بعد المصالحة الإثيوبية الإرتيرية .. موانئ دبي تعود من جديد لإقليم “صومالي لاند”

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

لم تمض أسابيع معدودة على أزمة الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب مع الحكومة الإماراتية بشأن ميناء “بربرة” حتى بدأت ملامح النشاط الإماراتي تظهر من جديد في ميناء إقليم “صومالي لاند” الانفصالي شمال البلاد.

 

خلفية الأزمة

وترجع الأزمة بين البلدين لإقدام الإمارات على إبرام اتفاقية ثلاثية بينها وبين إقليم “صومالي لاند” وإثيوبيا، تقضي بإطلاق مشروع ضخم لشركة موانئ دبي العالمية لتوسيع ميناء “بربرة”. وهو الاتفاق الذي اعتبرته حكومة محمد “فرماجو” باطلا كونه أبرم مع إدارة انفصالية غير معترف بها دوليا.

إلا أن بعض المراقبين يرجعون جذور الأزمة لتداعيات أزمة الخليج مع قطر، ورفض حكومة “فرماجو” إعلان موقف مساند للمحور السعودي الإماراتي ومقاطعة قطر، مفضلة سياسة إمساك العصا من النصف وهو ما لم ترضه كل من السعودية والإمارات.

ووصل التصعيد من الطرف الصومالي، حكومة وبرلمانا، إلى تقديم شكوى رسمية ضد الإمارات في مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية، تستنكر فيها التدخلات الإماراتية التي تمس  ما وصفته بسيادة البلاد.

واستمر الاحتقان بين الطرفين والتراشقات إلى أن أعلنت الإمارات إنهاء مهمة قواتها التدريبية في الصومال لبناء الجيش الصومالي، عقب حادث احتجاز السلطات الأمنية الصومالية في مطار مقديشو طائرة إماراتية ومصادرة الأموال التي كانت على متنها والتي بلغت حوالي 10 مليون دولار.

كما أوقفت الإمارات العمل في مستشفى الشيخ زايد الذي سبق أن أقامته في العاصمة الصومالية، كدلالة على مدى استيائها من الطرف الصومالي.

ثم شهدت العلاقات تهدئة نسبية بعد ذلك وتلميحات تظهر في تصريحات المسؤولين الصوماليين والإماراتيين لإمكانية تصحيح العلاقة بين الطرفين.

 

اتفاقية المصالحة الإثيوبية الإريترية

برز دور الإمارات بشكل ملفت أثناء إبرام اتفاقية المصالحة بين إثيوبيا وإرتيريا التي شغلت الأنظار في آخر تطورات جيوسياسية هامة عرفتها منطقة شرق إفريقيا مدعومة من إدارة واشنطن.

ويرى المراقبون أن التقارب الإثيوبي الإماراتي خاصة بعد تقديم الأخيرة معونة مالية لأديس أبابا تصل لثلاثة مليارات دولار. أدى إلى تعزيز العلاقة بين الإمارات والصومال كون لإثيوبيا تأثيرا كبيرا على سياسة حكومة “فرماجو” خاصة بعد زيارة رئيس وزرائها أبي أحمد التاريخية الأخيرة لمقديشو وإعلان الحكومة الإثيوبية عن إبرامها اتفاقيات مع الطرف الصومالي لتوسيع صلاحيات الاستثمار في الساحل الصومالي.

 

تغير المواقف لأجل المصالح

ويبدو أن الوساطة الإثيوبية أخذت عمقا أكثر جدية في تغيير قناعات ومواقف “فرماجو” وحكومته اتجاه الإمارات، حيث أعلنت شركة موانئ دبي العالمية يوم الخميس الماضي،  عن تدشينها لمشروع  بقيمة 101 مليون دولار، بهدف توسيع الميناء في إقليم “صومالي لاند”.

والتزم الجانب الحكومي في مقديشو الصمت ولم تصدر عنه أي تعقيبات على هذه الخطوة التي يبدو أنها مرحب بها في ظل ما تفرضه السياسات الدولية عليها كحكومة بحاجة مستمرة لدعم دولي لضمان بقاءها في الصومال.

 

أهمية الميناء

ويعتبر الميناء الذي يقع في مدينة “بربرة” الساحلية، نقطة عبور هامة لتصدير الإبل والأنعام إلى الخليج كما يستقبل صادرات المواد الغذائية والسلع المختلفة الأخرى.

من جهتها إدارة إقليم “صومالي لاند” الانفصالية تطمح من خلال توسيع طاقات الميناء إلى فتح بوابة تجارية لجارتها إثيوبيا، لتستفيد من حاجتها إلى الساحل في رفع مداخيل الإقليم.

وقال موسى بيحي عبدي، رئيس إدارة “صومالي لاند” في تصريح له حول آفاق المشروع: “هذا الاستثمار في بربرة… والتوسعة لهما فائدة ضخمة لأرض الصومال لتطوير اقتصاده. نحن نفكر في أن نكون منافسين لموانئنا في المنطقة”.

أما سلطان أحمد بن سليم، رئيس مجلس الإدارة، والرئيس التنفيذي لموانئ دبي العالمية، فقال: ” إن ميناء بربرة سيساهم في توسيع اقتصاد إثيوبيا وتجارتها المتزايدة”.  مع العلم أن إثيوبيا تمتلك حصة 19 في المئة من المشروع.

 

مراحل المشروع

وبحسب تصريحات المسؤولين في موانئ دبي العالمية، فإن مشروع التوسعة يمر بمراحل، تشمل الأولى بناء رصيف طوله 400 متر وساحة بمساحة رُبع مليون متر، فضلا عن إنشاء منطقة حرة فيه. وتبلغ  قيمة المشروع الإجمالية 442 مليون دولار.

ويجدر الإشارة إلى أن إقليم “صومالي لاند” أعلن انفصاله عن الحكومة المركزية في الصومال في عام 1991، ورغم إعلانه الحكم الذاتي إلا أنه لم يحظ باعتراف دولي كدولة مستقلة في المنطقة. ولا يزال يعتبر كجزء من الصومال الذي تمثله في الساحة الدولية حكومة “فرماجو” المدعومة من الغرب.

وهذا ما سمح لفرماجو أن يعطل عقود التجارة المبرمة بين إدارة “صومالي لاند” وحكومة الإمارات مرحليا حيث لا يعترف القانون الدولي بمثل هذه المشاريع مع إدارات حكم ذاتي دون إقرار الحكومة المعترف بها.

 

الإمارات تحقق طموحاتها

وبهذا التسلل الناعم استطاعت الحكومة الإماراتية أن تعوض خسارتها للعقد الذي فسخته جيبوتي لاستثمار ساحلها في إنشاء قاعدة لصالح الإمارات، وتمكنت بفضل الوساطة الإثيوبية بصمت أن تعيد استثماراتها في شمال الصومال وتواصل تقوية نفوذها في ميناء بربرة باعتباره بوابة البحر الأحمر لمنطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط وإفريقيا. متجاوزة كل الضجيج الذي أحدثته الأزمة بين أبو ظبي ومقديشو قبل أسابيع.

وفي هذا المشهد يبرز الدور المحوري الذي تلعبه حكومة أبي أحمد في شرق إفريقيا وتأثيرها في قرارات الحكومة الصومالية الضعيفة التي لم تكن تنديداتها بتحركات الحكومة الإماراتية في “صومالي لاند” إلا مجرد زوبعة في فنجان.