صحيفة كينية تعرض تاريخ الدعوة الجهادية في كينيا

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

تحت عنوان “التطرف من أين يبدأ” عرضت صحيفة “ستاندارد ديجيتال” الكينية، قصة الدعوة الجهادية في البلد الواقع شرق القارة الإفريقية.

 

وتناول التقرير قصة الشيخ الداعية الشهير، عبود روجو، الذي اغتالته السلطات الكينية حين كان يستقل سيارته رفقة زوجته وصهره في عملية تصفية خارج إطار القانون.

 

مقتل عبود روجو لم يوقف الدعوة الجهادية

وقالت الصحيفة، أنه وبعد مرور سبع سنوات من مقتله لا تزال كينيا تصارع الأزمات التي أشعل فتيلها الشيخ عبود روجو وغيره من الشيوخ في أنحاء البلاد.

 

وأوضحت الصحيفة أن قتل عبود روجو فتح الباب لانطلاق مرحلة جديدة من الأزمات، لم يسبق أن شهدتها كينيا من قبل.

 

ووصفت الصحيفة كاريزما الشيخ عبود روجو حين كا يقف على منبر المسجد “موسى” في مدينة موبماسا الساحلية، ويخطب بكل شجاعة وبأعلى صوت، ليحرض الجمهور الذي يستمع إليه ، على الجهاد، والذي كان مؤمنًا بأنه فرض يجب القيام به.

 

وأضافت الصحيفة بأنه على الرغم من أن شخصية الشيخ عبود روجو كانت مشهورة لدى الكينيين،  إلا أن الفريق الذي كان يلتف حوله للمساعدة، كان بعضه معروفا، وأغلبه من المجاهيل، لكنهم يحظون بمكانة في المجتمعات التي يعيشون فيها ، تجمعهم ملامح واحدة في الدين والآدب العامة.

 

وأكدت الصحيفة على أنه قبل أن يذيع صيت هذه المجموعة ويتسع تأثيرها في المساجد بشكل كبير في جميع أنحاء كينيا، كان لهذه المجموعة سلف، توارثت عنهم التعاليم التي تعاهدوا على الحفاظ عليها.

 

تاريخ الدعوة الجهادية: قصة السلف

وعرض التقرير مقارنة للأحداث في عام 1972، حيث تميّزت هذه السنة بهجوم كبير في ميونيخ، قد يكون بالأضخم حينها، قتل فيه 11 من أعضاء الفريق الأولمبي الإسرائيلي وضابط شرطة ألماني. ولكن نفس هذا العام بالنسبة لعبد العزيز ريمو ، وهو صبي صغير من ديغو من أوكوندا ، فقد تميز بحصوله على منحة دراسية لمدة ثماني سنوات في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، في السعودية.

 

ولكن بعد عودته، كان ريمو رجلاً جديدًا بحسب الصحيفة، فقد تحولت نظرته للحياة بشكل مختلف. وتغيرت المفاهيم التي تربى عليها بشكل تام.

 

وعاد ريمو إلى كينيا ليشرع في العمل في حقل الدعوة ، الذي يسميه “الجهاد” في مجتمعه الإسلامي المحلي في الساحل الجنوبي  بحسب ما  كتب حسن جمعة ندزوفو ، في بحث له يعمل عنوان “شيوخ الجهاد الكينيين”، والذي نشر في جريدة شؤون الأقلية المسلمة في أواخر العام الماضي.

 

وبحسب الصحيفة أصبحت مواعظ الشيخ أكثر حدة، وتجاوز العديد من رجال الدين الآخرين الذين وصفهم بضعف المنهج، وسرعان ما وجد نفسه يعارض الدولة التي احتضنته وغالبًا ما ينتقص من مقام الحكومة اليوم.

 

وبحسب نزدوفو، كان خطاب ريمو الدعوي لجمهوره يعلن رفضه تطبيق القوانين العلمانية، وفي نفس الوقت يطلب من المسلمين دعم الحزب الإسلامي الكيني غير المسجل حكوميا، كخطوة نحو تطبيق الحكم الإسلامي في كينيا.

 

واعتقل ريمو في 12 فبراير / شباط 1990 وتقدم للمحاكمة وهو يرتدي قميصا ناصع البياض، لا يظهر عليه أي انزعاج لمحاكمته في مومباسا وأقر بجميع مواقفه دون تردد.

 

وبحسب الصحيفة، قال ريمو للمحكمة بكل صراحة، أنه أخبر المصلين في مسجد في أوكوندا بأنه لا يثق أو يحترم الرئيس دانيال موي ولا فلسفة نيايو وأنه يجب الإطاحة بالحكومة.

 

وأمرت المحكمة بأن يحول إلى طبيب نفسي ثم بعد ذلك تم سجنه لمدة ست سنوات.

 

لكن السجن لم يقدم له إلا مزيد تشجيع على الاستمرار، وعندما أُطلق سراحه ، عاد إلى بيته في الساحل الجنوبي لكينيا ، واعتزل مع مجموعة انتقاها من أنصاره، وقاطع أي شيء اعتبره حرامًا في حياته.

 

وقالت الصحيفة أن الرجل وأنصاره كانوا ملتزمين بطريقة دينية في ارتداء الثياب، كما قاطع أنصاره المؤسسات الكينية مثل مؤسسات التعليم، واستقالوا من وظائفهم لدى الحكومة وتحولوا بدلا من ذلك إلى وظائف مستقلة مثل النجارة.

 

وبالرغم من ذلك رجع إلى خطابه التحريضي بشكل مفاجئ مرة أخرى، ووجّه الطلاب لحمل السلاح.

 

وأوضحت الصحيفة بأن المئات كانوا يستمعون له وأثمرت جهوده بنمو شجرة قوية الجذع، أحد فروعها هو الشيخ عبود روجو، وهو سياسي سابق في كينيا لكنه صاحب طموح لا يُبارى.

 

تاريخ الدعوة الجهادية: قصة الخلف

ومع أن عبود روجو كان أحد طلاب ريمو ، إلا أنه انتهج النهج الديمقراطي بداية بحسب ما عرضت الصحيفة الكينية، لكن الأحداث التي أدت إلى انتخابات عام 1992 في ساحل كينيا كشفت عن حقيقة ما يؤمن به عبود روجو، حيث اختار ، مثل العديد ممن كان معه في ساحل كينيا ، التخلي عن مختلف الأحزاب السياسية التي ربطوا أنفسهم بها لصالح الحزب الإسلامي الكيني (IPK) .

 

وفي تلك الفترة اتهم الحزب الإسلامي الكيني بتدريب الرجال على تنفيذ عمليات جهادية ضد الحكومة وإثارة التوتر بين الحكومة المركزية والسكان على طول ساحل كينيا، وعمدت الحكومة لحظر هذا الحزب بحسب ما جاء في التقرير.

 

بهذه الطريقة تم كتم صوت عبود روجو وقمعه، وانحسر نشاطه في أكثر مكان يشعر فيه بالارتياح، وهو المساجد، حيث نشط فيها لقرابة عقد ونصف من الزمان، وعلى الرغم من أنه كان مصنفا كشخصية خطيرة، إلا أن خطبه النارية لم تكن معزولة تماما عن بقية الجماهير، بل بدأت أصوات أخرى مختلفة في المساجد في جميع أنحاء العالم، تجتمع على نفس الدعوة التي يصدح بها.

 

القاعدة في كينيا

في أواخر التسعينيات، انتقل التركيز العالمي من الشبكات الدولية لمنظمة إرهابية “متشددة” في شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى تنظيم القاعدة الذي أنشأ حينها، وهو عبارة عن منظمة إسلامية ينتمي إليها مسلمون من جنسيات متعددة، أسسها في عام 1988 الشيخ أسامة بن لادن والعديد من المتطوعين أثناء الغزو السوفييتي في أفغانستان بحسب الصحيفة الكينية.

 

وكان من المقرر أن يتم ضم الكينيين إلى تنظيم القاعدة بشكل تلقائي، من خلال تفجيرات السفارة الأمريكية عام 1998 حيث أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن هذا الهجوم على السفارة الذي قتل فيه أكثر من 200 شخص.

 

وبصرف النظر عن هذا الهجوم، قالت الصحيفة، لقد كان هناك شيء أكثر مدعاة للقلق يحدث في الصومال المجاورة، وهو ظهور حركة الشباب المجاهدين التي كان الشيخ عبود روجو يناصرها بشكل كبير ويؤمن بها بشكل واضح، ولهذا لم يتأخر كثيرا في ربط نفسه بها.

 

وعلى مدى السنوات الـ14 التالية ، وضع عبود روجو نفسه في وسط القاعدة ، ومن خلال عمليات حركة الشباب، لعب دورًا أساسيًا في تعزيز إيديولوجية الجماعة، وكذلك في تسهيل عملية التجنيد في صفوفهم.

 

لقد شجعه تفجير نيروبي بعد مشاهدته للمهمة التي خطط لها ونفذها اثنان من المقربين منه هما فضل محمد، وأودي. بحسب الصحيفة.

 

العمل على التجنيد

وبحلول منتصف عام 2000 ، أدرك روجو ، الذي أصبح الآن الإمام المقيم في مسجد موسى في مومباسا، حجم المسؤولية التي ألقيت على كاهله، وشرع في رحلة طويلة من التجنيد لمئات الرجال الذي سافروا إلى الصومال، للحرب المقدسة التي تُسمى الجهاد بحسب تعبير الصحيفة.

 

وقالت الصحيفة أن بعض أولئك الذين تحدثوا معه قالوا أنه رجل يمتلك سحرا، كثيرًا ما يردد في خطاباته ” إن ديني هو حمل البندقية (إي كي ) على كتفي!”.

 

صورة مسجد موسى في مومباسا تراقبه قوات الأمن الكينية

 

تغلغلت شخصية روجو في قلوب الناس وزاد تأثيره في ذلك الجيل الذي يتوق إلى التمسك بكل ما يمنحه الأمل في عالم غلب عليه الظلم. بحسب ما ذكرت الصحيفة.

 

لقد كان روجو يحرض أتباعه للهجرة إلى الصومال، أين يمكنهم الفوز بالجنة.

.

في ذلك الوقت ، بحسب الصحيفة، كانت مومباسا تعاني من نقص مزمن في المياه وكان الشباب العاطلون عن العمل في حالة تصادم مستمر مع قوات الأمن الكينية، وهي نفس قوات الأمن التي واجهت روجو في عام 2002 عندما كان يبلغ من العمر 34 عاما.

 

الاعتقال والبراءة

وفي 28 نوفمبر من ذلك العام، أدى الهجوم الكبير على فندق بارادايس في كيكامبالا، إلى مقتل 15 شخصًا وعلى غرار هجوم 1998 ، أعلن تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا مسؤوليته عنه. واعتقلت السلطات الكينية عبود روجو ووالده، بسبب هذا الهجوم.

 

وبالنسبة لروجو لم تكن هذه أول مواجهة له مع السلطات، ولا الأخيرة، وقد ثبتت في نهاية المطاف، براءته وبراءة والده بعد ما يقرب من عامين من الجلسات القضائية .

 

وقال القاضي جي أل. أوسيمو: “لا توجد أدلة مباشرة أو ظرفية تربط بين المتهم وشبكة القاعدة ومشاركتهم في الإعداد والتخطيط والهجوم على فندق بارادايس” . بحسب صيغة الحكم الذي صدر من المحكمة.

 

وقال القاضي أيضًا بأن الدليل الوحيد الذي ربط روجو بصبغة شبكة القاعدة هو اتصالات الهواتف الخلوية بين هاتفه المحمول وهاتف عبد الكريم أحد الذين زعم الادعاء بأنه اللاعب الرئيس والمنسق لأنشطة القاعدة في كينيا.

 

وأطلق سراح الشيخ عبود روجو بعد إعلان الحكم ببراءته في 9 يونيو 2005 ليسير من جديد في طريق الشهرة .

 

أبو بكر شريف أحمد “ماكابوري”       

صورة الشيخ شريف أبو بكر مكابوري

 

ولاحظت الصحيفة أن كل خطب الشيخ روجو كان يتبعها تعقيب قصير من أحد المقربين منه، وهو أبو بكر شريف أحمد المعروف أيضا باسم ماكابوري.

 

ووصفت الصحيف تأثير ماكابوري بالواسع والبعيد إلى حدٍّ كبير لدرجة أنه في عام 2012 ، صنّفته الحكومة الأمريكية على أنه “إرهابي”.

 

وجاء في بيان لمجلس الأمن الدولي “أبو بكر شريف أحمد هو الميسّر والمجند الرئيس لشباب المسلمين الكينيين في صفوف النشاط المسلح (الجهاد) في الصومال”.

 

وأضاف البيان: “إنه يقدم دعما ماديا للجماعات المتطرفة في كينيا (وفي أماكن أخرى في شرق أفريقيا)، من خلال رحلاته المتكررة إلى معاقل حركة الشباب في الصومال ، بما في ذلك كيسمايو ، وتمكن من الحفاظ على روابط قوية مع قيادات من حركة الشباب”.

 

وقالت الصحيفة: لقد استجاب لدعوتهم المئات من الشباب المحرومين في مومباسا، وكان سهلا تحريضهم على النفير بعد استمرار التحريض في المنازل والخطب كل يوم جمعة، لينفرو إلى الصومال للقتال مع إخوانهم من أجل حفظ دينهم.

 

بروز شخصية إيمان علي

لم يقتصر تأثير دعوتهم على داخل مومباسا فقط بل انتشرت رسائلهم خلال سفرهما في جميع أنحاء البلاد، حيث كانا يلقيان المحاضرات ، والتي تجاوب مع إحداها، إيمان علي، أحد خريجي الهندسة من جامعة جومو كينياتا للعلوم والتكنولوجيا .

 

وفي يناير / كانون الثاني 2007 ، قاد إيمان علي جمهورًا غاضبًا من الشباب المسلمين من بومواني إلى المسجد ، وقاطع اجتماع لجنة المسجد ، وبعد ذلك طرد خمسة من أعضائها ، معظمهم من كبار السن ، الذين اتهمتهم حركة الشباب بالفساد بعد بضعة أشهر ، أصبح إيمان علي “سكرتير” اللجنة.

 

في غضون سنوات قليلة ، أصبح الشاب الطموح رقما صعبا في البلاد. وأصبح رفقة روجو ومكابوري، أحد القيادات الكبرى التي تتولى تجنيد المسلمين في صفوف حركة الشباب المجاهدين بحسب الصحيفة الكينية.

 

وأضافت الصحيفة بأن إيمان علي هو العقل المدبر لعمليات التجنيد التي تسمح للرجال بالوصول إلى حركة الشباب المجاهدين، وهو من كان ينشأ الخلايا، من مركز الشباب المسلم، المنظمة الشعبية التي تعتبر امتدادا لمركز الهجرة الموالي لحركة الشباب المجاهدين.

 

واعتبرت الصحيفة موت كل من روجو وماكبوري في عامي 2012 و 2014 الدافع الأول لإيمان علي للهجرة  إلى الصومال. حيث تعتقد السلطات أنه اتخذ الأخيرة مركزا لإدارة وتنظيم هجمات حركة الشباب في الأراضي الكينية.

 

الدعوة الجهادية لا تزال رغم مقتل شيوخها

ومن خلال عرض الصحيفة لتاريخ الدعوة الجهادية ومشايخها في كينيا، سلطت الضوء على حقيقة أن هذه الدعوة لم تنتهي بقتل عبود روجو ولا الشيوخ المؤثرين في الساحة الإسلامية الكينية، وأن نفير إيمان علي للصومال، بعد مقتل هؤلاء المشايخ، قد فاقم الأزمات في كينيا بشكل أكبر لم يسبق أن عرفته البلاد، وأن الشجرة التي زرعها السلف وتجذرت في الأرض، قد تفرعت أغصانها في السماء بخلف لا يقل إصرارا وتمسكا بالدعوة الجهادية في كينيا عن سلفه.