حركة الشباب المجاهدين الأفضل حكما في الصومال منذ سقوط نظام سياد بري
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
نشرت صحيفة “ذي ناشينونال” مقالة لكاتبها “كولن فريمان” تناول فيها قوة حركة الشباب المجاهدين كتنظيم جهادي استطاع أن يقدم أفضل حكم في الصومال منذ سقوط نظام سياد بري، في حين فشلت الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب أن تحقق حكمًا منافسًا له بسبب الفساد المستشري والنزاعات التي لا تنتهي.
واعتبر الكاتب استهداف فندق فاخر في مدينة كسمايو جنوب البلاد، يجتمع فيه وزراء حكوميون وأمير حرب سابق ومرشح للانتخابات مع أعضاء فريقه دليلا آخر على أن حركة الشباب لا زالت تسيطر على المشهد الأمني داخل المدن التي لا تقع تحت سيطرتها المباشرة.
ولم يجمع الفندق بحسب المقالة هذه الشخصيات لكرم الضيافة فأغلب الفنادق في مقديشو العاصمة مثلا ليسوا بمستوى فندق “برج العرب” الإماراتي، لكن الحقيقة التي تدفع هؤلاء للمكوث في الفنادق، أنه وبعد قرابة 30 سنة أجبرت السيارات المفخخة والاغتيالات الموجهة الأشخاص رفيعي المستوى للتحرك كمجاهيل من أجل الحفاظ على حياتهم تحيطهم هالة من الحراسة المكثفة في بيوتهم ومكاتبهم بينما يعيش بعضهم نزلاء فندق لمدة سنوات طويلة خشية على حياتهم.
واستشهد المقال بهجوم حركة الشباب على فندق “عسعسي” في كسمايو، على أن الهجوم أثبت بأن إحساس الأمن قد يكون أحيانا خادعًا، فالهجوم الذي استمر لأكثر من 14 ساعة متواصلة، تم باقتحام انغماسيين وتفجير استشهادي، قتل وأصاب العشرات من بينهم عدة أجانب من الولايات المتحدة وكندا وكينيا وأوغندا وتنزانيا والصين إضافة إلى عدد من السياسيين والأعضاء الحكوميين كانوا متحصنين داخل الفندق.
وقد سبق وأن استهدفت مثل هذه الاجتماعات والأشخاص المهمين للحكومة في فنادق مقديشو مرات عديدة، رغم ادعاء الحكومة تحصين هذه الأماكن.
وقالت ماري هاربر محررة الشؤون الإفريقي في “بي بي سي” وزائرة للصومال بشكل منتظم بحسبما عرض المقال:”يستعمل الصوماليون الفنادق كبيوت أو مقرات للاجتماع منذ مدة طويلة وبعض الفنادق تبدو بحق كوزارات حكومية”. وأضافت: “ولكنه غالبا شعور خادع بالأمان، ذلك أن حركة الشباب تعرف بالضبط من في هذه الفنادق وتستهدفهم بشكل مستمر”.
وأغلب الفنادق الفاخرة في مقديشو تستهدف من قبل الحركة على الأقل مرتين أو ثلاث مرات مع أنها تعتبر مقرات حكومية آمنة بحسب ما أوضحت المقالة. وفي أغلب الأحيان تجد حركة الشباب الثغرات في دفاعات هذه المؤسسات عن طريق شبكتها المبهرة للاستخبارات، التي يعمل فيها جواسيس كباعة متجولين إلى حراس أمن في الشارع إلى عناصر بمستوى رفيع على مستوى دوائر الاستخبارات الحكومية في إشارة إلى اختراق الحركة لاستخبارات الحكومة.
وكما قالت هاربر في كتابها الجديد عن حركة الشباب المجاهدين بعنوان “كل ما أخبرتني به صحيح” فإن الحركة تعلم بدقة ما يفعله الصحفيون والسياسيون في كل يوم، وإلى أي فنادق تم إرسالهم وحتى ما تناولوه من طعام على الغداء. وفي بعض الأحيان يستعملون هذه المعلومات للتحذير وأخرى لتنفيذ الاغتيالات.
كل هذا يقدم جوابًا كئيبًا للسؤال الصريح الذي طرحه دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب في عام 2016، حين أرسل مساعدوه مذكرة لوزارة الخارجية تسأل: “إننا نقاتل حركة الشباب المجاهدين منذ عقد من الزمان، فلماذا لم ننتصر عليها بعد؟”.
وإن كان هذا أسلوب ترامب الشهير بنظرته المرتجلة للشؤون الخارجية إلا أنه في هذه المرة قد طرح سؤالا عادلا بحسب ما ذكرت المقالة.
فخلال الخمس سنوات الماضية، كانت الحكمة تقول أن حركة الشباب قد تلاشت سريعا في 2011، وأن قوات الإتحاد الإفريقي قد استولت على مقديشو بعد أن كانت تحت سيطرة الحركة، وأنه بعد عام أخرجت حركة الشباب من كسمايو المدينة ذات الميناء والتي تعتبر معقلا أساسيا لها، وأنها في الأخير كانت تخسر الأرض وشعبيتها.
إلا أن حركة الشباب ركزت حربها على شكل حرب عصابات إلى اليوم، وبقيت معها رايتها السوداء ترفرف على مناطق شاسعة في جنوب الصومال كما أوضحت المقالة، وتسمح لها إدارتها الذاتية لهذه المناطق بالاستغناء عن الدعم الخارجي أو الدولي. ولم يسبق لمجموعة جهادية رئيسية أخرى سواء كانت القاعدة أو طالبان أو تنظيم الدولة أن سيطرت على مساحة أرض كبيرة بشكل مستمر كهذا ولمدة طويلة دون انقطاع مثلما تفعل الحركة. وبحسب المقالة فقد أثبتت الحركة قوتها أيضا بتصديها لمحاولة تنظيم الدولة في الاستيلاء على سيطراتها، وانتهى الأمر بهذا التنظيم ألا يتعدى وجوده في الصومال عشرات الأتباع في الكهوف البعيدة في بونتلاند شرق الصومال.
ومثل حركة طالبان الأفغانية، توفر حركة الشباب الأمن الأساسي للاستقرار والذي جعل حكمها أفضل من حكم أمراء الحرب أو الحكومة الصومالية الفاسدة.
وتقدم حركة الشباب لعناصرها ميزات أفضل بكثير من تلك التي تقدمها الحكومة المدعومة من الغرب لميليشياتها كما ترحب الحركة بالمجندين من مختلف القبائل الصومالية بحسب ما ذكرت المقالة.
ولا تفرض الحركة الرشاوى في نقاط التفتيش التي تحت سيطرتها كما يجري في نقاط التفتيش التي تحت يد الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب. إضافة إلى ذلك، فإن نظام القضاء في حركة الشباب سريع وكفؤ على عكس قضاء الحكومة الصومالية العلماني الفاسد إلى درجة أن العديد من الصوماليين من سكان مقديشو يسافرون إلى مناطق سيطرة حركة الشباب لفض نزاعاتهم وعرض قضاياهم بحسب ما أوضح الكاتب.
وقالت هاربر التي تعتقد أن حركة الشباب قوية لدرجة لا تهزم: “أن الحركة خلقت شكلا من أشكال الحكم الأكثر فعالية في الصومال منذ سقوط حكم سياد بري”.
وكما يجري مع أفغانستان المماثلة أوضح الكاتب أن واشنطن رفعت من شدة حربها بالطائرات بدون طيار تحت إدارة باراك أوباما، وكذلك شددها دونالد ترامب بشكل أكبر وذلك بخفض القيود الصارمة عند إجراء الضربات الجوية. ومع ذلك ومثل أفغانستان ورغم استهداف قيادات الجماعة العليا لم تتوقف عملية التجنيد داخل الحركة وأحيانا يكون هدف المجندين الانتقام لاستهداف المدنيين من قبل الطائرات بدون طيار.
وقال نور الدين ديري، مستشار سابق في بعثة الأمم المتحدة في الصومال: “يسد المجندون الجدد الصفوف الخلفية ولكنهم يصبحون على ما يبدو قادرين على ملأ فجوات القيادة”.
وعن سؤال كيف يمكن هزيمة حركة الشباب؟ قال ديري: “أعتقد أن الحل الوحيد الطويل المدى هو التفاوض مع حركة الشباب المجاهدين”.
ومع ذلك فإن محادثات سلام صغيرة مع الحركة لم تؤدي إلى وقف إطلاق النار في شهر رمضان بحسبما ذكرت المقالة. بينما في الجماعة عناصر مخلصة لمهمة الجهاد العالمي والذين يستحيل لديهم قبول إلقاء أسلحتهم. وهؤلاء المخلصون نشيطون أيضا بين المغتربين الصوماليين الذين يمثلون شريحة كبيرة في كينيا المجاورة حيث تم تنفيذ هجوم غاريسا وهجوم ويست غيت الشهير في نيروبي في عام 2013.
ولم يكن الصعود الإسلامي مشكلة الصومال السياسية الوحيدة بحسب المقالة، فالحكومة الصومالية المدعومة من الغرب تعاني الخلافات بين قياداتها في مقديشو والمدن الأخرى مثل كسمايو التي تبحث عن حكم ذاتي منفصل. في حين يعتقد الكثيرون أن الإدارة الأكثر تنوعا هي الأفضل لتجاوز عقبة الاقتتال القبلي الذي مزّق الصومال إربا إربا في الماضي. أما الحكومة الحالية فتحاول أن تأخذ دور المركز مرة أخرى ولكن قال ديري: “هذه التوترات تسببت في عدم الاستقرار السياسي الذي ساعد حركة الشباب المجاهدين”.
وبعد عقد من الزمان بقيت خلاله حركة الشباب المجاهدين قوية صامدة أمام خطط مكافحة التمرد الدولية يمكن للحركة أن تعيش لعقود أخرى أطول بحسب ما خلص الكاتب، ولكن في الأثناء فإن نزلاء الفنادق الصوماليون الذين يقيمون فيها لمدة طويلة يبدو أنهم لن يسجلوا خروجًا قريبًا للعودة إلى منازلهم.