قراءة في اجتماعات الملك الأردني بالعقبة لمناقشة تحديات شرق إفريقيا

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

في الوقت الذي تتفاقم فيه حالة الخوف لدى المواطن الأردني وتتعمق فيه أزمة الثقة بينه وبين الحكومة الأردنية، ينشغل الملك عبد الله الثاني بتسليط الضوء على مكافحة ما يُسمى الإرهاب في منطقة بعيدة جغرافيًا عن الأردن، هي شرق إفريقيا.

 

وبدل أن يركز الملك في الشارع الأردني ويستجيب لمطالب شعبه، يسارع لتلبية مطالب المجتمع الدولي بتسليط الضوء على منطقة شرق إفريقيا الاستراتيجية، لعله ينعش الخزينة الأردنية بفتح ملف ما يسمى الإرهاب، ولكن إلى حين. بحسب ما فسر المراقبون للقاءات العقبة التي اجتمع فيها الملك – في الشهر الماضي – مع ممثلين من الدول الغربية والإفريقية لمناقشة تطورات ما يُسمى مكافحة الإرهاب في منطقة شرق إفريقيا.

 

الشارع الأردني يحتقن

وقد شهدت منطقة الدوار الرابع في العاصمة عمان، احتجاجات واسعة على سياسة رفع الأسعار وإثقال كاهل الأردنيين بالضرائب والقرارات الحكومية الجديدة، ولم تزل هذه الاحتجاجات تشتعل بين الفينة والأخرى دون أن تحقق تغييرًا يُرجى.

 

 

وهذه المرة اختار الأردنيون إسم “معناش” كشعار للتعبير عن درجة الاستنزاف التي يعاني منها جيب المواطن الأردني بسبب استمرار الحكومة في تجاهل حقيقة عجز الشعب عن سداد الضرائب المفروضة.

 

ولكن “معناش” لن تحقق أكثر من استبدال حكومة بحكومة جديدة أخرى لن تستجيب لطلبات المحتجين رغم حجم الوعود الحكومية بحسب ما يرى المراقبون. تمامًا كما حصل مع الاحتجاجات التي سبقتها. حيث لم يكن دور الحكومة الجديدة إلا إعادة تكرار قانون يفرض ضرائب أخرى على المواطن الأردني.

 

تطور في نوعية الهتافات

وفي الوقت الذي انشغل فيه الملك الأردني بحضور جنازة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب. انشغل الأردنيون بالهتافات التي وجهت هذه المرة بشكل مباشر لانتقاد الملك وزوجته حيث كان منها “طاق طاق طاقية، إنت ومرتك حرامية”، “اهتف سمّع هالمختار، عبد الله باع الآثار… العقبة منا وفينا، عبد الله باع المينا… إصلاحاتك في سنوات، تزوير الانتخابات، وإفراز المخابرات، دستورك والترقيعات”.

 

ما يعكس درجة الاستياء لدى المحتجين من تجاهل الملك لمطالبهم.

الملك منشغل بشرق إفريقيا

وعلى بعد 500 كم من جنوب العاصمة الأردنية عمان، وجه الملك تركيزه على اجتماعات العقبة التي يقودها رفقة مستشاره ومدير مكتبه، منار الدباس، ووزير الخارجية أيمن الصفدي.

 

وتأتي اجتماعات شهر ديسمبر الماضي، في العقبة، كحلقة من سلسلة الاجتماعات التي يجريها الملك منذ 2015 بهدف ما يسمى تعزيز التنسيق والتعاون الأمني والعسكري وتبادل الخبرات والمعلومات بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لمحاربة ما يسمى الإرهاب.

 

ويحضر هذه الاجتماعات، ممثلون عن الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (النيتو)، وكبار المسؤولين من دول جنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا وشركاء دوليون.

ولأن عنوان الاجتماع هذه المرة في العقبة كان “مناقشة التحديات الأمنية في منطقة شرق إفريقيا”  بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الرسمية “بترا”. فقد حضر الاجتماع وفود من إفريقيا جاءوا من كينيا والصومال وزامبيا ورواندا، وطبعا لم يفوّت الوفد الأميركي هذا الاجتماع أيضا.

 

محاولة لإنعاش الخزينة الأردنية

ويجدر الإشارة إلى أن عمان سبق وأن وقّعت مع واشنطن مذكرة تفاهم في شباط/فبراير من العام الماضي، تتلقى الأولى بموجبها ما مجموعه 6 مليارات دولار كمساعدات اقتصادية وعسكرية ومشاريع تنموية على مدى خمس سنوات (2018 ــــ 2022)، ومقابل جهود الملك في التعاون في مجال ما يسمى مكافحة الإرهاب استلم الأردن الدفعة الأخيرة من مخصصاته والتي بلغت 745.1 مليون دولار تم تحويلها لحساب خزينة الدولة.

 

ويرى المراقبون الاجتماعات الأخيرة في العقبة رسالة أخرى من الملك لتحصيل المزيد من الدعم المالي لإنعاش خزينة الدولة.

 

اجتماعات ثنائية

وخلال اجتماعات العقبة التقى الملك بشكل منفصل مع وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس ووزيرة الأمن الداخلي الأمريكية كريستين نيلسن، ووزيرة الخارجية الكينية مونيكا جوما، ورئيس قوات الدفاع الكينية الفريق أول سامسون مواثيثي، ووزير خارجية زامبيا جوزيف مالانجي. إضافة إلى مسؤولين من فرنسا منهم مساعد مدير الاستخبارات العسكرية الفرنسية باتريك زيمرمان، ومسؤولين من بريطانا إضافة إلى وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف والممثل السامي للاتحاد الأفريقي بيير بويويا.

 

لقاءات أخرى شهدتها العقبة بين الملك ومستشار الأمن القومي الفلبيني هرموجينيس اسبيرون، ورؤساء نيجيريا محمد بخاري، وغينيا ألفا كوندي، والنيجر محمد إيسوفو، ومالي إبراهيم بوبكر كيتا وأطراف دولية أخرى.

 

وتركزت جميع اللقاءات حول بحث مجالات التعاون الثنائي، والتطورات المرتبطة بجهود الحرب على ما يُسمى الإرهاب إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية.

 

التهديد للأنظمة

وخلص البيان الذي صدر عن الحكومة الأردنية للتعليق على هذه الاجتماعات، إلى أن الأخيرة جزء من مبادرة أطلقها الملك عبد الله الثاني في التواصل مع مختلف دول العالم والتنسيق معها في شأن التعاون الدولي لمكافحة ما يسمى الإرهاب، لا سيما أن هذا الجهد لا بد أن يكون جهدًا دوليًا مترابطًا وعلى مستوى عالٍ من التنسيق والتشاور، كون ظاهرة ما يُسمى الإرهاب في انتشار بمختلف أرجاء العالم، وتهدد منظومة الأمن والسلم العالميين.

 

ويرى المراقبون التهديد الذي تخشاه الدول المجتمعة في الواقع هو إسقاط الأنظمة الدولية الحالية، ذلك أن الظروف المعيشية السيئة التي تعيشها شعوب دول العالم الإسلامي لم يكن سببها “الإرهاب” بل سياسات الأنظمة الحاكمة القمعية والمستبدة التي يرعاها النظام الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة لإحكام هيمنته على هذا الجزء الهام من خريطة العالم. وفي حين تتجاهل الحكومات هذه الحقيقة ستستمر هذه الشعوب للجنوح إلى الاحتجاجات أو إلى صفوف ما يسمى “الإرهاب”.

 

ويجدر الإشارة إلى أن اجتماعات مماثلة تناولت الشأن الشرق إفريقي عقدها الملك الأردني خلال العامين الماضيين مع رؤساء وممثلي عدد من دول منطقة شرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا والبلقان.

 

شرق إفريقيا وصفقة القرن

ويربط المراقبون الاجتماعات التي أجراها الملك الأردني “في وقت يحتقن فيه شعبه”، بما يسمى صفقة القرن، حيث أن منطقة شرق إفريقيا تعد أحد المناطق الاستراتيجية الحساسة على علاقة مباشرة بخريطة الصراع في الشرق الأوسط، تشغل اهتمام الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج، واليوم الأردن التي تعتبر لاعبًا أساسيًا في هذه الصفقة التي تم توقيعها في الكواليس مع الحكومة الإسرائيلية برعاية أمريكية وحظيت بموافقة الدول المعنية كمصر والسعودية. وهي الصفقة التي بدأت أماراتها تتجلى بتطبيع علني من هذه الأنظمة مع تل أبيب لم يبالي بسخط الشعوب الغارقة في هموم معيشتها.

 

ولاشك أن شرق إفريقيا تمثل تهديدًا لطموحات الملك الأردني في تمرير الصفقات السرية مع الحلفاء الغربيين كون المنطقة تشهد صعودًا إسلاميًا تقوده حركة الشباب المجاهدين التي تسيطر على مساحات شاسعة في الصومال وتمتد ذراعها العسكرية للمناطق المجاورة.

 

وبحسب أبجديات حركة الشباب التي تنضم لحركة الجهاد العالمية بقيادة تنظيم القاعدة فإنها ترفض أية متاجرة بالقضية الفلسطينية.

 

وقد أصدرت قيادتها بيانًا يعتبر إعلان القدس عاصمة لفلسطين بلا جدوى، ويذكر بأن تحرير فلسطين قضية مصيرية ومن أولويات الحركة الجهادية.

 

وإلى أن نرى أين ستفضي الأحلاف الدولية التي تنخرط فيها الأردن، يبقى الشعب الأردني يعاني من ضغوط المعيشة وقد ينفجر في أي حين على غرار انفجار الشعب السوداني وشعوب الربيع العربي، ولكن انفجار الشعب الأردني بجانب سوريا المضطربة، سيكون حدثًا خطيرًا قد يزعزع جهود الملك وحلفاءه الدوليين في حفظ أمن إسرائيل بحسب ما يرى المراقبون.

 

فهل سيثور الشعب الأردني أم سيخضع لسياسة العصا التي يسلطها الملك بأجهزته الأمنية والاستخباراتية بالاستمرار عليه؟ أم سيكون للمنطقة حديثا آخر بحسب التطورات في شرق إفريقيا التي تعتبر البوابة الجنوبية التي تخشى منها إسرائيل وتسعى لتأمينها بشدة وذلك بتفعيل الدور الإثيوبي لصناعة تحالف مع دول المنطقة يعمل كحاجز يحمي الطموحات الإسرائيلية ويحقق بنود صفقة القرن.

 

الدور الأردني الأعمق

 

 

مع العلم أن دور الملك الأردني في شرق إفريقيا لم يتقصر على عقد الاجتماعات وخوض المناقشات بل تعدى إلى الانخراط المباشر في الجهود العسكرية.

 

حيث تقوم الأردن بتدريب ضباط السلاح الجوي الكيني ضمن ما قيل أنها اتفاقية تعاون مشترك بين البلدين تقضي بتبادل الخبرات في المجالات العسكرية والتعاون الفني ومكافحة الإرهاب.

 

وفي شهر ديسمبر من عام 2014 أسقط مقاتلو حركة الشباب المجاهدين طائرة حربية كينية أثناء قيامها بعمليات قصف في مناطق سيطرة الحركة بضاحية مدينة كسمايو الساحلية جنوب الصومال مما أدى إلى مقتل الطيار الكيني الذي وجد في حوزته وثائق تثبت بأنه تلقى تدريبات في الأردن.

 

 

ولا أوضح من اعتراف الملك الأردني بنفسه بأن قواته تقاتل حركة الشباب المجاهدين في الصومال.

 

حيث نشرت صحيفة (ميدل إيست أي) البريطانية تقريرًا جاء فيه “إن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين أبلغ قادة الكونغرس الأمريكي في يناير ، أن بلاده لجأت إلى التعاون مع SAS البريطانية (وهي وحدة من القوات البريطانية الخاصة) لقتال حركة الشباب”.

 

وقال عبد الله الثاني: “الأردن يهتم بحركة الشباب لأن لا أحد حقيقة يهتم بهذه المسألة، ولا يمكننا تحييدها من أذهاننا، والحاجة إلى النظر في جميع النقاط الساخنة في الخريطة”.

 

وأضاف: “لدينا قوة عسكرية سريعة للنشر، ستقف مع البريطانيين والكينيين، ونحن مستعدون للذهاب عبر الحدود إلى الصومال”.

 

وتطرح هذه الاعترافات التساءل: إلى أي درجة يغامر الملك الموالي للغرب بمصالح ملكه في صراع لم تتمكن من حسمه الدول الكبرى ولا التحالفات الكبرى. أم أنه يخشى حقيقة على ملكه من حركة الشباب المجاهدين؟ يبدو أن نظرة عبد الله الثاني بعيدة حقًا في خريطة الصراع بين الإسلام والغرب.