شعب كينيا يستحق مزيداً من الاحترام». وكتب المشرعون، ومن بينهم غريغوري ميكس، كبير الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب: “إن الخصوم الأجانب مثل الصين وروسيا وإيران يعملون بلا كلل لتخريب تحالفات أميركا، خاصة في أفريقيا”. وأضاف: “إن اختيارك عدم منح الرئيس الكيني، وهو شريك أفريقي رئيسي، الفرصة لمخاطبة الكونغرس يساعد في خلق فرصة للخصوم المستبدين لتحقيق تقدم في الرأي العام الأفريقي”.
وسبق أن ألقى أربعة من الزعماء الأجانب خطابات أمام جلسات مشتركة للكونغرس الحالي؛ حيث يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب، وهم رئيسا وزراء الهند واليابان، ورئيسا الاحتلال الإسرائيلي وكوريا الجنوبية. وكتب المشرعون الديمقراطيون: «إن الفشل في تقديم الدعوة نفسها للرئيس روتو يخاطر بإرسال رسالة مفادها أن “الشراكات الأفريقية أقل قيمة لدى الكونغرس”.
وفي الواقع يبدو أن خلف هذا التقليل من قيمة كينيا في الكونغرس نوع عنصرية، حيث لم يستمر حضور الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ذي الأصول الكينية في حفل عشاء البيت الأبيض إلا فترة وجيزة، والمفترض أن يستمر إلى نهاية الحفل الذي أقيم على شرف كينيا والرئيس الكيني. وقد علق بعدها بايدن بالقول مازحا:”إن الحضور كان من بينهم “العديد من أعضاء الشتات الإفريقي، أحدهم الذي غادر للتو، باراك”.
منافسة روسيا والصين
بعد أن تعرض الأميركيون للتو لانتكاسة استراتيجية في النيجر، حيث يتعين عليهم سحب قواتهم بناء على طلب النظام العسكري الذي وصل إلى الحكم في انقلاب في تموز/يوليو وبدأ يتعاون عسكريا مع روسيا.
تأتي رغبة جو بايدن في تطوير شراكات اقتصادية في إفريقيا لتصطدم بمنافسة الصين التي تعمل على زيادة مشاريع البنى التحتية والاستثمارات في القارة. وبكين هي المصدّر والدائن الرئيسي لكينيا.
كما أن السياسة الأمريكية الداعمة لأوكرانيا والاحتلال الإسرائيلي لا تحظى بإجماع في القارة.
وأقامت روسيا مواطئ قدم جديدة، آخرها في النيجر، حيث وافقت الولايات المتحدة على سحب قواتها البالغ قوامها ألف جندي، وذلك بالتزامن مع وصول القوات الروسية.
وتُواجه الولايات المتحدة أيضاً منافسة من الصين التي ضخت المليارات من أموال البنية التحتية في إفريقيا على مدى العقدين الماضيين.
وتحاول إدارة بايدن استعادة نفوذها في القارة الأفريقية، في مقابل محاولات كل من روسيا والصين لزيادة نفوذهما والدخول في صفقات تجارية واقتصادية مع دول المنطقة. وقد اعترف كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية بأن العامل الرئيسي في جدول زيارة الدولة للرئيس الكيني هو الرغبة في مواجهة نفوذ الصين المالي في القارة الأفريقية، حيث تفوقت على الولايات المتحدة في حجم الاستثمارات.
وقد اتبعت الصين نهجاً ثابتاً منذ عدة سنوات بتقديم قروض بفائدة عالية للدول الأفريقية ذات الدخل المنخفض لمساعدتها على تمويل تنمية المشروعات المحلية، بما في ذلك بعض مشروعات البنية التحتية الرئيسية ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية. ومن بين تلك المشروعات: خط السكك الحديدية فائق السرعة من نيروبي إلى مومباسا الذي مولته الحكومة الكينية بقروض بالمليارات من بنوك الدولة الصينية.
ومن عام 2000 إلى عام 2022، أقرضت بكين 170 مليار دولار للدول الأفريقية – بما في ذلك 6.7 مليار دولار لكينيا – لتمويل هذه المبادرات، وأثقلت تلك القروض أفريقيا بالديون الباهظة الثمن التي عجزت البلدان عن سدادها، ما دفع العديد من الدول إلى طلب الإغاثة من مقرضيها السياديين. والآن تواجه البلدان الأفريقية خيار خدمة ديونها وتعزيز تنميتها. وقال مسؤول أميركي كبير للصحافيين في مؤتمر صحافي: “هذا موقف صعب بالنسبة لهم، ونود أن نراهم قادرين على تحقيق طموحاتهم الخاصة”.
حليف خارج حلف الناتو ولكن بثمن!
وستكون كينيا أول دولة في منطقة جنوب الصحراء تحصل على تصنيف حليف أمريكي خارج حلف الناتو، المخصص حالياً لـ18 دولة أخرى من بينها أوكرانيا.
قال روتو:” خلال مناقشاتنا، اتفقنا على الفرصة الكبيرة المتاحة للولايات المتحدة لإعادة ضبط استراتيجيتها بشكل جذري وتعزيز دعمها لأفريقيا، كما تمت مناقشته في قمة القيادة الأمريكية الأفريقية، من خلال تعزيز استثمارها في مؤسسات التكامل الأفريقي وزيادة الدعم للسلام. والأمن”.
وأضاف:”وبينما نتخذ هذه الخطوة التاريخية المتمثلة في الارتقاء بشراكتنا لتكون أكثر فعالية في معالجة التحديات العالمية، من المهم بالنسبة لنا أن نقدر أن العديد من البلدان في أفريقيا، بما في ذلك كينيا، تكافح مع تقارب ساحق من الصدمات المتعددة، بما في ذلك الأحداث المناخية المتطرفة، وأزمة الديون، والاضطرابات المدمرة في أوروبا والشرق الأوسط، والتي يتمثل تأثيرها التراكمي في تحويل الموارد الوطنية من الاستثمار في البشر والنمو الاقتصادي إلى إدارة الأزمات الناجمة عن المناخ والنمو الاقتصادي. خدمة الديون السيادية”.
وقال روتو:”خلال مناقشاتنا، شهدت بشكل مباشر تصميم الرئيس بايدن والحكومة الأمريكية على إنجاح شراكتنا وتصميمهم على نشر وتعميق جذور الحرية والديمقراطية والأمن والازدهار في جميع أنحاء العالم”.
وفي الواقع تأتي تصريحات روتو لتداري حقيقة أن واشنطن تريد من كينيا المدد البشري في ساحات الصراع بدل توريط قواتها في مواجهة الموت، وتريد من نيروبي لعب دور الوكيل بدل أن تتعرض للأخطار بشكل مباشر مع انفلات قبضتها في عدة ساحات في العالم، ولذلك أكد بايدن على أن تدخلهم في هايتي :”لن تكون هناك قوات أمريكية على الأرض، ولكننا سنوفر الخدمات اللوجستية والاستخبارات والمعدات. في الواقع، بعض المعدات وصلت بالفعل. وتعمل كينيا على تعزيز قوات الشرطة، وتخطط بلدان أخرى للقيام بذلك أيضًا. وسوف تدعم الولايات المتحدة الجهد الجماعي هنا.”
وأضاف مؤكدا أن الدعم الأمريكي مالي وعسكري ولكن ليس بالقوات، حيث قال:”وبطبيعة الحال، لن تشارك كينيا بمفردها. نحن نعمل مع الكونجرس لتوفير 300 مليون دولار لمهمة الدعم الأمني المتعدد الجنسيات (MSS) في هايتي. و60 مليون دولار إضافية للمساعدة في المعدات. وقد تلقينا أيضًا – ومازلنا نقدم مساهمات كبيرة من شركاء آخرين أيضًا”.
ويدرك ثمن التدخل الكيني في ساحات الصراع الخارجية الكينيون جيدا وهو ما يفسر معارضة داخلية قوية لإرسال الشرطة الكينية لهايتي، ولكن ضربت بها الديمقراطية الكينية الأمريكية عرض الحائط.
مستقبل الشراكة الكينية الأمريكية
وإن كانت دوافع كينيا محاولة لتعويض خسائرها الاقتصادية وتحسين وضعها الجيوسياسي في المنطقة إلا أنها تخاطر بوضع نفسها في الصفوف الأمامية للحروب الأمريكية، فهي تعمل حاليا كدروع بشرية للولايات المتحدة ووكيل يتحمل الكمّ الأكبر من الخسائر في الميدان، وهو ما أكدته حرب الصومال حيث تخفي إلى اللحظة نيروبي خسائرها البشرية في معارك حركة الشباب المجاهدين وعدد أسراها في أيدي المجاهدين.
ولذلك أيضا عارضت الأغلبية إرسال قوات الشرطة الكينية إلى هايتي في حين اتهمت المؤسسات الحقوقية قوات الشرطة الكينية هذه، بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق الشعب الكيني، والتي منها القتل المتعمد للعزّل، والإخفاء القسري، وحذرت من أن الشرطة المتورطة في انتهاكات حقوق الانسان في كينيا لن تقيم السلام في خارج كينيا، فسقطت بذلك ادعاءات الديمقراطية التي يروج لها الرئيس الأمريكي.
ولا شك أن خطاب بايدن يثير السخرية بين صفوف الكينيين الذين لم ينالوا من الشعارات الديمقراطية إلا تسلط الفاسدين والمزيد من الديون والأزمات الاقتصادية وخسارة أحبائهم في حروب لا علاقة لهم بها بالأساس.
ويبدو أن المرحلة المقبلة ستضطر كينيا لحفظ حدودها بقوة، لأن صعود حركة الشباب المجاهدين الذي لا مفر منه مع فشل استراتيجية واشنطن الأخيرة، سيهدد سيادة كينيا على الأراضي الصومالية المحتلة من قبل كينيا، وهي المناطق التي تقع شمال شرقي كينيا وتحظى بدعم شعبي وتعاطف مع حركة الشباب المجاهدين التي تمكنت بدورها من تأسيس جبهة جهادية كاملة لها في المنطقة كفرع لمركز الحركة في الصومال. حيث تسيطر الحركة على مساحات شاسعة في وسط وجنوب الصومال لا تزال تقيم نظام الشريعة فيها وتحظى بدعم شعبي يؤكده إجهاض القبائل المحلية للحملات العسكرية الحكومية المدعومة من التحالف الغربي.
مرة أخرى ستكون كينيا الضحية التالية للاستراتيجيات الأمريكية الفاشلة في المنطقة، فهل ستسعفها الإشادات الأمريكية حينها وقد أثقلتها الديون الصينية!
لقد وقعت كينيا الآن بين مطرقة الصين وسندان الولايات المتحدة، والفكاك من واقعها سيكون حتما بتكلفة مادية وبشرية ثقيلة في وقت يعاني فيه الشعب الكيني تداعيات تهور قادته وقلة خبرتهم في الصراعات والحروب ومنافسة الأحلاف.
محمد عبد الغني
لتحميل المقالة بصيغة PDF