إثيوبيا والحلم الصيني في إفريقيا

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

سلط تقرير من موقع (أر تي إي) الضوء على التوغل الصيني في إثيوبيا، وكيف اجتذبت العاصمة “أديس أبابا” المستثمرين الصينيين، كمدينة صناعية واقتصادية نشطة.

 

وتعج شوارع وطرقات أديس أبابا بالسيارات كما تحفها مشاريع البنية التحتية على امتداد طولها. ولكن يتخلل المشهد اللافتات الصينية التي تغطي العديد من طوابق المباني.

 

وهذه اللافتات ليست إلا سمة ملفتة للنظر تميّز مشاريع البناء وتذكّر بشكل دائم بنفوذ الدولة الآسيوية – “الصين”- في إثيوبيا.

 

شاركت الشركات الصينية في بناء طريق أديس أبابا أداما السريع في تولو ديمتو

 

ويبلغ عدد سكان إثيوبيا أكثر من 100 مليون نسمة  وتعتبر البلاد ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في أفريقيا، كما أصبحت وجهة استثمارية رائدة خاصة بالنسبة للصين.

 

وقال بادريج كارمودي الأستاذ المشارك في قسم الجغرافيا في كلية ترينتي في دبلن، أن الصين هي أكبر شريك تجاري لإفريقيا. وأضاف: “لقد رأينا تعزيز مشاركة الصين في القارة وبشكل أخص ما يتعلق بمشروعات الاستثمار في البنية التحتية الجديدة”.

 

وقد زاد الاستثمار الصيني على وجه الخصوص في القرن الأفريقي بشكل كبير على مدى العقدين الماضيين، مما ساعد في توسيع قاعدة التصنيع والتنمية الاقتصادية.

 

وفي الوقت الذي تجتاح فيه اللافتات الصينية طوابق المباني تزدهر شركاتها في البلاد، وفقًا لدراسة متخصصة في العلاقات بين الصين وأفريقيا والتي خلصت إلى أن استمرار البلد الآسيوي بمعدلات النمو الحالية سيجعل من بكين أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا خلال العقد المقبل.

 

واستثمرت الصين في بناء سدود جديدة في السودان وإثيوبيا ونيجيريا وإنشاء السكك الحديدية في كينيا وتشاد وجيبوتي، وربط الطرق عبر أوغندا وزامبيا وموزمبيق.

 

وتعد هذه المشاريع الصينية في البلدان النامية جزءًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية لإنشاء روابط رئيسية من خلال مشاريع ضخمة للبنية التحتية للسكك الحديدية والطرق في جميع أنحاء العالم.

 

وقد استضافت الصين مؤخرًا القمة الثانية للحزام والطريق حيث حضر حوالي 40 من القادة الأجانب للحديث عن مشاريعهم الضخمة.

 

ولم تكتفي الصين بالاستحواذ على مشاريع البنية التحتية، بل سعت أيضا إلى كسب المواطنين الأفارقة بالتقدم التكنولوجي.

 

فقد تفوقت شركة Tenco الصينية لصناعة الهواتف المحمولة على شركتي Apple و  Samsung  الشهيرتين لتكون واحدة من أشهر ماركات الهواتف في إثيوبيا.

 

كما وفرت الشركة هواتف رخيصة مصممة خصيصًا للعملاء الأفارقة من خلال برنامج خاص مصمم بشكل أفضل لالتقاط درجات لون البشرة الداكنة للصور الشخصية.

 

إضافة إلى أنها أصبحت بمثابة أول شركة للهاتف تقدم لوحة مفاتيح باللغة الأمهرية لإثيوبيا.

 

وجذب القرن الأفريقي بشكل رئيس الاستثمارات الصينية. ففي إثيوبيا، مولت الصين نظام السكك الحديدية الذي تبلغ قيمته 475 مليون دولار في العاصمة وكذلك الطريق الدائري الذي تبلغ تكلفته 86 مليون دولار.

 

وأشرفت الشركات الصينية على إنشاء أكثر من 50 ألف كيلومتر من الطرق الجديدة منذ عام 2000.

 

وعلى رأس مشاريع الصين، يأتي مشروع سكة حديد إثيوبيا-جيبوتي بطول 750 كم وبتكلفة 3.4 مليار دولار الذي افتتح في عام 2016. كما وفرت حوالي 70 % من الأموال من قبل بنك Exmin الصيني.

 

ووصل الأمر أن عينت إثيوبيا ضباط اتصال ناطقين بالصينية لتسهيل الاستثمارات التي تأتي بها بكين للبلاد.

 

وقد أظهر تقرير “ماكينسلي” في عام 2017 بأن نمو الاستثمار الصيني كان مرتفعًا بشكل مستمر وبمعدل نمو متوسط ​​بأكثر من 52% سنويا في إثيوبيا.

 

ووجدت الدراسة أن هناك أكثر من 10 آلاف شركة مملوكة للصين تعمل في إفريقيا، منها حوالي 90 % مملوكة ملكية خاصة.

 

وأمام هذه التطورات حصلت إثيوبيا على قروض ضخمة من الصين، حيث رفعت سياسة البنوك الحكومية القروض إلى أكثر من 12.1 مليار دولار منذ عام 2000 ، وفقًا لمبادرة أبحاث الصين في إفريقيا بجامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة.

 

ويرتبط الاهتمام الصيني بمشاريع البناء ارتباطًا وثيقًا، ولكن هناك تجاهل للعثرات التي وقعت فيها إثيوبيا، حيث كلفت هذه الفرص الإثيوبيين ثمنا باهظا مع المخاوف بشأن مستقبل البلاد.

 

فإثيوبيا ليس لديها ما يكفي من المال أو الوقت لسداد ديون الصين. وقد دفعت الدولة الإفريقية عشرات المليارات من الدولارات في الديون، وأفادت التقارير بأن حوالي نصف ديون إثيوبيا الخارجية مستحقة للصين، حيث يبلغ الدين الحكومي لبكين 59%.

 

وخلال العام الماضي، أجرى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مفاوضات مع الصين لإعادة هيكلة الصفقات السابقة. وتوصل في سبتمبر 2018 إلى اتفاق مع بكين لإعادة هيكلة فترة سداد القروض من 10 إلى 30 سنة.

 

وقال الدكتور نيال دوجان، المحاضر في إدارة الحكومة والسياسة في جامعة كاليفورنيا:”ونتيجة لذلك، أصبح الإثيوبيون حريصون على الحصول على قروض مستقبلية من الصين، حيث يميل المقرضون إلى الحصول على ضمانات من الموارد وربما بعض أنواع الأراضي”.

 

وقال دوجان أن الحكومة تدرك الآن أن هذا قد يضع بعض الأراضي الإثيوبية في ملكية البنوك الصينية.

 

وأثارت هذه القضية تساؤلات حول تعزيز مشاركة الصين في البلدان النامية وظروف استثماراتها الرئيسية. ويصفها المراقبون بأنها “فخ الديون” للدول الفقيرة التي لا يمكنها السداد.

 

وقال كارمودي بإنه على الرغم من اعتقاده بأن الصين “لا تتعمد” محاولة حبس البلدان في الديون ، إلا أنه من الواضح أن الصين تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة وأن الديون تستخدم بشكل استراتيجي مع الرؤية الطويلة الأجل المتمثلة في “تأمين الاقتصاد والمصالح السياسية والتأثير “.

 

ورغم أن الحكومة الصينية ردت على المراقبين  الذين يقولون بأنها تثقل كاهل إفريقيا بالديون. حيث قالت الصحفية إيفون موراي في بكين بأن مشاركة الصين في إفريقيا تدور حول التعاون والازدهار المتبادلين.

 

ومن جانبه تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ في العام الماضي باستثمار 60 مليار دولار إضافية في القارة الأفريقية، ولا شك أن ضخ الأموال الصينية بهذا الشكل قد حفز النمو الاقتصادي في العديد من البلدان الأفريقية وسمح بتحديث بعض الصناعات الرئيسية التي كانت بحاجة ماسة إليها.

 

لكن تبقى القروض أحد الشواغل المهمة، وكيفية دمج الصين للمواطنين الإثيوبيين في خططها أمر آخر. وقال أحد المشاركين في منتدى أعمال الاتحاد الأوروبي في إثيوبيا، والذي يهدف إلى مساعدة العمليات لشركات الاتحاد الأوروبي النشطة في البلاد، إن إحدى “القضايا الرئيسية” للإثيوبيين هي الوظائف.

 

وقال ديدي أتسومي سارنو: “لا ترى الكثير من الاستثمارات الصينية تعزز من فرص العمل للإثيوبيين”.

 

وعلى أرض الواقع ، فإن الانزعاج من هذا الأمر واضح وينتشر بشكل كبير بعد سنوات من الترحيب الحار بالصينيين.

 

وقد اشتكى الإثيوبيون من أن العديد من خريجي الجامعات الإثيوبية يجلسون في منازلهم بينما تستثمر البلدان الكبرى مع عمالها في بلادهم.

 

ووفقا لماكينسلي فإن ما يقرب من نصف الشركات الصينية مصدرها الشركات المحلية.

 

ويخشى الإثيوبيون من عدم بذل حكومتهم الجهد الكافي لدمجهم في مشاريع البلاد.

 

في حين شكك بعضهم في استدامة هذه المشاريع التي تشتد الحاجة إليها. حيث يرى  أن الطرق تتدهور بالفعل.

 

من جانبها قالت المديرية العامة للتعاون الدولي والتنمية التابعة للمفوضية الأوروبية: “صحيح أن أصدقائنا الإثيوبيين في إثيوبيا يخبروننا أن هذه الطرق ليست دائمة … فهل يمكنك المجيء وإصلاحها؟”.

 

وقال ستيفانو مانسرفيسي أن “المنافسة العادلة” و “العمل الجيد” أمران مهمان ويجب أن يكون هناك ملعب متكافئ لصالح الأمم الأفريقية.

 

وعلى الرغم من أن المفوضية الأوروبية ترحب باستثمارات الصين ، إلا أنها تحذر من الطريقة التي تمارس بها أعمالها في الخارج.

 

وقال مانسرفيسي في مقر المفوضية الأوروبية الإثيوبي في أديس أبابا: “لسنا صريحين بما فيه الكفاية”.. “لدينا انطباع بأن هناك موجة جديدة للديون العامة تعرقل بشكل رئيس الدول الإفريقية ونود أن نتجنبها في يوم من الأيام ، وسوف يتم استدعاؤنا للدفع من أجل تغطية هذا الدين”.

 

من الواضح أن إثيوبيا في طريقها إلى مزيد من التورط. ومع ذلك فإن الأوضح منه أن الكثير من الإثيوبيين قد سئموا بالفعل من القوة الأجنبية، بينما ينتظرون بفارغ الصبر فجرًا جديدًا من الفرص.

 

ويبقى السؤال: هل ستعرب الدول النامية عن قلقها إزاء النفوذ المتصاعد للصين أم ستبقى صامتة من أجل مزيد من الاستثمار؟ سننتظر ونرى.