الدورة 32 للقمة العربية في جدة: كلمة الرئيس الصومالي في ميزان الحقيقة
شارك الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بكلمة استمر في إلقائها لنحو 7 دقائق خلال الدورة 32 للقمة العربية التي انعقدت في جدة بالسعودية، حيث أعلنت الأخيرة يوم أمس الجمعة عن اختتام أعمالها باختيار البحرين لاستضافة نسختها الـ33.
وتنعقد القمة كل عام في مارس/ آذار بشكل معتاد، باستثناء ما يتفق عليه أن يتم في مواعيد أخرى من العام.
وانطلقت القمة الأخيرة بتسليم رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن رئاسة الدورة الحالية إلى السعودية.
قمة العار
وانعقدت القمة هذه المرة مرحبة برئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي يحضر لأول مرة منذ تعليق عضوية دمشق في الجامعة العربية بعد الحرب الشرسة والجرائم المروعة التي شنها الرئيس النصيري في تحالف مع الميليشيات الإيرانية وروسيا، ضد الشعب السوري منذ عام 2011. ما دفع الناشطين السوريين والمناصرين للثورة السورية إلى تسمية هذه القمة بقمة العار.
لا يمثل إلا نفسه وحكومته الدمية
ووجه الرئيس الصومالي تحيته الأولى لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وقال في كلمته مرحبا بعودة بشار الأسد للقمة:” أعرب عن سعادتي وسعادة شعب الصومال لعودة الجمهورية السورية العربية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية”.
وكل صومالي حر يعلم أن الرئيس الصومالي الذي فرض عليهم بقوة الغرب، لا يتحدث إلا عن حال نفسه وحكومته، فمواقف نصرة الصوماليين لأهل سوريا معلومة، وإنكارهم لجرائم بشار لا تخفى، والشعب الصومالي معروف بشدة مناصرته لقضايا الأمة المسلمة ورفضه للأنظمة القمعية والطاغية. فكيف بنظام نصيري محارب للإسلام والمسلمين.
الصورة الخادعة لقضية الصومال في القمة
وبعد عرض قصير لمشكلة السودان وتعبير حسن شيخ محمود عن أسفه لما يجري في هذه البلاد داعيا لتضافر الجهود لضبط الأمن، انتقل لعرض قضية الصومال على الحضور في القمة من خلال الرواية الحكومية الخادعة.
وسلط حسن شيخ الضوء على خطته التي يقول أنه أطلقها قبل عام، والتي بالأخرى أطلقتها القيادة الأمريكية في إفريقيا، والمكونة من 3 بنود رئيسية تستند إلى كل التحديات والمعضلات التي كانت تواجه الصومال في العقود الأخيرة، على حد تعبيره، والتي تحاول إسقاط نظام الشريعة الإسلامية في مناطق سيطرة حركة الشباب المجاهدين في جنوب ووسط البلاد.
وأشار حسن شيخ إلى اعتماد حكومته على القوات الأجنبية، كما أشار إلى تراكم الديون المستحقة التي كانت عائقا أمام أي تنمية ضرورية لنهضة البلاد، على حد تعبيره.
وعدد الرئيس الصومالي المدعوم من الغرب ما وصفه بإنجازات حكومته، والتي منها كما يدعي “تأمين العاصمة الصومالية من هجمات حركة الشباب المجاهدين” وكل صومالي يعيش في مقديشو يعلم جيدا أن عمليات الحركة لا تزال مستمرة ولا تقف، وتضرب في عمق مراكز الحكومة وقواعدها في العاصمة، بل وفي قلب القصر الرئاسي وأكبر قاعدة عسكرية للقوات الدولية في البلاد، قاعدة حلني العسكرية.
ويتضح من خلال كلمة حسن شيخ أن حكومته مستمرة بفضل الدعم الدولي لها، سواء العسكري أو السياسي، ولكنه مع ذلك، يتوعد بتصريح مثير للسخرية، بإخلاء الصومال من حركة الشباب المجاهدين خلال سنة.
ويبدو أن الرئيس الصومالي الذي أقامه الغرب في البلاد، لم يدرك بعد أن حركة الشباب هي من أبناء الشعب الصومالي المسلم، وأنهم أكثر سيطرة ونفوذا من حكومته الدمية والهشة. وأنهم يفرضون حكمهم في العاصمة التي تعد أهم مدينة تحت سيطرة الحكومة.
ويبدو أنه فاقد للذاكرة ولا يحصي ما يقول، لأنه في تصريح سابق له اعترف أن حركة الشباب المجاهدين جزء من الشعب الصومالي لا يمكن إنكار ذلك ووجب إيجاد حل معهم. وأبدى استعداده لأي مفاوضات ممكنة.
ومع أنه أشار إلى تاريخ انسحاب قوات الاتحاد الافريقي في ديسمبر 2024 المقبل مبديا استعداد ميليشياته لاستلام مهام ضبط الهيمنة الغربية على الصومال، إلا أنه لم يعترف بجهوده الحثيثة في آخر اجتماع في كمبالا، عاصمة أوغندا حين استنجد بشدة بالاتحاد الإفريقي داعيا لإبقاء القوات في البلاد ومهددا بعواقب انسحاب القوات وسيطرة حركة الشباب المجاهدين.
وبينما يؤكد أغلب المراقبين والمحللين -بالنظر لحجم الفساد والضعف في قطاعات الحكومة-، فشلها في تعويض القوات الدولية بعد خروجها، لا يزال حسن شيخ يمني نفسه بأن ميليشياته ستتمكن من استلام المهام الأمنية قبل تاريخ خروج القوات أو بالأحرى يمني الدول المشاركة في القمة العربية، قمة العار بذلك.
وفي كلمته القصيرة لم يفوت حسن شيخ الفرصة في مناشدة المؤسسات الدولية لإعفاء الصومال من الديون المتراكمة عليها ومن إعطاء صورة الحكومة الشرعية التي يعلم كل صومالي أنها حكومة أقامها الغرب بقوة السلاح، وبانتزاع حق الشعب الصومالي في اختيار من يحكمه بشريعة الله، وأنها ما أقيمت إلا لإطلاق الحرب على حركة الشباب المجاهدين في محاولة جديدة للغرب لمنع أي صعود إسلامي وحكم بالشريعة الإسلامية في منطقة من مناطق العالم الإسلامي.
موقف العار في قمة العار
بعيدا عن الضعف اللغوي وركاكة الأسلوب والأخطاء التي غلبت على كلمة حسن شيخ في قمة تسمى “عربية”، وبعيدا عن الأسلوب الدعائي المكشوف الذي لم يعد ينطل على الشعب الصومالي من حجم الأكاذيب والخداع، يبقى موقف الحكومة الصومالية موقف عار ينضم لصفحات العار في سيرة أداء هذه الحكومة.
فالترحيب بمجرم وطاغية، سام شعبه سوء العذاب، ليس إلا دليلا على أكذوبة دعوات الديمقراطية التي ينادي بها حسن شيخ وحكومته العميلة للغرب. والكذب على الشعب الصومالي وادعاء أنه يرحب بالرئيس السفاح السوري، ليس إلا محاولة بائسة لاستجداء الدعم الدولي ورضا المجتمع الدولي. الذي قرر عودة هذا الرئيس المجرم لحظيرة الاعتراف الدولي بشرعيته. كل ذلك في محاولة بائسة لمنع صعود إسلامي آخر في سورية.
وأما في الضفة المقابلة فإن الشعوب لا تعير اهتماما للجامعة العربية ولا قممها، ولا تثق فيها ولا في مخرجاتها، ولطالما شغلت السخرية تعليقات الناشطين على مواقع التواصل عن مدى جدوى وجود مثل هذه الجامعة والقمة وعن حقيقة وجودها وتأثيرها في واقع العالم العربي.
ولا تزال هاشتاقات الناشطين من كل مكان في العالم تصف هذه القمة بقمة العار، وتفضح نفاقها وتناقضاتها وهشاشتها.
وما لم يستوعبه الغرب بعد أن عهد وصايته على العالم الإسلامي قد شارف على الانتهاء وأن الشعوب المسلمة لم تعد تنخدع بمؤسسات شكلية وشعارات رنانة وحكام لا يمثلون إلا أنفسهم، ولا بروايات مثقلة بالكذب والنفاق، وأن التمرد الإسلامي مستمر في كسر أغلال الهيمنة الغربية حتى تصطدم أمريكا وحلفائها بحقيقة ما تحمله هذه الأمة المسلمة من عزة وإباء.
عبد العزيز محمد