قصة الفارس اللامع “صلاح بادبادو” المنشق عن الحكومة الصومالية
صلاح نوح إسماعيل النائب الصومالي السابق والشهيد (إن شاء الله)
المقالة التالية ترجمة لمقالة نشرها أبو مريم بالإنجليزية يتناول فيها سيرة أحد المنشقين عن الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب.
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 111)
منذ منتصف التسعينيات، كانت الصومال على مفترق، تعيش حالة من عدم اليقين، وكان الناس ينتقلون تدريجياً من ثقافات الجاهلية إلى مبادئ الإسلام المنسية منذ زمن طويل. ولكن لمواجهة الصحوة الإسلامية، أقامت الدول الغربية والدول المجاورة لعبة الحكومة الفيدرالية الانتقالية، مع معظم البرلمانيين غير المتعلمين لتأمين مصالحهم، ودستور يعارض تمامًا القيم الإسلامية. وبالتالي، كان يُنظر إلى الحكومة الاتحادية الانتقالية على أنها حكومة أجنبية مما جعلها لا تحظى بشعبية بين الشعب الصومالي.
كان أحد هؤلاء النواب صلاح نوح إسماعيل (المعروف أيضًا باسم صلاح بادبادو)، وهو شخصية مألوفة في السياسة الصومالية خدم الحكومة الاتحادية الانتقالية بإخلاص كعضو في البرلمان. ولد صلاح عام 1960 في إقليم “سناج” وهو ينتمي إلى قبيلة “هابر جيكلو”، وهي قبيلة تسكن المقاطعات الشمالية الصومالية المتاخمة لإثيوبيا. كان عظيم الهمة، ينبض بالصلاح ويزدان بإمكانيات عسكرية وتفانٍ ومثابرة وصفات رائعة أخرى.
بصفته نائبًا، كان منزعجًا من الخسائر المدنية خلال الغزو الإثيوبي، والقصف العشوائي لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، وصمت الحكومة الاتحادية الانتقالية المخزي عن كل تلك الهمجية. كان غير راضٍ تمامًا عن الممارسات الإدارية الفاسدة التي تتبعها الحكومة الاتحادية الانتقالية مما أجبره على إعادة النظر في رأيه. لقد أصبح من المستحيل على صلاح التفكير بخلاف ترك السياسة ثم تلى ذلك فترة من البحث عن النفس. وفي 10 فبراير 2010، انشق بشكل مفاجئ عن الحكومة الاتحادية الانتقالية وانتقل إلى المناطق التي يسيطر عليها المجاهدون. لقد كان يتحدث بحماس في مؤتمر صحفي. بلحية طويلة يتخللها الشيب، وعيون كبيرة متوهجة، وقميص أبيض وكوفية مطابقة، قال صلاح عن الماضي المؤسف: “… اليوم أتوب إليه تعالى من الكفر وأسأل الله أن يقبل توبتي، وأما الحكومة الصومالية فأرى أنهم مرتدين رفضوا دين الله تعالى”. لقد كان مرتاحًا، كان سعيدًا للغاية لكونه في الجانب الأيمن من الخليج، ولكونه أصبح جزءًا من مجتمع أكبر يسمى “المجاهدين”.
لقد أراد صلاح السير في رحلة استكشافية مغامرة من خلال محاكاة أسلافه الأتقياء، لكنه أدرك أن المعرفة شرط أساسي لمثل هذه الطريق. بعد عملية التدقيق المعتادة، سُمح له بحضور تدريب عسكري (في معسكر) لدى حركة شباب المجاهدين، في برنامج تدريبي صارم، ومن المؤكد أن امتلاك سمات مرغوبة مثل الصبر والسمع والطاعة والنية الحسنة سيكون مفيدًا بالتأكيد في مثل هذا المقام. وإليكم يوميات صلاح حول بعضٍ من تجربته في التدريب.
يقول صلاح، لقد قادتني حملتي إلى معسكر تدريبي حيث كانت مسودة التسجيل لم تكتمل بعد. وكنت أعرف بوضوح ما الذي كنت أشترك فيه. لم أكن أبدًا أكثر فخرًا وعزمًا وثقة مما كنت عليه يوم التسجيل، أكثر من أي تعاملات سبق لي أن انخرطت فيها. كنت أدخل مجالًا جديدًا من الحياة أثار تساؤلات أخلاقية عن حياتي الماضية وقيمتها الأخلاقية. على الرغم من أنني كنت داخل دائرة نصف قطرها من الراية السوداء، إلا أنني كنت منغمسًا في الثقافة الأجنبية بالإضافة إلى مواقفها الفكرية والمفاهيم الأساسية لحضارتها.
يجب أن أعترف أن التدريب كان قاسياً؛ سمح لنا بالاحتفاظ بحد أدنى من ساعات الطعام والماء والنوم، وكان هناك جدول زمني صارم والذي ربما كان يهدف إلى إثارة القوة الخاملة غير المستخدمة للرجال. لا شيء يصوغ روح الرجل، أو يصقل الجوانب الخشنة لشخصيته بشكل كامل أو يشده كما يفعل المعسكر بصرامة.
حجم الجشع يجعل الرجل يحسب أيام التخرج بدقة متناهية. لقد وجدت فيه الدافع السخي لتجريد الإنسان من الأحلام الخيالية التي تخدعه بعدم الالتزام التام بأوامر خالقه، مما يثير الأفكار الفطرية التي لا تقود إلى أي مكان إلا هو سبحانه. لقد كانت تجربة صعبة للغاية، استوعبت كثيرًا من أفكار الجهاد وإغراءات غاياته العظيمة، مما جعل الإخوة حازمين، إلى جانب ذلك، كانت الفكرة هي الاستعداد لشيء سيأتي قريبًا. ليس من السهل تصوير طبيعة المعسكر الواقعية بجمل واضحة ولكن فقط بغموض غير دقيق يعطي القارئ صورة غير واضحة.
وبالطبع، فإن وجود عدد كبير من الرجال في المعسكر لا يمكن أن يخلو من الخروقات والفكاهة والمشاجرات. كان هناك من استغل بذكاء ثغرات النظام، في بعض الأحيان، أثمرت ثقتهم الجريئة، وفي بعض الأحيان، أدت إلى إجراءات تأديبية. في هذا المكان، يتم تجنب المتاعب بأي ثمن.
كانت الأنشطة التي تجري في يوم من الأيام داخل محيط المعسكر أقل من كونها مجمعًا صناعيًا في وضع الإنتاج حين نتحدث عن الالتزام. مثل خط التجميع، كان الناس يتعرضون للضغط مع مرور الوقت؛ بالكاد في أي وقت يحدث المرء نفسه بالخمول إلا ويمش على مهل مع الشعور بالإلحاح. وإما أنهم يجتمعون لمناقشة الأحداث القادمة، أو في مسيرة، أو في فصول دراسية يدرسون المعرفة الأساسية التي تمليها الضرورة، أو الطبخ لالتقاء حاجة بيولوجية فيهم، أو في ميدان الرماية.
لم يتم عمل أي شيء من أجل القيام بذلك، بل تم تصميم كل شيء بدقة وذكاء لتحقيق غرض معين. لقد كانت جوانب مختلفة من النفس تكمل بعضها البعض مثل قطع أحجية الصور المقطوعة التي تنتج صورة جميلة عند الانتهاء.
لقد تم حذف الكثير من تفاصيل اليوميات لأسباب تتعلق بالسرية.
كان يوم التخرج مليئًا بالعواطف حيث ضم فرحة الإنجاز والحزن على التأخر عن مهمة إلهية، وسعدنا بأن نكون أعضاء رسميين في حركة الشباب المجاهدين.
وحضر الحفل شخصيات مرموقة مثل الشيخ “س” الذي ألقى خطابًا مثيرًا، وكانت الدموع تنهمر على الخدين كلما أدركت القلوب الحق. وإن لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم حاضراً بيننا إلا أن رسالته كانت هناك نقية مثل مياه الينابيع العذبة. شعرت بالعودة إلى الماضي القديم للإسلام. شعرنا بتجدد شبابنا بطاقة فريدة، طاقة لا غنى عنها لحماية ونشر “الشريعة العملية” في عالم من الشرك والوثنية. وكوني جزءًا من رحلة بهذه الأهمية حيث تتم التضحية بالروح من أجل الإسلام، فقد أثارني أكثر من الكلمات. فأنا بلا شك أرى سيف الإسلام خارج حدوده الحالية.
بعد التدريب العسكري، التحق صلاح بمعهد أكاديمية عبد الله عزام للدراسات الإسلامية حيث تعلم العديد من المواد بما في ذلك فقه الجهاد. لقد أدرك منذ ذلك الحين نبل إقامة شريعة الله سبحانه وتعالى على الأرض وكيف أن القائمين بمثل هذا الواجب الكريم يقفون على ثغر عظيم. في حديثه في تجمع حاشد في كيسمايو، قال: “… لقد أدركت الآن بعد وصولي إلى الولاية الإسلامية أن حكومة الله قائمة بالفعل وأن هذه الحكومات الأخرى غير شرعية ولا مكان لها!” مع العلم أن لا قيمة للمعرفة إذا كانت تفتقر إلى التقوى والإخلاص كقاعدة،
لقد كرس كل جهوده للجبهات، ولإدارات مختلفة في حركة الشباب المجاهدين، بما في ذلك كتيبة الاستشهاديين، وصناعة وعي المسلمين بشأن خطر الديمقراطية، وما كان مجرد رسالة تحذيرية أصبح مسعى شخصي.
خلال الأيام التي أمضيتها في الجهاد، التقيت بالعديد من الإخوة الفاضلين أمثال جراح، الزبير، أبو، أحمد، وكثيرين غيرهم، لكنني أتذكر بشكل خاص شخصية طويلة كريمة تدعى صلاح. كان يكافح من أجل التوفيق بين الرغبة والحيرة. الرغبة التي تشتهي “البريق واللمعان” والنفس التي تحتاج إلى الخلاص. على الرغم من أن الطين قد علق به في البداية، لكنه كسر بعد ذلك الأصفاد بعون الله سبحانه وتعالى. واكتسب في هذه العملية خبرة لا تقدر بثمن، وإحساس أوسع من التحليق، وكان الطلاق نهائيًا ولا يمكن إصلاحه. بدافع التوبة، كان يعمل في “الوضع العكسي” للتراجع عن ما فعله في الماضي على أمل استخدام تلك “الطاقة السلبية” كمحفز. ومثلنا جميعًا، فقد فشل في تحقيق ما كان متوقعًا منه، لكن الوفاء بالوعد كان دائمًا بذرًا عميقًا في قلبه. لم يكن شيء أغلى بالنسبة له من قرب خالقه ولكن خالقه كان ﴿… أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (ق: 16).
في رسالة وداع صوتية مسجلة مسبقًا، أراد صلاح أن يكون صاروخًا بشريًا يقضي على الباطل، وفي مثل هذه المعارك تسود الحقيقة دائمًا. ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ (الأنبياء: 18).
ونصح المسلمين فقال “… الإسلام لا يحتاج إلى المعجبين ولكن إلى الرجال العاملين … في وقت النبي (صلى الله عليه وسلم)، لم يكن هناك شيء من قبيل أن الشيوخ تقتصر واجباتهم الدينية في مجرد إسداء النصح أو أن العلماء تتلخص مسؤولياتهم فقط في إلقاء الخطب في المساجد … يجب أن يكون الشيوخ والعلماء قدوة للشباب من خلال التصدي للعدو في الجبهات والعمليات الاستشهادية “. وحذر من الانتظار حتى يتقدم المرء إلى سن الشيخوخة حيث يحتاج إلى مساعدة لعجزه. وكره الحياة في ظل هذه الظروف مفضلاً الطريق السريع إلى الجنة: العملية الاستشهادية. لقد قدم له الجهاد مغامرة ماتعة بعمق، وبسالة في الدين لا تفرق بين الحياة والموت، كان يتمنى أن يكتشف هذه البطولة الدينية قبل ذلك بكثير.
عادة ما يكون لدي شعور مختلط بالحزن والسعادة عندما أسمع استشهاد المجاهدين. أشعر بالحزن لأن رحيل الأحباء الذين ستبقى ذكرياتهم باقية يشعل الشوق الذي لا يمكن أن ينطفئ في هذا العالم؛ أنا سعيد لأنهم أوفوا (إن شاء الله) بعهودهم مع الله سبحانه وتعالى. على الرغم من أنهم كانوا مختلفين في أشكالهم الخارجية، إلا أنهم خلف هذه الاختلافات الشكلية، كانوا يتمتعون بحب غير مشروط لله سبحانه وتعالى والنبي صلى الله عليه وسلم، لقد كانوا يشتركون في الشغف الكبير بالجنة. لقد عرفوا مصيرهم. سيكون لديهم دائمًا الرغبة في العودة إلى ساحة المعركة مرة أخرى على الرغم من أن الجنة الأبدية التي تنتظر الشهداء هي أفضل بكثير من أي شيء يقدمه هذا العالم. تقبلهم الله شهداء ويجعلهم في صحبة ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾ (النساء: 69).
انفجرت سيارات مفخخة يقودها نائب سابق وزميل له في 26 يوليو / تموز 2016 في مكتب الأمم المتحدة في مقديشو، الصومال.
في 26 تموز / يوليو 2016، وبحسب بيان صحفي صادر عن حركة الشباب، “قام اثنان من المقاتلين الشجعان من كتيبة الاستشهاديين بعملية بطولية ضد قاعدة الأمم المتحدة في حلني، وهي أكبر مقر للصليبيين في مقديشو وكل الصومال”.
قام صلاح وزميل له بتفجير عبوات ناسفة بدائية الصنع في أهداف محددة مسبقًا. وفقًا لـ إذاعة صوت أمريكا، “كان عضوًا سابقًا في البرلمان الصومالي انضم إلى منظمة الشباب الإرهابية في عام 2010 وهو الرجل الذي يقف وراء تفجير انتحاري أودى بحياة 13 شخصًا في مقديشو يوم الثلاثاء” وتسبب في دمار واسع النطاق.
وأخيراً قال صلاح قبل العملية “… هذه المهمة التي سنقوم بها هي في سبيل الله وهي واجب ديني. لقد اخترنا إرضاء الله وإلحاق الضرر بالكفار أكثر مما أضروا بالأمة المسلمة”، لقد صدقت كلماته عمله وفداءه، فقد كتب تاريخًا بدمائه ليلهم الكثير من الناس ويثير الأحلام. ترجل الفارس ولكن إرثه لا يزال قائما.
من يستطيع أن يوقف مجاهدًا مسلحًا بحب الله والنبي صلى الله عليه وسلم وينطلق مسرعا في القضاء على الأعداء؟
يصف الغرب هذه العملية بأنها عمل “إرهابي” لتصوير المجاهدين على أنهم مجانين بلا هدف يفجرون أنفسهم كأنهم في رياضة، متعمدين إخفاء الشرعية الدينية وراء الهجوم.
المجاهدون يقاتلون من أجل الشريعة الإسلامية، وفي غياب هذا الدستور السماوي، أمر الله عباده بإزالة جميع العوائق التي تحول دون تطبيق الشريعة في هذه الآية: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ (الأنفال: 60)
أما غير المسلم، فهذا جنون مفهوم. الغرب قائم على منصة فكرية، ونحن مسلمون على قناعات ومعايير لاهوتية مختلفة. إلهامنا إلهي يعجز عنه هؤلاء، فالمرء يحتاج إلى “الإسلام” لفهم هذه الملحمة الروحية.
أبو مريم
لتحميل النسخة العربية من التقرير (بي دي أف)
To download the original report in English (pdf)