الجنود الكينيون يعانون من الحرب الأمريكية في الصومال ومصيرهم العقاب بدل العلاج
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
سلطت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية الضوء على مصير الجنود الكينيين الذين يصابون بالصدمة نتيجة الحرب التي تخوضها حكومتهم بدعم أمريكي في الصومال. والذي يكون غالبا الإدانة والعقاب بدلا من تقديم العلاج الذي يحتاجه الجنود المصابون.
وعرض تقرير الصحيفة قضية كريستوفر كاتيتو، وهو جندي كيني سابق، اتهم بالفرار من صفوف القوات الكينية من قبل محكمة عسكرية بعد تجلي أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عليه بسبب ثلاث رحلات له للقتال في الصومال.
كتايتو تم احتجازه في زنزانة لمدة عامين في انتظار محاكمة عسكرية، وحُكم عليه بشكل عاجل بالسجن ستة أشهر أخرى.
صورة الجندي كريستوفر كاتيتو
وبحسب الصحيفة فإن كاتيتو جندي بمرتبة منخفضة في صفوف القوات الكينية قضى عامين في إدارة مدفع رشاش من خندق في كيسمايو على الطريق السريع طوال الوقت.
تعرض كاتيتو لضغط مستمر ومتراكم ما تجاوز قدرته على التحمل. لم يكن الأمر بسبب الحرب فقط بل زاد تعقيدًا بسبب المشاكل المالية التي تتفاقم في بيته، وكانت زوجته غاضبة منه. وخلال ما يقرب من عقد من الزمان في خدمة الجيش، لم يراجع مستشارًا نفسيا لمعالجته.
ثم في إجازة قصيرة إلى غاريسا في كينيا، أصيب كاتيتو بانهيار عقلي.
وأوضحت الصحيفة أن الحرب في الصومال تدعمها الولايات المتحدة ضد حركة الشباب المجاهدين، ويشن خلالها الأمريكيون هجماتهم في الغالب من الجو، بطائرات بدون طيار.
ولكن على الأرض ، عند نقاط التفتيش الحارقة والخنادق الترابية في أقصى جنوب الصومال، يشهد الجنود من كينيا المجاورة المعارك الدامية.
وقالت الصحيفة: “منذ انضمام كينيا إلى الحرب في الصومال في عام 2011، منحت الولايات المتحدة الحكومة الكينية أكثر من نصف بليون دولار كمساعدات أمنية. دون أي شرط يقضي بالإنفاق منها على رعاية الصحة العقلية للجنود”.
وأوضحت الصحيفة بأن الجيش الأمريكي يدرب أطباء القوات الكينية على رعاية الصحة العقلية للجنود. حيث قال جورج نغانغا وهو كبير الأطباء في مستشفى للقوات الكينية : “إذا كان هناك مجال ذهبنا للعمل فيه ، فهو رعاية الصحة العقلية”.
ولكن بحسب ما استدركت الصحيفة، في المقابلات التي أجريت مع أطباء سابقين في مستشفى القوات الكينية ومع أخصائيي الصحة العقلية وعشرات من الجنود السابقين في المستشفى، تجلت صورة نظام يفضل العقاب على رعاية الصحة العقلية في حالات مئات الجنود.
فانتقاد الجيش في كينيا يُعد من المحرمات ، ونادرًا ما تناقش الأمراض العقلية في الجيش وفي المجتمع ككل.
وبعد ثماني سنوات من الغزو العسكري الكيني في الصومال، قُتل المئات من الجنود الكينيين، ووقعت عشرات من هجمات حركة الشباب في الأراضي الكينية، بعضها موجهة مباشرة ضد جنود القوات الكينية.
ولدى كينيا حوالي 4000 جندي معلن عنه في الصومال ، وهو ما يمثل نحو خمس قوة الاتحاد الأفريقي هناك.
ورغم أن القوات الكينية تدعي بأنها تقدم خدمات استشارية لجنودها، إلا أن نغانغا قال في مقابلة إن القوات لا تملك سجلات عن الأمراض العقلية، وليس لديه مرفق مخصص للصحة العقلية. ولم يحدد عدد أطباء النفس الذين توظفهم القوات الكينية.
وتأتي هذه الحقائق في وقت تقول فيه القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” بأنها “تكرس جهودها لدعم تطوير قدرات قوات الدولة الحليفة كينيا مهنيا”.
وقال كاتيتو إنه لم يُعرض عليه يومًا موعدا مع مستشار نفسي ولا يعلم أن الخيار متاح في القوات الكينية.
وأصيب كاتيتو بعمى الذاكرة، ولكنه تحول إلى كابوس، فبعد معاناته النفسية واضطراباته العقلية جُرد من هويته وهاتفه، واتُهم بالهروب وحُبس في زنزانة لمدة عامين.
وقبل إصدار حكم من المحكمة العسكرية حُكم عليه بشكل عاجل بالسجن لمدة ستة أشهر أخرى. ومكث طويلا في السجن ولم تكن عائلته تعرف شيئا عن مكان وجوده.
ورغم أن كاتيتو تعرض لفحص من أخصائي نفسي لأول مرة في حياته قبل المحاكمة مباشرة. وأن الطبيب النفسي أكد للمحكمة العسكرية أن الجندي أظهر علامات اضطراب ما بعد الصدمة. إلا أنه أدين بتهمة الفرار بكل تجاهل.
وقال كاتيتو، البالغ من العمر 32 عامًا، والذي كان يتدرب على يد قوات الجيش الأمريكي المعروفة بـ”رينجرز”:”يرسلوننا على الفور للقتال هنا وهناك دون أي استعداد عقلي”. “أنا لم أقل يوما (لا) لأمر يوجه إلي فكيف يمكنني أن أكون فارًا؟ ”
وبحسب الصحيفة الأمريكية في تغطية قصة كاتيتو الجندي المدان بالفرار ، وقت وقف قاض مدني مع كاتيتو في استئناف للمحاكمة العسكرية في يونيو / حزيران.
وكتب القاضي لوكا كيمارو في قراره، وهو قرار غير ملزم: “مرة أخرى، بشكل مأساوي، بدلاً من حل المشكلة المرضية لكاتيتو عن طريق التدخل الطبي، تم اتخاذ قرار في الحكم على غيابه عن العمل كمسألة جنائية”.
ولم تقم القوات الكينية بأي اتصال مع كاتيتو – حتى بعد سنة – للبحث عن تسوية معه.
وقالت الميجور لوسي موكوريا، أول أخصائية نفسية في مستشفى القوات الكينية، وهي متقاعدة الآن، بأنها تحدثت مع 800 جندي على الأقل عانوا من أعراض نموذجية لاضطرابات ما بعد الصدمة والذين أدينوا بدلاً من تقديم العلاج لهم.
والكثير من الذين طلبوا مساعدتها تم تخفيض رتبهم أو طردهم بعد أن اكتشف القادة مشاكلهم.
قالت موكوريا: “قوبلت تقاريري من قبل رؤسائي بالرفض التام”. “ليس مرة واحدة .. لقد كانت هناك متابعة. هذا سحقني. إنهم خائفون من الاعتراف بوجود مشكلة، لذلك يقولون إنك ضعيف أو غير كفء ويحاولون فقط التخلص منك”.
كانت موكوريا، التي عملت لمدة 11 عامًا قبل صراعها مع المرض العقلي الذي دفعها إلى الاستقالة، كانت أكثر الأصوات الصريحة التي تطالب بتحول فكري داخل القوات الكينية. فهي تكرس معظم وقتها لتنظيم الأحداث للجنود السابقين الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، حيث تشارك تجربتها الخاصة مع المرض العقلي.
وقالت: “أخبرهم أنني أمضيت أيامًا مستلقية على الفراش، أفكر في جثث القتلى، المغطاة بالسوائل والديدان في أكياس نصف مضغوطة “. إن أسوأ الذكريات جاءت في أعقاب هجوم لحركة الشباب على أحد مواقع القوات الكينية في عيل عدي بالصومال وذلك منذ ثلاث سنوات حيث قتل فيه مئات الجنود”.
وأضافت: “لقد نقلت الجثث في شاحنات، كما تعلمون، شاحنات! لم أتمكن من شم الرائحة منذ ذلك الحين؛ لقد فقدت ذلك الحس تمامًا”.
خارج المراجعات التي تقدمها موكوريا، لا يوجد لدى الجنود المصابين بأمراض عقلية الذين خرجوا سوى بضعة أماكن مناسبة لطلب المساعدة.
ويدير إيريدي موانجي منظمة الإعاقة النفسية في كينيا، وهي المنظمة التي عالجت بعض الجنود السابقين بالقرب من مركزها في “ريفت فالي” في البلاد ، لكن بالنسبة للآخرين، فهي بعيدة جدًا.
وقال:”لا يوجد مجال لقول الحقيقة في تلك القواعد .. فالقوات الكينية تعامل الجنود مثلما عاملت الدول الغربية جنودها خلال الحرب العالمية الأولى”.
وقال موينجا وموكوريا والجنود السابقون إن تعاطي المخدرات والانتحار كانا منتشرين بين من عالجوهم أو عرفوهم ووصفوهم بتفصيل مؤلم وكيف حطمت اضطرابات ما بعد الصدمة العائلات وأثارت النيران.
ونقلت الصحيفة قصة أخرى لليوناردو شيفاتشي، جندي سابق في صفوف القوات الكينية.
ويرعى مايكل “بوش” بوسولو” ابن عمه شيفاتشي هذه الأيام.
لقد نشأوا معًا وكانوا يركضون مع نفس مجموعة الأصدقاء، ولكن في الوقت الحاضر، لا يمكن التنبؤ بوضع شيفاتشي، فهو يختفي لعدة أسابيع في كل مرة.
وقال شيفاتشي، وهو يشرب زجاجة من الخمر الرخيص في إحدى الليالي مؤخرًا ، إنه لم يسبق له أن رأى أخصائيًا نفسانيًا، وأن قائدًا طرده معتقدًا أنه كان “يتصرف بشكل مثير للسخرية”.
وقال بوسولو، الذي يسمح لشيفاتشي بالعيش في حظيرة دجاج سابقًا في فناء بيته في حي إيستلي الذي تقطنه أغلبية صومالية في نيروبي: “شعور بالمرارة يسيطر عليه في بعض الأحيان”. “هذا عندما يرى القناصة في المباني عبر الشارع. عندما يخبرني أنه يمكنه أن يشرب دم جارنا الصومالي. عندما ينام لمدة يومين على التوالي دون تناول الطعام. لا أحد من حوله يفهم هذا الأمر. والناس من جانبهم يقولون: لو كان رجلاً حقيقيًا، لبقى في الجيش “.
لا يزال البعض ، مثل كاتيتو ، متمسكًا بإمكانية حصوله على تعويض من القوات الكينية أو مساعدة منهم بطريقة ما.
وقال إسحاق هيري، الذي كان ملازمًا في القوات الخاصة الكينية قبل أن يتم تسريحه بأسلوب مشين بسبب ثورته العنيفة، إنه لا يريد المساعدة؛ بل يريد فقط أداءً أفضل للقوات الكينية.
وقال: “أجلس هنا الآن، لكن عقلي في الأدغال وقتل الناس”. “ستخبركم القوات الكينية عن وجود نظام رعاية، لكنني لا أعرف أي شيء عنه. لم يكن هناك أي تقديم للاستشارات، حتى بالنسبة لي كل ما أطلبه هو بعض الاعتراف بأن ما أشعر به ليست بخطأي. ”
ويجدر الإشارة إلى أن المشاكل العقلية والنفسية التي يعاني منها الجنود الكينيون في الصومال هي ذات المشاكل التي يعاني منها الجنود الأمريكيون الذي يخوضون حروبا في أنحاء متفرقة في العالم الإسلامي. ولكن الحكومة الأمريكية وقفت عاجزة أمام هذه العقبة مما زاد من ارتفاع معدلات الانتحار في صفوف الجنود الأمريكيين ورفع الخسائر البشرية بشكل كبير.