سفير الصومال السابق لدى واشنطن: حركة الشباب تتفوق على الحكومة الصومالية في كل المجالات تقريبًا وكينيا وإثيوبيا أحد أسباب الهزيمة أمام الحركة

تقرير خاصة لوكالة شهادة الإخبارية

في مقالة جديدة لسفير الصومال السابق لدى واشنطن ” أبو بكر أرمان” ، عرض فيها الأسباب وراء صعود حركة الشباب المجاهدين في الصومال وقدم فيها تفسيرًا لتوالي الهزائم على الحكومات الصومالية المتعاقبة رغم دعم المجتمع الدولي لها.

 

وخلص السفير السابق إلى أن هناك أمورًا أخرى يجب النظر إليها حين نتناول الحديث عن الصراع الدائر في بلد القرن الإفريقي وهي الجغرافيا السياسية والجشع وعدم الكفاءة وحقيقة الهزيمة أمام ما يُسمى الإرهاب سواء على الصعيد العالمي أو الإقليمي.

 

الرؤية من زاوية ضيقة

ونبّه أبو بكر أرمان إلى أن الغالبية حين يتعلق  الأمر بفهم أسباب ما يُسمى الإرهاب وآثاره، قد أسلموا ردودهم وقدرتهم على التفكير لسلطاتهم التي يحترمونها، والتي  غالبا ما تحصر تصوراتهم في زاوية واحدة، هي “التطرف الديني”.

 

وقال أبو بكر في مقالته: “إننا نعيش في عالم أصبحت فيه أهم جوانب حياتنا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ومتشابكة بشكل عميق”. وانتقد سياسة اعتماد الرواية الرسمية للسلطات دائمًا، سواء في الغرب أو في الشرق الأوسط أو في إفريقيا، حيث ترفض أي نقد أو إعلام مختلف في الطرح وطريقة التفكير.

 

وأوضح السفير السابق بأن هذا الأسلوب في التعاطي مع الواقع والالتزام بالرواية الواحدة التي تسردها السلطات كان سببًا في الصعود الجهادي اليوم، أكثر مما كان في أوج الحرب العالمية المعلنة عليه. خاصة أن هذه الحرب ضمّت لصفها الحكام الفاسدين حول العالم.

 

الحكومة الصومالية حكومة وهمية

وانتقد أبو بكر أرمان ما وصفه بالنهج غير الاستراتيجي في قتال حركة  الشباب المجاهدين. متوقعًا بأنه تتوالى الهزائم قبل أن يُحقق أي تحسن مع هذا النهج المعتمد في الحرب ضد الحركة.

 

وتحت عنوان جانبي “الحكومة الصومالية حكومة وهمية” سلط أبو بكر أرمان الضوء على أن أغلب جوانب الأمن في البلاد لا يمكن أن تتم بدون الاستعانة بمصادر خارجية لجهات فاعلة مع مصالح متضاربة ومتجذرة بعمق.

 

وعلى الرغم من اختلاف أهدافهم وسياساتهم إلا أن أيًّا من هذه الأطراف الدولية لا تخضع للمساءلة أمام الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب. والتي تفتقد بشكل كامل للتماسك الاستراتيجي والقيادة والسيطرة المركزية.

 

وضرب أبو بكر مثالا على ذلك، حيث قال:  “تمتلك قوات الدفاع الكينية موطأ قدم لها في جوبالاند ، ولدى الحكومة الكينية أيضا نفوذًا في تلك الولاية يفوق نفوذ الحكومة الصومالية فيها”. كما لم تخفي نيروبي أن السيطرة على ميناء كيسمايو في المنطقة كان هدفًا معلنًا عند غزوها للصومال في أكتوبر / تشرين الأول 2011.

 

وكذلك إثيوبيا تمسك بقبضة من حديد على مناطق باي وباكول في إدارة جنوب غرب البلاد. في حين أن كل من كينيا وإثيوبيا يمثلان – كما هو معلوم-  طرفًا من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) ، ومع ذلك يعمل كلاهما بشكل استراتيجي مستقل عن مهمة البعثة التي أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وموّلها المجتمع الدولي بحسب ما يقول السفير السابق.

 

وأوضح أبو بكر بأن القوات الكينية والإثيوبية والأوغندية التي هي تحت مظلة بعثة الإتحاد الإفريقي هي في الواقع تتبع أوامر حكومتها بشكل رئيس في نيروبي وأديس أبابا وكمبالا على التوالي.

 

استراتيجية مضطربة وفاشلة

وأكد أبو بكر بأن الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب قد فشلت مثل سابقاتها في إخضاع حركة الشباب أو تحسين مستوى الأمن بشكل كبير أو تنفيذ إستراتيجية قوية لتأكيد قدرتها على السيطرة في البلاد.

 

ففي منتصف عام 2017، نظمت الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب حملة لنزع السلاح في العاصمة مقديشو، ثبت في الأخير أنها تسببت في مزيد تأزيم للوضع، حين تبين أنها جاءت بصفتها العشائرية لتغذي القبلية في البلاد. واشتعلت بسبب فقدانها للحكمة، التوترات بين القبائل الصومالية مما زاد الطين بلة.

 

ثم ما لبثت أن انقشع الغبار الذي أثارته هذه القضية حتى توجهت الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب لاستراتيجية مثيرة للجدل تقضي بإقناع كبار أعضاء حركة الشباب بالانضمام للحكومة.

 

وهي التي أدت لتعيين زكريا أحمد حرسي، المنشق عن الحركة، والذي يعتقد بحسب السفير السابق، أنه وراء الهجوم على جامعة جاريسا الدامي في كينيا-  لتعيينه في منصب أحد كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات والأمن الصومالية (نيسا).

 

وسلط أبو بكر الضوء لكشف اضطراب الاستراتيجية الحكومية في الصومال، على ما أعقب انشقاق مختار روبو (الملقب بأبي منصور) والذي التحق في أغسطس / آب 2017  بالحكومة الصومالية،  بعد أن كان سابقًا المتحدث الرسمي لحركة الشباب المجاهدين قبل أن يتم عزله في 2007 من قبل قيادة الحركة،  واشتُهر بوصفه إرهابيًا على شاشات الإعلام بحسب وصف أبو بكر،  ليشرع روبو في النشاط في مشاريع تمولها الحكومة.

 

وخلال تلك الفترة يقول أبو بكر، اجتمع روبو مع عدد من شيوخ القبائل والدبلوماسيين الدوليين ، بما في ذلك السفير البريطاني ، ومختلف المسؤولين الحكوميين وأعضاء البرلمان.

 

وانتقد أبو بكر موقف الحكومة الصومالية والمجتمع الدولي المرحب بإقبال روبو والذي كانوا  ينظرون إليه في بداية الأمر كنموذج لهزيمة ما يُسمى التطرف. وظهر  معه كم هم متلهفين للسماح له بالمشاركة في انتخابات الإدارة في جنوب غرب البلاد. ولكن حين أوشك على الفوز، سُحب البساط فجأة من تحت قدميه. واعتقل في مدينة بيدوا، وقتل بعض المحتجين على هذا الأمر. وأعقب ذلك طرد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. فوصل الأمر لعواقب على مستوى محلي ودولي بحسب تعبير السفير السابق.

 

حركة الشباب تتفوق بنجاح

ومن المفارقات بحسب السفير السابق، أن حركة الشباب تتوفق إلى الآن بنجاح على الحكومة الصومالية تقريبًا في جميع النواحي، من حيث الحكم والإدارة وحفظ الأمن في المناطق التي تسيطر عليها، وتقديم الخدمات الإنسانية مثل توزيع الأنعام خلال الأعياد  والمساعدات وإقامة العدل. فالمحاكم الشرعية لدى الشباب فعالة جدًا وقراراتها حاسمة على عكس محاكم الحكومة الصومالية حيث يمكن أن تتغير الأحكام مرات عديدة بسبب الرشاوى والرشاوى المضادة.

 

وانتقد السفير السابق الأسلوب الذي اعتمدته الحكومة الصومالية لإسكات معارضيها من خلال اتخاذ تدابير قاسية ضدهم بعد اعتقال روبو.

 

وبهذا تصور نفسها على أنها أقل “ديمقراطية” من حركة الشباب بحسب مفهوم الديمقراطية لدى الشعوب.

 

ويرى أبو بكر أن هذا الفساد في الحكومة هو الذي جعلها لا تستطيع أن تسيطر على شبر واحد  جديد من الأراضي التي تقع تحت سيطرة حركة الشباب خلال العامين الماضيين.

 

كينيا وإثيوبيا أحد أسباب الهزيمة  

وتحت عنوان جانبي “حرب كينيا المفترضة على الإرهاب” قال أبو بكر إن كينيا ليست إلا المثال التالي للصومال، حين تصبح أرضها مسرحًا لبعض عمليات حركة الشباب المدهشة. كهجوم وستغيت في سبتمبر 2013 حيث قتل 67 شخصًا ، وهجوم جامعة غاريسا في أبريل 2015 الذي قتل فيه 147 وآخر هجوم في يناير 2019 الذي استهدف مجمع دوسيت في نيروبي حيث قتل أكثر من 20 شخصًا بحسب أبو بكر.

 

وأوضح أبو بكر بأن سياسات الهيمنة والمصالح الجيوسياسية المتغيرة باستمرار والتي غالبًا ما تتخفى خلف الحرب ضد ما يُسمى الإرهاب. تعكس مشهدا متقلبًا بسبب التصدعات السياسية أو ديناميكية الإرث الاستعماري. سواء بالنسبة لكيينا أو إثيوبيا أو الصومال أو بقية القرن الإفريقي.

 

ورغم خطورة الأمر، يقول أبو بكر، فإن كينيا وإثيوبيا عازمتان على تعزيز مصالحهما السياسية والاقتصادية والأمنية في الصومال مع إبقاء الأبواب الدبلوماسية مفتوحة والاعتماد على الحكومات الصومالية المتعاقبة التي تتميز بعدم الكفاءة والفساد، والتي لا تهتم بأهمية تلبية مطالب شعبها وحقوقه ثم تطالب باحترام سيادتها.

 

وتناول السفير السابق، تحركات إثيوبيا وكينيا التي تعكس أطماع البلدان في الصومال، مثل أطماع كينيا في الحدود البحرية للبلاد، لأجل ثروة النفط. والتي تعرض حاليا أمام  محكمة العدل الدولية.

 

كما أشار السفير السابق لقطع إدارة جوبالاند علاقتها في الأشهر الأخيرة ، مع الحكومة الصومالية في مقديشو، في إشارة إلى مدى تأثير التدخل الكيني في تعقيد مشهد الانقسام السياسي في البلاد.

 

وذهب السفير إلى أبعد من ذلك، وهو ما وصفه بتعامل كينيا وإثيوبيا مع حركة الشباب لأجل تحقيق مصالح اقتصادية لهما في البلاد بحسب قوله.

 

وتحت عنوان جانبي” الاستخبارات الإثيوبية والنتيجة العكسية” قال أبو بكر بأنه على عكس كينيا ، فإن عدم الاستقرار في إثيوبيا هو الأثر الجانبي للحكم السلطوي للنظام السابق ووحشية قوات الأمن التابعة له.

 

ويجدر الذكر أن القوات الإثيوبية المدعومة من الولايات المتحدة، هي التي قادت حربًا لإخراج اتحاد المحاكم الإسلامية من مقديشو في عام 2006، ثم في وقت لاحق أجبرت حركة الشباب القوات الإثيوبية على الخروج من الصومال. وسيطرت على مساحات كبيرة من وسط وجنوب البلاد ، بما في ذلك العاصمة إلى أن تدخلت الأمم المتحدة بإرسال قوات الإتحاد الإفريقي فتحولت الحركة لحرب عصابات شرسة.

 

واعتبر أبو بكر أن سياسة  “فرق تسد” التي انتهجتها إثيوبيا جاءت بنتائج عكسية وأدت إلى نمو الجماعات المسلحة التي لم تكن في السابق مسلحة.

 

كما لفت الانتباه لتقرير مؤسسة راند في عام 2007 ، والذي صدر بعد فترة وجيزة من الغزو الإثيوبي للصومال ، بعنوان ” بناء شبكات إسلامية معتدلة” . حيث عرضت راند ما اعتبره العديد من صانعي السياسة في الغرب إستراتيجية قابلة للتطبيق في مواجهة ما يسمى التطرف والإرهاب، وذلك بتسليح وتمكين وتعزيز صورة ” الصوفيين” الذين كانوا على استعداد للقتال ضد “الجهاديين السلفيين” وهذا ما دعم نمو الجماعة الصوفية في الصومال والتي لا يمكن الوثوق بها أيضا.

 

وذكر السفير السابق في مقالته هجمات عام 2002 ، التي كان منها الهجوم بصواريخ مضادة للطائرات على طائرة إسرائيلية في كينيا وهجوم على فندق (منتجع شاطئ الفردوس ، كيكامبالا) الذي يسكنه مواطنون إسرائيليون ، وأودى بحياة تسعة كينيين وثلاثة سياح إسرائيليين.

 

ليخلص السفير السابق إلى أنه بعد سبعة عشر عاما ، تستخدم اليوم حركة الشباب المواطنين الكينيين في هجوم “دوسيت دي 2” الحديث، للرد على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.

 

مستقبل الحرب على “الإرهاب”     

ويختم السفير مقالته بعرض رؤيته فيما يسمى مكافحة الإرهاب،  والتي بحسب رأيه، لن تحقق شيئا إذالم يغير المجتمع الدولي من استراتيجيته في التعامل مع هذه الحرب، حيث لا زال يواصل مبادرته الرامية إلى تحقيق الاستقرار في الولايات المتحدة على حساب إعادة بناء القوات العسكرية وقوات الأمن الصومالية القوية القادرة على مواجهة حركة الشباب في الصومال، ولن تتمكن هذه الحكومة المدعومة من الغرب من مواجهة الحركة مع استمرار كينيا وإثيوبيا وحلفاءهما في المناورة بعمق كبير في الشؤون السياسية الداخلية للبلاد، وممارسة نفوذهم على مختلف “القادة” الصوماليين من خلال تأجيج السياسات القبلية.

 

ويجدر الإشارة إلى أن مقالة السفير الصومالي السابق لدى الولايات المتحدة أثارت موجة من السخط لدى الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب فيما اعتبر إهانة للحكومة وانبهارًا بقوة حركة الشباب المجاهدين من مسؤول حكومي محسوب على الحكومة الصومالية والمجتمع الدولي.