السباق الدولي على ضفاف البحر الأحمر

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

عند الضفة الشرقية للقارة الإفريقية، تقع منطقة ذات جاذبية عالمية، دفعت القوى الدولية مؤخرا لتعزيز وجودها بأشكاله المختلفة، الاقتصادية والعسكرية والسياسية وحتى السياحية.

 

ويجتذب البحر الأحمر اهتمام هذه القوى بسبب موقعه الإستراتيجي حيث يحده شرقا السعودية واليمن ومن الجنوب الغربي إريتريا، ومن الغرب السودان، ومن الشمال الغربي مصر، ومن الشمال الأردن والكيان الإسرائيلي، ومن الجنوب جيبوتي والصومال، وتزداد أهميته الاستراتيجية لتمركز قناة السويس في شماله ومضيق باب المندب في جنوبه.

 

ويعتبر البحر الأحمر أقصر وأسرع ممر بحري يصل الشرق والغرب. يمر من خلاله أهم ثروة في العالم وهي النفط، حيث يتوجه عبره نفط الخليج المصدّر لأوروبا وأمريكا.

 

إضافة إلى مرور قرابة الـ10% من حركة التجارة العالمية بين مختلف القارات بحسب الإحصائيات.

 

هذا دون أن ننسى استقطابه للتواجد العسكري الملفت للانتباه، حيث على ضيق مساحته نسبيا، يضم أكبر تجمع للقواعد العسكرية من مختلف الدول بما فيها الكبرى والمتنافسة.

 

ومن لم يفز بموطأ قدم على سواحله سارع للحصول على موطأ قريب في أسفل الخريطة على طول المحيط الهندي والسواحل الصومالية.

 

ومن الأسباب المعلنة لهذا التسابق العسكري على ضفاف البحر الأحمر: حماية التجارة الدولية وناقلات النفط والسفن من حملات القراصنة، وكذلك الحرب على ما يُسمى الإرهاب والمراقبة الدائمة لنقطة التقاء القارة الإفريقية مع القارة الآسيوية.

 

وقد التحقت تركيا بركب المتسابقين للبحر الأحمر، وحظيت باستثمار صنّف بالسياحي في جزيرة “سواكن” السودانية بعد اتفاقية بين أنقرة والخرطوم.

 

ولا شك أن تحول أنظار الأتراك لهذه الضفة يسلط الضوء على حركة دولية ملفتة تجري فيها، تعكسها أحجام المشاريع الاقتصادية والسياحية والاتفاقات الدولية المبرمة مؤخرا، كاتفاقية السلام بين إرتيريا وإثيوبيا بعد أكثر من عشرين سنة من العداء والحرب.

 

ويمكننا تلخيص أهم المحطات والمشاريع الدولية في البحر الأحمر، كالتالي:

 

مشاريع سياحية واقتصادية

منها مشروع جزيرة سواكن التي تبلغ مساحتها 20 كيلومترا مربعا وتضم منطقة أثرية تاريخية تعود للحقبة العثمانية وتسعى أنقرة للاستثمار فيها وإعادة بنائها.

 

ومشروع تيران وصنافير الجزيرتان اللتان تقعان شمال البحر الأحمر، قرب خليج العقبة، وهما اللتان حصلت السعودية على حق السيادة عليهما بعد ترسيم الحدود البحرية بينها وبين مصر في أبريل/نيسان 2016،  رغم ما أثارته القضية من موجة سخط واستنكار لدى الشعب المصري. وتنوي السعودية استثمارها في مشاريع سياحية.

 

ومشروع “نيوم” الذي يقع شمال غربي الأراضي السعودية وتشترك فيه الأردن ومصر إذ أنه يطل على خليج العقبة والبحر الأحمر في آن واحد فيما يعد مشروعا استثماريا سعوديا ضخما بحجم استثمارات يقدر بـ500 مليار دولار. وتتضمن خطط المشروع جسراً يقطع البحر الأحمر، ويربط بين المدينة الجديدة ومصر وباقي القارة الإفريقية. ومن المقرر أن يُفتتح بحلول 2025.

 

ومشروع البحر الأحمر والذي يشمل إقامة منتجعات سياحية  على أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي أملج والوجه، والممتدة على ساحل يتجاوز طوله 200 كيلومتر في البحر الأحمر.

 

القواعد العسكرية

وهي متعددة ونحصي منها قاعدة إماراتية في ميون اليمنية القريبة من مضيق باب المندب. وقد وجه الإعلام القطري أصابع الاتهام لأبوظبي بأنها تعمل تحت غطاء التحالف العربي للهيمنة على ساحل الجنوب اليمني والجزر القريبة منه بهدف التحكم في مضيق باب المندب. إذ تعتبر جزيرة ميون من أهم الطرق البحرية الاستراتيجية في العالم.

 

والقواعد العسكرية في إريتريا ومنها قاعدة إماراتية في ميناء عصب وتقع على بعد 106 كيلومترات شمال باب المندب، ويقابل ميناء عصب الإريتري ميناء المخا اليمني.

 

وقواعد لإسرائيل وإيران حيث تشير التقارير إلى وجود قواعد لكلا البلدين في جزر أرخبيل دهلك الإريترية، رغم نفي أسمرة لذلك.

 

وقاعدة إماراتية في جمهورية  “أرض الصومال” الانفصالية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن. وأثار إنشاء هذه القاعدة الكثير من الجدل لرفض الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب أن تفتح مشاريع في إدارة صومالي لاند الانفصالية بدون إذنها، ورفعت لأجل ذلك شكاوى للأمم المتحدة والجامعة العربية ومع ذلك تم تمرير المشروع والمضي قدما في بناء القاعدة. وتعتبر عوضا للقاعدة الإماراتية التي ألغت جيبوتي عقد العمل عليها مع الإمارات بعد الموافقة عليه لأسباب غير واضحة.

 

وقواعد عسكرية في جيبوتي: وهي الأكثر تزاحما لصغر مساحة جيبوتي وتعدد القواعد العسكرية على أرضها، وتعتبر الأخيرة مغرية للقوى الدولية بسبب موقعها على باب المندب، والذي يتيح لمن يمتلك قاعدة عسكرية أن يتدخل سريعاً في الأحداث بعدد من دول المنطقة، كاليمن والصومال، وتستفيد جيبوتي الفقيرة من أثمان تأجير القواعد العسكرية كأحد أهم مصادر الإيرادت لدخلها، حيث تحصل سنوياً على قرابة 160 مليون دولار لقاء ذلك، وبحسب ما أعلن يتواجد على أراضيها، قاعدة “ليمونير” الأمريكية التي يتمركز فيها 4 آلاف جندي، وتقع جنوب مطار “أمبولي” الدولي بالعاصمة جيبوتي، وهي الأكبر من بين القواعد العسكرية في المنطقة، وأنشأتها واشنطن عام 2001، بهدف تعزيز وجودها العسكري في المنطقة. ومن هذه القاعدة، تنطلق عمليات ما يسمى “مكافحة الإرهاب” التي ينفذها الجيش الأميركي في الصومال، حيث تخشى واشنطن صعود قوة “حركة شباب المجاهدين” ، وفي اليمن، تخشى صعود قوة “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” أيضا.

وقاعدة عسكرية صينية وهي أحدث القواعد المدشنة في جيبوتي والتي تثير حساسية الأمريكيين لشدة ملاصقتها بقاعدتهم “ليمونير”. حيث تم تدشينها في أغسطس/آب 2017، باعتبارها أول قاعدة عسكرية لها بالخارج وتتحدث التقارير عن طاقة استيعابية للقاعدة تصل لعشرة آلاف جندي.

 

وقاعدة فرنسية ملاصقة لمطار جيبوتي، وهي ثاني أكبر قاعدة بعد الأميركية، وأقدم القواعد العسكرية الفرنسية في القارة السمراء؛ إذ يعود عمرها إلى نحو 100 عام، ويتمركز فيها 900  عسكري.

 

وقاعدة يابانية هي الوحيدة التي تملكها طوكيو خارج أراضيها، أنشأتها في جيبوتي عام 2011، ويتمركز فيها 600 عسكري.

 

وقاعدة إيطالية أنشأت في جيبوتي عام 2013، لها القدرة على استضافة 300 جندي، وتعد في الوقت ذاته أول مركز لها خارج الحدود، كـ “مركز للعمليات اللوجيستية”، ويعمل بها 90 جنديا.

 

وقاعدة سعودية، تتنظر الإنشاء وهي على مسودة اتفاق أمني وعسكري واستراتيجي، حصلت على موافقة السلطات الجيبوتية.

 

وأسفل الخريطة على السواحل الصومالية قاعدة عسكرية تركية أنشأتها أنقرة تعتبر أكبر قاعدة عسكرية للقوات التركية خارج تركيا. تهدف لدعم الميليشيات الحكومية في حربها ضد حركة الشباب المجاهدين.

 

دون أن نحصي القواعد العسكرية الأمريكية في إثيوبيا وجزر سيشل في المحيط الهندي والتي لها نفس الأهداف التي لبقية القواعد العسكرية في المنطقة.

 

وبهذا المشهد تبقى الضفة الشرقية للقارة الإفريقية متأهبة لحرب هيمنة على المنطقة ومسرحا للمنافسة قابلا للانفجار في أي حين.