الرئيس الكيني يلاحق الأموال المسروقة والسفارة الأمريكية ترفض استعمال عملاته الجديدة

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

شن الرئيس الكيني أوهورو كينياتا حملة لاسترداد الأموال المنهوبة للخارج من قبل المسؤولين في حكومته.

 

وكانت آخر خطوة اتخذها كينياتا في ما يسمى مكافحة الفساد، إعلان البنك المركزي لكينيا في 1 حزيران الماضي أنه سيبطل عملة 1000 شلن كيني في البلاد وهي تعادل 10 دولارات من التداول ابتداء من 1 أكتوبر المقبل. على أمل أن يقطع ذلك الطريق على بلايين الشلنات المصنعة والمحظورة من التدفق والتي تأتي من الأموال العامة المنهوبة لصالح الجيوب الخاصة من رجال حكومته.

 

من جانبه رحب رئيس البنك المركزي باتريك نجورج بهذا القرار وقال أنه جاء بهدف كبح التدفق المالي المحظور وجريمة غسل الأموال التي تعاني منها كينيا.

 

ولكن المراقبين يحذرون من أن العديد من التحديات لا تزال أمام كينياتا بما فيها عجز حكومته عن إحكام سيطرتها على النقد المحظور. والذي تفاقم بسبب فساد المسؤوليين الحكوميين ذاتهم وأيضا بسبب استمرار الهيمنة السياسية لحكومته مدة طويلة من الزمن.

 

فالنظام الحالي يسمح للمسؤولين الفاسدين بغسل أموالهم باستثمارها داخليا أو بإرسالها خفية إلى الخارج، وغالبا ما يحدث هذا عن طريق الاستثمار في أعمال تجارية تسمح بتوليد النقد ومشاريع العقارات أو بإخفائه في البنوك الأجنبية.

 

وقال جيزن بارغانزا المدير التنفيذي لشبكة إفريقيا لعدالة الضرائب بأن كينيا تخسر 400 مليون دولار كل سنة منذ 2011 بسبب التدفق المالي المحظور.

 

وقد تداعت حالة الفساد التي تعيشها البلاد على العلاقات الدولية لكينيا، حيث أعلنت الولايات المتحدة رفضها منح تأشيرات للأفراد الذين تورطوا في قضايا فساد، بعد توقيع اتفاقية مع كينيا في مايو، وجاء هذا القرار بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في شهر مارس المنصرم أن كينيا ضمن قائمة أخطر البؤر الساخنة لغسيل الأموال في العالم.

 

ومن الخطوات التي لجأ إليها كينياتا لاسترداد الأموال المنهوبة من رجال حكومته والتي تم تهريبها للخارج، توقيعه على اتفاقيات مع بريطانيا وسويسرا وجيرزي – وهي جزيرة تقع بين بريطانيا وفرنسا- وذلك ما بين شهري مارس وديسمبر من عام 2018.

 

وكان الهدف من هذه الاتفاقيات استيعاد الأموال التي هربت للخارج بما يعدل البلايين من الشلنات الكينية، والتي حولت بطرق غير قانونية للملاجئ الضريبية.

 

ولكن عملية استرجاع هذه الأموال، ستحتاج قبل عودتها للوطن بحسب المراقبين لضمان عدم حدوث عمليات النهب والسرقة مرة أخرى، ولتطبيق عمليات مراقبة شديدة والتأكد من وجود أرصدة سليمة حقيقية.

 

في يوليو 2018 وقّع كل من الرئيسين الكيني والسويسري “ألي بيرست” على إعلان النية لإرجاع الأموال الكينية المكتسبة بشكل غير قانوني والمحفوظة في البنوك السويسرية، وتبلغ قيمتها بلايين الدولارات أخفيت في هذه البنوك بطريقة أو أخرى.

 

ثم بعد شهر وقّع كينياتا على اتفاقية مماثلة مع رئيسة وزراء بريطانيا “تيريزا ماي” ثم اتفاقية ثالثة أخرى بين كينيا وجيرزي سهلت استرجاع الأموال التي صادرتها محكمة جيزري في فبراير 2016.

 

ومن بين الأصول المسروقة كانت إيرادات فضيحة ما يسمى “التأجير الأنجليزية” بعدة ملايين من الدولارات، وفضيحة “جولدنبيرغ” والفضيحة الأخيرة التي تسمى “شيكن غات” وفضائح “خدمة الشباب الوطنية”.

 

في بعض الحالات تمت محاكمة المتورطين الأجانب المشتبه بهم – الكينيين- في بريطانيا وجزيرة جيرزي. ودفعوا غرامات على ذلك. فشركة جيرزي تعاملت مع الوزير السابق “كرس أوكيمو” و”صاموئيل جيشورو” – مدير إدارة الكهرباء السابق الكيني – واعترفا كلاهما في عام 2016 بالتهم الموجهة إليهما بغسل الإيرادات المنهوبة، بين يوليو 1999 وأكتوبر 2001، بما يصل لأكثر من 3.8 مليون دولار، على وشك أن تسترجع.

 

ولكن مع هذه الجهود التي يبذلها كينياتا لاسترجاع الأموال المنهوبة من رجال حكومته، لا تزال هذه الحكومة تتهم بالمماطلة والامتناع عن الامتثال للقوانين في مكافحة وملاحقة الفساد، ومن الأمثلة على ذلك عدم تسليم أوكيمو وجيشورو لمحكمة جيرزي، حتى بعد أن صادقت محكمة كينيا العليا على حكم بمتابعة عملية التسليم استجابة لطلب رسمي من جيرزي. ولم تقم المحاكم الكينية إلى الآن بتسليم متهم واحد بارز على الرغم من العديد من التوقيفات والمحاكمات وبعضها شملت كبار مسؤولي الحكومة الكينية.

 

في فضيحة “شيكن غايت”، أجرى المكتب البريطاني لمكافحة الاحتيال التحقيقات التي انتهت بفرض عقوبات على شركات بريطانية منها شركتي “سميث” و”أوزمان”، وهما شركتا الاقتراع اللتان ظهر بأنهما متورطتان بدفع رشاوي تحت رمز “الدجاج” لمسؤولين كينيين لضمان الصفقات المتعلقة بالانتخابات.

 

ولم يعترف أحد من المسؤولين الكينيين بذلك، وبقي المشتبه بهم الرئيسيين طلقاء. وبعضهم في مناصب عليا، بل إن أحد الحكام المنتخبين اليوم هو من السياسيين الذين تورطوا في فضيحة “خدمة الشباب الوطنية”.

 

وفي سبيل استرجاع الأموال المنهوبة، سافر عدة مسؤولون كبار في الحكومة الكينية إلى لندن في 2018 في محاولة لاسترداد هذه الثروة الكينية المهرّبة في بريطانيا دون وجود أي تفسير قانوني لوجودها. وقال رئيس الإدعاء العام الكيني نور الدين حاجي: “تريد كينيا استغلال الثروة التي توجد في بريطانيا دون تفسير قانوني واستعادتها”.

 

ويفرض القانون البريطاني على الأفراد الكشف عن مصدر أصولهم. كما يتيح حجز الملكية لمبالغ كبيرة تصل لأكثر من 50 ألف يورو بشرط أن يكون صاحبها شخص ثبت تورطه أو ثبتت علاقته بجريمة حقيقية.

 

وأكدت تقارير أوروبية في هذا الشأن أن نيجيريا  اتبعت في 2018 استراتيجية مماثلة لكينيا، واسترجعت عن طريقها 322 مليون دولار من الحكومة السويسرية، سبق وأن سرقت من قبل الحاكم العسكري السابق “ساني  أباشا”.

 

وقد حصل الرئيس النيجيري “محمد بخاري” على المساعدة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووكالات الأمن العالمية ودول صديقة للوصول إلى هذه الأموال.

 

ودعا أحد التقارير إلى التفكير مرة ثانية في برنامج إعادة الأموال لنيجيريا، بإخضاعه إلى شروط صارمة تم التوقيع عليها مع سويسرا.

 

ويمكن البنك الدولي إيقاف برنامج إعادة الأموال للحكومة النيجيرية  بدفع من مجلس النواب النيجيري الذي يطالب باحترام صيغة تقسيم الأموال على 36 ولاية بشراكة خشية أن تنهب مرة أخرى بعد استردادها.

 

وتؤكد التقاير أن ثلث المطالب كانت عبارة عن شكاوى حول نهب الأموال المستعادة من قبل المسؤولين ضمن الوكالات ذاتها التي نفذت التحقيقات واسترجعت الأموال، وظهر أن هذه الأموال انتهت في حسابات مستفيدين أشباح.

 

وهذا ما يجعل محاولة كينيا الأخيرة في استعادة النقد والأصول المسروقة بحاجة لآليات فعالة وشفافة لإدارة الأموال – بحسب المراقبين – وضمان عدم عودة الأموال لحسابات مصرفية خارجية في الملاجئ الضريبية.

 

وحتى لا يظهر من جديد المستفيد الشبح، تحتاج الحكومة الكينية أيضا لتجديد دعاوى الفساد ومحاكمتهم محاكمة جدية، وتهديد أولئك المسؤولين الحكوميين الذي يعملون في غسل الأموال وشبكات الفساد ويمتلكون الحصانة الحكومية التي لا زالت تحميهم.

 

وفي الواقع يرى المراقبون أن مساعي كينياتا فاشلة، فبدل أن يحزم أمره مع رجال حكومته ويحاكم الفاسدين منهم وينحيهم من مناصبهم،  يلاحق الأموال لإعادتها للوطن ما يجعل نسبة رجوعها للجيوب الخاصة مرتفعة مع بقاء الفاسدين أحرارا يتحركون بحصانة تضمنها حكومته لهم.

 

وفي سياق الحديث عن الأموال الكينية أعلنت السفارة الأمريكية في نيروبي بأنها لن تشرع في استعمال العملة الكينية الجديدة في رسوم طلبات التأشيرات. وأوضح بيان السفارة أنها لا تزال تطور إجراءات لقبول العملات الجديد وأنه خلال هذه المرحلة يستطيع مقدمو الطلبات القنصليون فقط دفع ثمن التأشيرات بالعملة الكينية القديمة لا الجديدة.

 

يجدر الإشارة إلى أن الرئيس أوهورو كينياتا كان قد أطلق عملات جديدة في 1 يونيو في السوق، وهي من قبيل 50 شلن و100 شلن و200 شلن و500 شلن و1000 شلن كيني وأن السفارة تلقت استفسارات عن إمكانية قبولها هذه العملات الجديدة في معاملاتها.

 

وفسر المراقبون الحذر الأمريكي بعدم ثقة واشنطن بأموال أعلنت عنها الدولة التي صنفت ضمن أكثر البؤر العالمية شهرة بغسيل الأموال والفساد المالي والحكومي.