غضب في كينيا لجرائم شرطة نيروبي والقتل خارج إطار القانون
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
أثارت تقارير حقوقية تكشف جرائم شرطة نيروبي والقتل خارج إطار القانون غضب الكينيين الذين طالبوا بوضع حد لهذه الجرائم وتعويض أسر الضحايا الذين لقوا حتفهم برصاص الشرطة.
وقد قتلت شرطة كينيا على الأقل 21 رجلا وطفلا في المناطق الفقيرة في العاصمة الكينية نيروبي دون أن يكون هناك مبرر لقتلهم ولكن بزعم أنهم مجرمين بحسب ما أعلنت منظمة العفو الدولية “هيومن رايتس ووتش” نهاية هذا الأسبوع.
وأرجعت المنظمة عمليات القتل لأسلوب الشرطة العنيف بشكل مفرط تحت ستار إنفاذ القانون في حين لم تخضع عمليات القتل لأي تحقيق أو ملاحقة لمن نفذ هذه العمليات.
وبحسب المنظمة فمنذ أغسطس 2018 الماضي، قتلت الشرطة على الأقل 21 رجلا وطفلا على أنهم مجرمين في منطقتي داندورا وماثاري فقط، ولكن الناشطين الحقوقيين في هذه المناطق أكدوا أنهم يحيطون علما بعدد أكبر من عمليات القتل فضلا عن تلك التي تم الإشهار بها في الإعلام، تمت على أيدي عناصر الشرطة الكينية خلال العام الماضي.
وقال أوتسينو ناموايا باحث إفريقي في منظمة العفو الدولية: “تقوم الشرطة بتوقيف الأشخاص غير المسلحين ثم تقتلهم بأسلحتها، ولا تحرك إدارة الشرطة ولا وكالتها “ووتش دوغ” ساكنا لوضع حد لهذه الاعتداءات “. وأضاف: “على الشرطة أن تفتح تحقيقات في حالات القتل هذه وأن تلاحق ضباط الشرطة المسؤولين عن هذه الجرائم”.
في شهري أبريل ومايو من عام 2019، أجرت منظمة العفو الدولية حوارات مع 35 شخصا شاهد عيان من بينهم عائلات الأشخاص الضحايا الذين قتلتهم شرطة نيروبي وعمال في القطاع الطبي والاجتماعي ونشطاء وعناصر من الشرطة بما فيهم المتحدث الرسمي باسم شرطة نيروبي.
وقال رجل أعمال مخبر للشرطة لمنظمة العفو الدولية بأن لدى الشرطة قائمة للأشخاص الذين ينوون قتلهم، بما فيهم اللصوص التافهين وفي بعض الحالات رجال ونساء لديهم خصومات شخصية مع عناصر من ضباط الشرطة.
وفي شهر أبريل لوحده، وخلال 3 أيام فقط، قتلت شرطة ماثاري 7 رجال قيل أنهم على صلة بالجريمة. ولكن دون تقديم دليل يبرر قتلهم بحسب ما خلصت منظمة العفو الدولية، كما أكدت أن الرجال السبع لم يكونوا مسلحين حين تم قتلهم وأنهم سلموا أنفسهم أو تم توقيفهم من قبل ضباط الشرطة في وقت القتل.
في 14 أبريل، قتلت الشرطة كيفن جيتو، 25 عاما، الذين كان سيسافر إلى خارج البلاد ليستلم عملا في الشرق الأوسط بحسب ما صرحت به عائلته.
في 17 أبريل قتلت الشرطة 6 رجال في منطقة ملانغو كوباوا موظفين في منظمة حقوقية في ماثاري، كانوا يوثقون عمليات القتل ويقدمون الدعم النفسي لأسر الضحايا القتلى. وكان أحد القتلى الست شاب لم يتجاوز السابعة عشر من العمر.
في مايو 2017، وثّقت منظمة مجتمعية في ماثاري عمليات قتل لـ 75 رجل وامرأة نفذتها الشرطة خارج إطار القانون، وتحت ستار الجريمة، وذلك في ماثاري لوحدها خلال عام واحد.
واتفقت منظمات حقوقية مختلفة في نيروبي على أن عمليات القتل التي نفذتها الشرطة خلال الأعوام الماضية كانت تتم في المناطق الفقيرة والضعيفة الدخل في العاصمة.
من جانبها وسائل الإعلام الكينية غالبا ما تغطي عمليات القتل كجزء من إنجازات الشرطة لإنفاذ القانون في هذه المناطق، ففي أكتوبر 2018، نقلت صحيفة الستار الكينية، أن شرطة داندورا ومثاري وماجينغو قتلت على الأقل 17 شخصا في مدة 7 أيام. وفي نفس الشهر نقلت صحيفة ديلي نيشن الكينية أن الشرطة قتلت على الأقل 101 شخصا في نيروبي، وأكثر من 180 شخصا في جميع أنحاء كينيا خلال مدة 9 أشهر. ولم يكن واضحا في هذه التقارير الصحفية إن كانت أي عملية قتل من هذه العمليات مبررة قانونيا.
بدورها وثّقت منظمة العفو الدولية القتل خارج إطار القانون في العنف خلال الانتخابات وعمليات ما يسمى مكافحة الإرهاب في نيروبي والمناطق الشمالية الشرقية من البلاد وأيضا في المناطق الساحلية.
وبالنسبة لقانون شرطة كينيا الوطنية في عام 2011، فإن القوة المميتة لا يمكن تبريرها إلا في حال كان من المستحيل حفظ حياة الأشخاص.
وبحسب قانون الشرطة فإن على ضباط الشرطة الذين أطلقوا النار وتسببوا في مقتل المشتبه بهم، عليهم أن يرفعوا تقارير لرؤسائهم ومسؤوليهم الكبار تشرح الظروف والأسباب التي أجبرتهم على إطلاق النار. كما يدخل في هذا القانون إعلام الشرطة السلطات المستقلة المشرفة على التحقيقات بشأن أي عنف أوصل للقتل أو أدى إلى إصابات حرجة. وهي مؤسسة شرطة مدنية للمحاسبة تم إنشاءها في عام 2011 للتحقيق ومحاسبة الضباط الذين خرقوا القانون.
في المقابل قال المتحدث الرسمي باسم الشرطة شارلز أوينو أنه لا يملك معلومات كاملة بشأن التحقيقات ولكنه يحث السلطات للتحقيق في عمليات القتل هذه.
وشددت منظمة العفو الدولية على أنه يجب تحقيق العدالة لضحايا قتلى الشرطة الكينية، وكشف الستار عن المتورطين عن هذه الجرائم ومحاسبتهم.
وقال ناموايا: ” تحصل عمليات القتل هذه تحت مرأى ومسمع قيادات الشرطة، والتي لم تحرك ساكنا لإيقافهم أو اعتقال المسؤولين عنها”.
وخلال السنوات الخمس الماضية لم تبد الشرطة الكينية أي اهتمام بتقديم التبريرات لعمليات القتل التي نفذها عناصرها في ماثاري وداندورا وإيستلي وكايولي وبقية المناطق ذات الدخل الضعيف في العاصمة.. لا على مستوى الإعلام ولا على المستوى المحلي بإجراء تحقيقات.
وفي بعض الأحيان نشرت الشرطة صورا، بحسب منظمة العفو الدولية، لجثث الضحايا في مواقع التواصل الاجتماعي، دون إعلام أقارب هؤلاء الضحايا بعملية القتل.
وقد أثار فيديو في أبريل 2017 يظهر فيه عملية قتل على يد ضابط شرطة كيني لمراهقين في ضوء النهار في أحد شوارع إيسلي، أثار سخط الشعب الكيني، حين بررت الشرطة قتل المراهقين على أنهما من المجرمين الذين قتلوا ضابط شرطة. ولم تحقق السلطات الكينية في الحادثة، بل دافعت عن قتل الشرطة للمراهقين، وبررت ذلك بأنهما كانا يحملان السلاح وأنهما “مجرمان” سبق وأن قتلا ضابط شرطة في الماضي.
ويعتقد سبع أشخاص يسكنون في منطقة ماثاري بحسب ما صرحوا للمنظمة، أن نفس الضابط يرأس الآن فريقا من الضباط يسمى “بانجاني 6” وهو فريق يعمل على استهداف وقتل الأشخاص الذين يشتبهم فيهم على صلة بالجريمة في محطة شرطة كينانغو وأن هناك العديد من الوحدات المماثلة في أحياء أخرى من نيروبي وهو ما نفاه المتحدث الرسمي للشرطة الكينية.
أحد المخبرين من داندورا الذين يعملون لصالح الشرطة قال أن الضباط يملكون قوائم للمشتبه بهم للاستهداف والقتل خارج إطار القانون، وأن أغلب عمليات التصفية تتم عن طريق ضباط بعينهم قد التحقوا ببرنامج واتس أب ومناصات التواصل الاجتماعي الأخرى، أين يتبادلون العلومات بشأن الأهداف التالية أو الأهداف التي تمت تصفيتها.
وقد أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش بأن عمليات القتل هذه قد ارتفعت منذ شهر سبتمبر 2013. وفي هذه الفترة نقلت الصحافة عن قائد كبير في الشرطة ووزير قولهما أمام تجمع للعامة بأن الحكومة قد أقرت قانونا يقضي بالقتل على المشتبه بهم. رغم محاولات من الرجلين لتبرير هذه التصريحات في مقابلات تلفزيونية لاحقة، إلا أن ضابطين من الشرطة في نيروبي أكدا لمنظمة العفو الدولية في شهر مايو الماضي أن القانون لا زال سائر المفعول.
وقتلت الشرطة الكينية 7 رجال وأطفال في ليلتي 14 و17 أبريل في مثاري، بحسب ما خلصت المنظمة. واتفق شهود العيان في كل الحالات على أن الضحايا قتلوا بينما كانوا في قبضة الشرطة مستسلمين أو في الاعتقال بعد أن تم إيقافهم.
وعلى الساعة الخامسة مساء في يوم 14 أبريل، قتلت الشرطة في ماثاري، “كيفن جيتو” (25 عاما) بعد أن نزل من الباص في وسط المدينة في نيروبي، وبعد إجباره على الدخول في سيارتهم ونقله بالقوة كما أخبر أحد الشهود العيان. ثم في اليوم الثاني شاهدت عائلته الأخبار على مواقع التواصل تؤكد مقتله من خلال صور تظهر فيها جثته.
وقد نشرت شرطة داندورا صورة “جيتو” غارقا في دمائه، وقالت معلقة بأنها قتلت مجرما خطيرا. وعثرت عائلته على جثته في مشرحة المدينة في وقت متأخر من نفس اليوم. وقال أحد الشهود أن من بين الذين اعتقلوا جيتو كان عضوا في مجموعة “بانغاني 6” لضباط الشرطة.
بينما شهد أحد أقاربه وناشطين في مثاري على أن نفس الضابط ألقى القبض على جيتو في 2 فبراير متهما إياه بسرقة هاتف. ثم أطلق سراحه لاحقا في حين أكد أحد النشطاء في حملة على الأنترنت -كان صديقا لجيتو- بأن الضابط هدد جيتو بعد إطلاق سراحه بأنه سيقتله.
وقال مسؤولون في الشرطة في محطة بانغاني أنهم يحيطون علما بعمليات القتل هذه، لكنهم لا يمكنهم مناقشتها بالتفاصيل.
في 17 أبريل قتلت نفس المجموعة من ضباط الشرطة 5 شبان وطفل في منطقتين مختلفتين بحسب ما نقل شهود عيان. إحدى عمليات القتل وقعت في يوم 17 أبريل، حين دخل 6 ضباط من الشرطة وهاجموا منزلا لشاب عمره 17 عاما إسمه بنسن كافيندو في منطقة ملانقو كوبوا، واتهم بالسرقة. وقال الجيران أنهم سمعوا الشاب يرجوهم ألا يقتلوه ويؤكد لهم بأنه لم يسرق، ثم أخذته الشرطة خارج البيت وألقي ساجدا على الأرض ثم قتل بدم بارد. وفي نفس الصباح على الساعة الخامسة مبكرا قتلت الشرطة 3 شبان آخرين ورجل، أعمارهم بين 17 و25 عام. يسكنون في أحياء ماثاري كانوا من المشردين.
وقال أحد شهود العيان: “لقد كانوا 6 ضباط، التفوا حول أحد الضحايا وأطلقوا النار عليه في نفس الوقت وقتلوه من الجهات الأربعة، ثم حملوا جثته ولانعلم أين أخذوه”.
وبنفس الأسلوب وبالقتل خارج إطار القانون قتل “دافيد كاريوكي”، 38 عاما، وهو تاجر، قتل مع ابني أخيه “بيتر موانجي”، 22 عاما، طالب في جامعة كيسي، و”جون غاذوفاتو”، 17 عاما، طالب في المدرسة الثانوية. وقد قتل كاريوكي برصاصة في الفم، ورصاصتين في الصدر، بينما قتل كل من الشابين برصاصة واحدة في الرأس.
وفي نفس الصباح قتل 4 ضحايا أحدهم “صاموئيل موسيلي” طالب في ثانوية داندورا، 22 عاما، حيث أمرته ضابطة شرطة بالنزول من شجرة كان يتسلقها ثم أطلقت عليه رصاصة في الرأس.
وفي 28 أغسطس مساءً هاجم ضابطان من محطة شرطة كينياغو في داندورا، دكانا للخردة وقتلوا مالكه، “ألكس جيثوكو ماشاريا”، 34 عاما مع 4 رجال آخرين. وأكد نشطاء من دندورا أن الشرطة هددت شهود العيان وأقارب الضحايا لعدم الملاحقة القضائية للقتلة أو الحديث لوسائل الإعلام أو المحققين.
وأكد شهود عيان أن الشرطة قتلت أيضا 3 أشخاص لم يتمكنوا من تحديد هويتهم في داندورا في شهري يناير وفبراير 2019. هذا فضلا عن جرائم أخرى يصعب حسرها بحسب الشهود العيان.
ورفضت الشرطة مناقشة هذا الموضوع مع المنظمة الحقوقية التي خلصت إلى أن الشرطة لا تتعاون مع أحد ولا حتى مكتب التحقيقات المستقل بشأن هذه الجرائم.