الكوليرا تفتك بمئات السودانيين ولا مؤشرات على تراجع القتال

 

أعلنت وزارة الصحة السودانية، الاثنين، انتشار وباء الكوليرا في الدولة التي تمزقها الحرب، وتسببه في مصرع 388 شخصا وإصابة نحو 13 ألفا آخرين خلال الشهرين الماضيين.

ولا توجد أي مؤشرات على إمكانية تراجع حدة القتال المستمر في السودان منذ أكثر من 17 شهرا بين الجيش وميليشيات الدعم السريع، وفقا لأسوشيتد برس.

وأعلنت الوزارة أن قصفا مدفعيا أصاب سوقا مفتوحة، الاثنين، في أم درمان، المدينة المقابلة للعاصمة الخرطوم على الضفة الغربية من النيل، وأسفر عن مقتل 13 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 30 آخرين.

وينتشر مرض الكوليرا في المناطق التي اجتاحتها الأمطار الغزيرة والفيضانات الجارفة، خاصة شرقي البلاد، حيث لجأ ملايين النازحين بسبب الحرب.

وذكرت الوزارة أن ضحايا الكوليرا 6 وفيات وحوالي 400 مصاب يوم الأحد فقط.

وقالت إنها رصدت الوباء في عشر من ولايات البلاد الـ 18، وكانت ولايتا كسلا والقضارف في الشرق هما الأكثر تضررا.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن الكوليرا سريع التطور والانتشار ويسبب الإسهال، وهو العرض الذي يصيب الجسم بجفاف شديد ووفاة محتملة في غضون ساعات حال عدم الحصول على علاج.

وينتقل الكوليرا عن طريق تناول طعام أو ماء ملوث.

ولا يعد هذا المرض جديدا على السودان، فقد أدى تفش سابق له إلى وفاة 700 شخص وإصابة نحو 22 ألفا آخرين في أقل من شهرين عام 2017.

وانزلق السودان إلى فوضى عارمة في أبريل 2023 عندما تطور الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى حرب مفتوحة بجميع أنحاء البلاد.

وشهد القتال، الذي تسبب بدمار واسع في العاصمة الخرطوم ومناطق حضرية أخرى، ارتكاب فظائع من بينها الاغتصاب الجماعي والقتل بدوافع عرقية.

وتقول الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية إن هذه الفظائع ترقى إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، خاصة تلك التي ارتكبت في إقليم دارفور غربي البلاد.

وقال محمد إبراهيم، المتحدث باسم وزارة الصحة، إن القصف استهدف سوق صابرين بمديرية كرري بأم درمان، الاثنين. وألقى باللوم على قوات الدعم السريع في الهجوم.

وأدت الحرب لمقتل نحو 20 ألف شخص وإصابة عشرات الآلاف بجروح، بحسب الأمم المتحدة.

مع ذلك، تقول منظمات حقوقية وناشطون إن عدد القتلى الفعلي “أكبر بكثير”.

الحرب خلقت أيضا أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 13 مليون سوداني أجبروا على الفرار من منازلهم منذ اندلاع القتال، ويشمل ذلك أكثر من 2.3 مليون فروا إلى دول الجوار.

وأدت الفيضانات الموسمية المدمرة والكوليرا إلى تفاقم الكوارث التي يعيشها السودانيون.

وزارة الصحة بدورها قالت إن ما لا يقل عن 225 شخصا لقوا مصرعهم وأصيب نحو 900 آخرين بسبب الفيضانات.

وأضافت “هناك بنى تحتية حيوية دمرت، بالإضافة لأكثر من 76 ألف منزل”.

وتأكدت حدوث مجاعة أيضا في يوليو داخل معسكر زمزم للنازحين، والذي يبعد حوالي 15 كيلومترا عن الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.

وحذر خبراء بأن حوالي 25.6 مليون شخص – أي أكثر من نصف سكان السودان – قد يواجهون جوعا حادا هذا العام.

في الأثناء، يحتدم القتال في الفاشر، آخر مدينة بإقليم دارفور لا تزال تحت سيطرة الجيش. وتحاول قوات الدعم السريع استعادتها منذ بداية العام.

والأسبوع الماضي، شنت قوات من الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها هجوما جديدا على المدينة. وقال الجيش إن قوات عسكرية تمكنت من صد الهجوم، وإن المئات من مقاتلي قوات الدعم السريع قتلوا، بينهم اثنان من كبار القادة.

 

الوضع في السودان “يائس”

وحذّر المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، الأحد، من أنّ الوضع في السودان “يائس” والمجتمع الدولي “لا يلاحظ ذلك”، مشيرا بالخصوص إلى أوضاع النازحين الذين يحاولون الفرار من البلد الغارق في الحرب.

وقال غراندي إنّ “هذه الأزمة الخطيرة للغاية – أزمة حقوق الإنسان وأزمة الاحتياجات الإنسانية – تمرّ دون أن يلاحظها أحد تقريبا في مجتمعنا الدولي” المنشغل بأزمات أخرى، من أوكرانيا إلى غزة.

وأوضح أنّه منذ بدء الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 “نزح أكثر من 10 ملايين شخص من ديارهم”، بينهم أكثر من مليوني سوداني لجأوا إلى دول أخرى.

لكنّ “ما يثير القلق” بالنسبة للمسؤول الأممي هو أنّ “الناس بدؤوا ينتقلون إلى ما هو أبعد من الجوار المباشر في محاولة منهم للعثور على المساعدة في مكان أبعد”.

 

أوغندا ومصر

وأضاف “على سبيل المثال، شهدنا زيادة كبيرة في عدد اللاجئين الذين يصلون إلى أوغندا”، مشيرا إلى أنّ 40 ألف شخص وصلوا إلى هذه الدولة التي لا تربطها حدود مشتركة مع السودان.

وتقع أوغندا جنوبي دولة جنوب السودان الغارقة بدورها في أزمة متعددة الأبعاد.

وأعرب غراندي عن خشيته من إمكانية أن يذهب هؤلاء اللاجئون “أبعد حتى” من هذا البلد.

وأوضح أنّ “أكثر من 100 ألف سوداني” وصلوا أيضا إلى ليبيا، “ولسوء الحظ، بسبب وجود شبكات تهريب والقرب من أوروبا، يحاول كثيرون منهم ركوب قوارب للذهاب إلى إيطاليا أو دول أوروبية أخرى”.

وتابع “لقد حذّرنا الأوروبيين”، مشدّدا على أنّه إذا ظلّت المساعدات الإنسانية للسودان غير كافية فإنّ السودانيين “سيواصلون المضي قدما” على طريق الهجرة.

وحذّر المفوّض السامي من أنّه “للأسف، بدأت هذه الأزمة تؤثّر على المنطقة بأكملها بطريقة خطرة للغاية”.

وتستقبل كلّ من تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى عشرات آلاف اللاجئين السودانيين، وكذلك تفعل مصر الحدودية مع السودان.

ولفت غراندي إلى أنّ “وصول أعداد كبيرة من اللاجئين من بلد غير مستقرّ مثل السودان أخاف الحكومة المصرية” التي فرضت قيوداً على وصولهم، مشيراً إلى أنّ القاهرة أبقت على قسم كبير من هذه القيود على الرغم من الدعوات التي وجّهت إليها لتخفيفها.

ومنذ أبريل 2023، تدور حرب طاحنة بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

وخلّفت هذه الحرب عشرات آلاف القتلى، في حين يواجه حوالي 26 مليون سوداني انعداما حادا في الأمن الغذائي.

وأُعلنت حالة المجاعة في مخيّم زمزم الواقع في إقليم دارفور قرب مدينة الفاشر حيث شنّت قوات الدعم السريع في نهاية الأسبوع الماضي هجوما “واسع النطاق” بعد حصار استمرّ أشهرا عدّة.

وقال غراندي “ليست لدينا سوى معلومات متناثرة حول ما يحدث داخل” الفاشر.

وبحسب خبراء أمميين فإنّ هجمات قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها تسبّبت في 2023 بمقتل ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص في مدينة الجنينة وحدها، عاصمة ولاية غرب دارفور.

الوضع “يزداد سوءا” في الفاشر

في واحدة من “أبشع الحروب في العالم” يدخل الصراع في السودان مراحل متقدمة من المعارك الوحشية حيث يتنافس جنرالان على السيطرة على البلاد.

وأعرب المفوّض السامي عن أسفه لأنّ المجتمع الدولي لم يعر الأزمة في السودان الاهتمام الكافي، حتى قبل اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر.

وقال إنّ الحرب في السودان كانت “مهمّشة إلى حدّ بعيد” على الرغم من آثارها الهائلة، معربا عن أسفه “لحالة نقص الاهتمام المخيفة والصادمة” بالأزمات التي تعصف بأفريقيا، من منطقة الساحل إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية.

وتساءل غراندي “ما هو مستقبل بلد مثل السودان الذي دمّرته الحرب حتى لو حلّ السلام فيه؟”، مشيرا إلى أنّ الطبقة المتوسطة التي أبقت هذا البلد “صامدا” طيلة عقود من الاضطرابات والحروب “تمّ تدميرها” الآن.

وقال “هم يعلمون أنّ الأمر انتهى: لقد فقدوا أعمالهم، ودُمرت منازلهم، وقُتل العديد من أحبائهم. إنّه أمر فظيع”، وبالتالي “ما هو مستقبل الشعب السوداني؟”.

 

وكالات الأنباء