النفوذ الصيني المتصاعد في شرق إفريقيا والمنافسة المنذِرة مع الأمريكيين
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
إن إعلان إثيوبيا عن مشروع إطلاق أول قمر صناعي لرصد الأرض في شهر سبتمبر 2019 المقبل، من الصين التي ستعمل على إتمام صناعته وتمويله، سلط الضوء من جديد على الدور المحوري الذي باتت تلعبه هذه البلاد الآسيوية في شرق إفريقيا بل في إفريقيا كلها.
ويبدو هذا الدور أكثر تأثيرًا وطموحًا حين نعلم أن الحكومة الصينية أبرمت 101 إتفاقية تعاون مع 86 حكومة ومنظمة دولية وإقليمية في إفريقيا لتعزيز ما يسمى مشروع”الحزام والطريق”(BRI)الذي تبلغ تكلفته تريليون دولار، بحسب ما كشفت عنه الحكومة الصينية، وأعلن عنه الرئيس الصيني”تشي جين بينج” في إطار استراتيجية بلاده للتعاون المستقبلي في مجال البنية التحتية الأساسية في القارة السمراء.
وقد شملت الاتفاقيات كل من تنزانيا وكينيا وإثيوبيا ومصر وغيرها من البلدان، التي بحسب بكين، ستستفيد من مشروع”الحزام والطريق”الضخم والذي سيربط 68 دولة ويغطي أكثر من 60% من تعداد السكان في العالم.
ملامح مشروع”الحزام والطريق”
مشروع”الحزام والطريق”، صاغه الرئيس الصيني بصفة رسمية في عام 2013 بعد تكثيف تركيزه على طريق الحرير التاريخي القديم ليكون ممراً يربط شبكة من الدول في أوروبا وآسيا وأفريقيا. والذي سيعود تفعيله بشكل أكثر تطورا وتوسعةليدرّ أرباحا وفوائد اقتصادية جمّة على الصين ويسمح لها بتجاوز شِراك الخضوع للهيمنة الأمريكية. وقد حظي هذا المشروع بقبول 100 دولة يهمها الاستفادة من ميزاته.
ويعتبر خط مومباسا – نيروبي، للسكك الحديدية، من أحد المراحل التي يشملها مشروع”الحزام والطريق”، وقد تم الانتهاء من العمل عليه وتفعيله أيضًا.
المشروع بلغة الأرقام
لقد ضخّت بكين الكثير من الأموال في سبيل إتمام هذا المشروع الضخم، والذي يقفز باسم الصين إلى القائمة الأولى فيما يسمى بالمستثمرين على مستوى القارات والبلدان، ويفسر ذلك الأرقام التي نشرتها التقارير التي تناولت تفاصيل هذا المشروع، والتي تؤكد أن الاستثمارات الصينية المرتبطة بمشروع “الحزام والطريق”، بلغت 60 مليار دولار منذ عام 2013، ومن المرجح أن تقفز إلى مستويات فلكية لتصل ما بين 600 و800 مليار دولار من الاستثمارات المخطط ضخها في السنوات الخمس المقبلة.
وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا عموما، وفق إحصائيات البنك الدولي، في 2014،حوالي 222 مليار دولار، ومن المنتظر أن يطأ سقف الـ 400 مليار دولار بحلول عام 2020.
إفريقيا أولوية للصين
ويظهر حرص الحكومة الصينية الشديد على إنجاح هذا المشروعفي إفريقيا بتأكيدها على تقديم الدعم المالي للعمل على الإسراع في تنفيذ مراحلهذا المشروع المترامي الأطراف في إفريقيا بلفي مساحات شاسعة في بلدان شتى وقارات متعددة.
وقد قال نائب وزير التجارة الصيني “تشيان كه مينغ”خلال مؤتمر صحافي بمقر وزارة التجارة الصينية: “إن الصين لا تزال أكبر شريك تجاري لقارة أفريقيا منذ تسع سنوات متتالية، حيث أسهمت برامج التعاون الكبرى في تعزيز التجارة الثنائية بين الجانبين”.
وتشير التقديرات إلى أن 25 في المئة من واردات الصين الإجمالية من النفط تأتي حاليًّا من إفريقيا؛ مما دفع بالصين إلى أن تضع في أعلى سلم أولوياتها الاحتفاظ بعلاقات قوية مع مورِّدي الطاقة الإفريقيين لها، وذلك عبر الاستثمار، والزيارات التي يقوم بها كبار المسؤولين. بحسب ما ورد في مقالة بيتر بروكس، وجي هاي شين: “النفوذ الصيني في إفريقيا تهديد كبير لمصالح واشنطن”.
نشاط ثقافي وسياسي وعسكريصيني موازي
تمدد الصين الاقتصادي رافقه بشكل موازي، نشاط آخر على المستوى الثقافي والسياسي حيث عمدت الحكومة الصينية إلى إبرام اتفاقات تعاون للتبادل والتعاون الثقافي بما في ذلك التعاون التكنولوجي، مع البلدان المشمولة بالمشروع، كتعزيز أوثق للروابط الاستثمارية بين بكين وبين هذه الدول.
وبحسب الحكومة الصينية فقد تم تأسيس 35 مركزاً ثقافياً صينياً عبر البحار، و140 معهد “كونفوشيوس”، و135 فصلاً دراسيا علاوة على 16 مركزا للطب التقليدي الصيني، وتأسيس 46 مركزاً دولياً للمعامل والبحوث.
وقد تمكنت الصين من الوصول إلى ساحة التعليم، مع بروز تأثير معهد “كونفوشيوس”، الذي يمنح الأجانب إمكانية تعلم اللغة الصينية ويسعى لنشر الثقافة الصينية في الخارج. وبدت جهوده كقوة ناعمة تستعين بها الصين للانسياب داخل نسيج ما لا يقل عن 22 بلد إفريقي بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الصينية “شينخوا”.
وهذا ما يفسر أيضا حصول الآلاف من الطلبة الأفارقة على منح لمواصلة دراستهم في الصين بشكل سنوي.
كما أطلق راديو الصين الدولي،أول محطة إذاعية خارجية له في كينيا في عام 2006، لتقديم 19 ساعة من البرامج اليومية الموجهة لتغطية أخبار الصين والعالم بما فيه الدول الإفريقية.
ويرى المراقبون أن هذا الانسياب الصيني الناعم في الساحات المؤثرة، أمهلها قوة تسمح لها بالتأثير بشكل مباشر في القرارات السياسية لشركائها من البلدان الأفريقية.
ويسند هذه القوة تزايد الاستثمار الصيني في القطاع العسكري، في قارة تعتبر النزاعات المسلّحة فيها سِمة غالبة. كما تعرفها الكونغو وإفريقيا الوسطى. وقد أكد هذه الحقيقة تصريحات السفير الأمريكي السابق في كل من إثيوبيا وبوركينا فاسو “دافيد شين” في مقابلة له مع صحيفة “لومند” الفرنسية، حيث قال عن التوسع العسكري الصيني في إفريقيا، بأن 25 % من الأسلحة التقليدية الموجودة في القارة السمراء صينية الصنع، مقابل 3 إلى 5 % خلال ستينيات القرن الماضي. هذا دون الحديث عن المشاركة الصينية في قوات الأمم المتحدة، وما يسمى القبعات الزرق، حيث تصل مساهمتها في القوات المنتشرة في القارة السمراء إلى نحو أربعة آلاف جندي، لتصبح من أكثر الدول في العالم المساهمة بقوات ما يسمى “حفظ السلام”.
خلفية عن التمدد الصيني في شرق إفريقيا
وتسجل التقارير أول تاريخ لظهور الوجود الصيني في شرق إفريقيا، في عام 2000 مع تمويل بكين لمشاريع استثمارية في جيبوتي.
ويفسر المراقبون السر وراء انطلاق الاهتمام الصيني بجيبوتي ابتداءً، باعتبارها بوابة إلى البحر الأحمر وقناة السويس، حيث تمر أغلب التجارة البحرية بين أوروبا وآسيا التي تبلغ قيمتها نحو 700 مليار دولار سنوياً، إلى وجهاتها.
وبالنظر لطموحات بكين في مشروع “الحزام والطريق” فإن جيبوتي تعتبر حلقة وصل مهمّة وحاسمة معإفريقيا، وممر مباشر إلى إثيوبيا محطة الاستثمار الصيني الرئيسية. وهذا ما يفسر إقامة الصين لقاعدة عسكرية في البلد المزدحم بالقواعد العسكرية (لكل من فرنسا والولايات المتحدة واليابان) رغم أن مساحته لا تتجاوز ـ23.000 كيلومتر مربع فقط.
وقد نجحت الصين في وضع أقدامها تحديدا فيمنطقة”دوراليه” الجيبوتية بالأموال والقوة البشرية الصينية،وهو ما أثار حفيظة الأمريكيين الذين لا تبعد قاعدتهم العسكرية الكبيرة “لومونييه” سوى مسافة قصيرة بحوالي 8 أميال (12.8 كيلومترًا). وهذا ما يفسر اجتماع الكونغرس الأمريكي لمناقشة هذا التطور الخطير. خاصة مع تسرب معلومات تؤكد أن الصين تخطط لتسكين 10 آلاف صيني بقاعدتها الجديدة في جيبوتي.
وفي سياق تعميق الوجود الصيني،أعلنت بكين عن افتتاح منتدى التعاون الصيني الإفريقي كما موّلت بناء مقر جديد لوزارة الخارجية الجيبوتيةبلغت تكلفته 2.41 مليون دولار ورفعت حجم الديون للحكومة الجيبوتية بشكل صارخ ما يجعلها مديونة لأجل غير مسمى للحكومة الصينية.
وعلى غرار جيبوتي استفادت “أديس أبابا”أيضا من الاستثمارات الصينية وعروضها التجارية بزيادة سوق المنتجات الصينية في إثيوبيا وزيادة صادرات إثيوبيا للصين.
إضافة إلى جملة من الاتفاقيات التي شملت تمويل وقروض ومشاريع تشييد طرق ومناطق صناعية. بما في ذلك مشروع أول طريق سريع يربط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بميناء جيبوتي. ومشروع سد النهضة المثير للجدل.
وتحصي التقارير في عام 2014 أكثر من 500 شركة صينية تعمل فى إثيوبيا باجمالي استثمارات تفوق 1.5 بليون دولار.
ويجدر الإشارة إلى أنالصين تكفّلت ببناء مقر الإتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية “إديس أبابا” الذي يجتمع فيه رؤساء الدول الإفريقية البالغ عددهم 54. وهو المبنى الذي أثارت فضيحة تجسس الحكومة الصينية على أجهزته عاصفة من الجدل بعد أن اكتشف الزعماء الأفارقة أن المعلومات المخزونة في تلك الأجهزة كانت تنقل مباشرة إلى الصين.
كذلك الاستثمارات الصينية وصلت إلى الصومال، حيث أبرمت سبعة مشاريع تنموية صينية في الفترة الممتدة بين 2000 و2011، كما وقعت شركة بترول صينية اتفاقا مع الحكومة الصومالية للتنقيب عن النفط في إقليم “مدغ” وسط الصومال، في عام 2007 بالرغم من أن أيٍّ من تلك الاستثمارت لم تنفّذ حتى الآن.
ولم يغفل الصينيون عن الساحة السودانية حيث أعلنت الخرطوم عن وجود 126 شركة صينية استثمارية على أراضيها في عام 2016، بحجماستثمارات وصل إلى 15 مليار دولار في كل المجالات، منها مجال النفط.
وكذلك تم رصد التمدد الصيني في جنوب السودان والذي ظهر على المستوى العسكري والدبلوماسي أيضا، فالصين– بحسب بعض المراقبين – والتي تعدّ أهمّ المستثمرين وأبرز مستوردي النفط من جنوب السودان، على سبيل المثال، تضطلع أيضا بدور الوساطة في النزاع المندلع فيه.
ولا تزال الصين ترفع من حجم استثماراتها في كل من إرتيريا وأوغندا وبلغت سقف استثماراتها في نيجيريا وجنوب إفريقيا حيث أصبحت عملة اليوان الصيني ضمن احتياطات بنوك هذه البلدان من العملات الأجنبية، على غرار كينيا التي تسمح بتبادل حر لعملة اليوان الصيني بالعملة المحلية الكينية نظرا لتصاعد معدلات الاستثمار الصيني في البلاد.
التنافس مع الولايات المتحدة
لا يخفى على متابع التنافس الشرس الذي اجتذب عدسات الصحافة وأنظار المراقبين في الآونة الأخيرة بين بكين وواشنطن في ميدان الاقتصاد، ولاشك أن منطقة القرن الإفريقي ولأهميتها الاستراتيجية، كانت محط أنظار وحلبة صراع لكلا المتنافسين.
فبعد أن تخلصت الولايات المتحدة من القطب الثاني المنافس لها على عرش النظام الدولي “الاتحاد السوفيتي”، وبعد سقوطه، بدأت الصين كدولة كبرى ، تظهر طموحاتها بشكل عملي وتوسعي في الساحة العالمية. وركزت الحكومة الصينية في صعودها على تكثيف نشاطها الاقتصادي وتقوية موقفها السياسي والعسكري باجتذاب أحلافٍ لها، وبدأ العالم يشاهد غزو الصينيين لحقول النفط في القارة الإفريقية بشكل متصاعد، من خلال الشركات الصينية التي فازت بعقود عمل مع حكومات البلدان الإفريقية.
وتمكّنت الصين في وقت قياسي، من أن تحتل المرتبة الثالثة كأكبر استثمار في إفريقيا بعد الولايات المتحدة وفرنسا. وتصاعدت معدلات التجارة بين الصين والدول الإفريقية ووقعت المزيد من الصفقات والعقود التجارية.
تحديات خطيرة
ولكن مع هذا الصعود الملفِت في القارة الإفريقية وقعت عمليات اختطاف الرعايا والمواطنين الصينيين أو مهاجمة المصالح والمواقع والمنشآت الصينية بشكل متكرر في بعض بؤر التوتر كان أبرزها الهجوم الذي وقع في إقليم أوغادين عام 2002 عندما قتل 9 صينيين واختطفت مجموعة أخرى منهم تم إطلاق سراحهم لاحقًا، وكذلك لقي الصينيون نفس المصير في كردفان عام 2007، وأيضا قتل أربعة صينيين واختطلف 9 آخرون في أكتوبر/تشرين الأول 2007.
كما شهدت زامبيا احتجاجات عنيفة وحالات موت وقعت في منجم نحاس يملكه صينيون في تشامبيسي.
أما في كينيا، فقد هاجم أحدهم مصنع لصناعة الحجارة وقتل عاملًا صينيًّا فيه.
ولا تزال موجات سخط تنال من الصينيين في كينا كان آخرها طرد رجل أعمال صيني استهزء بالكينيين ورئيسهم ووصفهم بالقرود. ما يعني أن هناك عقبات خطيرة أمام النشاط الصيني في القارة.
تهديد حقيقي
ويرى المراقبون تصاعد النفوذ الصيني في القارة السمراء من خلال الاستثمارات الضخمة والتبادل التجاري إضافة إلى التواجد العسكري ، يمثل تهديدا حقيقيا للقوى الغربية على رأسها الولايات المتحدة التي اعتادت ألا ينافسها أحد في هيمنتها العالمية والإقليمية. والتي يرجع تاريخ هيمنتها في شرق إفريقيا تحديدا إلى عقود منذ حقبة الحرب الباردة، بهدف احتواء خطر الشيوعية آنذاكموظفة لأجل ذلك حليفا قويا في المنطقة، الإمبراطور هيلا سيلاسي، حاكم إثيوبيا السابق. ومنذ ذلك الوقت برزت القواعد الأمريكية وأخذت برامجها التنموية والعسكرية في الاتساع وحبال هيمنتها في الانتشار، ما جعل من السفارة الأمريكية في أديس أبابا أكبر سفارة في جنوب صحراء إفريقية. واستمرت السياسات الأمريكية في التدخل في شؤون الحكومات في إثيوبيا والصومال وإريتريا والسودان وجيبوتي التي تمتلك فيها أكبر قاعدة عسكرية “ليمونييه”، مقر قوة العمل المشتركة أفريكوم. والتي تلقي من خلالها بأذرع مراقبتها في المجال البري والبحري والجوي، لتبقي كل من السودان وأريتريا والصومال وجيبوتي وكينياواليمن ودول الشرق الأوسط والخليج العربي وغيرها، تحت منظار المراقبةالأمريكية.
كما تؤكد التقارير وجود قاعدة أمريكية عسكرية في مدينة “أربامنش” جنوب إثيوبيا، خاصة بالطائرات بدون طيار وأخرى في جزر شيسل في المحيط الهندي تشمل أسطولا من الطائرات التي تنفذ عمليات استطلاع واسعة في الصومال والمناطق المستهدفة.
ولا تزال واشنطن تموّل القوات الإفريقية في الصومال “أميصوم” لمحاربة حركة الشباب المجاهدين وتدعم الحكومات في إفريقيا للتصدي لأي صعود إسلامي مرتقب فيها.
المستقبل بين المتنافسين
في الواقع وبالنظر لدرجة الانخراط الأمريكي في حروب وصراعات معقدة على خريطة العالم، وحجم التربص الذي باتت تظهره دول تتمرد على الهيمنة الأمريكية كروسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، فإن مستقبل المنطقة مرهون بنتائج ما يمكن أن نسميه “الحرب الباردة” بين هذه الأطراف، وستحدد نتائجه أكثر الأهداف التي ستحققها الصين من وراء مشروعها الضخم، “الحزام والطريق”، والمشروع الآخر الذي لا يقل أهمية “سلسلة اللؤلؤ” والذي يهدف إلى إنشاء خط من الموانئ البحرية بطول المحيط الهندي لتأمين الممرات البحرية التي عادة ما تمر بها السفن التجارية للصين. والذيسوية مع “الحزام والطريق” قد يقطع الطريق على فرص الولايات المتحدة في حصار الصين بريا أو بحريا.
وهو مرهون أيضا بقدرة الولايات المتحدة على قصقصة جناحات منافسيها وترويضهم لتبقى على هيمنتها، وقد بدأت بالفعل حين لوّحت ببطاقة المعاهدة النووية، حيث جاء في مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية أن ” هدف واشنطن من الانسحاب من الاتفاقية هو الدخول في حقبة جديدة من المنافسة الاستراتيجية مع الصين في مياه المحيط الهادئ جنوب شرق آسيا”.
ويجدر الذكر أن أمريكا وروسيا وقعتا معًا معاهدة الحدّ من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى “معاهدة القوى النووية المتوسطة” (أي إن إف) عام 1987، ثم استقر الأمر إلى عدم نشر واشنطن صواريخها في أوروبا مقابل خفض موسكو لعدد الصواريخ، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ رسميا عام 1988.
ولكن الصين لم توقع على المعاهدة، ولهذا وجدت سعة في تطوير قدراتها الصاروخية التي قد تسبب تهديدا مباشرا للقوات الأمريكية في المحيط الهادئ، جنوب شرق آسيا.
وهذا ما يفسر تعليق عميل وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي أي إيه” السابق، “كريستوفر جونسون”، في مجلة “ذي إيكونوميست” الذي قال فيه: “يمكن للأيام الأولى أن تحدد مصير أي حرب مستقبلية، وامتلاك قدرات عسكرية تمكن أمريكا من الوصول إلى قلب الأراضي الصينية يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للجيش الأمريكي في أي مواجهة مع الجيش الصيني”.وأضاف: “إذا لم تملك أمريكا القدرة على ضرب قواعد الصواريخ المضادة للسفن، الموجودة داخل الأراضي الصينية، ستقتصر قدراتها العسكرية في المنطقة على قواعدها الموجودة في اليابان، وسيكون إرسال سفنها الحربية إلى المياه القريبة من سواحل الصين مخاطرة غير مقبولة”.
وبمثل هذه التصريحات يمكن استقراء مستقبل منذِرٍ باندلاع حرب عالمية جديدة ستغير من هيكل النظام الدولي الحالي، إن قابلت حكومة بيكين العناد الأمريكي بعناد صيني يدعمه الحقد الروسي ودسائس حلفاءهم.
وفي هذه الأثناء تستفيد اقتصاديا دول شرق إفريقيا من التنين الصيني ولكن قد تتورط أكثر إذا اشتعلت رحى المنافسة والمضاربة بين الصين ووالولايات المتحدة وسيكون من الصعب على حكومات ضعيفة كجيبوتي أن تصمد أمام تدافع بهذا الحجم من دول كبرى.
ما يجعل مشهد الطموحات الصينية في إفريقيا وآمال الدول الإفريقية المتعلقة بهذه الطموحات في المستقبل، ضبابيًا ومشوشًا وغير محسوم.