جديد السحاب للرد على مركز تكوين المحارب للإسلام: الصَّارِمُ الرَّصِيْن عَلَى مَلَاحِدَةِ (تَكْوِين)

نشرت السحاب، الجناح الإعلامي لقاعدة الجهاد، مقالا مطولا بعنوان “الصَّارِمُ الرَّصِيْن عَلَى مَلَاحِدَةِ (تَكْوِين) ( المدخل الصحيح للتعامل مع زنادقة الإعلام المعاصر)” للكاتب أواب بن حسن الحسني.

وجاء في هذا الطرح الذي يرد على إعلان مركز تكوين بقيادة إبراهيم عيسى الشهير بكونه راعي الإلحـاد في العالم الإسلامي:

والصلاة والسلام على سيد المرسلين، المبعوث بالصارم المسلول رحمةً للعالمين، وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأبرار، والتابعين الأخيار، ومن سار على نهجهم، وجاهد بجهادهم، واستن بسنتهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..

فليس عجبًا أن يُعلن زَنَادِقَةِ هذا العَصْر من بِلادِ مِصْر، عن تدشين مركزٍ لئيمٍ أسموه بـ (مؤسسة تكوين الفكر العربي) في سياق الحرب الصهيوصليبية المستمرة على الإسلام والمسلمين، وفي زمن معاركهم الخاسئة مع القرآن وسنة سيد المرسلين، ولا غَرْوَ أيضًا أن تتكفَّل دويلة صهاينة العرب (الإمارات)، حاملة لواء الرِّدَّةِ الأولى بتمويل هذا الإدِّ المستطير، فهي التي ما فتئت تجترئ على دماء أهل الإسلام في اليمن وليبيا والصومال، وعلى أعراض أهل الإيمان في السودان، وعلى عقائد الإسلام في جزيرة العرب ومصر وغيرها من بلدان المسلمين، دون أن يكون في ملياري مسلم إلا قليل نادر ممن يذود عن الدم والعرض، ويدافع عن الجسد والمعتقد..

لقد جاء هذا التدشين الخؤون في سياق مرحلةٍ من أصعب مراحل الصراع المعاصر بين الإسلام والكفر، فباغتوا الأمة الإسلامية وخاتلوها في وقتٍ تدور فيه أعظم معاركها في هذا العصر مع الصهيوصليبية العالمية، فكان هذا التدشين ضَرْبًا من أجلى أَضْرُبِ البُروز للقتال والتَّقَدُّم للنِّزَال، ومن أوضح صنوف الظهور من الصف طلبًا للمبارزة والحرب، والناظر في رؤية وأهداف هذا المركز وتاريخ زنادقته، سيدرك لا محالة أنها مؤسسةٌ تهدف لإنتاج وتوليد أقصى قدرٍ مُمْكِنٍ من أتباع مُسَيْلَمَة الكذاب لمواجهة الإسلام الصاعد بعد السابع من أكتوبر، فلقد حصرت صدورهم فصرحوا بذلك في لقاءات إعلامية عديدة، وكان من آخر تصريحاتهم ما قاله زنديق دمشق (فراس السواح) في لقائه مع قناة (سكاي نيوز) الصهيونية، حيث قال بكل صراحةٍ وصفاقةٍ ووقاحة: (نحن نريد بتدشيننا لمؤسسة تكوين أن نستهدف الإسلام الذي جاءنا من القرون الأولى)، فهل في أهل الإسلام اليوم من مبارز ومناجز؟

إنَّ مما يَسُرُّ القلبَ ويُبْهِجُهُ أن نرى هذه الوثبة الاستنكارية من عموم أهل العلم والدعوة في شتى بلاد الإسلام، حيث نددوا واستنكروا هذا الإعلان الفج من زنادقة مركز (تكوين المرتدين) في ظل الحرب المسعورة على أهلنا بفلسطين، ووصموهم ووصفوهم بما هم أهلٌ له على مقتضى الحقيقة الظاهرة، وهذا بلا شك مَوْطِئٌ مُبَارَكٌ ومَشْكُورٌ في الذبِّ عن الإسلام ورموزه العظام، غيرَ أنه قاصرٌ على جوانب مُصَاوَلَةِ الفكر بالفكر، ورد الشبهات، ودحض التُّرَّهَات لتحصين الفكر الإسلامي، وهو وإن كان مطلوبًا ومفروضًا في الدين، ومعدودًا من جهاد البيان والتبيين الثمين، إلا أنه يعتريه القصور المنهجي في التعامل، ويفتقر إلى الشمولية الإسلامية في المعالجة، فإنه غيرُ شاملٍ لجميع ما جاءت الشريعة المطهرة بطلبه طلبا جازما لِحِسْمِ هذا الداء من أصله دَرْءًا واستِئصَالًا، ولست هنا في مقام التقدم بين يدي شيوخي الأفاضل من أهل العلم والدعوة والغيرة على الإسلام، الناهضين لدفع صيال الزنادقة الحاقدين في مركز تكوين المهين، ولكنني أحببت أن ألفت أَنظَارَ الغَيَارَى منهم إلى أمرٍ قَلَّمَا يُحَثُّ ويُحرَّض عليه، وقليلًا ما يُشَجَّعُ ويُصَارُ إليه مما جاءت نصوص الوحي وأخباره بطلب إنفاذه على الفورية لا على وجه التراخي، وهو وجوب إعمال السيف الرصين لتحصين الفكر الإسلامي ودرء هذه الردة الطموح الجموح قبل استفحال أمرها، فإن الشريعة الإسلامية والسنة النبوية قد جاءتا بطلب جهادهم بالسنان كما جاءتا بطلب جهادهم باللسان وبالبيان، لأن جهادهم بالسنان وبالبيان يعود إلى كلية الدين العظمى، وهي كلية حفظ الدين وضرورة حفظ العقل، والعمل بهذين السلاحين أحسم لداء شيوع الإلحاد والإباحية من شأفته، لأنه أخذٌ وتحصُّنٌ بأسلحة السماء التي جاء الترغيب إليها في قوله تعالى:

أما الاقتصار على محاورتهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن بحجة أن الفكرَ لا يُدَافَعُ إلا بالفكر، وتجريم محاورتهم بالاغتيالات، فهذا من أرذل صنوف رَدِّ السنة الشريفة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولو تدبر هؤلاء حقيقة مركز (تكوين) وأشباهه من مؤسسات وقنوات إشاعة الردة والإلحاد والإباحية، لعلموا أن أمتنا الإسلامية لا تُوَاجِهُ فِكْرًا ثَقَافِيًّا، وإنما تواجه قصفًا عسكريًا عنيفًا في معركة كُفْريةٍ لا فِكْرية، وضراوة قصفها لا تقل عن ضرواة القصف الصهيوأمريكي لأهلنا بغزة العزة، فالفَزَعُ إلى اللسان والقلم والانشغال بهما مع تجريم وتوهين أو تهوين إعمال السيف في هذه المعركة لا يصير إليه إلا من سَفِهَ نفسه، وخان أمانته ورعيته، ولعل مما يُلْهِمُ الغيارى ويبث الحماسة فيهم، ويربط على أفئدتهم؛ تذكيرُهم بِنُبَذٍ موجزةٍ لا تخفى على كريم علمهم مما هو مزبورٌ في نصوص الكتاب والسُنَّة ومغازي طَلَبَةِ الجَنَّة، في إعمال السِّنَانِ مع البَيَانِ لدرء داء الكُفْرَان، عَلَّ الله تعالى أن يفتحَ به قلوبا غُلْفَا، ويُثَقِّفَ به عُقُولًا غَلَقَا، فتتقوى النفوس بنصوص الشرع لتعزيز القلم البَسُول، واللسان العَقُول، بالصارم المسلول، لإعماله في نحر كل مُلحدٍ مخذول، والغبي البليد من تنطلي عليه أضحوكة السُّذَّجِ المساكين؛ مِنْ أَنَّ (الفكر لا يواجه إلا بالفكر)، وأن أمثال الزَّنِيم الحقير (إبراهام عيسى) وَجَوْقَتِهِ المحاربةٍ لله ورسوله، ما هم إلا إخوةٌ محترمون، ومُواطِنونَ مُنافقونَ، فلا يُجَادَلُونَ ولا يُـجاهَدُونَ إلا بالتي هي أحسن، وبجهاد اللسان والقول الغليظ فحسب، والحق الظاهر لكلِ ذِي لُبٍّ صحيح، ولكل ذي رأيٍ أصيلٍ رَجِيح؛ أن هذا الصنف اللعين من لُقَطَاءِ العرب ما هم إلا زنادقةٌ مجاهرون لا متسترون، وملاحدةٌ مرتدون لا منافقون، وهم مِنْ أظهرِ مَنْ شَرَحُوا بالكفر صدرا، وقد عرفتهم الأمة محاربين للإسلام في وسائل الإعلام، وبصريح القول لا لَحْنِه، وأعلنوها مِرارًا وتَكرارًا أنهم ملاحدةٌ إباحيونَ محاربونَ لكل ما له صلة بالإسلام، وأنهم ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فأمثال هؤلاء الزنادقة الملاحدة وأتباعهم من حيارى (اللَّاأَدْرِيَّة)، يصدق فيهم قول الحق -جل جلاله- :

إن رسولنا الأمين – عليه الصلاة والسلام – قد واجه الفكر بالسنان واللسان معًا، وَقَتَلَ في سبيل الله نساءً ورجالًا وشيوخًا وإماءً من (المدنيين) غير المسلحين، والسنة والسيرة على ذلك بشهيد، ولأجل ذا سُمِّيَ الحبيب بالضحوك القتَّال، فليعلم المسلم أن دين الإسلام يدعوه دعوة صريحةً فصيحةً إلى القتل والقتال وإراقة الدم المهدور، ولتَعْذُرْنِي عمائم الدَّجَنِ ممن أُشربوا في قلوبهم فلسفة (غاندي) و(مذهب ابن آدم الأول)، وأستسمحهم عُذْرًا في أن أقول بكل صراحة ووضوح، وبلا جَمْجَمَةٍ ولا هَمْهَمَة: إن الجهاد في الإسلام ما هو إلا القتل والقتال وإراقة الدماء بطلب الشارع، وما المجاهد إلا قَتَّال بأمر الشرع، شاء من شاء، وأبى من أبى، وكتاب الله حَكَمٌ بيننا، وما التصفيق العنيف لمذهب (العنف والتعنيف) الذي صرتم إليها بعد السابع من أكتوبر، ولا التشجيع على سفك دماء (المدنيين) الذين صيرتموهم (محاربين) في (غلاف غزة) بأيدي مجاهدي غزة وأبطالها؛ إلا عودة طبيعية لصبغة الله وشرعه، واحتكام رشيد إلى العقل والفطرة، وانهزام سحيق لداعي الهوى في النفوس، وثورة محمودة على مسلك (تَبْوِيْطِ) مسائل الجهاد، و(تَقْرِيضِ) نوازله، و(قَرْدَغَةِ) فقهه، و(تَبْوِييهِ) مقاصده الذي شاع وذاع مع طليعة هذا القرن الحزين، ولهذا فالمؤمن الحر الأبي لا يستنكف من استعمال الله له في وظيفة القتل لمستحق القتل، فهو قتَّالٌ يرفع بإراقة الدم المهدور رأسًا ولا حرج، لأنه يوقن بأن سفك الدم محبوب لله ومرغوب، متى ما طلب الشارع منه طلبًا جازما سفك الدم المهدور، (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ).

نعم .. لقد قالها زنديق دمشق (فراس السواح) بعظمة لسانه: (نحن نريد بتدشيننا لمؤسسة تكوين أن نستهدف الإسلام الذي جاءنا من القرون الأولى)، فهل واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكر أمثال هؤلاء الإعلاميين بالفكر فقط كما تقول عمائم السوء؟

النَّاظرُ في صِحَاحِ السُّنَنِ والسِّيَرِ يجد أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – قد عالج أمثال هؤلاء الإعلاميين الزنادقة بالسيف، فمن ذلك ما رواه أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مُشْكِلِ الآثارِ، بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأتَيْنِ، وَقَالَ: “اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ”: عِكْرِمَةُ بنُ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ خَطَلٍ، وَمِقْيسُ بنُ صُبَابةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي السَّرْحِ”[1].

وبعض هؤلاء كانوا قد نطقوا بالشهادتين ودخلوا في دين الإسلام، لكنهم ارتدوا وجمعوا مع ردتهم محاربة الإسلام ورسول الأنام – عليه الصلاة والسلام -، فأهدر الرسول دماءهم، بل أمر بقتل هؤلاء (المدنيين) وإن دخلوا المسجد الحرام وتعلقوا بأستار الكعبة، وقد روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَقَالَ “اقْتُلُوهُ[2].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : (… ولم يقتل بمجرد الردة، لأن المرتد يستتاب، وإذا استُنْظِرَ أُنْظِرَ، وهذا ابن خطل قد فر إلى البيت، عائذًا به، طالبًا للأمان، تاركاً للقتال، ملقيًا للسلاح، حتى نظر في أمره، وقد أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد علمه بذلك كله أن يقتل، وليس هذا سنة من يُقْتَل من مجرد الردة، فثبت أن هذا التغليظ في قتله إنما كان لأجل السَّب والهِجَاء، وأن السابَّ وإن ارتد فليس بمنزلة المرتد المحض يقتل قبل الاستتابة، ولا يؤخر قتله، وذلك دليل على جواز قتله بعد التوبة)[3].

وروى أبو داود والنسائي في سننهما بسند صحيح عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن أعمى كانت له أمُّ ولدٍ تَشْتِم رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – وتقع فيه، فَيَنْهَاها فلا تنتهي، ويزجرُها فلا تَنْزجر، فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبيِّ – صلى الله عليه وسلم-، فأخذ المِغْوَل فوضعه في بطنها، واتَّكأ عليها فقتلها، وَوَقع بين رجليها طفل، فلَطَّخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذُكِر ذلك لرسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فجمع الناس، فقال: “أنْشُدُ الله رجلًا فعلَ ما فعلَ لِي عليه حقٌ إلا قام“، فقام الأَعمى يتخطَّى الناس، وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها، كانت تَشْتِمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرُها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحةَ جعلت تشتِمك وتقع فيك، فأخذتُ المِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ في بطنها، فاتكأْتُ عليها حتى قتلتُها، فقال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – : “أَلا اشهدوا أن دَمَها هَدَر[4].

وفي هذا الخبر الصحيح – وما سيأتي من قصة اغتيال العصماء بنت مروان – دليلٌ صحيحٌ على ما ذهب إليه جماعة من أهل العلم من جواز اغتيال شاتم الإسلام، ورموزه العظام، بلا استئذان الإمام، فلا ريب من باب أولى في جواز الاستقلال باغتيال أمثالهم في ظل أنظمة الطغيان المعاصرة، وقد ذكر أئمة اللغة أنَّ المِغْوَل سيفٌ قصير يُـخفيه صاحبُه تحت لباسه ليستخدمه في الاغتيال، فلهذا سُمِّيَ مِغْوَلُ الغِيلَة مِغْوَلًا.

وكذلك اشتُهِرَ واستُفِيضَ عند أهل المغازي والسير والتواريخ والتفاسير كابن إسحاق، والواقدي، وابن سعد، والبلاذري وغيرهم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد أمر بقتل امرأتين من جواري ابن خطل كانتا تغنيان بهجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقُتِلا معه[5].

وذكروا أيضا عنه – عليه الصلاة والسلام – تأييده لسرايا ومفارز الاغتيالات، والآساد والذئاب المنفردة التي نَفَّذَها الصحابة – رضوان الله عليهم – باستهداف الرجال والشيوخ والنساء الطاعنات في الإسلام وأهله، ومن ذلك تأييده لعملية الصحابي المنفرد الضرير عُمَير بن عَدِيٍّ الخَطْميّ – رضي الله عنه – حينما ذهب في جوفِ الليل – وكان أعمى البصر – حتى دخل على بيت امرأة من الأنصار اسمها (العصماء بنت مروان) كانت تعيب المسلمين وتقول الشعر في هجاء الإسلام، فوجدها وحولَها نفرٌ من أولادِها نيام، وواحد منهم تُرضِعُه في صدرها، فجَسَّها بيده، فوجد الصبيَّ تُرضِعُه، فنحَّاه عنها، ثم وضع سيفه على صَدرِها حتى أنفذه مِن ظَهرِها، ثم خرج حتى صلَّى الصبحَ مع النبي – صلى الله عليه وسلم -، فلما انصرف النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – نظر إلى عمير فقال: “أقتلتَ بنت مروان؟” قال: نعم، بأبي أنت يا رسول الله، وخَشِي عُمير أن يكونَ افتأتَ على رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – بقتلها، فقال: هل عَلَيَّ في ذلك شيءٌ يا رسول الله؟ قال: “لا يَنْتَطِحُ فيْهَا عَنْزَانِ“، قال عمير: فاَلتفتَ النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى مَنْ حوله فقال: “إذَا أحْبَبْتُم أَنْ تَنْظُرُوا إلى رَجُلٍ نَصَرَ اللهَ وَرَسُولَهُ بِالغَيْبِ، فَانْظُرُوا إلَى عُمَيْر بنِ عَدِيٍّ“، فقال عمرُ بن الخطاب – رضي الله عنه – : (انظروا إلى هذا الأَعمى الذي تشدَّدَ في طاعةِ الله)، فقال: “لا تَقُل الأعمى، ولكنه البصير[6]، فلما رجع عميرٌ من عندِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وجد بنيها في جماعةٍ يدفنونها، فأقبلوا إليه حين رأوه مقبلاً من المدينة، فقالوا: يا عميرُ، أأنت قتلتَها؟ فقال: (نعم، فكيدوني جميعًا ثم لا تُنْظِرُون، فوالذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت، لَضربتُكم بسيفي هذا حتى أموتَ أو أقتلَكم)، فيومئذٍ ظهر الإسلامُ في بني خَطْمة، وكان منهم رِجالٌ يَسْتَخْفُون بالإسلام خوفًا من قومهم.

وروى الإمام الطبراني في معجمه الكبير تأييدَهُ – عليه الصلاة والسلام – لعملية الصحابي المنفرد عمير بن أمية – رضي الله عنه – الذي كانت له أخت تشتم النبي – صلى الله عليه وسلم – فقتلها تَطَوُّعًا منه دون أن يندبه إلى ذلك رسولنا – صلى الله عليه وسلم -.

وروى الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه بسند صحيح، وبوب عليه بقوله: (باب في قتل النساء) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها وفيه قَالَتْ: لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ – تَعْنِى بَنِى قُرَيْظَةَ – إِلاَّ امْرَأَةً إِنَّهَا لَعِنْدِي تُحَدِّثُ تَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا وَرَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقْتُلُ رِجَالَهُمْ بِالسُّيُوفِ، إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا أَيْنَ فُلاَنَةُ؟، قَالَتْ: أَنَا، قُلْتُ: وَمَا شَأْنُكِ؟، قَالَتْ: حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ، قَالَتْ: فَانْطَلَقَ بِهَا فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا، فَمَا أَنْسَى عَجَبًا مِنْهَا أَنَّهَا تَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا وَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تُقْتَلُ.[7]

ونصيحتي لفتية الإيمان في كل مكان وزمان، أن يُدِيمُوا التدبر والنظر فيما رواه أهل المغازي والبعوث والسِّيَر، من أخبار العمليات الفدائية، والاغتيالات النبوية، والبعوث المحمدية، وسرايا مغاوير الأوس والخزرج من أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم -، لا سيما ما ذكره الواقدي من أخبار مُمْتِعَةٍ ومُلْهِمَةٍ ورائعة في كتابيه (المغازي) و(الردة)، كقصة عملية اغتيال ابن الأشرف، وأبي عفك، وابن سفيان الهذلي، وابن أبي الحقيق، واليَسير بن رِزَام، والأسود العنسي وغيرهم من مرتدي ذلك الزمان الذي هو أشرف القرون والأزمان.

فمجموع هذه الأحاديث المتواترة، والأخبار والروايات المتظافرة، هي الأصلُ الأصيلُ الدَّالُ على جواز قتل واغتيال الإعلاميات والإعلاميين اللئام، العائبين للإسلام ورموزه الكرام وشَرَائِعِهِ العِظام، لا سيما أمثال المرتدة التونسية الإباحية (ألفة يوسف) وأشباهها من أعضاء ورموز مركز تكوين، فقتلها واجب بالإجماع، لا تَنْتَطِحُ فيها عنزان، ولا يختلف في مشروعيته فقيه من فقهاء الإسلام، لأنها تصرِّحُ بجواز الشذوذ والإباحية الجنسية، وتستدل على ذلك بزعمها الأثيم من القرآن الكريم، كما في كتبها العَفِنَةِ النَّتِنَة.

إن المؤمن الغيور لا ينبغي له أن يتردد طرفة عين في استهداف زنادقة (مؤسسة تكوين) لأنهم من أدوات توليد المرتدين، والحرب على الدين، فهم قد جهروا بأنهم يبتغون إطفاء نور الله بأفواههم وبأيديهم وبكل ما استطاعوا إليه سبيلا، فحربهم على الإسلام حربٌ سافرة، وردتهم ردةٌ صريحةٌ وظاهرة، وزندقتهم زندقةٌ جموح، وخطرهم خطرٌ مُحْدِقٌ وطَمُوح، وتحالفهم مع الصهيونية العالمية لمحاربة الإسلام، وتبديل شرائعه وشعائره، وتزييف عقيدته وتاريخه، تحالفٌ أوضحُ من الشمس في رَأْدِ الضُّحَى ورابعةِ النَّهار، ومقصدهم إبادة عقائد الإسلام في ذات الوقت الذي يباد فيه أهله بفلسطين، فمن لم يستشعر هذا السياق المرحلي والزماني والمكاني وخطورته على المستقبل الحضاري للأمة الإسلامية، فهو من أبلد بني آدم في استبانة سبيل المجرمين، لا سِيَّما وأن الجُنَاةَ القائمين بتمويل هذا المشروع الإلحادي الإباحي، هم أجْرَمُ دولِ الرِّدَّةِ المعاصرة وأجرئها على دماء وأعراض وعقائد المسلمين، وأن الرُّعاةَ (المصريين) الراعين لهذا المشروع الصهيوني الأثيم، هم من لا يرقبون اليوم في جيرانهم من أهل غزة إلًّا ولا ذِمَّة، فَعِوَضًا مِنْ أَنْ يستهدفوا صهاينة إسرائيل بفضح جرائمهم المستمرة، وبيان أجلى معالم الإجرام الصهيوني في تاريخ الإنسانية قاطبة، عبر الإبادة الجماعية المستمرة حتى يومنا هذا ضد جيرانهم من أهل غزة العزة، قاموا وانتهضوا مستوفزين ليفترسوا عقائد أهل الإسلام، بعد أن أمعن أسيادهم الصهاينة في سفك دماء المسلمين، والتجاوز على أعراضهم، واحتلال أرضهم، فأي دليل أوضح من هذا البرهان الساطع والدليل اللامع على خيانة وكُفْرِ هؤلاء الزنادقة؟!

وإن من القصور البيِّنِ خطله الظَّنُّ بأن خُطَبَ الجمعة، وصناعة المحتوى النافع الدَّافع، والتغريدات الباردة في مواقع التواصل الاجتماعي، وإنشاء مراكزَ متينةٍ ومؤسسات يتيمةٍ لتحصين الفكر الإسلامي ستؤدي دورًا كبيرًا في حسم هذه الردة الجامحة، وأن اللسان بمفرده ضامن وكفيل بدرء هذا السيل الهادر من طوفان الصهيونية المضاد لطوفان الأقصى، فإن هذه الجهود اللسانية المباركة على أهميتها ووجوبها لا يَتَأَتَّى منها المطلوب المحبوب شرعًا من حَسْمِ الداء وقَلْعِ البلاء إلا بالجمع بين البيان البَسُول مع السِّيف المسلول لدحر الملحد المخذول، والمتعين على الأمة شبابِها وشِيْبِها ونِسَائِها أن يعملوا بِجِدٍ واجتهادٍ لاسْتِئْصَال شأفة هذا المشروع بأكمله بالسنان والبيان معًا على قدر الوسع والطاقة، دون الاكتفاء بالأخذ بالكتاب ونبذ الحديد، بحجة كون الحديد من أدوات (العنف) المُجَرَّمَةِ في القانون الدولي، فالقانون الدولي لا يَنسَخُ كِتابًا، ولا يُقَيِّدُ مُطلقًا، ولا يُخَصِّصُ عُمُومًا، ونبذُ الحديدِ تركٌ لبعض الكتاب، وهو أخذٌ ضعيفٌ للكتاب لا أخذٌ له بقوة، وهذا خلاف الأمر القطعي بأخذه بقوة، إلا أن يكون ثَمَّةَ عُذْرٌ يوجب سقوط المعسور وبقاء الميسور وإناطته بذِّمَّة المكلف، لكنَّ المقْصَدَ الشرعيَّ بمحق وتتبير مساعي (تكوين) البائرة، وتشريد من خلفهم بهم، لا يتأتى إلا بإعمال الكتاب الهادي والحديد الناصر فيهم معًا، ودحض شبههم بالعلم الهادي ثم قتلهم بالسيف الناصر شَرَّ قِتْلَة، فاللهم هيئ لهؤلاء الزنادقة سيوفًا من الحقِّ تجتث أصولهم، وتَحصِدُ فروعهم، وتَقْطِفُ رؤوسهم، وتَفُلُّ جموعهم،(حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا).

وإن من خُبْثِ صهاينة الحكومة المصرية؛ أنهم افتتحوا لهذه المركز المهين مواقع مميزة لتدشين عملهم، ثم أمدتهم بكل الضروريات والحاجيات والتحسينيات الكليَّة من المستلزمات، ثم جندت وسائل إعلامهم الرسمية للدعاية لهذا المركز اللعين، ثم أفسحت المجال لخطباء الجمعة، ولعمائم الأزهر (الكَلامِيَّة)، ولأشمغة السلفية (البُرهاميَّة)، من فلول متكلمي مؤسسة راند، وسلفيَّة المباحث السعوصهيونية، للدخول في حلبة الصراع العبثي، بحجة التحذير من هذا المركز الإلحادي، وإنشاء الحوارات والمناظرات لتحصين الفكر الإسلامي، ورصد أطروحات التنوير الحديث (زعموا)، وما مقصود الحكومة المصرية إلا نشر هذه الشبه والشكوك بين عوام المسلمين لمسخ عقولهم، مع أن هذه الحكومة الخائنة هي من أعطت لهذا المركز رخصة العمل، ومنحته مشروعية الوجود والتمويل ضمن قوانينها الوضعية، بحجة محاربة الفكر الضال والفئة الضالة الممتدة منذ أربعة عشر قرنًا، فنجم عن ذلك إدخال أهل مصر في دوَّامةٍ مُدبَّرةٍ من التكهنات والتلاسنات والتهكمات بين رافض ومؤيد ومحايد، وَزَجِّ أهل الكنانة جميعًا في حَلَبَةِ صراعٍ عبثيةٍ لصرف جهودهم عن الانشغال بواجب الوقت في حَلَبَةِ إسناد معركة طوفان الأقصى التي سيصل شرار تداعياتها إليهم في المستقبل القريب لو كانوا يعلمون..

فيا شباب الإسلام في كل مكان؛ لِتَعُوا أن الجهاد في سبيل الله الذي يسميه عمائم السوء بـ (العنف) هو من صميم النقل الشرعي، والعقل الفطري والكَسْبِيِّ، وهو من ضروريَّات الحياة لاستعادة الأمجاد ونهوض الأمم، فبه يستقيم الكون على مقتضى قانون التدافع الحضاري، وقد أدرك المتنبي بعقليه الفطري والكسبي ذلك الشأن فقال:

لِهَوَى النّفُوسِ سَرِيرَةٌ لا تُعْلَمُ *** عَرَضاً نَظَرْتُ وَخِلْتُ أني أسْلَمُ

لا يَخدَعَنَّكَ مِن عَدُوٍّ دَمعُهُ *** وَاِرحَم شَبابَكَ مِن عَدُوٍّ تَرحَمُ

لا يَسلَمُ الشَرَفُ الرَفيعُ مِنَ الأَذى *** حَتّى يُراقَ عَلى جَوانِبِهِ الدَّمُ

والظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد *** ذَا عِفَّةٍ، فَلِعِلَّةٍ لا يَظلِمُ

وَمِنَ البَليَّةِ عَذلُ مَن لا يَرعَوي *** عَن غَيِّهِ، وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ

إن الخطاب الديني الذي ينبغي أن نُجَدِّدَهُ في عصرنا الحاضر هو خطاب التحريض على سفك دماء الزنادقة الملحدين، ولئن كان الجهاد في سبيل الله الذي يحاربونه بحجة (العنف) يحتل مرتبة ذروةِ سنام الإسلام، فإن هذا النوع من الخطاب يأتي في ذروة سنام الخطاب الإسلامي، لأن الجهاد شرعٌ متين، وأصلٌ أمين، وركنٌ ركين، وافقت فيه الشريعة الإسلامية مقتضى الفطرة الإنسانية، والحاجة الكونية، والضرورة الحياتية، فلا يحتفي ويَلتَفِتُ لِتُرَّهَاتِ عمائم السوء النابحة بالتحذير من (العنف) على وجه العموم إلا شخصٌ مغموزٌ في عقله وعقيدته وطبعه، ولتعلموا يا شباب الإسلام أن قتل هؤلاء الزنادقة يأتي في قِمَّةِ المحبوبات الإلهية، والمرغوبات النبوية، بل إنَّ قِمَّةَ الوسطية والاعتدال اليوم هي في رصاصة تطلقها لتفلق بها هام (فراس السواح)، أو سكينة تغرزها في قلب (إبراهام عيسى)، أو قنبلة تضعها في سيارة (سليمان الهتلان)، و(مشاري الذايدي)، أو سيارة تدهس بها رأس العفنة النتنة (ألفة يوسف)، أو كتابا مفخخا تهديه للزنيم (إسلام البحيري) و(يوسف زيدان) وأشباههم من لئام الإعلام المعاصر، فإن هذه الوسطية والاعتدال لهي أنجع من ألفِ ألفِ خُطْبَةٍ وبيانٍ ومنشورٍ ومحتوى وتغريدة، ولو كان الفكر كما يزعمون لا يواجه إلا بالفكر، لما سُلَّ في الإسلام سيف، ولما بُذِلَت مُهَجُ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في سبيل رب العالمين، وتأمل مَليًّا في مضحكات زمانك الحزين، فلقد نال قاتل النساء والأطفال الجزار الصهيوني (شارون) جائزة نوبل للسلام، وصُنِّفَ الشيخ القرضاوي -رحمه الله- على لائحة الإرهاب بتهمة العنف والتطرف، فبالله عليكم إلى متى سيظلُّ شباب الأمة بَـيادِقَ مأطورةٍ ومرعوبةٍ ضمن خديعة عمائم السوء وتلاعبهم بمصطلحات (العنف) و(الغلو) و(الإرهاب) و(التطرف)؟!!.

ويا أيها الغيارى من أهل العلم والدعوة إلى الله؛ إننا اليوم أحوج إلى تعزيز الخطاب الديني من تجديده، وإلى تجديد الاغتيال الديني من تجميده، والواجب على أهل العلم والدعوة والجهاد أن يتعاضدوا ويتعاونوا في مواجهة زنادقة (تكوين) ودعاة الإباحية والإلحاد المعاصر، وإنَّ فقه المرحلة يوجب على الجميع التوافق والاجتماع والإجماع على عدم منح حق الوجود وحق الحياة والحركة لمركز (تكوين) على الساحة الفكرية الإسلامية، فلهذا يجب تحريض الأمة عامة، وتحريض التلاميذ والطلاب خاصة على اغتيال هؤلاء الزنادقة، ويجب تأييد الدعوات الجهادية الرامية لاستئصال رموز هذا المركز المهين، والمقصود أولًا وآخرًا أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، ولله در الإمام أبي حامد الغزَّالي – رحمه الله – الذي ألجأته ضرورة المرحلة لتحويل المعركة التي كانت مستعرةً بين الأشاعرة والمعتزلة إلى معركة بين الأشاعرة وملاحدة الفلاسفة، ثم شن الغارة الشعواء على ملاحدة الفلاسفة، فقفز بعقله الراشد الحكيم فوق خلافات المذاهب الكلاميَّة، ثم جمعها كلها على جبهة واحدة، فَوَحَّدَ صفوفها، واستعان بأسلحتها، بعدما أحكم الوسائل والأسباب، وأحسن التخطيط السديد للمعركة، ثم شن بهم جميعا غارةً مشتركةً لاستئصال ملاحدة الفلاسفة، ولهذا رأيناه في (تهافت الفلاسفة) يتبختر في الصفِّ غير مُبالٍ بخصمه، ساخرًا منه، مستهزئًا بعقله الذي يتبجَّح به، وقد قال في كتابه ذاك: (فلذلك أنا لا أدخل في الاعتراض عليهم إلا دخول مُطالبٍ منكر، لا دخولَ مُدَّعٍ مُثْبِت، فأُبْطِلُ عليهم ما اعتقدوه مقطوعًا بإلزامات مختلفة، فأُلزِمَهُم تارةً مذهبَ المعتزلة، وأخرى مذهبَ الكراميَّة، وطورًا مذهبَ الواقفيَّة، ولا أنتهض ذابًا عن مذهبٍ مخصوص، بل أجعل الجميع ألبًا واحدًا عليهم، فإن سائر الفرق ربما خالفونا في التفصيل، وهؤلاء يتعرضون لأصول الدين، فلنتظاهر عليهم فعند الشدائد تذهب الأحقاد)[8].

ويا أبناء مصر الأبية؛ إن هذا المشروع الفكري الصهيوصليبي لم ينطلق من تل أبيب، ولا تم تدشينه في دبي، وإنما انطلق ودُشِّنَ من مصر العزيزة وفي عاصمتها القاهرة، لأنه يهدف لإدخال 100 مليون مصري في الردة عن دين الله أفواجا، فقد علم الأوغاد أن هذه الكثافة السكانية المجاورة لغزة العزة قاب قوسين أو أدنى من انفجار قادم صادم سيعم المنطقة بأكملها، فسارعوا بأمر إبليس اللعين وبعناية وتمويل صهاينة دبي لتكون أرض الكنانة هدفهم الأول في هذا المشروع الإلحادي الإباحي، فالإمارات بعدما استهدفت الأُسُس المالية والاقتصادية لمصر دولةً وشعبًا، فإنها تهدفُ الأن لاستهداف الأُسُس الدينية والثقافية والفكرية والأخلاقية للشعب المصري، وحيثما حققوا نجاحًا وثباتًا في مصر – لا قدر الله – فسيزحفون ويتمددون ليعبروا حدود مصر إلى كل العالم الإسلامي، وحينها فالخطر على أعراض ودماء المسلمين وعقائدهم لن يكون حاله أفضل حالًا من حال دمائنا وأعراضنا في السودان، فلذلك فإن الواجب على أبناء مصر كبير وخطير إن كان يهمهم أمر الإسلام والأقصى وفلسطين، وأمر هذه الأمة المنكوبة، والغيرة عليها وعلى ما تبقَّى من دينها وعقيدتها، وأعراضها وعروبتها، وحاضرها وغابرها ومستقبلها، ولتضعوا نصب أعينكم هذه الغايات المرحلية، والنهايات المقصودة، والمآلات الحاضرة، ولتتيقظوا لهذا السياق الفكريِّ والزمانيِّ والمكانيِّ الذي أعلن فيه المرتدون عن مشروعهم الإلحادي والعمل من خلاله، أما التعويل في مواجهة هؤلاء الزنادقة على سلفية الريال البُرهامية أو على مؤسسة الأزهر الراكعتين الخاضعتين للحكومة الصهيونية المصرية، فلعمري لقد كان حقًا صائِبًا لو أنَّ الأزهرَ اليومَ كان كما كان مُزْهِرًا في سابق الأزمان، والواقع أنَّه اليومَ وإن كان فيه الكثير من أفاضل أهل العلم والدعوة والغيرة على دين الله، إلا أنه أسيرٌ كسيرٌ حسيرٌ كشعوبنا الإسلامية المأسورة بأيدي طغاتها الصهاينة، ويكفيك أيها المتشكك أن تتأمل أوَّلًا فيما قاله البريطاني (ادفالين بارنج) الذي عرف فيما بعد باسم (اللورد كرومر)، والذي حكم مصر أربعةً وعشرينَ عامًا، ثم خرج منها سنة 1907م وهو يقول: (نحن اليوم لن نحكم مصر، وإنما سنحكم من يحكم مصر)، ولْتُرْجِع البصرَ في صورة شيخ الأزهر وهو بحضرة ابن زايد في (الإمارت) حين عانق بابا النصارى بحبٍ وَوِدٍّ وحرارة، ثم ارجع البصر كرتين وهو يتخبط في أحضان البابا الصليبي كمن يتخبطه الشيطان من المس، لتعلمَ علمَ يقين؛ أين موقع أزهرنا الأسير ومحله اليوم من الإعراب؟

وختامًا؛ فإن المفتاح الصحيح للتعامل مع هؤلاء الزنادقة الحاقدين يكون بتعزيز البيان بالسنان، وبالطريقة المحمدية التي لخصها نبينا – عليه الصلاة والسلام – في كلمة واحدة بقوله: (اقتلوه)، فالملاحقة الجهادية لهؤلاء النتنى مقدمة على الملاحقة العلمية والفكرية، لأسباب ذكرتها آنفا، ولأنهم في الحقيقة جهلةٌ فجرةٌ وليسوا بمختصِّين فيما يخوضون فيه، ولا يملكون مستوىً علميًا وفكريًا يستحق من أهل الحق أن ينقطعوا إليهم للملاحقة الفكرية والمدافعة والمصاولة، بل هم إلى حرارة سيف الجهاد أحوج إليه من قمع الفكر، وإن المعالجة الأقرب للكتاب والسنة، والأرجح صحةً من جهة العقل والشرع في التعامل مع هذه المؤسسات وزنادقتها؛ تكون بقمة الاشتباك القتاليِّ والفكريِّ معًا، وذلك بإعمال الصارم الرصين والقلم المتين سواء بسواء، فذانك سلاحان من ربك يجب إعمالهما في ملاحدة (تكوين)، إنهم كانوا قومًا مرتدين، وصدق أبو تمام إذ يقول:

السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ *** في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ

بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في *** مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ

والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَةً *** بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَةِ الشُّهُبِ

ونسأل الله تعالى لأمتنا الإسلامية عودةً عاجلةً لشريف عهدها، وسابق عزها، وأن يمن علينا وعلى شعوبنا الإسلامية بالفرج والنصر والتمكين، وأن يوفق شباب الأمة لقطف رؤوس الزنادقة..

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الكفر والردة والإلحاد والفساد..

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في غزة وفلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين..

اللهم سدد رميهم، ورأيهم، ووحِّد صفوفهم، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، واشف جرحاهم، وعاف مرضاهم، وارحم واغفر لموتاهم، وتقبل اللهم شهدائهم، وانصرهم على القوم الكافرين..

اللهم إن ذنوبنا عظيمة، وقليل عفوك أعظم منها، فاغفر اللهم بجميل عفوك كثير ذنوبنا، وأدخلنا في عبادك الصالحين..

اللهم إن لم نكن أهلًا لأن ترحمنا بالنصر والتمكين والشهادة في سبيلك، فسعة رحمتك أهلٌ لأن تَسَعَنَا..

آمين، والحمد لله رب العالمين.

 

حمل الرسالة بصيغة PDF

حمل الرسالة بصيغة DOC