السودانيون ثابتون على مطالبهم رغم تنحي بن عوف

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

ما لبث وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف أن يعلن عن بداية مرحلة جديدة بعد سقوط عمر البشير حتى خرج من جديد وأعلن عن استقالته وتولية الفريق أول عبد الفتاح البرهان مكانه، والذي أدى القسم رئيسًا للمجلس العسكري الانتقالي في البلاد.

 

وقال بن عوف في خطاب بثه التلفزيون الرسمي: “أعلن أنا رئيس المجلس العسكري الانتقالي التنازل عن هذا المنصب واختيار من أثق في خبرته وجدارته بأن يصل بالسفينة إلى بر الأمان وبعد التفاكر والتشاور أعلن عن اختيار الفريق أول عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن ليخلفني في رئاسة المجلس العسكري الانتقالي”.

 

ونقلت التقارير الصحفية عن مصادر سياسية في السودان، أن إعلان بن عوف تنحيه يرجع لرفض قطاع كبير من الرتب الصغيرة والمتوسطة في الجيش له فضلا عن الشعب السوداني الذي يراه أحد رموز النظام ورفيق البشير القديم.

 

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي حذّر النشطاء من بن عوف بعد لقائه مع ‏عباس “ترامادول” رئيس المخابرات المصرية والمقرب من السيسي ونبهوا الشعب الثائر في السودان ليتوقع أي محاولة للالتفاف على ثورته على غرار التجربة المصرية.

 

وقد أدى عبد الفتاح البرهان اليمين رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي في مراسم بثها التلفزيون السوداني.

 

والبرهان الذي يبلغ من العمر 60 عامًا، كان القائد السابق للقوات البرية في الجيش السوداني والمشرف على القوات السودانية في اليمن بالتنسيق مع قائد قوات الدعم السريع ويحظى بدعم سعودي وإماراتي.

 

من جانبها أصدرت قوات الدعم السريع،  بيانًا عقب هذا التعيين يطالب بوضع برنامج واضح لفترة انتقالية لا تزيد عن ثلاثة إلى ستة أشهر، يتم خلالها تنقيح الدستور من خلال لجنة صياغة تشارك فيها كافة قوى السودان. كما جدّد الفريق محمد حمدان حميدتي رئيس قوات الدعم السريع، اعتذاره عن عدم المشاركة في عضوية المجلس العسكري الانتقالي، وذلك لحين تنفيذ شروط قوات الدعم السريع التي تستجيب لمطالب الشعب السوداني، من بينها إنشاء محاكم خاصة لمكافحة الفساد.

 

واستمر مئات الآلاف من السودانيين في احتشادهم في الشوارع المحيطة بمقر القوات المسلحة وسط الخرطوم، في تحد واضح لقرارات المجلس الانتقالي.

 

وقال تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود الثورة، أن إعلان بن عوف تنازله عن منصبه واختياره الفريق أول عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن خلفًا له هو “انتصار لإرادة الجماهير”. وأضاف: “جماهير شعبنا في الأحياء والفرقان والبلدات والمدن والقرى في العاصمة القومية والأقاليم ندعوكم للخروج للشوارع الآن، والتوجه إلى ساحات الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات شعبنا المسلحة ومقار حامياتها ووحداتها المختلفة، والبقاء في ساحات الاعتصام طوال الليل وعدم مبارحتها”.

 

وقابل السودانيون خبر استقالة بن عوف بالاحتفالات والاعتصامات في شوارع السودان وأمام قيادة الجيش، في وقت حثّ فيه المهنيون السودانيون وتحالفات المعارضة المواطنين السودانيين على الاستمرار في الاعتصام للمحافظة على مكتسبات الثورة.

 

استقالة رئيس الاستخبارات

وبحسب الإعلام السوداني فقد استقال مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق صلاح عبد الله قوش عقب تنصيب البرهان واستقالة بن عوف.

 

وتتهم منظمات حقوقية قوش بالتورط في انتهاكات بإقليم دارفور. كما تؤكد التقارير علاقته الوثيقة بالاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والتعاون معها فيما يُسمى مكافحة الإرهاب.

 

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعتبر السودان دولة راعية للإرهاب وفرضت عليها عقوبات اقتصادية فإنها تحتفظ بعلاقة أمنية معها تقوم على التعاون في مجال الاستخبارات وما يُسمى مكافحة الإرهاب. بحسب ما نشرت فورن بوليسي.

 

وعمل قوش كمستشار أمنيً للبشير، قبل أن يُعتقل بتهمة محاولة الانقلاب والتآمر على الدولة عام 2011.

 

وأطلق سراح قوش بعد عفو رئاسي عام 2013، ثم اختفى نسبيًا عن الأنظار حتى عيّن عام 2018 من جديد رئيسًا  لجهاز الأمن والاستخبارات السوداني.

 

وتعجب المراقبون كيف تم استثناء غوش من الاعتقال وهو الذي اجتمع قبل أسابيع فقط مع الاستخبارات الإسرائيلية وله سجل من التهم تستدعي محاكمة قضائية. ما جعل الكثيرون يصفون ما يجري في السودان بمسرحية أبطالها قادة الجيش الهدف منها تهدئة الشعب والالتفاف على ثورته بدهاء.

 

ردود دولية

من جانبه وصف المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين الإطاحة بالبشير بأنه “خبر استثنائي”، وعن مصير البشير قال المفوض بأن الاحتمالات تذهب إلى أنه سوف يرسل إلى دولة مجاورة على الأرجح ليعيش بقية عمره هناك لكن زيد يرى في سقوطه فرصة للحكومة العسكرية لتقوية علاقاتها مع القوى الغربية الرئيسية.

 

وعن أحداث السودان رفضت الولايات المتحدة وصف تنحية البشير بالانقلاب، واعتبرته “لحظة تاريخية”. كما أعلنت واشنطن تعليق المحادثات مع الخرطوم بشأن تطبيع العلاقات بين البلدين التي كانت جارية في الآونة الأخيرة.

 

ومن جانبه شجع الاتحاد الأوروبي تسريع الانتقال السلمي للسلطة في السودان.

 

كما دعا مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المجلس الانتقالي إلى التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لتنفيذ مذكرة الاعتقال بحق عمر البشير بشأن تهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية في إقليم دارفور لكن المجلس رفض تسليم البشير.

 

ويجدر الذكر أن وزير الدفاع بن عوف هو أحد الأسماء التي تفرض واشنطن عقوبات عليهم لنفس تهم الإبادة في صراع دارفور.

 

وقد انتقد مراقبون الانتقال السريع في المناصب العسكرية لأشخاص تم استدعائهم قبل شهر فقط من قبل الرئيس المعزول عمر البشير إلى القصر وأقسموا جميعا على الولاء له وطاعته واحترام الدستور.

 

ثم ما لبث هؤلاء أن انقلبوا على رئيسهم واعتقلوه وألغوا الدستور ثم أقسموا من جديد على احترام ما ألغوه في اليوم ذاته.

 

وبعد أقل من 24 ساعة وحين استشعروا غضبة السودانيين وعدم قبولهم لهم أقالوا ممثلهم عوض بن عوف ثم قدموا عبد الفتاح البرهان ليقسم بما أقسم عليه سلفه بن عوف في وقت قياسي.

 

وخلال أقل من 48 ساعة اقتُلع البشير وحل البرلمان ومجلس الوزراء واستقال الجنرالات واحدا تلو الآخر ورفع بعضهم في المناصب وفتّحت أبواب السجون وبدأت خطب التهدئة والوعود المتكررة.

 

وعي الثوار

ويجدر الإشارة إلى أن وعي الشارع السوداني بمصير الثورة المصرية كان وراء إصرار قادة الثورة على الثبات على مطالبهم وتجاوز كل المسرحيات العسكرية التي يحاول من خلالها جنرالات الجيش الالتفاف على الثورة السودانية.

 

‏ويظهر هذا الوعي بشكل واضح في مواقع التواصل الاجتماعي حيث يرى النشطاء السودانيون أن قيادات الجيش السوداني الفاسدة وعلى رأسهم وزير الدفاع لم يعتقلوا البشير وعصابته كما يذاع وإنما يتم وضعهم في مكان آمن خوفا من الفتك بهم من المتظاهرين كما حدث مع مبارك وعصابته.. لحين القضاء على الثورة والثوار.

 

وفي الاحتجاجات، رفع السوادنيون لافتات كتبت عليها عبارات تعكس هذا الوعي بمصير الثورة المصرية وإدراكهم أن السودان تمر بنفس المراحل الحالية للالتفاف على ثورته من قبل نظام العسكر، وكان من بين اللافتات التي رفعت ” شالو الكوز الماعيزنو جابو الكوز الأوسخ منو” و”سقطت أول وتسقط تاني”. و”إما النصر وإما مصر”.