انتهاكات السلطات السعودية بحق العمالة الإثيوبية

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

سلطت صحيفة “الغارديان” البريطانية الضوء على الوضع السيء والانتهاكات التي تعاني منها العمالة الإثيوبية في السعودية حيث يطرد في كل شهر 10 آلاف إثيوبي عامل يعودون لإثيوبيا منذ عام 2017.

 

واستشهدت الصحيفة بقصص واقعية لعمال إثيوبيين تم طردهم وترحيلهم من السعودية من بينها قصة طيب محمد، الذي اعتقل عند الحدود الجنوبية للسعودية، وتمت مصادرة كل ما يملكه ثم أحرقت ممتلكاته في النيران.

 

طيب محمد مهاجر إثيوبي يبلغ من العمر 45 عاما لم يكن يحمل معه وثائق هوية، كان يحاول عبور الحدود من اليمن بعد رحلة دامت خمسة أيام بين الأحراش.

 

قال طيب مستذكرا ما حدث معه للصحيفة وهو في العاصمة أديس أبابا: “لقد أمروني بنزع ثيابي … لقد أخذوا مني كل شيء أملكه، هاتفي، ملابسي، أموالي، ثم أحرقوها أمام ناظري”.

 

وتأتي هذه المعاملة من قبل السلطات السعودية بعد إعلان الأخيرة إطلاق حملة شرسة لترحيل كل المهاجرين الذين لا يملكون وثائق إقامة في البلاد، وتم بالفعل ترحيل أكثر من 300 ألف مهاجر، منذ شهر مارس من عام 2017، بحسب آخر إحصائيات لمنظمة الهجرة الدولية. حيث يتم ترحيل المهاجرين الإثيوبيين عبر رحلات طيران خاصة مباشرة إلى مطار أديس أبابا الدولي بشكل أسبوعي.

 

ولا يمكن تحديد عدد المهاجرين الإثيوبيين في السعودية بحسب ما أشارت الصحيفة، ولكن قبل أن تبدأ حملة مطاردتهم وترحيلهم، تم تقدير عددهم بنصف مليون مهاجر، يعملون غالبا في مهن بدخل ضعيف أو لا تتطلب مهارات، كخدمات البناء المحلي.

 

وقد وصل أغلب هؤلاء المهاجرين للسعودية عبر البحر الأحمر من خلال جيبوتي إلى اليمن.

 

وهو خط الهجرة الذي لم يجذب إليه كثيرا اهتمام المجتمع الدولي، مع أنه يشهد حركة عدد أكبر من تلك التي يعرفها المهاجرون بدون وثائق هجرة إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، ويهرب هؤلاء المهاجرون من الفقر والبطالة في بلدانهم.

 

وتم ترحيل مئات الآلاف من الإثيوبيين بين 2013 و2014 إلا أن أعداد المرحّلين ارتفعت مؤخرًا دون أن تلفت الانتباه.

 

وبحسب الصحيفة عاد المرّحلون من أمثال طيب فارغي الأيدي، ولكن يحملون انتهاكات جسيمة على يد عناصر الشرطة السعودية والسجانين. بعضهم عاد بحالة صحية سيئة للغاية ثم ما لبثوا أن ماتوا بعد فترة قليلة من وصولهم إلى مطار أديس أبابا. والبعض الآخر رجع يحمل جروح إصابات بالرصاص لم تعالج.

 

وتعد السعودية من الدول القليلة التي لم تصادق على المعاهدات الدولية بشأن احتجاز المهاجرين. بحسب مشروع الاحتجاز العالمي الذي مقره في جنيف. وأوضحت الصحيفة أن الفرق بين أماكن احتجاز المهاجرين وسجون الإجرام غير واضح في أغلب الأحيان في السعودية.

 

ولا تعرف ممارسات الاحتجاز إشرافا مستقلا، وسجلت آخر زيارة للسجون السعودية من قبل منظمة إنسانية مستقلة في عام 2006.

 

وبحسب هيومن رايتس ووتش، فيوجد على الأقل 10 مقرات بما فيها السجون تستعمل لاحتجاز المهاجرين في السعودية، ولكن لم يحدد العدد بشكل دقيق.

 

وقال أحد عمال الإغاثة:” إنهم يعاملون كالحيوانات في هذه السجون”.

 

من جانبه أنكر مسؤول حكومي سعودي هذه الاتهامات، وأخبر صحيفة الغارديان بأنه لم يتم ترحيل أي مريض إلا بعد علاجه وتحسن حالته الصحية، وأنه لم تتم أية عملية ترحيل بالقوة.

 

في حين أكد طيب أن أول مقر احتجاز اعتقل فيه بقي لمدة 5 أيام، لم يحصل فيها على طعام ولا ماء في أول 24 ساعة. وبعد أن بدأ بالشكوى مع مسجونين مثله في نفس المكان، تم إخراج بعضهم من المكان وضربهم. وحين وصل الطعام كان عبارة عن صحن واحد من الأرز لستة أشخاص.

 

أما عن الضرب فقال طيب، “إنه أمر شائع، حتى بدون أن تقول شيئا أو تفعل أي شيء، سيضربونك، ولم نعلم سبب ذلك. يبدأون بضربنا بالأيدي وحين يتعبون يواصلون ضربنا بالرفس بأقدامهم، كأنها رياضة!”.

 

شهادة طيب تنضم لشهادات أخرى من محتجزين سابقين من المهاجرين نقلوا قصتهم للصحيفة، وكانت قصصهم مماثلة لأولئك الذي حاورتهم منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير جديد.

 

ويقع مركز الاعتقال في “الداير” في منطقة جيزان جنوب السعودية. وبحسب هيومن رايتس ووتش يعرف المركز أسوء ظروف احتجاز يمكن أن تسمع بها.

 

ونقل محتجزون سابقون انتهاكات تعرضوا لها، كان من بينها ربطهم بالسلاسل معا، والسجن في زنزانة بحمامات ممتلئة، ورمي الطعام من خلال نوافذ الزنزانة لكي يتقاتل المحتجزون على بقاياه، وكذلك منع المسلمين من أداء الصلاة، وغياب الماء النظيف أو تصريف المجاري.

 

ونقلت الصحيفة قول عبد الرحيم سفيان الذي قال بأن الحرس داسوا على ظهره، كطريقة للعقاب، وكانوا ينادونهم باستمرار باستعمال ألفاظ نابية من قبيل “كلاب” و”حيوانات”.

 

وكما حصل مع طيب، تمت مصادرة ملابس عبر الرحيم، وقال وهو يلف بطانية للخطوط الجوية الإثيوبية على جسمه: “لقد تركنا كل شيء هناك”.

 

وتتهم السلطات السعودية باحتجاز وترحيل قاصرين، بالرغم من توقيع وتصديق الحكومة السعودية على اتفاقية حقوق الأطفال. ما يعني أن الأطفال لا يمكن احتجازهم بسبب وضع هجرتهم.

 

ويوجد أطفال من بين عدة آلاف من المرحلين كل أسبوع من السعودية، في حين يحتاج هؤلاء لحماية خاصة وكفالة اجتماعية وهو ما أقلق منظمة أطباء بلا حدود في إثيوبيا.

 

الصحيفة استشهدت بآخر إحصاءات تشير إلى أن 6% من المرحلين منذ شهر مارس 2017 كانوا من القاصرين. في حين يرجح عمال الإغاثة رقما أكبر نظرا لانتشار الوثائق المزورة.

 

وتأتي هذه المعاملة السيئة مع العمالة الإثيوبية في وقت شهدت فيه المنطقة تقاربا إثيوبيا سعوديا، وزار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الرياض حيث قبل عرض مساعدات مالية قبل عام أي حين استلم منصبه. ويرى عمال الإغاثة أن الحكومة الإثيوبية لا تريد أن تناقش هذه القضية مع السعوديين.

 

وتم تقييم حاجة المرحلين لإعادة استيعابهم في المجتمع بـ 23.8 مليون دولار (19.6 مليون يورو) لأجل دعم العائدين للبلاد للانسجام والانخراط في المجتمع.

 

وبعد أن تعهدت السعودية في العام الماضي بتقديم 30 مليون دولار للمساعدة، لم تر الحكومة الإثيوبية هذه الأموال بعد، في حين رفض الإتحاد الأوروبي أي تمويل للإثيوبيين العائدين من دول الخليج.

 

وفي هذه الأثناء ومع كل المخاطر التي تحف طريقهم لا زال المهاجرون من إثيوبيا والقرن الإفريقي يواصلون رحلتهم للسعودية بأعداد كبيرة ثابتة.

 

وأشارت الصحيفة لنسبة الواصلين إلى اليمن في شهر أبريل ومايو على الأقل لتصل إلى 18 ألف في كل شهر، فيما اعتبر كأكبر نسبة تم تسجيلها منذ عام 2006. وتشير تقارير المنظمات الإغاثية إلى أن أكثر من 10% من هؤلاء قد أجروا عدة رحلات في نفس الطريق ولا زالوا يكررون هذه الرحلات. ويبحث هؤلاء عن الدعم الاجتماعي، بحسب ما نقلت الصحيفة على لسان أحد عمال الإغاثة، لأنهم يصرون على نفس الطريق بشكل مستمر.