بعد 23 سنة من هجمات 11 سبتمبر أين وصلت الحرب على الإسلام؟

في مثل هذا اليوم في صباح الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001، نفذ تنظيم قاعدة الجهاد بقيادة الشيخ أسامة بن لادن، أول هجوم تاريخي يستهدف أهم مراكز القوة في الولايات المتحدة الأمريكية، برجي التجارة العالمي ووزارة الدفاع البنتاغون والبيت الأبيض،  وتمكن 19 مجاهدا معدٍ إعدادا لائقا من تنفيذ خطة شديدة التعقيد والدقة، والنجاح في تسديد أول ضربة في داخل التراب الأمريكي، وهو هجوم لم يسبقهم له أحد في تاريخ الأمريكيين. وانطلقت بعده حرب شرسة، جمع فيها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن كل ما يمكنه من قوة وأحلاف وسخط لضرب العالم الإسلامي.

فكان غزو أفغانستان وتدخلات عسكرية في كل مكان، بتسهيل الحكومات الوظيفية المحلية في بلاد المسلمين، ووصلت تكلفة الحرب البشرية، لأكثر من 4.5 مليون حالة وفاة وفقا لتقرير جديد رئيسي من مشروع تكاليف الحرب في جامعة براون.

وجاء ما يقرب من 1 مليون من هذه الوفيات من القتال المباشر في مناطق الحرب في جميع أنحاء أفغانستان وباكستان والعراق وليبيا وسوريا والصومال واليمن، في حين أن 3.5 مليون المتبقية هي “وفيات غير مباشرة” نتجت عن “تدمير الاقتصادات والخدمات العامة والبيئة” في الصراعات، وفقا للتقرير.

وتسلط النتائج الواقعية الضوء على الآثار طويلة الأجل للحرب العالمية على ما يسمى الإرهاب، التي كانت أكثر المعارك دموية في القرن الـ21 حتى الآن. عدد القتلى، الذي وصفه باحثو براون بأنه “تقدير معقول ومتحفظ”، ينافس الصراعات الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك الحروب في كوريا وفيتنام.

 

ماذا جنت أمريكا من حربها على ما يسمى الإرهاب بعد أكثر من عقدين من الزمن؟

يعتقد بعض الخبراء أن تكريس الولايات المتحدة كل مواردها لمكافحة “الإرهاب” جعل روسيا والصين قادرتين على مفاجأتها مرارا في السنوات الأخيرة، ولا سيما لندرة ضباط الاستخبارات الإستراتيجيين. لقد تقدمت روسيا والصين وتحولتا لتهديد حقيقي لزعامة الأمريكيين للنظام الدولي ولم نعد نسمع عن القطب الأوحد بل تشكل عالم متعدد الأقطاب بعدما عجزت أمريكا في إخضاع الصين وروسيا لهيمنتها.

يقول البروفيسور جوناثان أكوف من قسم دراسات الاستخبارات والأمن القومي بجامعة كارولينا الساحلية: لأن “واشنطن كرّست الكثير من الموارد لمكافحة الإرهاب”، فهو يعتقد أن أحد الأسباب التي جعلت روسيا والصين قادرتين على مفاجأة الولايات المتحدة مرارا في السنوات الأخيرة يرجع إلى ندرة ضباط الاستخبارات الإستراتيجيين، و”تحول وكالة المخابرات المركزية إلى منظمة تعتمد على سلاح الطائرات بدون طيار”

لقد كانت أحد أبرز أهداف أمريكا فيه هذه الحرب هي جعل الأمريكيين أكثر أمانا، ولكن الواقع أن الأمريكيين مهددون من داخلهم اليوم بعد أكثر من عقدين من الهجوم عليهم داخل أراضيهم، فقد أصيب المرشح الرئاسي دونالد ترامب وسط حراسة أمنية شديدة في محاولة اغتيال، في واحدة من سلسلة حوادث اهتز لها الداخل الأمريكي وانقسم، ولا يزال منقسما كما كشفته مناظرات المرشحين الرئاسيين وتطورات الأحداث الداخلية في البلاد.

لقد كلف الغزو الأمريكي لأفغانستان أموال طائلة واستراتيجيات مكثفة ومتواطئة، وهدرت الجهود والأوقات على حكومات عميلة فاسدة، واليوم، بعد عقدين من الحرب على الإسلام انسحبت الولايات المتحدة، الدولة الكبرى، من  أفغانستان بعد أن خضعت بضغط الخسائر العسكرية، إلى التفاوض مع جماعة جهادية كانت أكبر حليف للقاعدة (منفذة هجوم الحادي عشر من سبتمبر) وهي مصنّفة أمريكيا بـ”الإرهابية”، لتستلم حركة طالبان اليوم الحكم كاملا، وتعلن تطبيق الشريعة الإسلامية ويتنازل لها النظام الدولي بعد أن صنفها إرهابية ورفض التعامل معها كسلطة شرعية وحارب نظامها الإسلامي، فما حدث في أفغانستان نصر تاريخي أعقب الحادي عشر من سبتمبر، بعد أن بذل الأمريكيون جهدا مضاعفا على كل المستويات لتصوير أفغانستان واحتلالها نصرا لهم ولديمقراطيتهم وتحقيقا للانتقام من الحادي عشر سبتمبر.

ولذلك يصف القادة الأمريكيون هزيمتهم في أفغانستان بـ”الانسحاب الكارثي” من أفغانستان الذي ترك هذه الدولة أمام فرصة لتجديد تحالف طالبان مع تنظيم القاعدة، وبدا ذلك واضحا في حالة وجود أمير التنظيم أيمن الظواهري في كابل قبل إعلان استهدافه على أيدي الاستخبارات الأمريكية.

 

فشل أمريكي في الساحة الفكرية والعقدية

واستمرار التدافع العسكري يعكس حقيقة شراسة الصراع في الساحة الفكرية والعقدية، والخسائر الأمريكية الواضحة في هذه الساحة، فلا يزال المسلمون يشهدون بأنفسهم تحذيرات وشروحات، الشيخ أسامة بن لادن والشيخ أيمن الظواهري، كبار قادة تنظيم القاعدة لحقيقة التحالف الأمريكي اليهودي، الصهيوصليبي، وقضية فلسطين، وواقع الأنظمة المرتدة العميلة، وأكدت جميع الأحداث بعد الحادي عشر من سبتمبر، أن تشخيصهما للصراع كان صحيحا وأن العالم في حرب على الإسلام وليس على تنظيم القاعدة. وأن الكيد لهذه الأمة أكبر من ما يتصوره السطحيون من دعاة السياسة والتعايش السلمي، وهو تأكيد لتصريح الرئيس بوش الذي كان يقول هي حرب صليبية.

ولعل من أكبر خسائر الغرب في هذه الحرب الطويلة فقدان الثقة في نظامه الديمقراطي، واكتشاف فساده، خاصة بعد تحالف الأمريكيين مع أنظمة دكتاتورية ومجرمة، وتعاملهم بمكيالين فيما يخص حقوق الإنسان، وظهرت ملامح جشع المحتل الأمريكي وانحطاط قيمه بوضوح ثم بإعلانه الحرب على الفطرة، اهتز حتى النصارى المحافظون لهذا الفساد العظيم الذي يقوده الغرب وأقر الكثيرون أن الحرب في الواقع ليست ضد الإسلام فقط بل حتى ضد الإنسان وكرامته.

وعن فشل الولايات المتحدة في الانتصار في معركة الأفكار بعد 21 عاما على هجمات سبتمبر، يقول إيريك دال، ضابط الاستخبارات السابق وعضو هيئة التدريس في كلية الدراسات العليا البحرية التابعة للبنتاغون: “لسوء الحظ، الإرهاب مشكلة مزمنة لا يمكن إلا إدارتها والتعامل معها، وليس القضاء عليه أبدا”.

ويعتقد دال أن معارك الأفكار مستمرة منذ بدء الخليقة، ولكن المختلف اليوم هو “الأفكار المتطرفة” التي يمكن أن تنتشر في جميع أنحاء العالم على الفور بسبب التكنولوجيا، وهذا يعني أن الصراع معها “يمكن أن يحدث في منازلنا ومجتمعاتنا، وليس في بلد أجنبي”.

ويقول أكوف عن معركة الأفكار التي لم تنتصر فيها الولايات المتحدة مع تجدد التنظيمات وانتشارها بطرق مبتكرة: “لو أن الولايات المتحدة وحلفاءها خاضوا معركة أفكار بإخلاص أكبر، لربما كان من الممكن إحراز المزيد من التقدم في هذا الصدد”.

ويضيف أن “عديدا من مظالم الناس المعرضين لأنظمة المعتقدات الإرهابية لم تتم معالجتها، ولسوء الحظ، لن يتم هذا، وهي مظالم تتراوح من الدعم الأميركي المستمر للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط إلى الجهود التي تبذلها شركات النفط الأميركية لمحاولة السيطرة على مصادر الطاقة والأسواق الأجنبية”.

وفي معركة الأفكار أيضا، يقول أكوف إنه بدرجة أقل “هناك بعض الادعاءات الأساسية غير المتوافقة التي قدمها المتطرفون في ما يتعلق بالحياة الحديثة، التي لا يمكن معالجتها تحت أي ظرف، بما في ذلك معاملة المرأة ودور الدين في المجتمعات الحديثة. ورغم أن مثل هذه الاختلافات قد تمت المبالغة فيها بشكل كبير من قبل العديد من الأكاديميين والمعلقين الأميركيين، فإنها مهمة إلى حد ما”.

 

تغير العالم حتما

ومن المهم التنبيه إلى أن ردود الفعل الأمريكية على أحداث 11 سبتمبر العنيفة والانتقامية غيّرت العالم والمجتمع الأمريكي نفسه إلى الأبد، وبسببها شنت حروبا على أفغانستان والعراق، ومارست أساليب تعذيب شنيعة لأشخاص اقتيدوا من مناطق أخرى من العالم إلى سجون سرية، ورفعت أجهزة مخابراتها من درجة مراقبتها وتجسسها على الحياة الشخصية للمواطن الأمريكي آلاف المرات عما كانت عليه سابقا.

إنها ردود أفعال عنيفة شوّهت صورة التفوق الأمريكي وأحدثت انقساما حادا في صفوف الأمريكيين، بحيث أضحى الحديث عن أمة أمريكية موحدة بعد 11 سبتمبر أمرا عسيرا.

هذا التوصيف الدقيق للمشهد الأمريكي يأتي عن طريق خبراء عسكريين ومحللين سياسيين وصحفيين شاركوا في وثائقي “أمريكا بعد 11 سبتمبر” (America After 9/11)، للمخرج الأمريكي “مايكل كريك”، ويحلل فيه آثار ما جرى خلال عشرين عاما من ارتباك سياسي وفوضى قرارات نتجت عنها ممارسات خاطئة عدائية، متأتية من خوف ورعب أشيع بتعمد بعد أحداث سبتمبر، وأدى عمليا إلى زعزعة مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وغيّر نظرة العالم إليها.

لقد كشفت 11 سبتمبر وما تلاها من أحداث، ضعف وتخبط أمريكا التي لم تتمكن من قتل أمير تنظيم قاعدة الجهاد في أفغانستان رغم حجم التكاليف والتحالفات والجهود لقتله، وفي الأخير استشهد في باكستان في بيته الكبير هناك، ما يعني أنه تجاوز كل حواجزهم الأمنية بأمان. ثم تعلن الإدارة الأمريكية مقتل خليفته الشيخ أيمن الظواهري في أرقى أحياء كابول، بعد تحريرها من الاحتلال الأمريكي، ما يجعل صورة الأمريكين سخيفة جدا أمام محلليهم فكيف بالعالم.

وفي معتقل غوانتانامو مارس المحققون أبشع أنواع التعذيب ضد السجناء. وبعد كشف ما يجري فيه من انتهاكات لحقوق الإنسان صار “غيتمو” (الاسم السري الذي يطلق على المعتقل) وصمة عار في جبين الولايات المتحدة الأمريكية، وعلامة على تجاوز قادتها الأعراف المنادين بها. وأصبح الحديث عن التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان يعرض في واجهة الأمثل معتقلات القوات الأمريكية، كغوانتنامو وأبو غريب وغيرها من أدلة دامغة على الانحطاط الأمريكي ومخالفة الأعراف الدولية في التعامل مع أسرى الحروب.

وتوالت القيادات الأمريكية على كرسي الرئاسة ومن مستنقع لآخر، يتوارثون الفشل ويرقعون الخسائر والتداعيات بمزيد تكلفة وكذب، من أفغانستان للعراق لليمن للصومال، لم يعد أمام الأمريكيين إلا محاولة احتواء الصعود الجهادي الذي لا يزال ينتشر.

لقد أخفت القيادة الأمريكية أعداد القتلى الحقيقية عن شعبها، لكنها لم تتمكن من إخفاء فشلها العسكري وهو ما زاد من مستويات الكراهية والعنف داخل المجتمع الأمريكي، فانتشرت ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، وكثرت الهجمات ضد الأجانب والمسلمين، وفي المقابل خرجت إلى الشوارع مظاهرات سلمية تدعو لوقف العنف وإدانة التدخل الأمريكي في مناطق أخرى من العالم.

ويكفي هزيمة للأمريكيين أن يخرج جيل شاب كامل ولد بعد 11 سبتمبر 2001، يبحث عن رسائل الشيخ أسامة بن لادن للشعب الأمريكي ويعترف بصدق نصائحه وينتقد حكومته، وهو ما أعجز القيادة الأمريكية وجعلها تحت الصدمة وكشف إفلاس جميع آلاتها الإعلامية في صناعة وعي مناصر لها في هذه الحرب العالمية.

لقد قدرت جامعة “براون” بولاية رود آيلاند الأميركية، “أن الولايات المتحدة وبنهاية العام المالي الحالي تكون قد صرفت خلال 17 عاماً حوالي 6 تريليونات دولار كتكاليف لحربها على الإرهاب”.

ونتحدث هنا عن إنفاق 6 تريليونات دولار خلال 17 سنة من الحادي عشر من سبتمبر أي نتحدث عن تكلفة إضافية للحروب الأمريكية مدتها 6 سنوات أخرى لم يضمها هذا الرقم الضخم.

مع العلم أن التكاليف التي تحسب للحرب، هي أقل من الواقع، لأنها لا تشمل ما يدفع لتقديم الرعاية الصحية للمحاربين القدامى الذي يعانون مشاكل نفسية وأمراض مزمنة وإعاقات دائمة بسبب الحروب، كما لا تشمل مدفوعات الفائدة المستقبلية على الأموال التي تم اقتراضها لتمويل بقاء القوات الأميركية.

 

والسؤال: ماذا أضافت الحرب على الإسلام للمواطن الأمريكي؟

فاليوم بعد 23 سنة لا تزال القوات الأمريكية في جهود دولية تحاول احتواء الصعود الجهادي لأفرع القاعدة التي تمكنت في إفريقيا وأقامت نظام الشريعة الإسلامية الذي كانت تطمح لإقامته، ولا يزال الخبراء يقولون إن الحرب على ما يسمى الإرهاب مكلفة جدا من دون نهاية قريبة تلوح في الأفق. ولا يزال اسم الشيخ أسامة بن لادن اسم بطل بين المسلمين الشرفاء، ولم يزل كل عمل جهادي يكشف درجة تعطش المسلمين له وتقديرهم له كفريضة وواجب.

وأما الداخل الأمريكي فيلتهب، وفضائح الساسة الأمريكيين أصبحت محط سخرية عالمية، والانحلال الأخلاقي والتفكك المجتمعي وانتشار الحرب على الفطرة والأزمات الداخلية، مستمر في كشف درجة تآكل الهيكل الأمريكي الداخلي. فضلا عن صعود منافسين على الساحة الدولية تمكنوا من نزع الهيبة الأمريكية، فقد طرد الروس الأمريكيين من إفريقيا، ولا تزال ساحة أوكرانيا تستنزف الخزينة الأمريكية بدون حل في الأفق. وتوجيه الإهانات للأمريكيين لا يخفى.

وقد جاء السابع من أكتوبر بطوفان الأقصى من غزة ليؤكد من جديد على أن 11 سبتمبر تتكرر بصورة أو بأخرى، وأن الأسباب المؤدية لها والدوافع الموجبة لها لا تزال موجودة، وهي الطغيان الصهيوصليبي في العالم الإسلامي وتدخلاته الوقحة في الدين والثقافة وحريات وحقوق ومقدسات وأوطان الشعوب، هو الذي يصنع التمرد والقتال والهجمات، فإن لم يتعامل الأمريكيون مع هذه الحقيقة الراسخة ويكفوا عن ظلمهم واعتداءاتهم ودعمهم اللامنتهي للكيان اللقيط الصهيوني، فليتحملوا المزيد من التكاليف المثخنة المقبلة في صراعهم مع أمة ولود، تحب الموت كما يحبون هم الحياة.

وبإذن الله تعالى سيكون تاريخ 11 سبتمبر المقبل موعدا آخر لعد المزيد من الخسائر المثخنة للحرب على الإسلام، بعد أن اشتدت سواعد الجهاد وارتفعت رايات التوحيد متجاوزة التهديدات والتوعدات الأمريكية المراهقة.

 

عبد العزيز جعفر

عبد العزيز جعفر

لتحميل المقالة بصيغة PD