قصة التقارب الأمريكي الإثيوبي
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
سلط الصحفي جيمس جيفري الضوء على قصة التقارب الأمريكي الإثيوبي منذ بدايته.
حيث عاد وفد أمريكي رفيع المستوى من إثيوبيا مؤخرًا والتي تعتبر أقرب حليف للولايات المتحدة في القارة الإفريقية.
وقال جيفري، أن ملامح هذا التقاريب يمكن ملاحظتها بمجرد وصولك لواشنطن التي تعج بالإثيوبيين. حيث يحتل الإثيوبيون المغتربون المرتبة الثانية في الولايات المتحدة بعد النيجريين- من ناحية العدد، ويلعبون دورًا كبيرًا في التأثير على الإصلاحات السياسية المستمرة التي هزت إثيوبيا منذ بداية عام 2018.
ويرجع المراقبون فتح الحدود مع إريتريا وإطلاق سراح السجناء السياسيين ورفع بعض القيود المفروضة على وسائل الإعلام، وفتح مجال النشاط السياسي لجماعات سبق حظرها سابقًا، بالإضافة إلى تغييرات كبيرة في داخل مكونات السلطة للحكومة الائتلافية الحاكمة ترجع لنشاط المغتربين الإثيوبيين في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب جيفري، يدير الإثيوبيون المغتربون العديد من محطات التلفاز ووسائل الإعلام عبر الإنترنت التي تصل إلى المنازل الإثيوبية أو الهواتف الذكية وغالبًا ما كانت في الماضي تحمل رسالة تنتقد الحكومة.
في الوقت نفسه ، أثرت السياسة الخارجية الأمريكية بشكل كبير على الأحداث الزلزالية التي وقعت العام الماضي وأدت إلى تغييرات في الحكومة الإثيوبية وفي نهجها منها الإعداد لإجراء انتخابات وطنية حاسمة مرتقبة في عام 2020.
وأشار الصحفي لعودة وفد من الكونغرس مؤخرًا من زيارة لكل من إثيوبيا وإريتريا.
وهي الزيارة التي أعلن السفير الأمريكي لدى إثيوبيا مايكل راينور بشأنها أن الولايات المتحدة “ستوظّف كبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية في الوزارات والعمليات الاقتصادية الرئيسية في إثيوبيا لفترة ممتدة من الزمن” .
وقد زار السفير موقع تحطم الطائرة البوينغ التابعة للخطوط الجوية الإثيوبية في الشهر الماضي ، للتعزية في القتلى ومواساة الإثيوبيين في محنتهم ودعم مجريات التحقيق في الحادثة.
علاقة فريدة
سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى إثيوبيا مايكل راينور في لقاء رجال دين الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية
وتحت عنوان جانبي “علاقة فريدة” أدرج جيفري قول تيودروز تيرفي ، رئيس جمعية الأمهرة الأمريكية ، وهي مجموعة مناصرة لعرقية الأمهرة – ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد- ومقر المجموعة في الولايات المتحدة الذي قال:”لا توجد لدى أي دولة إفريقية أخرى علاقة مع الولايات المتحدة مثل التي مع إثيوبيا”.
وأضاف: “ذلك يرجع إلى أن إثيوبيا لم تكن مستعمرة ، فاستطاعت إقامة علاقة مباشرة مع الولايات المتحدة تعود إلى عام 1903 عندما سلم ممثل الولايات المتحدة أوراقه إلى الإمبراطور منليك”.
وأوضح الصحفي بأن نفوذ الولايات المتحدة في إثيوبيا يعتمد على المال بشكل رئيس، فقد تلقت إثيوبيا ما يبلغ 4 بلايين دولار من الحكومة الأمريكية على مدى السنوات الخمس الماضية فيما يخص القضايا الإنسانية والتنموية فقط.
دون أن تشمل هذه الأموال المنح الخاصة بالأمن، والتي تبقى قيمتها غير معروفة.
إضافة لذلك بلغت التحويلات المالية من الشتات الإثيوبي في العالم في عام 2017 نحو 4.6 بليون دولار ، وفقًا لتقرير من الاتحاد الأوروبي. ويأتي الجزء الأكبر من هذه التحويلات من الولايات المتحدة بسبب عدد المغتربين الكبير في البلاد، والذين يعتبرون الأكثر ثراءً من بقية الإثيوبيين المغتربين في بلدان أخرى بسحب ما قال تيودروز.
وتتدفق الكثير من هذه الأموال عبر القنوات غير الرسمية بين الأقارب ولكن بعضها يتجه لدعم المعارضة السياسية في إثيوبيا – بما في ذلك المقاومة المسلحة- تحت شعار مناشدة الحرية.
وقالت جينيت نيجوسي التي تعيش في الولايات المتحدة منذ عام 1988 الممثلة عن شبكة الدعوة الإثيوبية، وهي مجموعة شعبية من المنظمات التي تروج للديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة في إثيوبيا إن :”العيش في الولايات المتحدة له تأثير هائل على طريقة نظرتي للديمقراطية وحرية التعبير”. وأضافت: “لقد شجعتني تجربتي في الولايات المتحدة على المشاركة في تغيير الحكومة الاستبدادية في إثيوبيا وتحويلها إلى ديمقراطية بحيث يكون للناس كلمتهم في النظام السياسي.”
وبحسب جيفري فقد تسببت موجات الهجرة المتتالية خلال عقود من الاضطرابات في إثيوبيا في صناعة الشتات الإثيوبي في جميع أنحاء العالم والذي يبلغ تعداده حوالي مليوني شخص.
ورغم انعدام البيانات الإحصائية، يقدر عدد الإثيوبيين المقيمين في الولايات المتحدة بمليون شخص، منهم حوالي 250 ألف ينتشرون في جميع أنحاء واشنطن العاصمة وفرجينيا وميريلاند.
الاحتفال بيوم إثيوبيا في دالاس ، ولاية تكساس
وقد دخل الإثيوبيون إلى الولايات المتحدة بعدة طرق منها بالحصول على حق اللجوء السياسي والتأشيرات الطلابية والرعاية من المنظمات الأمريكية. بينما دخل البعض عبر القنوات غير الموثقة أو بتأشيرات السفر المؤقتة ولم يرحلوا بعد ذلك.
وقالت بوني هولكومب، عالمة الأنثروبولوجيا التابعة لجامعة جورج واشنطن والتي أجرت أبحاثًا حول الشتات الإثيوبي: “لقد أحرز الشتات الإثيوبي سمعة طيبة لكونه مجتهد ومغامر وجيد من ناحية الأداء وتقييم التعليم وتقديم خدمة مجتمعية وإنشاء الكنائس”.
وأضافت: “لقد اندمج الإثيوبيون بشكل جيد ، ولم يكونوا معزولين ، وأكدوا بأنهم لن يكونوا عبئًا على خزائن الولايات المتحدة.”
سياسة المغتربين
وتحت عنوان جانبي سياسة المغتربين الإثيوبيين، قال جيفري: “في جميع الأجيال يضم الشتات الإثيوبي عددًا لا يحصى من الصحفيين والمدونين والناشطين والأكاديميين ، وكلهم يتابعون عن كثب الأحداث في إثيوبيا”.
ويرى جيفري أن عودة بعض قادة الأحزاب السياسية المحظورة سابقا والذي تم نفيهم من إثيوبيا، دليلا على أن هناك تغير في سياسة حكومة وطنهم الأم.
ويعتبر جانبوت 7 أحد أبرز هذه الأحزاب، تم تأسيسه في عام 2008 من قبل برهانو نيغا ، وهو أستاذ جامعي بجامعة بوكنيل في بنسلفانيا ، وإثيوبي آخر من المنفيين إسمه أندارجاشيو تسيجي، ويقع مقره في واشنطن العاصمة قبل أن يستقر أعضاء الحزب في إريتريا.
وبالمثل، احتفظت جبهة تحرير أورومو ، وهي جماعة معارضة رئيسية أخرى ، بمكتب لها في واشنطن العاصمة أثناء تشغيل معسكر للجيش في إريتريا.
وخلال الاحتجاجات بين عامي 2015 و 2018 ، لعب جوار محمد الذي تلقى تعليمه في جامعة آيفي، لعب دورًا محوريًا في تنظيم حركة شباب إثيوبيا الوطنية من أجل الحرية والديمقراطية – المعروفة شعبيًا باسم Qeerroo – وهم شباب نشطاء من الأورومو حيث لعبوا دورًا كبيرًا في قلب الاحتجاجات والاضرابات التي أطاحت برئيس وزراء إثيوبيا السابق.
وطوال هذه الاحتجاجات، مارس المغتربون الإثيوبيون المقيمون في الولايات المتحدة ضغوطًا على الحكومة الأمريكية – بينما كانت تضغط هي بدورها على الحكومة الإثيوبية بحسب جيفري.
ثم أخيرًا ، في عام 2018 ، أي بعد أسبوع من أداء اليمين من قبل أبي أحمد كرئيس للوزراء في إثيوبيا، تبنى مجلس النواب الأمريكي في 2 أبريل بالإجماع قرارًا صريحًا – على غير العادة – ينتقد الحكومة الإثيوبية.
وقال تيوودروز ، الذي تعاونت منظمته عن كثب مع المشرعين الأمريكيين الداعمين للقرار : “نحن في الشتات نعلم أنه من خلال وجودنا هنا، في أقوى بلد في العالم، يمكننا أن نحاول الاستفادة من ذلك للتأثير في إثيوبيا ، لأن السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة من المرجح أن تتبعها بلدان أخرى.”
طبيعة العلاقات
ورغم هذا التناغم بين الولايات المتحدة وإثيوبيا فإن العلاقات الدبلوماسية الأمريكية مع إثيوبيا عرفت محطات صعود وهبوط.
فقد كانت الولايات المتحدة حليفًا قويًا للإمبراطور هيلا سيلاسي – حيث قاتل الجنود الإثيوبيون مع الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية وجنبًا إلى جنب مع الأميركيين خلال الحرب الكورية – ولكن بعد أن أطاح به انقلاب عسكري في عام 1974 ، انفتحت إثيوبيا على روسيا للحصول على الأسلحة والمال والدعم الأيديولوجي.
وفي أعقاب ثورة 1991 التي هزمت النظام العسكري وجلبت الحكومة الحالية، عادت إثيوبيا إلى أحضان الولايات المتحدة. ومنذ عام 2001 وهجمات 11 سبتمبر ، تعززت العلاقة بين الولايات المتحدة وإثيوبيا التي تعتبر حصنًا أساسيًا ضد انتشار الإسلام وما يُسمى الإرهاب في القرن الأفريقي.
قال رينور، سفير الولايات المتحدة لدى إثيوبيا: “لقد فهمت الولايات المتحدة لسنوات عديدة أن إثيوبيا بلد يقدم نتائج مذهلة”. وأضاف: فهي “دولة ذات مساحة كبيرة وعدد كبير من السكان؛ دولة ذات إمكانات هائلة واقتصاد سريع النمو؛ ودولة لعبت دورًا كبيرًا في الحفاظ على السلام في إفريقيا – وما بعدها ولسنوات عديدة “.
لكن بعض المعلقين يقولون إن التغيير المستمر في السياسة الإثيوبية يمكن أن يؤثر على العلاقات بين الولايات المتحدة وإثيوبيا ، خاصة وقد تغيرت سياسة الأولى الخارجية في إفريقيا متأثرة بصعود الصين وروسيا، وليس ما يُسمى الإرهاب ، باعتباره التهديد الأكبر.
وقال ساندي ويد ، دبلوماسي سابق في الاتحاد الأوروبي في أديس أبابا: “إن العلاقة لا تزال قوية للغاية. لقد حظي الدبلوماسيون الأمريكيون باحترام السلطات الإثيوبية من خلال عدم التحدث علانية أثناء توجيه انتقادات بناءة على انفراد”.
لم يكن هذا أبدًا أسلوب وسائل الإعلام الإثيوبية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، والتي لها تاريخ مناهض للحكومة بشدة.
وقد أدى هذا ، كما يزعم البعض ، إلى تفاقم التوترات العرقية، وخاصة الصورة السلبية لجماعة أقلية تيغرنيان بسبب ارتباطها بحزب جبهة تحرير شعب تيغري الذي كان يهيمن على الحكومة سابقًا.
وقال تيودروز إن التوترات العرقية هي واحدة من أكبر التحديات الكثيرة التي تواجه الحكومة الإصلاحية في إثيوبيا. لكنه لا يزال مثل هؤلاء في السفارة الأمريكية في أديس أبابا ، منشغلين بالآفاق التي تنتظر البلاد.
وقال راينور ليلخص علاقة الولايات المتحدة بشريكتها الرئيسية إثيوبيا في إفريقيا: “نشعر بقوة أن لدى الولايات المتحدة فرصة والتزام ببذل كل ما في وسعها لدعم نجاح إثيوبيا”.